[ولاية فاويلا – أكاديمية النينجا – بعد يومين من حادثة المنحدر]
جلست آن وحيدة على أطراف ساحة التدريب الخالية، ساقاها مضمومتان إلى صدرها، وذقنها مدفون بين ركبتيها، والرياح كانت تعبث بشعرها القصير. كان الطين لا يزال يغطي أطراف الحديقة، وكأن الأرض ترفض أن تجف بعد تلك الليلة.
آن (تفكر، بصوت داخلي محطم): "قالوا أنها ستعيش… لكنها لن تركض مجدداً. لن تقفز. لن تحمل سيفاً."
أغمضت عينيها بقوة وهي تحاول حبس دموعها، لكن سقطت دمعة واحدة رغماً عنها.
آن (بهمس مكسور): "كان يجب أن أكون أنا…"
صدى صرخات تلك الليلة ظل يطاردها بلا رحمة. كلما أغمضت عينيها، كانت ترى رينا تسقط… وتسمع ضحكة شوهي الخبيثة تتردد في رأسها.
لم تذهب آن إلى صفوف التدريب منذ ذلك اليوم. تجاهلت النداءات، التحذيرات، وحتى تهديدات المدربين. أصبحت تتجنب الجميع في الأكاديمية وتختبئ خلف الأشجار.
تذكرت آن كيف كانت تمسك يد رينا في الأيام العادية، كيف كانت تضحك عندما تسقط. تذكرت وعدهما معاً تحت شجرة الأكاديمية.
رينا (بابتسامة مشرقة): "يوماً ما، سنتخرّج معاً! سأكون أفضل نينجا في العالم… وأنتِ ستكونين الأكثر جنوناً!”
آن (تضحك بسعادة): "لا، أنا من سأصبح الأقوى!"
ولكن في الواقع القاسي، كانت رينا مستلقية في جناح طبي بارد. ولم يُسمَح لآن أن تزورها بعد الحادثة. قيل لها أن رينا تحتاج للراحة… ولنسيان الأكاديمية.
آن (تهمس وهي تنظر إلى الأرض): "نسيان…؟ نسيان ماذا؟ من الذي سينسى؟ أنا… أم أنتم؟"
في قاعة الاجتماعات الخاصة بالأكاديمية، اجتمع المعلمين الكبار خلف أبواب مغلقة. كان الجو مشحوناً بالتوتر. جلس مدير الأكاديمية وهو رجل أصلع بلحية بيضاء قصيرة، وضرب بإصبعه على الطاولة بعصبية. جلس حوله المعلمون الآخرون، بعضهم متجهم، وبعضهم يشيح بنظره.
مدير الأكاديمية (بصوت غاضب مكتوم): "تريدون إخباري أن أربعة أولاد… أربعة!… قاموا بالاعتداء على طالبتين وإلقاء واحدة منهما من فوق منحدر… داخل حدودنا؟ تحت أنظارنا؟!"
هاناكو-سينسي: "لقد… حاولنا احتواء الوضع، سيدي. الإصابات ليست قاتلة، وتم إسكات الشهود الصغار…"
مدير الأكاديمية (يضرب الطاولة بقبضته): "اسكات؟! كدنا نخسر تلميذة! كدنا أن ندخل في فضيحة أمام مجلس الولايات! كيف سمحتم لهؤلاء الحثالة بأن يتصرفوا كالوحوش؟!"
كان المعلمون ينظرون إلى بعضهم البعض بتوتر. الكل يعلم أن شوهي وأصدقاءه كانوا مشاغبين، لكن لم يتوقع أحد أن تصل الأمور لهذا الحد.
معلمة أخرى (بهمس): "إنه خطأنا… تركناهم يتنمرون لأن شوهي… كان يملك علاقات."
ارتفع حاجب المدير.
مدير الأكاديمية: "علاقات؟ هذا ليس عذراً!"
المعلمة (بتردد): "عائلته… والد شوهي أحد الضباط الكبار في فرع الأمن بفاويلا. كان دائماً يرسل تبرعات للأكاديمية… أنت تعلم بذلك يا سيدي."
ساد الصمت الثقيل.
مدير الأكاديمية (بسخرية مريرة): "آه… المال بالطبع."
وقف المدير وخطى إلى النافذة وهو يضم يديه خلف ظهره.
مدير الأكاديمية (بصوت منخفض بارد): "سأصدر قراراً لطرد شوهي وأصدقائه الأربعة فوراً. لا تدريب. لا استئناف. لا تحية وداع."
معلم آخر (بتوتر): "ولكن… سيدي، ماذا عن عائلته؟ ماذا لو—"
مدير الأكاديمية (يقاطعه ببرود): "دعهم يرفعون قضاياهم. سأجعلهم يدفعون ديات لكل نقطة دم نُزِفَت هنا. نحن أكاديمية نينجا… لا حظيرة وحوش."
انحنى الجميع في صمت. وفي اليوم التالي، تم استدعاء شوهي وأصدقاؤه إلى مكتب الإدارة، وتم تسليم كل واحد منهم ورقة مختومة بالطرد الرسمي. وقف شوهي هناك وهو ينظر إلى الورقة ببرود غريب. لم يغضب… لم يبكِ…فقط ابتسم ابتسامة صغيرة مائلة، ورفع رأسه.
شوهي (بهمس وهو يمزق الورقة إلى نصفين أمام المدير): "لا حاجة لورقتكم التافهة. سأجد طريقي بنفسي."
ثم أدار ظهره وغادر، وتبعه أصدقاؤه في صمت ثقيل.
في منزل آن، وتحديداً وقت الغروب، جلست آن على سريرها وهي تحتضن الوسادة. وعيناها متورمتان من البكاء الطويل. صدر طرق خفيف على الباب، ثم دخلت والدتها، وهي امرأة في أواخر العشرينات من عمرها، وملامحها دافئة.
الأم (بصوت حنون): "آن… هل يمكنني الدخول؟"
لم تجب آن ولم ترفع حتى رأسها. تقدمت الأم بهدوء وجلست على حافة السرير. نظرت إلى ابنتها للحظات… ثم مدّت يدها برفق ومسحت خصلات شعرها المبعثرة عن عينيها.
الأم (بهمس يشوبه الألم): "سمعتِ أن رينا-تشان خرجت من الخطر… صحيح؟ الطبيب قال إنها بخير… ستحتاج فقط لبعض الوقت."
بقيت آن صامتة، وكأن كلمات أمها لا تصل إلى مسامعها. وظلت تحدّق في الفراغ…
الأم (تحاول الابتسام): "أتعلمين؟ رينا قوية… مثلكِ تماماً. ستتجاوز هذا… وأنتِ أيضاً ستتجاوزين."
تشبثت يد آن بأطراف الوسادة بشدة.
آن (بصوت مبحوح بالكاد يُسمع): "كان يجب أن تكون أنا… ليس هي…"
شهقت والدتها بخفة، وشعرت وكأن قلبها قد شُقّ نصفين لسماع تلك الكلمات.
الأم (بصوت مرتجف وهي تضم آن إليها برفق): "لا تقولي هذا يا صغيرتي… لا تقولي هذا أبداً!"
لكن آن دفنت وجهها في حضن أمها، وبدأت تبكي بصمت… بكاء طفلٍ خائف فقد قطعة من روحه.
آن (تهمس بصعوبة وسط دموعها): "أنا ضعيفة يا أمي… ضعيفة جداً…"
شدتها الأم إلى حضنها بقوة أكبر، كأنها تحاول أن تخفيها عن العالم بأسره.
الأم (بصوت مكسور وهي تربت على ظهرها): "ليس الضعفاء من يبكون لأجل أصدقائهم… بل الأقوياء. أنتِ أقوى مما تظنين… فقط لم تري قوتكِ بعد."
بقيتا هكذا وسط ضوء الغروب الباهت… صمتٌ ثقيل، دموع دافئة، وذراعان تحاولان إعادة جمع شظايا طفلة مكسورة.
[بعد أسبوع]
كانت رياح الخريف تعصف بساحة المدرسة، وأوراق الأشجار الملونة تتساقط وتصدر أصواتها تحت أقدام الطلاب المتجهّمين. كانت آن تمشي بخطوات ثابتة عبر الممرات الحجرية، حقيبتها تتدلّى على كتفها، وعيناها لا تنظران إلى أحد. الأصوات كانت تلاحقها كالعادة…
أحد الطلاب (يهمس): "إنها هي… آن المجنونة…"
طالبة أخرى (بهمس مشفق): "يقولون أنها انهارت بعد حادثة رينا."
طالب ثالث (بهمس حاد): "لماذا لم تطردها الأكاديمية بعد؟ إنها تجلب النحس."
لم تلتفت آن ولم تتغير تعابير وجهها، فقط تابعت سيرها بهدوء قاتم. وبعد لحظات، وصلت إلى مكتب المدير. ثم جلست على المقعد الخشبي بجانب الباب، أنزلت حقيبتها وأخرجت علبة الطعام الصغيرة. فتحتها بهدوء، وأخذت قضمة من قطعة خبز جافة، وبدأت تمضغ ببطء وصمت. وبينما كانت تأكل، سمعت أصواتاً خافتة تتسرب من خلال باب المدير المفتوح قليلاً…
هاناكو سينسي (بصوت خافت لكن حاد): "لا يمكننا تجاهل الأمر أكثر من ذلك، يا سيدي. التحقيق مع مركز 'كامي-ريو للتدريب القتالي' كشف عن أساليبهم."
مدير الأكاديمية (بصوت ثقيل): "كنت أعلم أن هناك خطباً في تصرفات شوهي وأصدقائه… لكن لم أظن أن الأمر بهذا السوء."
توقفت آن عن المضغ، وبدأت تركز مع الحوار الذي يدور بالداخل.
هاناكو سينسي: "والد شوهي… هو الذي سجله هناك منذ أن كان في الرابعة. لم يعلمه القتال فقط… بل علّمه أن المشاعر ضعف… وأن الرحمة خيانة."
المدير (يتنهد بمرارة): "لهذا كان عنيفاً مع زملائه… لهذا كان يضحك وهو يؤذي الآخرين…"
هاناكو سينسي (بصوت منخفض): "لقد جعلوه يتوقف عن الشعور بالذنب منذ أن كان طفلاً."
ساد صمت ثقيل للحظات.
المدير (بصوت خافت): "نحن هنا لتعليم الأطفال أن يصبحوا أقوياء… لا أن نحطمهم."
هاناكو سينسي: "لكنه بالفعل محطم… فهو يكسر الآخرين ليخفي شروخه."
توقفت آن عن الأكل تماماً. وضعت قطعة الخبز جانباً ببطء، وحدقت في الفراغ أمامها. كلماتهم كانت ثقيلة… لكنها لم تثر الشفقة في قلبها. لم تعد ترى شوهي كوحش بلا سبب… لكنها لم تشعر بالتعاطف أيضاً.
آن (تفكر بصوت داخلي خافت): "حتى لو كان مكسوراً… هذا لن يجعلني أسامحه أبداً."
ثم أغلقت علبة الطعام بهدوء، وارتدت حقيبتها.
مرت الأيام ببطء قاتل. أسبوع تلو آخر، ولم ترَ آن وجه رينا مرة أخرى. كانوا يقولون لها إن الزيارة "ممنوعة حتى إشعار آخر"، وأن رينا بحاجة إلى الراحة النفسية قبل أي لقاء. لكن آن كانت تعرف الحقيقة. كانوا يحاولون أن يُبْعِدوها عن رينا كما لو كانت وباءً تذكّر رينا بكل شيء مؤلم.
كانت قد عادت للتدريب، ولكن بشيء مختلف. لم تكن تركض بمرح كما اعتادت… بل كانت تتدرب بإصرار شرس، ضربات خشنة، أنفاس لاهثة، وعينان زجاجيتان… كأنها تحارب شيئاً لا يراه أحد سواها. كل شيء في حياتها أصبح صامتاً… حتى ضحكتها التي كانت تملأ الممرات، اختفت ولم يلاحظ أحد ذلك فعلاً.
ذات مساء، جلست آن وحيدة فوق سطح الأكاديمية، وقد احتضنت ركبتيها كما تفعل دائماً.
آن (بهمس داخلي، بنبرة مشروخة): "رينا-تشان… لقد مر شهران… ولا زلت أشتاق إليكِ كما لو أنكِ غادرتِ للتو."
شدّت ذراعيها حول جسدها المرتجف. كانت تخشى أن تنسى ملامح رينا، أن تنسى ضحكتها، أن تتلاشى من ذاكرتها تدريجياً.
آن (بهمس يكاد لا يُسمع): "لقد وعدنا نفسنا أن نبقى معاً للأبد… وأن نسحق أولائك الأوغاد، أليس كذلك؟"
[بعد أسبوعين - في المستشفى]
كان الجو بارداً في ذلك اليوم، رغم أن الشمس كانت مشرقة. خطت آن بخطوات سريعة عبر الممر الطويل ذي الجدران البيضاء الباهتة، وقلبها يخفق بقوة لم يشعر بها منذ زمن. أخيراً… وبعد كل هذا الانتظار… سُمح لها أن ترى رينا.
وصلت أمام باب الغرفة رقم 17، وقفت للحظة تتنفس بصعوبة، ثم مدت يدها وفتحت الباب ببطء. كانت الغرفة شبه خالية إلا من سرير طبي صغير… وكرسي متحرك بجواره. رينا كانت هناك… كانت تجلس بصمت، شعرها الأسود القصير بدا باهتاً، عيناها التركوازيتان فقدتا بريقهما القديم، وكانت ترتدي ثوباً أبيض فضفاضاً. ساقاها ملفوفتان ببطانية خفيفة… ولم تعودا قادرتان على الحركة أبداً.
آن (بابتسامة مهزوزة ودموع متجمعة): "رينا-تشان…!!"
ركضت آن نحوها وقفزت لتعانقها بقوة، ذراعاها تلفان جسد صديقتها وكأنها تخشى أن تختفي من بين يديها مرة أخرى.
آن (تبكي وهي تضغط وجهها على كتف رينا): "لقد اشتقت إليكِ! اشتقت إليكِ كثيراً! أنا آسفة… آسفة لأنني لم أستطع حمايتك! أنا آسفة!!"
لكن رينا لم تحتضنها بالمقابل. لم تحرك ذراعيها حتى. لم تهمس بأي كلمة دافئة. بل قالت بصوت بارد خالٍ من أي حياة:
رينا: "ابتعدي عني."
تجمدت آن مكانها، كأن سطلاً من الجليد سُكب فوق رأسها. تراجعت قليلاً وعيناها متسعتان من الصدمة، والدموع لا تزال تتدفق.
آن (بصوت مبحوح): "ماذا… ماذا تقولين…؟"
رينا نظرت إليها أخيراً. لكن نظرتها كانت خاوية، فارغة، قاسية بطريقة لا تشبه رينا التي عرفتها آن أبداً.
رينا (ببرود شديد): "أنتِ السبب."
كلماتها كانت كسكين طُعنت به آن مباشرة في صدرها.
رينا (تتابع بنبرة لاذعة): "لو لم تكوني ضعيفة… لو لم تندفعي كالحمقاء… لما حصل كل هذا."
آن كانت ترتجف. رينا كانت دائماً سندها… ضوءها… كيف تتحول الآن إلى مصدر ألمها الأكبر؟
آن (بهمس مرتجف): "أنا… أنا لم أكن أريد… كنتِ تحمينني… أنا آسفة…"
أدارت رينا وجهها بعيداً.
رينا (بجفاف): "لا أحتاج اعتذاركِ، ولا أحتاج لرؤيتكِ. ارحلي… أنتِ عبء… كما كنتِ دائماً."
شعرت آن وكأن العالم انهار من تحت قدميها. أنزلت رأسها ببطء، ودموعها تغطي خديها وهي تتنفس بصعوبة.
آن (بهمس شبه ميت): "حسناً…"
لم تنتظر آن أكثر… بل استدارت وخرجت من الغرفة، وأغلقت الباب خلفها. عندما وصلت إلى الممر الخارجي، سقطت آن على ركبتيها، دفنت وجهها بين يديها، وانفجرت بالبكاء العميق…
وفي أحد الأيام، كانت آن تجلس على السطح كعادتها، كانت تحدق إلى الأفق، إلى مكانٍ بعيد لا تراه عين، وكأنها تبحث عن شيءٍ ضائع. في يدها كانت تمسك الربطة الحمراء التي كانت رينا تزين بها شعرها دائماً. حيث أنها وجدتها ملقاة في إحدى الأدراج في الأكاديمية.
آن (بصوت مبحوح، وهي تضغط الربطة بين أصابعها المرتجفة): "رينا-تشان… لم تكوني بحاجة إلى إنقاذي… أنا من كان يجب أن أنقذكِ."
أغمضت عينيها، وبدأت تتخيل الأيام الماضية… ضحكات رينا، صراخاتها، تحدياتها الصغيرة، كيف كانت تسحبها للأمام عندما تتعثر. لكن الآن… لم يتبقَ شيء… لا دفء، ولا وعود.
آن (تهمس بوعد، عيناها تغرقان بالدموع): "سأواصل السير… حتى لو سرت وحدي. سأصبح النينجا الأقوى… ليس لأنني أريد المجد… بل لأحمي كل من تبقى. سأقاتل حتى لا يفقد أحد آخر شخصاً يحبه… كما فقدت أنا."
وقفت ببطء ويداها ترتجفان، لكنها كانت مصممة. ثم شدّت الربطة الحمراء حول معصمها بقوة، وفتحت ذراعيها وكأنها تتحدى العالم كله، وصرخت بكل قوتها:
آن (بصوت مبحوح لكنه عنيد): "أقسم!!!"
صدى صوتها ارتد بين الجدران العالية، وتردد كالعاصفة بين المباني الفارغة.
آن (تواصل الصراخ بدموع مشتعلة): "أقسم… بأنني سأصبح النينجا الأقوى في هذا العالم!!! سأقهر كل من سخر مني! سأحطّم كل من حاول دهسي!!! سأحمي كل من أحببت!!!"
ثم همست لنفسها، هذه المرة بلا دموع… بل بعزم مطلق:
آن (بهمس قاتم): "ولن أسمح لأحد أن ينتزع مني من أحبهم… أبداً."
هبّت الرياح بقوة فجأة، كما لو أن العالم كله استجاب لقسمها… واختفت آن وسط ظلال الغروب، عيناها اللامعتان تشتعلان كجمرةٍ لا تنطفئ.
يتبع…