[مملكة كاجي – القصر الملكي – غرفة العرش]

بداخل قصر سيروس الفاخر المزين بالثريات الراقية واللوحات الزاهية، وقف الملك سيروس بملابسه الفخمة أمام العرش بملامح ثابتة، والبريق الغامض يلمع في عينيه.

جلس آرثر وسيلينا أمامه على مقاعدهم المخصصة، كلٌّ منهما جلس بظهر مستقيم ونظرة مختلفة… آرثر كان متحمساً كمن ينتظر إعلان حرب، أما سيلينا فكانت هادئة كالمعتاد.

سيروس (بصوته العميق): "وصلتنا أنباء بأن قطعة أثرية نادرة تعرف بـ "جمرة فالكا"، قد ظهرت في السوق السوداء في جزيرة أورانيو."

آرثر (بتحمّس مفاجئ): "جزيرة أورانيو؟ تلك الخارجة عن سلطة فالوريا؟ هذا يعني… لا قوانين؟"

سيلينا (دون أن تلتفت نحوه): "ولا حماية."

سيروس (يكمل ببرود): "الجمرة ليست مجرد حجر. إنها قطعة قديمة خُلقت من قلب بركان سحيق، وكانت جزءاً من التاج الأول لعائلة يوكاجي… قبل أن تُسرَق منذُ قرن كامل. قوتها تعزّز فاكن النار، خاصة لأولئك الذين أظهروا تطوراً هائلاً في القوة مثلي."

صمت لبرهة، ثم اقترب ببطء حتى وقف أمامهما تماماً. وضع يده اليمنى على كتف آرثر، ثم وضع يده اليسرى على كتف سيلينا.

سيروس (بنبرة هادئة، لكنها تقطع الهواء كالسيف): "أريد منكما استعادة الجمرة. لا تُفاوضا، لا تُظهرا ضعفاً. أريدها في قصري قبل أن يعرف أي شخص آخر بوجودها."

سيلينا (بهدوء): "وإن كان من يملكها الآن… لا يريد البيع؟"

سيروس (يبتسم ابتسامة باردة): "حينها… ذكّروهم لماذا خاف العالم من اسم اليوكاجي."

نهض آرثر متحمساً وبدأ بتجهيز سيفه، بينما ارتدت سيلينا على قفازيها السوداوان استعداداً للمهمة، ووسط كل ذلك، صدر من الزاوية الخلفية للغرفة صوت سعال خافت. استدار آرثر بسرعة، بينما وجهت سيلينا نظرها نحو ركن القاعة… وهناك، وقف أليكساندر تحت ظل عمود حجري مزخرف وهو مستند إلى الحائط، وفي فمه سيجارة مشتعلة.

أليكساندر (بسخرية خفيفة وهو ينفث الدخان): "جمرة فالكا، هاه؟ وأخيراً سنرى إن كان الصغار يعرفون كيف يواجهون الكبار خارج حدود قصورهم."

آرثر (بتجهم): "هل لديك تعليق، أم أنك فقط تحب التظاهر بأنك ظلّ الملك؟"

أليكساندر: "أنا لا أتظاهر… أنا الظل فعلاً. وظلي لا يتكلم إلا حين يرى أن الخطر قادم."

لم يلتفت سيروس إليه مباشرة، لكنه قال بنبرة غير واضحة إن كانت سخرية أم إعجاب:

سيروس: "حتى ظلي بدأ يتكلم عن الخطر… يا له من يوم استثنائي."

اقترب أليكساندر ببطء ووقف بجانب سيلينا وآرثر.

أليكساندر (وهو ينفث الدخان): "جزيرة أورانيو ليست فقط خارجة عن السلطة… إنها خارجة عن المنطق. الفوضى تحكمها، والعملات لا قيمة لها هناك."

سيروس: "أنتم لستم ذاهبين فقط من أجل قطعة أثرية… بل لإثبات أن اسم يوكاجي لا يُنسى حتى خارج الحدود. كل من على الجزيرة سيحاول إيذائكم، لكنكم لستم فريسة. أنتم الصيادون."

[اليوم التالي – ساحة قصر كاجي الملكي]

أشرقت الشمس في يوم غائم في مملكة كاجي، وأصوات الطبول بدأت تدقّ داخل أسوار القصر، معلنة انطلاق مراسم الرحيل الملكية. امتلأت الساحة الواسعة بأهل المملكة من نبلاء وجنود وخدم، بل وحتى من مواطنين عاديين تجمعوا خارج البوابات الحديدية ليشاهدوا الحدث.

خرج موكب الملك بخطى منتظمة، وكانت تتقدمه عربة هيكساريث ملكية فاخرة بإطار ذهبي، تجرها خيول بيضاء، وكانت مزينة برايات تحمل شعار عائلة اليوكاجي. كانت سيلينا تجلس بداخلها وهي ترتدي عباءتها القتالية السوداء المطرّزة بالفضة، بينما جلس آرثر بجانبها وهو يلوّح للحشود من النافذة بثقة كبيرة.

آرثر (بابتسامة متوهجة): "يبدو أنني سأعود بجمرة… وأُتوج بها أيضاً."

وفي الجهة اليمنى من الموكب، كان أليكساندر يسير بخطوات هادئة مرتدياً ملابسه الرسمية. عيونه البنفسجية كانت تراقب كل شيء ببرود، كما أن مجموعة من الناس كانوا قد ألقوا أنظارهم كلها عليه. وبدأت الهمسات بين الفتيات في الحشد:

“من هذا؟ إنه وسيم جداً…"

“إنه أليكساندر! الحارس الأسطوري للملك!"

“هل ترين كيف يمشي؟ وكأنه لا يخاف من أي شيء!"

“سمعتُ أنه دمر فرقة كاملة بمفرده!"

“أوه، إنه ينظر نحوي… لا، لا… نظر إليكِ… أنا لا أصدق ذلك!!!"

اقترب أحد الجنود منه على باستحياء وهو يحاول تقديم الماء.

الجندي: "سيدي، هل ترغب…"

أليكساندر (ببرود): "أرغب أن ينتهي هذا العرض سريعاً.”

تابع الموكب تحركه ببطء نحو بوابة الخروج، ورايات المملكة ترفرف، فيما تعالت أصوات الأبواق الملكية. وقف الخدم والنبلاء على جانبي الممر الرئيسي وهم يركعون احتراماً. وقبل أن يغادر الموكب، خرج الملك سيروس بنفسه إلى شرفة القصر المطلة على الساحة، ورفع يده اليمنى بهدوء. ساد الصمت على الفور وكأن الزمن قد توقف عند ظهوره.

سيروس (بصوته الهادئ الفخم): "من وُلد من النار… لا يمكنه العيش في الظل. أنتم أبناء يوكاجي، والمجد لا يأتي لمن ينتظر. اذهبوا… واجعلوا اسمنا يهتز على لسان كل من في الجزيرة!"

تعالى التصفيق، ودوى الهتاف في الساحة…

"يوكاجي!! يوكاجي!!"

ثم انطلق الموكب في طريقه، وبدأت العربة تتقدم نحو الشاطئ، حيث كانت تنتظرهم سفينة خاصة لتنقلهم إلى جزيرة أورانيو. بعد عدة دقائق، وصل الموكب الملكي إلى حافة الخليج المخصص للسفن النبيلة، وكانت السفينة التي تنتظرهم مزودة بتقنيات فاكن متقدمة، وتتحرك بطاقة بركانية خالصة تُستخرج من نواة الحمم الموجودة تحت قصر كاجي. انطلقت الأبواق من على ظهر السفينة، واصطف الطاقم على الجانبين لتحية أبناء الملك.

القبطان (بصوت قوي): "أهلاً بأبناء جلالته… السفينة جاهزة للانطلاق!"

صعدت سيلينا بخطوات هادئة، أما آرثر فصعد بخفة وثقة وهو لا يزال يلوّح للجماهير خلفهم. وعندما كانت السفينة تستعد للمغادرة، بقي الجماهير واقفين على الرصيف البحري، وعلى الرغم من ذلك، إلا آن هناك مجموعة من الفتيات كانوا لا يزالوا يركزون نظرهم على أليكساندر، الذي كان واقفاً أسفل السفينة والسيجارة بين أصابعه، والدخان ينساب بخفة من شفتيه نحو السماء.

إحدى الفتيات (وهي تهمس لصديقتها بانبهار): "إنه طويل جداً! أنا متأكدة بأنه يتعدى الـ185 بسهولة، ولكنه ليس أطول من الملك!"

فتاة أخرى (بإعجاب واضح): "أقسم بأنني سأرسمه وأعلق صورته في غرفتي. هل رأيتِ كيف انتبه لي؟ شعرت بأنه سيغمى علي!"

وفي الجهة المقابلة، كانت هناك مجموعة فتيان يقفون وتحدثون همساً، بينما كانت عيونهم لا تفارق الأميرة سيلينا وهي فوق السفينة.

أحدهم (بدهشة): "تلك هي الأميرة سيلينا، يقال بأنها لا تبتسم أبداً."

الآخر (ينظر بانبهار): "لكنها أجمل من جميع فتيات فصلنا، هل رأيت كيف تمشي؟ وكأن الريح هي من تدفعها."

أما آرثر، فقد لاحظ مجموعة من الفتيات النبيلات كنّ يقفن في الزاوية ويتهامسن فيما بينهن، ينظرن إليه ويضحكن بخجل.

إحداهن: "إنه يشبه والده حين كان شاباً… وسيم، ومغرور."

أخرى: "لكنه يبدو ممتعاً… ليس مثل الأميرة سيلينا الجليدية. لو خيّروني بينهما، سأختار الأمير آرثر دون تردد"

أراد آرثر أن يُبقي ذلك المشهد في ذهنه، فوقف على ظهر السفينة ولوّح بيده نحو الجمهور بجرأة.

آرثر (بصوت منخفض وهو يغمز): "هذا هو وداع الملك القادم!"

ثم تحركت السفينة أخيراً وبدأت تقطع المياه بسلاسة، وتترك خلفها أثراً من البخار البركاني. وبينما كانت السفينة تبتعد ببطء عن رصيف الميناء، تحوّلت أنظار الكثير من الحضور إلى الأعلى… وتحديداً إلى شرفة القصر الملكي، حيث وقف سيروس بشعره الأحمر المتوهج الذي يتطاير مع الرياح، وعباءته الملكية تُرفرف خلفه، وعيناه الرماديتان تراقبان السفينة وهي ترحل بهدوء وتختفي بين الأفق.

إحدى النبيلات (بصوت خافت وانبهار واضح): "الملك سيروس وسيم حقا، ملامح أبناءه لم تتشكل من العدم!"

صديقتها (تضع يدها على قلبها): "إنه في الأربعين من عمره، ومع ذلك يبدو أكثر جاذبية من أي فتى هنا."

فتاة أخرى (بهمس وهي تحدّق): "شفتاه… عظام وجهه… وقفته المتكاملة… وكأن الوقت لم يلمسه قط."

خادمة صغيرة كانت تمر بالقرب منهن، تمتمت دون أن تلاحظ نفسها: "أنا لا أفهم… كيف يمكن أن يبدو شخص بهذا العمر أكثر وسامة من نصف شباب المملكة؟"

وفي صفوف الجنود:

أحد الجنود (ينظر إلى الأعلى بفخر): "حتى لو قتل ألف عدو… سيظل مظهره أنيقاً بما يكفي ليخدع أيّ خصم."

آخر (بابتسامة مائلة): "أنا أقاتل من أجله… ليس لأنني خائف، بل لأنني مقتنع أن هذا الرجل لا يُهزم."

كان سيروس يستمع إلى كل شيء… كلمات الإعجاب، الهمسات، التصفيق. عيناه الرماديتان عكستا كبرياء الملوك، ثم تشكلت على فمه ابتسامة متغطرسة خفيفة… ابتسامة من يعرف أن حضوره وحده يكفي لإسكات العالم.

سيروس (يتمتم لنفسه بنبرة لا تُسمع): "كل جيلٍ يأتي ويحاول أن يتفوق على من سبقه، ولكنهم جميعاً سيُدفنون تحت رمادي."

ثم أدار ظهره بخطوة واثقة، وعباءته السوداء المطرّزة بالنار تمايلت وراءه وهو يدخل القصر.

[ولاية زيتارا – المستشفى العسكري – جناح النقاهة]

كان كين مستلقياً على السرير وقد بدا عليه بعض التحسن. الضمادات لا تزال تلتف حول صدره وكتفه، لكن لونه الشاحب قد استعاد القليل من الحياة، وعيناه الرماديتان أصبحتا أكثر صفاءً. على الطاولة الصغيرة أمامه، وُضعت صينية تحتوي على حساء دافئ، وبعض الخبز، وكوب من العصير. وقف أكيرا بجانبه كأنه حارس شخصي.

أكيرا (يبتسم وهو يمسك بالملعقة): "دعني أطعمك يا أمير اليوكاجي… ما رأيك أن أبدأ بالحساء؟"

كين (ينظر إليه بنظرة حادة): "أنا لست طفلاً."

أكيرا (يميل برأسه): "ولا عجوزاً، ولكنك متعب… خذها بروح رياضية."

كين (بهدوء وهو يحاول الجلوس باستقامة): "قلت… أستطيع فعلها بنفسي."

مدّ كين يده ببطء نحو الملعقة، لكنه ارتجف قليلاً من الألم… لم يكن يريد الاعتراف بذلك. قبض على الملعقة وأخذ نفساً عميقاً، ثم بدأ بتناول الحساء ببطء على طريقته.

أكيرا (يراقبه وهو يضع يده على خده بتسلية): "أنت من أكثر الأشخاص الذين رأيتهم… عناداً وهدوءاً في نفس الوقت. حتى عندما تتألم، لا تشتكي."

كين (يرد وهو يضع الملعقة في فمه): "لأن الشكوى لا تُنقذ أحداً."

ابتلع كين اللقمة بهدوء، ثم نظر إلى أكيرا الذي كان يحدّق فيه مبتسماً.

كين (بتنهيدة): "توقف عن النظر إلي هكذا… أنا آكل، لست أُقاتل."

أكيرا (بضحكة خافتة): "آسف، لكنّ رؤيتك تأكل دون أن تلقي نظرة حادة على أحد أو تتحدث عن الانتقام… هو أمر نادر الحدوث. سأستمتع به ما دام مستمراً."

ظل كين صامتاً للحظة وهو يحدّق في الطبق أمامه كأنه تذكّر شيئاً… ثم أوقف الملعقة في منتصف طريقها إلى فمه.

كين (بصوت خافت): "أكيرا…"

أكيرا (يرفع حاجبه): "ماذا؟"

كين (دون أن ينظر إليه): "عندما كنت أحتضر… رأيت شيئاً."

جلس أكيرا مستقيماً فجأة، وملامحه تحوّلت من المزاح إلى الجدية على الفور.

أكيرا: "هل تقصد… هل رأيت حلماً؟"

كين : "لا أعرف إن كان حلماً أو شيئاً آخر. رأيت والدي وهو واقفاً أمامي مبتسماً، وكأنّه كان ينتظرني. لم يكن يتألم، ولا يصرخ كما مات أمامي… بل كان هادئاً."

أكيرا (بفضول): "ماذا قال لك؟"

كين (بعينين غائرتين): "قال لي: ’لم يحن وقت رحيلك بعد… وعِدني بأنك ستبحث عنه.‘"

أكيرا: "تبحث عن مَن؟”

كين (يلتفت إليه ببطء): "دان."

تجمّد أكيرا في مكانه، عيناه تتوسّعتا تدريجياً، وكأن كين قد قال شيئاً لا يُصدّق.

أكيرا: "أليس هذا… شقيقك الذي مات في الحرب؟"

كين (بصوت هادئ لكنه مملوء بيقين غريب): "نعم، أو هكذا ظننت. لكن نظرة والدي لم تكن عشوائية… لقد كان يعنيها. قال إن دان لم يمت."

ساد الصمت لوهلة في الغرفة، حتى قطعه أكيرا بتوتر:

أكيرا (يهمس): "و… هل تصدقه؟"

كين (بنبرة ثابتة): "عقلي لا يصدق، ولكن قلبي يصدق كل حرف."

أكيرا (يتمتم وهو يحدق فيه): "إذاً… هذا ليس انتقاماً فقط، أليس كذلك؟"

كين: "أريد أن أعرف الحقيقة… كلها."

[داخل عربة الهيكساريث – على أطراف ستورملاند]

كانت العربة تهتز قليلاً بفعل الرياح الجانبية، ولكن بداخلها لم يكن الهدوء سيد الموقف… بل صوتان يتصادمان كما لو كانت العاصفة في الداخل لا في الخارج.

آكيو (منفعل وهو يلوّح بيديه): "قلت لك للمرة المئة! لا يهم إن كان قرارها! آن صديقتنا، ونحن فريق! لما لا تفهمين هذا؟!"

أكيكو (ببرود وهي تحدّق في الشاشة أمامها): "بل ما لا تفهمه أنت… أننا لا نلاحق الأشخاص الذين قرروا الابتعاد بكامل إرادتهم."

آكيو (وهو يشير للنافذة): "نحن نقترب من ستورملاند، أرض العواصف والمجانين! إن ضاعت هناك، فإن احتمال عودتها واحد بالمئة!"

أكيكو (تتنهّد وهي تعبث بأزرار العربة): "أوه، لا تقل لي الإحصائية مجدداً… لقد سمعتها خمس مرات منذ الصباح."

آكيو (يحمل وسادة صغيرة ويرميها باتجاهها): "كيف تستطيعين أن تكوني باردة هكذا؟! ألا تهمك آن؟"

أكيكو (تمسك الوسادة بيد واحدة دون أن تلتفت): "أهتم… لكن ليس إلى درجة أن أقتحم عاصفة قد تقتلنا فقط لأن فتاة تحب أن تتصرف باندفاع قررت أن تختفي."

آكيو (بإحباط): "هذا… هذا عدم وفاء!"

أكيكو (تدير وجهها ببطء نحوه): "وفاء؟ لا تخلط بين الوفاء والغبا—"

آكيو (يقاطعها بسرعة): "أكمليها، أكمليها! قولي أني غبي! أنا فخور بغبائي إذا كان يعني إنقاذ صديق!"

أكيكو: "قلتَها أنت، ليس أنا."

آكيو (يرفع حاجبيه، يضع يديه على خصره): "تعرفين؟ أحياناً أشك أنكِ روبوت."

أكيكو (بهدوء مرعب): "وأحياناً أتمنى أن أكون كذلك… على الأقل كنت سأملك زرّ كتم لصوتك."

آكيو (بصوتٍ عالٍ): "تباً لكِ!"

أكيكو (تغمض عينيها): "آكيو… اسمعني جيداً… أنا لا أكره آن، ولكنها اختارت المغادرة. وعليّ أن أحترم ذلك… حتى لو كنت لا أوافقها. أما أنت، فأشبه بطفل ضيّع لعبته."

آكيو (ينظر إليها بجدية): "ليست لعبة… إنها أحد أفراد عائلتنا."

صمتت أكيكو قليلاً ثم نظرت نحو النافذة.

آكيو (بابتسامة خفيفة): "ولو اضطررت لأدخل ستورملاند لوحدي من أجلها، سأفعل."

أكيكو (وهي تتنهد مجدداً): "تباً… لماذا دائماً أعلَق مع الأغبياء في حياتي؟"

[ولاية ستورملاند – بعد ساعات من دخول آن الولاية]

هبّت ريح قوية عندما فتحت آن باب عربة الهيكساريث، خرجت منها ببطء وهي تضع غطاء أسود على رأسها لكي لا يتطاير شعرها البنفسجي مع الرياح. كانت واقفة على منصة حجرية مرتفعة مربوطة بسلاسل ضخمة إلى صخرة أكبر، وكأنها عائمة وسط الغيوم.

نظرت حولها بدهشة… السماء كانت قريبة جداً… لكنها لم تكن زرقاء، بل رمادية شاحبة، والمكان يعلوه ضباب كثيف تتحرك خلاله الصخور الطائرة كأنها جُزر صغيرة يعيش عليها أناس.

آن (تفكر داخلياً): "هذه ليست مجرد ولاية… هذا عالم معزول بين السماء والأرض."

لاحظت آن وجود سلالم خشبية طويلة موصلة بين الصخور، ومنازل صغيرة مبنية من الخشب المعدني. بعض البيوت كانت معلّقة ومتصلة بأبراج من الحجر العائم، كانت تتحرك مع الريح كما لو كانت على وشك السقوط… لكنها لا تسقط أبداً.

تقدّمت نحو السوق الصغير المتواجد في منتصف الصخرة. كان السوق بدائياً وتُعرض فيه أدوات مصنوعة من عظام الحيوانات، معاطف ضد العواصف، أقنعة تنقية الهواء، وبعض القطع المعدنية الغريبة. ثم اقتربت من عجوزة كانت تبيع أعشاباً داخل قوارير زجاجية.

آن: “ما هذا؟"

العجوز (بصوت خشن): "زيت طحلب العاصفة. يشفي الحروق الناتجة عن البرق."

نظرت آن نحو السماء، فرأت صخرة ضخمة تمرّ فوقها، يقطنها برج رمادي يقف على أطرافه رجلان يلوّحان برايات حمراء لتحذير السكان من عاصفة قادمة.

آن (تفكر): "هذا حقاً أغرب مكان زرته في حياتي!"

سمعت آن فجأة صفيراً قوياً… واهتزت الأرض تحت قدميها قليلاً. اقتربت منها فتاة ترتدي قبعة مصنوعة من جلود الطيور البرية.

الفتاة: "إن كنتِ مسافرة، فابقي في الممرات المرتفعة. العاصفة الكبيرة تمر من الجهة الغربية اليوم."

آن (بهدوء): "أنا لا أبحث عن الأمان… أبحث عن طريق إلى كريستاليا."

حدّقت بها الفتاة للحظة، ثم أشارت إلى أقصى الشمال، حيث كانت الغيوم أكثر سمكاً.

الفتاة:

“إن كنتِ مجنونة بما يكفي… هناك ممر هوائي يصل إلى تيراسيا… ومن هناك إلى الجبل الجليدي."

آن (بعزم): "ممتاز… الجنون هو بالضبط ما أحتاجه."

ثم أدارت ظهرها وبدأت تمشي نحو الشمال وسط صخور العاصفة المتناثرة. وبعد لحظات، بدأت تسمع أصواتاً غريبة في الجو. لم تكن أصوات رياح هذه المرة… بل كانت نغمات طويلة وحزينة تخرج من أبواق عملاقة مصنوعة من عظام منحوتة بعناية. توقفت آن وألقت نظرة إلى الأعلى.

على صخرة واسعة وعائمة بين الغيوم، كان يجتمع أكثر من عشرين شخصاً يرتدون عباءات رمادية تغطي أجسادهم بالكامل، ووجوههم نصف مغطاة بالأوشحة الثقيلة. وقفوا في صفوف متقابلة وكل واحد منهم يحمل بوقاً طويلاً.

كان هناك رجل مسن يقف في المنتصف وهو يحمل عصاً من الحديد الصدئ، وكان يطرق بها على صخرة مجوفة ويخرج منها صدى معدني عميق. ومع كل طرقه، كان الصف يبدأ بالعزف، ويليه غناء جماعي منخفض بنغمة واحدة ممدودة:

"آآآآآه…"

"هُووووااااه…"

"آآآآآه…"

كانت النغمات بائسة وكأنها رثاء طويل لشيء ضائع. لم تكن الكلمات مفهومة، بل مجرد أصوات ممتدة تحمل داخلها شيئاً مؤلماً يصعب وصفه.

آن (تراقبهم وتفكر): "هل يقومون بهذه الطقوس كل يوم؟"

لاحظت آن أن الأطفال الصغار جلسوا على الأطراف وهم يغطون آذانهم ويغمضون أعينهم وكأنهم سمعوا هذا اللحن آلاف المرات. بينما رفع رجل من المجموعة يده فجأة وأشار نحو الشمال، حيث تلبدت السماء أكثر.

الرجل (بصوت مبحوح): "الصوت وصل… الآن ننتظر العبور."

تبع ذلك صمتٌ ثقيل قبل أن تتوقف الأبواق، وبدأت المجموعة بالانسحاب ببطء وكأنهم كانوا يؤدون طقساً يعرفه الجميع… لكنه لا يُشرح لأحد.

آن (تفكر في داخلها): "دخلت أرضاً لا ترحم… التقيت رجلاً يجمد الوقت… وشاهدت طقوساً مخيفة…"

رفعت عينيها نحو السماء، فرأت البرق يضيء للحظة بين السحب.

آن (تكمل تفكيرها): "نيورو… مات، وستيف اختفى، وكين-سان… لا أعلم حتى إن كان قد فتح عينيه. كل شيء في داخلي يقول لي أن أهرب… لكنني لا أريد أن أهرب، بل أن أختفي مؤقتاً. لا أحد سيجدني في كريستاليا."

نظرت إلى يدها اليمنى التي كانت ترتجف قليلاً، لكن ليس من البرد… بل من التردد.

آن (بهمس وهي تواصل المشي): "لا أعرف ما الذي سأجده هناك… لكنني أعرف بأنني أريد أن أتغير، وان أحصل على القوة اللازمة لحماية من تبقى!"

وصلت إلى نهاية الجسر حيث بدأت السلالم الضيقة تؤدي إلى الممر الهوائي المحاط بالضباب. تنهدت ببطء، ثم وضعت يدها على الجدار الحجري، وأغمضت عينيها للحظة… ثم فتحتها من جديد.

آن: "إلى كريستاليا إذاً…"

يتبع…

2025/04/19 · 9 مشاهدة · 2586 كلمة
Sara Otaku
نادي الروايات - 2025