داخل عربة الهيكساريث، كانت آن تجلس قرب النافذة وهي تتأمل السماء الرمادية، بينما كان يقود العربة عجوز أصلع ذو لحية بيضاء طويلة، كان يقودها بحذر على الطريق الحجري المتعرّج المؤدي إلى حدود ولاية ستورملاند.
العجوز (بصوته الأجش وهو يغمغم دون أن يلتفت): "ستورملاند... أرض العواصف التي لا تهدأ."
آن (تحدّق في الضباب بالخارج): "سمعت أن من يدخلها لا يعود."
العجوز (يضحك بسخرية خافتة): "الكل يقول ذلك يا فتاة... لكن الحقيقة مختلفة قليلاً. الجميع يمكنه الدخول... العواصف لا تمنع أحداً، المشكلة تبدأ... حين تضيع."
آن (تلتفت نحوه): "وماذا يحدث إذا ضعت؟"
العجوز (يخفض صوته قليلاً، وكأنّه يبوح بسر): "واحد بالمئة فقط... هذا هو احتمال نجاتك... أما الباقون؟ يبتلعهم الضباب. ومن يعود بعد سنوات، يعود بلا عقل. وكأنهم رأوا شيئاً لم نراه نحن بعد."
آن (بهمس): "واحد بالمئة فقط..."
العجوز (ينظر إليها من زاوية عينه): "إن كنتِ تخططين للعبور، فثقي بحدسك، لا بالخريطة... ولا بالبوصلة."
لم تمضِ دقائق كثيرة حتى بدأ الضوء يختفي تدريجياً. حيث كانت العربة تقترب من حدود ستورملاند... وهناك، كان المشهد مخيفاً لا يُمكن وصفه بسهولة. أمامهم، ظهر إعصار ضخم يدور بسرعة هائلة وكأنه يُمزّق الأرض من تحته. وبعد لحظات، ظهر برق قوي شقّ السماء، وتبعه صوت رعد مرعب.
الهواء أصبح ثقيلاً، وصار التنفس صعباً، والرياح تعوي بأصوات تشبه صراخ البشر. البحر القريب كان غاضبًا، وأمواجه تضرب الصخور بقوة، وتلك الصخور كانت مليئة بالشروخ وكأنها عاشت مئات السنين من العواصف في ليلة واحدة
العربة اهتزّت بعنف للحظة، وارتفعت عجلاتها قليلاً عن الأرض بسبب ضغط الهواء، لكن العجوز كان ممسكاً بالمقود المعدني بشدة، وعيناه تلمعان بتركيزٍ شديد.
العجوز (يصرخ بصوته الأجش): "تمسّكي جيداً يا فتاة!!"
آن (تضغط على حافة المقعد، عيناها تتسعان): "ما هذا الجنون...؟ هذه... ليست مجرد عواصف!"
الإعصار الذي أمامهم بدأ يتحرك ببطء نحو اليمين، تاركاً ممراً ضيقاً من الضباب والرياح العاصفة، وأي خطوة خاطئة قد تعني الموت أو الجنون. ولكن وفجأة... بدأ كل شيء يهتز أكثر. من قلب الضباب، ظهر شيء ضخم يتحرك...، بدأ إعصار جديد يظهر ببطء كدوامة ضخمة من السحاب والبرق، لكنه لم يكن إعصاراً عادياً... بل عاصفة على هيئة كيان غاضب. كان مركزه مضيئاً بلون أزرق سماوي، يدور كعينٍ سماوية مفتوحة على العالم، تُطلّ من السماء نفسها!
تفرعت منه صواعق ضخمة ضربت الأرض والماء والجبال... وكلّ ضربة كانت تُشبه صراخاً يصمّ الآذان، صرخاته لم تكن رياحاً فقط... بل أصواتاً حقيقية، كأن أرواحاً مفقودة تصرخ داخله. حجمه كان هائلاً لدرجة أنه غطى نصف الأفق، وكانت دوراته تحرّك الغيوم والضباب من حوله... بل حتى البحر تحتهم بدأ يدور كأنه يُسحب إلى الجحيم. ومن حوله، كانت هناك قلاع سوداء تتمايل على أطراف الهاوية
آن (بهمس مرتجف): "ما هذا...؟"
العجوز (يصرخ وهو يشد المقود): "هذا هو إعصار صرخة العاصفة! أكبر إعصار في ستورملاند... هو السبب في أن من يدخل لا يخرج!"
اهتزت العربة بقوة مرة أخرى وكادت أن تنقلب، لكن العجوز أدار المقود بحركة حادة جعلت العجلات تلتفّ لتفادي الانحراف.
العجوز (بعينين مفتوحتين على اتساعهما): "هذا الإعصار يغيّر الاتجاه فجأة، ويُقال بأنه يُصدِر أصواتاً تجعل البعض يفقدون عقلهم قبل أن يُقتلوا! إذا اقتربنا أكثر، قد نُصبح جزءاً من الـ 99٪ الذين لم يعودوا أبداً!"
آن (وهي تحاول أن تتمسك بشيء): "وما الحل؟!"
العجوز (بصوت مليء بالتوتر): "ننتظر... حتى يفتح لنا ممره، لا يمكننا تحدّيه... لا أحد ينجو من الصراخ."
ظلّ العجوز ممسكاً بالمقود بقوة، والعربة بدأت تنزلق ببطء إلى جانب الطريق، مبتعدة عن مسار الإعصار الكبير الذي كان يزمجر خلفهم.
العجوز (وهو يراقب الإعصار من طرف عينه): "هممم... يبدو أن الوحش قد اختار فريسة غيرنا هذه الليلة..."
أخذ العجوز نفساً عميقاً وهو يخفف سرعة العربة قليلاً، ثم التفت نحو آن التي كانت لا تزال تنظر للخارج، شفاهها ترتجف قليلاً من رهبة ما رأت.
العجوز (بصوته الأجش وقد خفّ قليلاً): "إذاً، أخبريني يا فتاة... ما الذي يدفع شابة مثلك لعبور جحيم ستورملاند وحدها للذهاب إلى كريستاليا؟"
آن (تبقي نظراتها للأمام): "لأنني سمعت عن مكتبة... مكتبة قديمة، مخفية في قلب كريستاليا."
التفت العجوز نحوها قليلاً، وحاجبه ارتفع.
آن (تواصل بهدوء لكن بنبرة جادة): "تقول الشائعات إنها تحتوي على تقنيات نينجا... محظورة. أشياء لم يسمع بها أحد من قبل، ولا يجرؤ أحد على استخدامها..."
العجوز (بابتسامة خفيفة وهو يعود للتركيز على الطريق): "آه... الشائعات... كم من الأرواح تبعتها واختفت."
آن (تنظر إليه بحدة): "لكنني لست مثلهم، لن أختفي ولن أضيع! سأجد تلك المكتبة وسأتعلم كل ما فيها."
العجوز (همس وهو يحدّق في الضباب أمامهم): "يالها من رغبة قوية... هذا وحده يكفي لعبور ستورملاند."
ثم عادت العربة للانزلاق ببطء وسط الضباب الكثيف، وكان الرعد لا يزال يزمجر خلفهم، والإعصار العملاق يختفي شيئاً فشيئاً في الظلام.
[مستشفى زيتارا – غرفة العناية المركزة – بعد عدة ساعات من محاولة الاغتيال]
كان الصباح لا يزال في بدايته... وصوت جهاز النبض ينبض بإيقاع ثابت... "بيب... بيب..."
وفجأة...
تحرك جفن كين الأيسر بخفة، ثم بدأ يفتح عينيه ببطء... الضوء كان مزعجاً، والضباب في رؤيته لا يزال كثيفاً. استغرق بضع ثوانٍ ليدرك أنه ممدد على سرير وهو موصول بأنابيب وضمادات وأجهزة.
كين (بصوت خافت جداً، بالكاد يُسمع): "أنا... حي؟"
رمش بعينيه عدة مرات، ثم استدار برأسه ببطء نحو الجانب، فرأى السقف الأبيض والأجهزة، ولم يرَ أيّ وجه مألوف. أغمض عينيه لثانية، ثم فتحهما مجدداً... وكان عقله يحاول تحليل ما حدث وفهم ما يجري. أراد أن ينهض، لكن صدره كان يؤلمه بشدة. رفع يده اليسرى ببطء وبدأ يتفحص الضمادات.
كين (بهمس عميق): "نيورو... قد مات."
وفجأة، دخلت ممرضة لتفقد الأجهزة، لكنها شهقت عندما رأت كين مستيقظاً.
الممرضة (مذهولة): "سيدي!! لقد استيقظ! كين-ساما استيقظ!"
هرولت الممرضة إلى الخارج لتُنادي الطبيب، بينما بقي كين وحده لثوانٍ، يتنفس بصعوبة ويهمس:
كين (بصوت ضعيف): "كين... ساما؟"
ثم أغمض عينيه ببطء، محاولاً أن يتذكّر الوجوه، ترتيب الأحداث، نتائج المعركة...
كين (بصوت داخلي): "ماذا حل بالبقية...؟"
دخل الطبيب بسرعة ومعه مساعد شاب يحمل ملفات بيانات كين. كان الطبيب رجلاً في أواخر الخمسينات ذو نظرة حادة خلف نظارته المستديرة، ويرتدي معطفاً أبيضاً مرتباً.
الطبيب (بهدوء وهو يقترب من السرير): "يوكاجي كين... لم أكن أتوقع أن تستيقظ في هذا الوقت. يبدو أن قلبك ليس من نوعٍ يستسلم بسهولة."
اقترب أكثر وبدأ بتفحص الأجهزة، ثم ضغط بأصابعه على أطراف يد كين، ليتأكد من استجابته العصبية.
كين (بصوت ضعيف لكنه ثابت): "أين أنا بالضبط؟"
الطبيب (وهو ينظر إليه بتركيز): "أنت في مستشفى زيتارا العسكري. نُقلت إلى هنا بعد انتهاء معركة جبل سايرو. كان جسدك على وشك الانهيار... لكننا حافظنا على نبضك."
كين (ينظر للأعلى): "كم... من الوقت مر؟"
الطبيب (يأخذ نفساً): "أربعة أيام تقريباً، كنت في غيبوبة طويلة بعض الشيء... الحقيقة أننا لم نكن متأكدين أنك ستستفيق."
كين (بصوت خافت): "و... الآخرون؟"
الطبيب (ينظر إلى مساعده ثم يرد بهدوء): "كلٌّ منهم نُقل إلى جناح مختلف. حالتك كانت الأشد... لكن البقية أُصيبوا أيضاً. أكيرا هنا، وهو من أنقذك من محاولة اغتيال البارحة."
كين (يحدق فيه): "محاولة... اغتيال؟"
الطبيب (ينظر إليه بجدية): "نعم، رجلان متنكران حاولا قتلك ليلاً. أكيرا كان في الجوار واستطاع أن يتدخل في الوقت المناسب."
كين (ينظر إلى يده المصابة): "وماذا عن البقية؟ آكيو؟ ستيف؟ آن؟"
الطبيب (ينظر إلى مساعده الذي يبدأ بتقليب الملفات): "آكيو بخير... خرج في مهمة خاصة منذ يومين. ستيف لم يأتِ إلى المستشفى أصلاً، سمعت بأن أشخاص من منظمته قد اصطحبوه إليهم. أما آن فقد غادرت المستشفى فجأة، لهذا لم يتبقَ سوى أكيرا هنا."
كين (يتمتم وهو يحدق في السقف): "آن غادرت؟ إلى أين؟"
الطبيب (يخفض صوته): "لم تترك أيّ تفسير سوى رسالة... قالت فيها: 'لا تبحثوا عني'. لقد تأثرت كثيراً بفقدان فالكهارت نيورو... وسمعت بأنها كانت تلوم نفسها على ما حدث لستيف ولم تحتمل البقاء."
كين (بداخله): "يبدو أن... كل شيء قد تغير."
دخلت الممرضة بهدوء بعد أن أنهى الطبيب حديثه، وكانت تحمل ملفاً صغيراً بيدها وابتسامة دافئة ترتسم على وجهها.
الممرضة (بصوت ناعم): "سعيدون برؤيتك مستيقظاً، كين-ساما... لقد أقلقت الجميع."
اقتربت منه بهدوء وبدأت بفحص الأجهزة المتصلة بجسده، وضغطت على زر صغير بجهاز مراقبة القلب لتسجيل القراءة.
الممرضة: "دعني أتأكد من تنفسك أولاً... يبدو مستقراً..."
مدّت يدها نحو صدره لتضع جهاز الاستماع، لكن كين أغمض عينيه فجأة وتشنج جسده.
كين (بصوت مبحوح): "آه...!"
شهقت الممرضة وسحبت يدها فوراً.
الممرضة: "كين-ساما! هل يؤلمك صدرك؟"
أومأ كين برأسه ببطء، وجهه بدا شاحباً، والعرق بدأ يتجمع على جبينه، فيما كانت أنفاسه تخرج متقطعة.
الممرضة (بقلق): "حسناً... سأتدخل الآن."
أخرجت بسرعة إبرة مهدئة من علبة قريبة، ثم حقنته في ذراعه بلطف.
الممرضة: "هذه إبرة مهدئة قوية... ستساعدك على الاسترخاء قليلاً."
بدأت نبضات كين تهدأ تدريجياً بعد دخول المهدئ إلى جسده، وتقلصت حدة الألم في صدره. أخذ نفساً عميقاً وهو يحدّق في السقف، ثم حرك رأسه ببطء إلى الجهة الأخرى.
كين (بهمس متعب): "أنا... جائع."
الممرضة (تتوقف لوهلة، ثم تبتسم بخفة): "هذا... خبر جيد."
أسرعت بكتابة شيء في ملفه، ثم نظرت إليه بلطف.
الممرضة: "سأخبر الطبيب حالاً، إن كانت معدتك مستعدة، ربما نبدأ بشيء خفيف... حساء دافئ أو عصيدة."
كين (يهمس): "أي شيء... غير سوائل المستشفى..."
فجأة، فُتح باب الغرفة بهدوء... ودخل منه أكيرا بخطوات مترددة. كان شعره مبعثراً، وقميصه غير مُحكم الإغلاق. وقف عند المدخل للحظة، ثم تسمرت عيناه على كين.
أكيرا (بصوت منخفض، مذهول): "كين؟"
التفت كين ببطء بنظراته الباردة.
كين (بهدوء): "إذا فقد قررت أن تزورني، أيها الذئب المتكاسل."
أكيرا (اتسعت عيناه كثيراً ثم بدأ بالضحك): "وأخيراً عدت أيها اللعين!"
اقترب أكيرا أكثر، ثم جلس على الكرسي المجاور للسرير وهو لا يزال يضحك بخفة، ثم وضع يديه خلف رأسه وأسند ظهره للخلف.
أكيرا (بنبرة مشاكسة): "كنتُ سأراهن أن أول جملة منك ستكون 'أغلق فمك، أكيرا'... لكنك خيّبت أملي."
كين (بهدوء): "لا زلت ثرثاراً كما كنت."
أكيرا (يرفع إصبعه كمن يشرح): "أنا لا أتكلم كثيراً... أنا فقط أُنعش الجو في غرفتك الكئيبة."
ثم التفت إلى جانب السرير، حيث وُضعت حقيبة صغيرة سوداء.
أكيرا (يمد يده نحو الحقيبة): "أوه، أهذه حقيبتك؟ أليس فيها شيء تأكله؟ أو رسائل وداع؟ أو... صور محرجة من الطفولة؟"
كين (يحذّره بنظرة): "أكيرا..."
أكيرا (يفتحها دون أن يهتم): "تأخرت! أنا بالفعل فتحتها."
بدأ أكيرا يفتش داخل الحقيبة بخفة، إلى أن أخرج علبة سجائر بيضاء فاخرة.
أكيرا (بعينين لامعتين): "أوووه... كين... ألست مشتاقاً إليها؟"
كين (بهدوء متعب): "آخر ما أفكر فيه الآن هو التدخين."
أكيرا (ينظر إلى السيجارة بين أصابعه): "هممم... إذاً اسمح لي أن أدخن بدلاً عنك."
كين (بنبرة مندهشة): "هل أنت مجنون؟"
أخرج أكيرا سيجارة من العلبة، وبدأ يبحث في جيوب الحقيبة عن قداحة.
كين (يرفع حاجبه ببطء مصدوماً): "هل فقدت عقلك؟ لا يمكنك التدخين هنا... هذه مستشفى."
أكيرا (وهو يواصل التفتيش بمتعة): "أوه، هيا كين... إنها لحظة تاريخية! أول سيجارة لي في نفس اللحظة التي تستيقظ فيها من الموت! ألا يستحق هذا حدثاً درامياً صغيرًا؟"
كين (ببرود): "يالك من غبي، أنا لا أحتاج قداحة."
أكيرا (يقف ويشير بالسيجارة نحو كين وهو يبتسم): "لا قداحة؟ لا مشكلة... أنت قداحتي."
كين (ينظر إليه نظرة طويلة غير مصدق): "لابد أنك تمزح."
أكيرا (ينحني نحوه مبتسماً): "أبداً، اشعلها لي بإصبعك الناري."
كين (يزفر): "وهل تعتقد بأنني قداحة متنقلة؟"
أكيرا (يرفع كتفيه بلا مبالاة): "بالنظر إلى حالتك الجسدية... يبدو أن إصبعك هو العضو الوحيد الذي ما زال يؤدي وظيفةً فعالة."
كين (يغمض عينيه ببطء وكأنه يحاول استدعاء الصبر): "هذا أسوأ من أن أكون في غيبوبة."
أكيرا (بتوسل درامي): "أرجوك كين... فقط مرة واحدة. سأختنق، سأسعل، سأكرهها، ثم أرميها وأتعلم درسي، أعدك!"
كين (ينظر إليه بعين واحدة): "أنت لا تتعلم شيء."
صمت كين لثوانٍ... ثم رفع إصبعه ببطء، وأشعل له طرف السيجارة بشعلة صغيرة.
كين (بجفاف): "إذا انفجرت أجهزة الأوكسجين بسببك، سأدفنك بنفسي."
أمسك أكيرا السيجارة بفخر، وعيناه تلمعان، ثم وضعها في فمه وأخذ نفساً طويلاً.
"كحححح!! كاااح كاااح!!"
انحنى على الفور وهو يسعل بشراسة، وعلى الرغم من الاختناق... رفع يده الأخرى بسرعة مشيراً إلى كين أنه بخير.
أكيرا (بصوت مخنوق، يرفع إبهامه): "أنا... على ما يرام... هذا جزء من الطقوس، أليس كذلك؟ البداية القاسية؟"
كين (ينظر إليه ببرود): "لا، هذا فقط لأنك غبي."
أكيرا (يرد بسرعة وهو لا يزال يسعل): "لا تقلق، لقد تم تفعيل الحاجب الوقائي في حلقي... كل شيء تحت السيطرة."
ثم جلس على حافة النافذة والسيجارة لا تزال مشتعلة بين أصابعه، أخذ نفساً آخر... هذه المرة ببطء، ولم يسعل مجدداً.
أكيرا (بصوت خافت متأمل): "الآن أفهم لماذا يفعلها الرجال، يوجد شيء ساحر في هذا الحرق الصامت... في الانتظار بين الشهيق والزفير... في رؤية الرماد يسقط ببطء وكأنك تتلاشى مع الوقت."
كين (يغمض عينيه ويتنهد): "هاه... إذا بدأت بإلقاء الشعر التافه، سأطلب من الممرضة أن تحقنك بمهدئ."
أكيرا (يضحك بخفة، ثم ينفث الدخان نحو السماء): "كن مطمئناً، لن أكتب دواوين شعرية... لكنني سأكتب شيئاً على قبر السيجارة الأولى: قُتِلت على يد مستذئب لم يكن يملك أي فكرة عمّا يفعل."
ثم نظر إلى طرف السيجارة، ولاحظ أنها انتهت.
أكيرا (وهو يرميها من النافذة): "وداعاً، أول وآخر رماد أبتلعه عن طيب خاطر."
أغلق أكيرا النافذة ببطء، ثم استدار نحو كين وابتسم.
أكيرا: "حسناً، لقد اختبرتُ الألم... والآن حان وقت الطعام. هل تريد أن أُهَرِّب لك شريحة لحم أو نودلز حارة؟"
كين (ينظر إليه بسأم): "ما أريده فعلاً... هو خمس دقائق من الصمت."
أكيرا (وهو يرفع حاجبيه ويضع يديه خلف رأسه): "طلب مستحيل... لكن مسموح لك أن تحلم لأنك نجوت."
ساد الصمت أخيرا وتبعته دقائق قليلة من الهدوء. استند كين برأسه إلى الوسادة، بينما جلس أكيرا بصمت على الكرسي وهو يحدّق في بقعة غير واضحة على الأرض. عيناه لم تعودا تلمعان بالحيوية المعتادة، وابتسامته التي كانت تسيطر على ملامحه كانت قد اختفت.
كين (ينظر نحوه بنظرة هادئة): "أكيرا..."
أكيرا لم يرد، بل كان يعبث بخيط صغير في طرف قميصه، رأسه مائل، ونظراته تائهة.
كين (بصوت منخفض): "نيورو... مات، أليس كذلك؟"
عند سماع الاسم، توقفت أصابع أكيرا فجأة.
أكيرا (بصوت خافت، لأول مرة دون أي نغمة ساخرة): "أجل."
مرت لحظة صمت طويلة.
أكيرا (يتنهد، دون أن ينظر نحو كين): "ذلك الأحمق... لقد انتهى بكل سهولة..."
رفع عينيه ببطء، وكأنهما قد ثقُلتا بفعل الدموع التي رفضت أن تُسكب.
أكيرا (بصوت خافت وهو يحدّق في السقف): "نيورو... كان أبسط مما كنا نظن."
صمت لثوانٍ، ثم أطلق ضحكة قصيرة بلا روح.
أكيرا (بابتسامة مريرة): "كان يضحك لأي شيء... حتى النكت الغبية التي لا تضحكني أنا. كان يتصرف كطفل... يركض، يتعثر، يشتكي من الجوع... وكأن الحياة كانت لعبة بسيطة ما زال يكتشفها."
كين ظل صامتاً وهو يستمع فقط، وعينيه لا تفارقان أكيرا.
أكيرا (بصوت أعمق، فيه مرارة): "لكنه كان غبياً... لم يكن يعرف أن الحياة تقسو على الطيبين أولاً. وأنه لا مكان في هذا العالم لمن يثق بسرعة، لمن يضحك كثيراً... لمن لا يعرف أن السيف يأتيك من الخلف."
كين (بصوت هادئ): "نيورو... أحياناً أشعر بأن الموت أفضل له من أن يعيش المزيد في هذا الجحيم."
ابتسم أكيرا ابتسامة حزينة جداً، ثم همس وكأن صوته يُخاطب روحاً بعيدة:
أكيرا: "كان الأصدق... ولهذا رحل أولاً."
في مكان آخر من هذا المستشفى، وتحديداً في غرفة صغيرة مظلمة، وقف زايلوس أمام شاشة كبيرة وسط الجدار، كانت تعرض مشهداً من أحد ممرات المستشفى... لكن ما صوره لم تكن كاميرا عادية، بل جهاز مراقبة على شكل بلورة، وكان يعمل عبر طاقة فاكن تجميد الزمن، وهو يستطيع إعادة اللحظات الماضية بدقة مخيفة، ويُظهر الصور كما لو أنها حدثت للتو. ولم يكن هذا الجهاز يعمل بالكهرباء كمرآة تجميد الزمن التي صُنِعَت مؤخراً.
ظهر على الشاشة مشهد آن وهي واقفة وحدها في إحدى ممرات المستشفى. وأمامها كانت لوحة ضخمة تُظهر منظراً ثلجياً خلاباً لولاية كريستاليا. نظرت إليها لثوانٍ، ثم بدأت تحدق بها بشدة.
زايلوس (يهمس وهو يضيق عينيه): "إذاً... هذا هو السبب."
وضع زايلوس يده في جيبه وأخرج منه مرآة تجميد الزمن.
[غرفة خارجية – مكان غير معلوم – أكيكو تنظر في المرآة]
في تلك اللحظة، اهتزت مرآة أكيكو قليلاً وأضاءت بلون أزرق باهت. أخرجتها من جيبها ثم ظهرت صورة ثلاثية الأبعاد صغيرة لزايلوس.
زايلوس (من خلال المرآة): "أكيكو... وجدت السبب."
أكيكو (ببرود): "سبب ماذا؟"
زايلوس: "سبب اختفاء آن... رصدتها بلورة فاكن التجميد قبل مغادرتها بدقائق. كانت تنظر إلى لوحة كريستاليا..."
أكيكو (ترمش ببطء): "هممم... كريستاليا؟"
زايلوس: "على الأرجح أنها وجدت سبباً ما للذهاب إلى هناك."
أكيكو (نبرة جادة لأول مرة): "هذا يعني أن علينا التحرك أسرع من المتوقع."
زايلوس: "بالفعل، فأي شخص يريد الذهاب لكريستاليا من هنا، عليه المرور من ولاية ستورملاند وثم ولاية تيراسيا، والطريق مليء بالمخاطر."
[على الطريق الوعر المؤدي إلى حدود ستورملاند – داخل عربة هيكساريث صغيرة]
كانت السماء ملبّدة بالغيوم الثقيلة، وهدير الرياح بدأ يزداد شيئاً فشيئاً كلما اقتربت العربة من الأرض الغامضة. بداخل العربة، جلس آكيو وهو يضغط على حافة النافذة الزجاجية الصغيرة، يحدّق في الأفق الكئيب بقلق. كانت أكيكو بجانبه وهي تراقب بيانات الطريق من شاشة صغيرة مدمجة في لوحة القيادة.
آكيو (بصوت متوتر): "ستورملاند؟! هل فقدت عقلها؟ لماذا قد تذهب إلى أخطر مكان في فالوريا؟!"
لم ترد أكيكو مباشرة، بل كانت تعبث بأزرار على الشاشة، تُضبِط توجيه مسار العربة تلقائياً.
أكيكو (بهدوء تحليلي): "لأن كريستاليا تقع في شمال القارة، وللوصول إليها عليها أن تمر من ستورملاند."
[ولاية ستورملاند – عند آن والعجوز]
بداخل عربة الهيكساريث الأخرى، كانت آن تحدّق عبر النافذة، عيناها تراقبان المنحدرات الوعرة والغيوم التي تلتفّ كالأفاعي فوق الجبال البعيدة. وفجأة، رفع العجوز يده اليمنى ببطء... وفتح كفه، وظهرت فوق راحته عدسة صغيرة شفافة كالبلور... لم تكن من زجاج، بل من ضوء متجمّد.
العجوز (بصوت أجش، دون أن يلتفت): "أول مرة رأيتُ فيها إعصار صرخة العاصفة... التقطت له صورة... ليس بمرآة تجميد، بل بفاكني."
آن (تلتفت نحوه مستغربة): "فاكنك؟"
العجوز (بابتسامة غامضة): "هاها... هل نسيتِ أن العربة تعمل بطاقة الفاكن؟"
مدّ يده أكثر خارج نافذة العربة رغم الرياح، وظل يركّز لثوانٍ، ثم ظهر وميض خافت على كفه، وكان يشبه ومضة الكاميرا، وسُحبت صورة شفافة إلى الهواء، تجمّدت هناك لثوانٍ قبل أن تختفي وتنتقل بداخل قطعة زجاجية مربعة كانت معلّقة على صدره.
آن (تحدّق بدهشة): "ما هذا...؟ هل التقطت صورة حقيقية؟"
العجوز (يومئ برأسه): "فاكني اسمه تجميد الزمن... لكنه لا يحتاج كهرباء، ولا أجهزة... فقط نظرة، وتركيز."
آن: "إذاً... أنتَ تسجل كل ما تراه؟"
العجوز (ببطء وهو يرفع صورة أخرى): "ليس كل شيء، بل بعض اللحظات التي تستحق أن تُحفظ للأبد."
رفرف شعر آن مع هبّة قوية، فيما واصل العجوز التقاط الصور للغيوم والدوامات الهوائية والبرق المتفجر في السماء.
يتبع...