[امبراطورية زيتارا – المستشفى العسكري – جناح النقاهة]

كان كين مستلقياً فوق السرير الأبيض، عيونه نصف مغلقة، ووجهه شاحب. وفجأة… فُتِحَ الباب بهدوء غريب، ودخل رجل بملامح مغطاة بواسطة عباءة رمادية متهالكة، ثم توقف عند حافة السرير.

كين (بصوت خافت وهو يحاول النهوض): "من أنت؟"

الرجل (بصوت عميق منخفض): "مجرد حامل رسالة… أحمل لك شظية من ماضٍ حاول الجميع دفنه."

اقترب أكثر، وأخرج من عباءته لفافة ورقية صغيرة جداً، عليها ختم يعود لعائلة اليوكاجي الملكية.

الرجل (بهمس مشحون بالمعنى): "تظن أنك تعرف ماضيك؟"

صمت لحظة… ثم أكمل بنبرة أشد:

الرجل: "إن كنت تريد جزء من الحقيقة… عن أفراد عائلتك، عن دمائك، فستجدها في أورانيو."

كين (يحاول أن يجلس بصعوبة): "أورانيو…؟ جزيرة المنفيين؟"

ابتسم الرجل ابتسامة حزينة وهو يضع اللفافة على الطاولة بجانبه. ثم تراجع ببطء نحو الباب، قبل أن ينظر إلى كين نظرة أخيرة بعينين غارقتين في الأسرار.

الرجل: "الحقيقة مدفونة تحت رماد الجحيم… إن كنت تمتلك الشجاعة… فاحفرها."

ثم اختفى كما جاء… لا صوت، لا أثر. بقي كين يحدق في الباب المغلق، أنفاسه ثقيلة وقلبه ينبض بقوة.

كين (بهمس داخلي): "أورانيو…"

بعد عدة دقائق، دخلت ممرضة شابة تحمل في يدها بعض الملفات، ابتسمت عندما رأت كين مستيقظاً، لكنها تجمدت مكانها عندما لاحظت ملامحه.

الممرضة (بتوتر): "هل كل شيء بخير، سيدي؟ هل تحتاج إلى شيء؟"

كين لم يجبها. كان يجلس بهدوء على السرير وهو يحدق في اللفافة الصغيرة الموضوعة على الطاولة. ثم مد يده ببطء وأخذها.

الممرضة (بقلق وهي تقترب): "سيدي، لا يجب عليك التحرك كثيراً… جسدك لم يتعافَ بعد."

كين (بصوت بارد): "أحضري لي ثيابي… الآن."

الممرضة (مندهشة): "ماذا؟! لكنك تحتاج للراحة أسبوعين على الأقل!"

رفع كين عينيه نحوها ببطء. ونظر إليها بتلك النظرة الحادة.

كين (بصوت لا يقبل النقاش): "قلت لكِ… الآن."

ترددت الممرضة للحظة، ثم انحنت برأسها وهرعت إلى الخارج. وبعد نصف ساعة، كان كين قد غادر غرفته مرتدياً قميصاً أبيضاً خفيفاً وبنطالاً داكناً. حين وصل إلى بوابة المستشفى، كان أكيرا واقفاً هناك وهو مستند إلى جدار، ويمضغ عوداً رفيعاً من العشب بين أسنانه.

أكيرا (يرفع حاجبه): "حقاً؟ ما هذه، رحلة الموت؟"

كين (بصوت منخفض): "أحتاجك معي."

أكيرا (بضحكة قصيرة): "تعجبني طريقتك في طلب المساعدة."

ثم رمى عود العشب بعيداً، ولحق به بخطوات واسعة.

أكيرا (وهو يضع يده خلف رأسه): "إلى أين أيها الجثة المتحركة؟"

كين (دون أن يلتفت): "أورانيو."

توقف أكيرا عن المشي للحظة، وعبست ملامحه.

أكيرا (بصوت شبه مصدوم): "جزيرة المنفيين؟! هل فقدت عقلك تماماً؟"

كين (ببرود): "ربما… أو ربما أستعيده هناك."

أكيرا (يمشي بجانبه بعد تنهيدة طويلة): "تباً… كان يمكنني قضاء يومي في التسكع والمغازلة… لكن لا، سأذهب معك إلى حفرة العالم السفلي."

سار الإثنان في الشارع مرتديان حقيبتيهما، وكان الجو معتدلاً. أخرج كين علبة سجائره من جيب سرواله ثم فتحها، وأخرج منها سيجارة ليضعها بين شفتيه دون أن يبطئ مشيته. ولكن قبل أن يشعلها، مد أكيرا يده بخفة كعادة اللصوص، وسحب سيجارة لنفسه من العلبة بنفس الحركة السريعة التي كان يستعملها عندما يسرق الفاكهة من السوق.

أكيرا (بابتسامة واسعة وهو يضع السيجارة بين شفتيه): "أعرف أنك بخيل… لكن عليّ أن أحتفل بهذه الرحلة، أليس كذلك؟"

رمقه كين بنظرة جانبية باردة وهو يشعل سيجارته بإصبعه، أشعل سيجارته أولاً، قبل أن يمد إصبعه ليشعل سيجارة أكيرا باختصار ودون أي كلمة.

كين (بصوت هادئ وهو يأخذ أول رشفة): "أكيرا… لقد دخنت سيجارتين هذا الأسبوع بالفعل."

أكيرا (وهو يأخذ نفساً عميقاً من السيجارة ويزفر الدخان ببطء): "ثلاثة سجائر لن تقتلني، يا عدو الموت."

ضحك أكيرا بخفة وهو ينفث الدخان جانباً، يتلذذ باللحظة وكأنها بداية مغامرة جديدة لا يعرف إن كان سينجو منها. أثناء سيرهم، بدأت نظرات الناس تلاحقهما. بعض المارة تباطأوا في مشيهم، وبعض الفتيات على الأرصفة أو في المقاهي القريبة توقفن عن الحديث لبرهة، وبدأن يحدقن.

فتاة أولى (بصوت منخفض مندهش): "انظري لأحمر الشعر ذاك… عيناه الرماديتان مذهلتان… من المستحيل تواجدها في زيتارا!"

فتاة ثانية (تبتسم بخجل): "يا إلهي، كم هو وسيم! يبدو أجنبياً، قد يكون من مملكة كاجي!"

وفي الجهة الأخرى، كانت مجموعة أخرى من الفتيات تهمسن فيما بينهن بينما عيونهن لا تفارق أكيرا، الذي كان يسير بخطى مرنة بابتسامة خفيفة على وجهه.

فتاة ثالثة (بهمس وهي تراقب أكيرا): "ذلك الطويل… إنه لا يبدو بشرياً تماماً… ملامحه قوية وجذابة بطريقة غريبة."

فتاة رابعة (تبتسم بمكر): "صحيح بأنه مستذئب، ولكن لا يمكنني التوقف عن النظر إليه!"

شعر أكيرا بالأنظار تلاحقه، ولم يضيع الفرصة كالعادة. أطلق ضحكة قصيرة، ثم أدار رأسه نحو إحدى المجموعات، وغمز لها بإحدى عينيه بينما ينفث دخان سيجارته في الهواء وكأنه نجم مسرحي معتاد على الجمهور.

أكيرا (بصوت خفيف ماكر وهو يلوّح بسيجارته): "لا داعي للخجل… يمكنكن إلقاء الورود أيضاً."

ضحكت بعض الفتيات بخجل، وأحداهن وضعت يدها على قلبها وكأنها تلقت سهم حب مباشر، بينما الأخرى كادت تسقط من الكرسي وهي تحدق به. أما كين، فقد كان يسير بجانبه دون أن يظهر أي اهتمام.

أكيرا (ينظر إلى كين ويضحك): "لو كنت قد ابتسمت لمرة واحدة فقط، لكنا بحاجة إلى فرقة إطفاء لإخماد الحرائق."

كين (ببرود دون أن يلتفت): "أنا لا أعمل في السيرك."

أكيرا (بصوت مداعب وهو يدفعه بمرفقه بخفة): "بل أنت السيرك نفسه يا صاحبي، لكن بنسخة مظلمة."

لم يرد كين. سحب نفساً عميقاً من سيجارته، ثم زفر الدخان ببطء كأنه يتجاهل كل هذا الهراء الطفولي حوله. سار الاثنان عدة خطوات إضافية في صمت مريح، قبل أن ينفث أكيرا دخان سيجارته جانباً ويقطب حاجبيه وكأنه تذكر شيئاً مزعجاً.

أكيرا (بصوت شبه متذمر): "لحظة… أورانيو جزيرة، صحيح؟"

كين (دون أن يتوقف): "أجل."

أكيرا (يرفع حاجبه بسخرية): "جميل جداً… وكيف تخطط أن نصل إليها أيها العبقري؟ لا توجد سفن فاخرة، ولا تذاكر، ولا خطة واضحة. الرحلة وحدها قد تستغرق أياماً إن مشينا أو أبحرنا مع أحدهم."

توقف كين للحظة، وبدأ يفكر ويراجع بعض ذكرياته.

كين (بصوت منخفض وهو يشيح بسيجارته جانباً): "ربما… لا نحتاج سفينة."

وقف كين بثبات وهو يتذكر… ظهر في عقله مشهد قاتم – لحظة معركته ضد ماكيا. عندما كان كل شيء على وشك الانهيار… حينها استطاع أن يستدعي شيئاً في أقصى يأسه. حيث قام باستدعاء تنين ناري ضخم، جسده يتلوى بين ألسنة اللهب، خرج من فاكنه كوحشٍ من الأساطير.

كين (بصوت منخفض كأنه يتحدث مع نفسه): "التنين…"

أكيرا (يلوح بيده أمام وجهه): "كين؟ ما الذي تهلوس به؟"

التفت كين ونظر إليه بعينين رماديتين تلمعان بشرارة صغيرة.

كين (بهدوء قاتل): "في معركة ماكيا… أطلقتُ تنيناً. أنت رأيت ذلك."

تسمرت قدما أكيرا للحظة. ثم تذكر تماماً تلك اللحظة: النيران تلتف، الأرض تهتز، وتنين كين الأحمر ناري يزأر في السماء.

أكيرا (بعينين متسعتين ثم ابتسامة متحمسة): "آه صحيح! يا رجل… كدت أنسى ذلك الوحش المجنون!"

رفع أكيرا قبضته وضرب كين بخفة على كتفه.

أكيرا (بحماس طفل): "إن كنت تستطيع استدعاء ذاك التنين مجدداً… فيمكننا أن نركب فوقه ونطير إلى أورانيو خلال ساعات!"

كين (ينظر إلى يده اليسرى، حيث يتجمع فاكنه عادةً): "لم أجرب استدعاءه مرة أخرى… كان أشبه بانفجار عاطفي أكثر من أمر مدروس."

أكيرا (بابتسامة واسعة): "لا مشكلة! جرب فقط ألا تحرقنا ونحن فوقه."

كين (بهدوء وهو يسحب نفساً أخيراً من سيجارته): "إذا سقطنا… فأنت السبب."

أكيرا (يمد ذراعيه): "سقوط ملحمي أو رحلة أسطورية! كلاهما أفضل من البقاء هنا."

استدار كين ببطء نحو منطقة خالية من الناس، وبدأ يتحسس فاكنه بداخله… كانت الحرارة تتصاعد تحت جلده، وكان على وشك أن يحاول من جديد… أن يستدعي ما لم يكن واثقاً إن كان سينجح أو يدمّر نصف المكان. ثم أغمض عينيه، تنفس ببطء… وبدأ يركّز.

صوت الريح الخفيف حوله تلاشى تدريجياً، حتى لم يعد يسمع سوى نبضه العميق. مدّ كفه للأمام، وأغمض أصابعه كمن يحاول الإمساك بشيء غير مرئي.

كين (بصوت داخلي عميق): "ناري… استجيبي لي… مجدداً."

بدأ الهواء حوله يسخن بشكل ملحوظ. شعر أكيرا بذلك وتراجع خطوتين إلى الخلف بحذر.

أكيرا (يهمس بانبهار): "رائع… بدأ العرض."

بدأت شرارات حمراء داكنة تتطاير من راحة يد كين، ثم فجأة، اندفع عمود ناري ضخم إلى السماء مسبباً دوامة من الرياح حولهما! بدأ يُسمَع صوت زئير خافت من قلب النيران.

انشق اللهب فجأة، ومن وسطه برز رأس التنين. كان ضخماً ومغطى بقشور متوهجة كالجمر، وعيونه تتوهج بلون أصفر ناري. فتح فمه وأطلق زئيراً جعل الأرض تهتز تحتهما، ورقصت ألسنة اللهب حوله كأنها تحتفل بولادته مجدداً.

أكيرا (يضحك وهو يرفع يده ليحمي وجهه من ضغط الريح): “هاهاها! هذا… هذا جنون! أنت حقاً استدعيت الوحش!”

نظر كين إلى أكيرا والريح تضرب شعره بعنف.

كين (بصوت بارد، لكنه يحمل شيئاً من الفخر): "هيا بنا."

اقترب التنين العملاق وخفض رأسه أمام كين وأكيرا، كأنه يعترف بسيادتهما. قفز كين بخطوة واثقة إلى ظهره، بينما تبعه أكيرا بسرعة.

أكيرا (وهو يحاول التوازن): "تباً لك… لا يمكنني التفاخر على الفتيات إن متُّ قبل أن أصل!"

كين (بسخرية جافة وهو يستعد للإقلاع): "تمسك جيداً… لن نعود من منتصف الطريق."

ضغط كين راحتيه على قشور التنين، وأصدر أوامره بفاكنه. رفرف التنين بجناحيه الهائلين، ثم قفز إلى السماء، وتصاعدا فوق المدينة بسرعة مذهلة. تحول الناس على الأرض إلى نقاط صغيرة، والأبنية إلى خطوط باهتة… بينما كان كين وأكيرا يحلقان فوق العالم… نحو أورانيو.

أكيرا (وهو يصرخ فوق الرياح، مبتسماً ابتسامة عريضة): "هيااااااا! هذه أفضل رحلة مجانية خضتها في حياتي!"

بينما كان التنين العملاق يشق السماء بجناحيه الضخمين، بدأت المدينة تحتهم تعج بالهمسات والصرخات. وقف الناس في الشوارع، وتجمّع الأطفال والنساء عند النوافذ والأسطح.

رجل في السوق (وهو يشير نحو السماء): "تنين!! إنه… تنين حقيقي!!!"

امرأة (وهي تضع يدها على فمها بدهشة): "هل هذه نهاية العالم؟!"

في أحد شوارع زيتارا، كان زايلوس يسير بهدوء ويده تستند إلى مقبض سيفه الغريب، حين شعر باهتزاز الريح بشكل غير طبيعي. رفع رأسه ببطء، وعيناه الخضراوان تحدقان في سماء المدينة، ورأى المشهد. تنين ناري عملاق يشق السماء بجناحين من اللهب، وشخصان صغيران نسبياً يركبان ظهره.

زايلوس (بصوت خافت وهو يغمض عينيه نصف إغماضة): "إنه هو."

ابتسم زايلوس ابتسامة صغيرة وباردة، وهو يراقب آثار اللهب التي يتركها التنين خلفه.

زايلوس (بابتسامة غامضة وهو يسير بعيداً): "يوكاجي كين، دعنا نرَ إلى أين سيقودك هذا الطريق الناري… يا فتى النار."

[جزيرة أورانيو – نُزل البحر الضائع]

كان آرثر وسيلينا يغطّان في نومٍ عميق في غرفتهما المهترئة. وبعد لحظات، فتحت سيلينا عينيها ببطء، وبدأت تتحسس السرير المتهالك بجانبها. حاولت أن تنهض… لكن فجأة، لمحَت حركة صغيرة على الحائط المتشقق. تصلبت نظراتها عندما رأت صرصاراً ضخماً يتحرك فوق الحائط وكأنه يتجول في قصره الخاص.

سيلينا (بهمس خافت مرتجف): "ماذا…؟"

في لحظة، تحولت الهمسة إلى صرخة مدوية:

سيلينا (تصرخ وهي تقفز على السرير): "آآآآآآه!!! صرصار!! صرصار في الغرفة!!!"

ارتفع آرثر فجأة من سريره المقابل وهو نصف نائم، شعره الأحمر مبعثر، وعيناه نصف مفتوحتان.

آرثر (وهو يصرخ من دون أن يدري السبب): "ماذاااا؟ من الذي يحاول اغتيالي؟!"

رمى الوسادة بعشوائية نحو الجدار وكأنها قنبلة يدوية.

سيلينا (تصيح وهي تتراجع إلى الزاوية): "هناك شيء حي يركض على الحائط!!"

نظر آرثر بسرعة نحو الحائط حيث كانت تشير سيلينا… ثم رأى الصرصار الضخم يتحرك بكل أريحية.

آرثر (يصرخ بذعر): "تباًااا! ما هذا الكائن الجحيمي؟!"

قفز من السرير حافي القدمين، وبدأ يلوّح بيده بعشوائية وكأنه يقاتل وحشاً أسطورياً.

سيلينا (مذعورة): "اقتله!! اقتله بسرعة قبل أن يتكاثر!"

آرثر (بصوت يائس وهو يحاول التقاط شيء من الأرض): "أنا أمير، لستُ صياد حشرات!"

قفز الصرصار فجأة إلى الأرض وركض تحت أحد الأسرة، مما جعل سيلينا تصرخ مرة أخرى وترمي حذاءها نحوه بلا وعي.

آرثر (وهو يحاول كتم ضحكته): "بحق الله، سيلينا… أنتِ قادرة على حرق جيش بأكمله، وتنهارين بسبب صرصار؟"

ضحك آرثر ضحكة قصيرة، ثم تقدم بخطوتين بطيئتين نحو السرير، وضع يده على الأرض، ومد إصبعه بخفة، فاشتعلت شرارة صغيرة حمراء من فاكن النار خاصته.

آرثر (بابتسامة جانبية ساخرة): "شاهدي وتعلمي… هكذا ينهي وريث مملكة النار معركة حقيقية."

ثم وجه إصبعه أسفل السرير… وأطلق شرارة صغيرة! انفجرت تحت السرير شعلة خفيفة لثوانٍ معدودة، ثم تحول الصرصار إلى رماد.

آرثر (يقف وينفض يديه بفخر): "تم اصطياده رسمياً. ادفعي لي أجري لاحقاً كصياد محترف."

نظرت سيلينا إليه بذهول لحظات… ثم صفعت جبينها بيدها فجأة.

سيلينا (بصوت مرتبك ومحرج): "تباً لي… لدي فاكن نار أيضاً… كان بإمكاني حرقه بسهولة!!"

آرثر (بابتسامة واسعة وهو يمرر يده في شعره الأحمر): "لكن الفرق أنني لم أصب بالشلل أمام جندي صغير من جيش الحشرات."

اقترب منها ومد يده ليساعدها على النهوض من الزاوية، وعيناه تلمعان بسخرية خفيفة.

آرثر (بابتسامة جانبية وهو يغمز): "لا بأس يا أختي النبيلة… سنسجل هذا في مذكراتنا: عندما انتصر آرثر العظيم على جيش الصراصير، وأنقذ أميرة كاجي المرتجفة."

سيلينا (وهي تضرب ذراعه بخفة): "أحمق."

ضحكا معاً أخيراً… رغم رائحة الاحتراق الطفيفة التي بدأت تنتشر في الغرفة بسبب العملية البطولية لآرثر.

آرثر: "ربما كان علينا قتل الصرصار بطريقة أقل احتراقاً."

جلس آرثر على السرير المتهالك وهو يمدد ذراعيه بتكاسل.

آرثر (وهو يتثاءب): "يكفي دراما لهذا الصباح… ماذا الآن؟ نبحث عن قهوة، أم عن مغامرة أخرى ضد آفات الجزيرة؟"

سيلينا (تتحدث وهي تحدق في الشارع من النافذة): "لا تنسَ لماذا جئنا أصلاً… نحن هنا للعثور على جمرة فالكا، أليس كذلك؟"

آرثر (يلوح بيده بلا مبالاة): "آه صحيح… تلك الجوهرة العجيبة التي تبدو وكأنها مقتطعة من قلب بركان."

جلس معتدلاً فجأة، وارتسمت على وجهه ملامح اهتمام حقيقي لأول مرة منذ مجيئهم.

آرثر (بصوت أكثر جدية): "قال الرجل العجوز في النُزل أمس أن كل الأشياء الخطرة تُباع فقط في السوق السوداء هنا…"

سيلينا (تدير رأسها نحوه): "نعم، لكنه لم يخبرنا أين تقع بالضبط. وكالعادة، يبدو أن الكل هنا يفضل أن يتحدث بالألغاز."

آرثر (يبتسم بكسل): "على الأرجح لأن السؤال وحده قد يجلب لك لكمة أو طعنة. أورانيو ليست مكاناً للفضوليين الأبرياء."

بدأ آرثر وسيلينا يتجهزان للخروج من الفندق، رتبت سيلينا سترتها وألقت نظرة أخيرة محتقرة على الغرفة، بينما كان آرثر يمرر يده خلال شعره الأحمر وهو يتجه نحو الباب.

آرثر (بصوت ساخر): "لن أشتاق لهذه الجدران العفنة… ربما أبعث لها بطاقة شكر إذا نجونا."

نزلا عبر السلم الخشبي حتى وصلا إلى الطابق السفلي، حيث كان صاحب النُزل الأصلع يجلس خلف الطاولة وهو يدخن غليونه، وعيناه نصف مغمضتين كما لو أنه شاهد كل قذارة العالم ولم يعد يكترث بشيء. وقف آرثر أمام الطاولة، ثم وضع كوعيه عليها وانحنى بخفة للأمام مبتسماً ابتسامة جانبية خفيفة.

آرثر (بصوت هادئ): "صباح الخير أيها السيد… لدينا سؤال بسيط قبل أن نكمل مغامرتنا مع الجرذان والصراصير."

رفع صاحب النُزل حاجبه بدون حماس، وأطلق سحابة دخان.

صاحب النُزل (بصوت خشن): "إذا كنتم تسألون عن وجبة الإفطار… فليس لدينا سوى خبز قديم وقهوة تشبه النفط."

سيلينا (بصوت بارد وحازم): "نحن نبحث عن شيء آخر… نريد معرفة مكان السوق السوداء."

ساد صمت ثقيل للحظة. نظر الرجل إليهما بتمعّن أطول هذه المرة…

صاحب النُزل (بصوت أجش ومنخفض): "أنتم لا تبدون من النوع الذي يجب أن يعرف."

آرثر (بابتسامة ساحرة وهو يمد قطعة نقدية صدئة فوق الطاولة): "ربما نحن فقط من النوع الذي يستطيع دفع ثمن المعرفة."

حدق صاحب النُزل بالقطعة النقدية، ثم التقطها بخفة وأخفاها بمهارة تحت الطاولة.

صاحب النُزل (بهمس بالكاد يسمع): "اذهبوا إلى الزقاق الخلفي خلف حارة 'الكلب الميت'… هناك باب خشبي نصف مكسور. اطرقوا عليه ثلاث طرقات، ثم طَرقة أطول. قولوا فقط… أنكم جئتم 'لرؤية الرماد'."

سيلينا (بصوت منخفض وهي تشد قبضة يدها): "فهمنا."

ابتسم آرثر بخفة، ثم مال للأمام وهمس:

آرثر (بصوت شبه ساخر): "وإن صادفنا المزيد من الصراصير… فسوف أرسلها لتحيتك."

ضحك صاحب النُزل بسعال مكتوم وهو يلوّح بيده كأنما يطردهم.

صاحب النُزل: "في أورانيو… الصراصير أكثر أماناً من البشر. احذروا… السوق السوداء ليست سوقاً فقط… إنها فخ ينتظر المغفلين."

غمز آرثر لسيلينا بخفة، ثم استدارا وغادرا البهو بخطوات هادئة… وهما يعلمان أن رحلتهما نحو الجمرة لن تكون سهلة أبداً.

يتبع…

2025/04/28 · 9 مشاهدة · 2402 كلمة
Sara Otaku
نادي الروايات - 2025