بداخل الملجأ الذي كان عبارة عن مدرسة قديمة، كان الناس يتكدسون داخل الغرف والممرات، أصوات البكاء والهمسات المتوترة تملأ الجو. جلس كين في زاوية ضيقة بجانب يوكو وشقيقها الأكبر، بينما كان كلٌ منهم يحتضن نفسه كأنه يحاول صدّ ما يحدث في الخارج.

كين (بصوت خافت وقلق): "أنا... قلق على عائلتي. لم أستطع حتى أن أودّعهم..."

شقيق يوكو (ينظر إلى السقف): "نحن أيضاً... أمي وأبي وأختي ليسوا في البيت حين هربنا. لا نعلم إن كانوا قد نجوا."

وقبل أن يتبادلوا المزيد من الكلمات، دوّى انفجار هائل قرب المبنى، لتهتز الجدران والأسقف وكأنها ستنهار فوق رؤوسهم. تعالت صرخات النساء، وانفجر بكاء الأطفال. سقط غبار من السقف، وازداد صوت صفارات الإنذار الطائرات في السماء.

تمسّك الثلاثة ببعضهم البعض. أغلق كين عينيه بقوة، كانت يداه ترتجفان. وشعر بأنه قد لا يرى الصباح التالي. مرّت ساعتان كأنهما دهر. ثم بدأت الأصوات تتراجع، وكأن العالم أخذ نفساً عميقاً بعد نوبة جنون.

كين (وهو ينظر لباب المدرسة): "أعتقد أن الأمور هدأت... هل نخرج لنبحث عن عائلاتنا؟"

يوكو (بصوت مرتجف): "نعم... لا أستطيع الانتظار أكثر."

نهضوا وساروا نحو الخارج بخطوات مترددة. وما إن تجاوزوا بوابة المدرسة، حتى بدأوا يسمعون طلقات رصاص حادة، وصراخ، وجنود يركضون وهم يطلقون النار عشوائياً على المدنيين. توقف كين وتجمد جسده. عينيه وقعتا على رضيع يزحف فوق الأرض وسط الفوضى. وما هي إلا لحظات حتى اقترب جندي وأطلق عليه رصاصة مباشرة في الرأس، فتناثرت منه الدماء.

انهارت يوكو وهي تصرخ: "إنه طفل!! طفل فقط!! لماذا يقتلون الأطفال...؟!"

ثم ظهر جندي آخر خلفهم. كان ضخم الجثة، بملابس ممزقة ومغطاة بدماء. رفع مسدسه ببطء... وأطلق النار دون إنذار. اخترقت الرصاصة صدر شقيق يوكو، وسقط فوراً بدماءه. انهارت يوكو على الأرض بجانبه وهي تصرخ.

يوكو (وهي تصيح وتنفجر بالبكاء): "أخييييييييي!!"

لم تعد يوكو تعرف كيف تتنفس. اقترب الجندي منها، لكن كين سحب يدها وركض بها بقوة رغم انهيارها. لم ينظر خلفه، كان يركض كمن يهرب من قدرٍ محتوم. ولحسن الحظ أن طلقات الجندي لم تصبهما.

وصلا إلى زقاق ضيق مظلم لا يصل إليه ضوء الشمس. هناك، انهارت يوكو مجدداً وهي تبكي وتشهق كأن قلبها سينفجر، فجلس كين بجانبها واحتضنها بصمت، والدموع تسيل على وجهه.

كين (بصوت خافت): "أنا آسف يا يوكو... آسف على كل شيء..."

لم تجبه يوكو. واستمرت بالبكاء في حضنه، وأصابعهما متشابكة كأنهما يحاولان التمسك بآخر خيط من الحياة. بعد دقائق، وقف كين ونظر أمامه.

كين: "هيا بنا... علينا العودة... ربما... ربما ما يزال هناك أمل."

سارا معاً نحو الشارع الرئيسي، متجاوزين جثثاً محترقة وأنقاضاً سوداء، حتى وصلا إلى منطقتهما. وهناك... وقف كين وعلامات الصدمة على وجهه.

كين (بصوت مكسور): "منزلي... إنه... يحترق."

دفع كين باب المنزل المحترق بكل قوته، سعل بشدة وهو يضع يده على فمه وأنفه، كمحاولة منه أن يمنع تسلل الدخان إلى رئتيه. بينما توجهت يوكو إلى منزلها الذي كان يحترق بدوره.

كين (يسعل بعنف): "أمي!! دان!! أبي!! إيميلي!!! هل أنتم هنا؟!!"

دخل كين بخطوات متعثرة إلى غرفة المعيشة، وما إن وقعت عيناه على المشهد، حتى توقفت أنفاسه للحظة... والدته ماشا كانت ممددة على الأرض وهي تحتضن إيميلي الصغيرة بذراعيها، كأنها كانت تحاول حمايتها حتى الرمق الأخير. ملامحهما كانت ساكنة، بلا جروح... بلا دماء... فقط وجهيهما مائلين إلى الزرقة.

كين (بصوت مخنوق): "لا... لا... لا... مستحيل... أمي... إيميلي!!"

هرع كين إليهما وركع على الأرض وانفجر بالبكاء. دفن وجهه في حضن والدته، وهو يصرخ كطفل تائه وسط العاصفة:

كين: "أمي! أرجوكِ لا تتركيني! استيقظي... أنتِ بخير، أليس كذلك؟ أنتِ فقط نائمة... أنا هنا الآن...!"

سعل كين مرة أخرى بشدة أكبر. بدأ رأسه يدور، وعيناه تغرورقان من الدخان، ثم لاحظ قنبلة صغيرة مرمية قرب المدخل الخلفي... لم تكن كأي قنبلة، كان سطحها معدنياً ومفتوحاً بعض الشيء.

كين (بصوت مشوش): "غاز... هذه قنبلة غازية... لقد... لقد خنقوهم أولاً..."

انفجر كين بالبكاء مجدداً وكأن كل شيء بداخله كان يتحطم.

كين (وهو يهز إيميلي): "إيميلي! افتحي عينيكِ... ألم تقولي أنك متحمسة للمدرسة؟ ألم تقولي أنكِ تريدين أن تصبحي طبيبة؟! هيا... قولي أي شيء... أرجوكِ..."

بدأ السعال يزداد حدة. أصبح كين يختنق، عرقه يسيل، ورجلاه ترتجفان. رفع رأسه، ثم مد يده المرتعشة وسحب قلادة والدته من عنقها، ثم أخذ دمية إيميلي الصغيرة التي كانت بجانبها، وبعض الصور التي وقعت من الأرفف، ووضعها كلها في حقيبته الصغيرة. ألقى نظرة أخيرة... طويلة، حزينة، وكأنه سيترك قلبه القديم هنا إلى الأبد.

كين (بصوت مبحوح، وهو يهمس): "مع السلامة... أمي... إيميلي... أنا آسف... لأنني لم أكن هنا لحمايتكما."

نهض كين بصعوبة، وقد غطّى السواد وجهه وثيابه. شق طريقه بين الحطام المشتعل، وكل نفسٍ كان كالسكاكين داخل رئتيه، الهواء مختلط برائحة الغازات السامة والدخان، والسعال يقطع صدره بلا رحمة.

كين (يهمس بصوت متهالك وهو يسعل): "أمي... ساعديني... لا أستطيع التنفس..."

وفجأة، انفجرت قنبلة نارية أخرى على المنزل المحترق، زلزل الانفجار الجدران المتبقية، وألقى بكين بقوة نحو الحائط القريب. اصطدم جسد كين بالصخر، وارتطم رأسه بجانب الباب، وفُتِحَ جرح صغير في جبينه، فسالت منه الدماء ببطء على حاجبه.

سقط كين أرضاً وهو يتلوى من الألم، وعيناه بالكاد تفتحان، حاول أن ينهض، لكنه سقط مرة أخرى، ثم بدأ يزحف ببطء على مرفقيه، متجاوزاً الدمى المحترقة والكتب المتفحمة.

كين (بأنفاس متقطعة): "أنا... لا أريد... أن أموت هنا..."

مع كل زحف كان صدره ينقبض، وكأن رئتيه ستنفجران، حتى بدأ يسمع طنيناً في أذنه، ورؤيته تضعف تدريجياً. لكنه استمر. عضّ على شفته ليقاوم الإغماء، وسحب نفسه إلى أن وصل أخيراً إلى الباب، وخرج من بقايا المنزل المنهار قبل أن يسقط السقف المحترق بأكمله فوق المكان الذي كان فيه.

بمجرد خروجه، انهار على الأرض أمام المنزل، صدره يرتفع ويهبط بجنون، وكأن جسده يبحث عن ذرة أكسجين واحدة وسط الجحيم. كان جسده مليئاً بالخدوش، وجبهته تنزف، وذراعه مغطاة بحروق سطحية.

كين (وهو يهمس لنفسه، بعينين نصف مغلقتين): "لقد رحلوا... أمي... إيميلي... لم أستطع فعل شيء..."

خرجت يوكو من باب منزلها المجاور. شعرها الأسود القصير كان ملتصقاً بوجهها من شدة البكاء، وعيناها محمرتان بشكل مخيف. لم تكن الطفلة البريئة نفسها التي كانت تضحك في فناء المنزل صباح اليوم...

بل كانت الآن مجرد ظل لإنسانة صغيرة مصدومة وضائعة.

بقايا أمها كانت بين الأنقاض... ووالدها كان ممزقاً تحت جزء من السقف المنهار... الدماء كانت في كل زاوية... ورائحة احتراق اللحم البشري لا تطاق. فقدت القدرة على الصراخ، أو حتى البكاء... لكنها رأت كين.

يوكو (بصوت خافت): "كين...؟"

رأته يلهث وجسمه ملطخ بالدماء والرماد، ويده تمسك بحقيبة صغيرة وكأنها الشيء الوحيد المتبقي من عالمه. ركضت نحوه بلا وعي، وسقطت على ركبتيها بجانبه، ثم مدّت يدها ولمسته بلطف على كتفه.

يوكو (والدموع تقطع صوتها): "كين... أنت... على قيد الحياة...؟"

فتح كين عينيه بصعوبة ونظر إليها، كان وجهه شاحباً ويواجه صعوبة في النطق.

كين (بصوت مبحوح بالكاد يُسمع): "هل... هل بقي أحد منهم...؟"

يوكو (بصوت منهار): "لقد... لقد ماتوا... أمي... أبي... كلهم ماتوا يا كين... وأختي... مفقودة..."

كين (بهمس حارق): "وأنا أيضاً... رأيت أمي وأختي ميتتان."

نهضت يوكو بينما كان كين ما زال ملقى على الأرض وهو يلهث ويسعل بقوة.

يوكو (بصوت مرتجف، لكنه مفعم بالإصرار): "علينا أن نتحرك يا كين... هذا المكان لم يعد آمناً."

مدّت يدها المرتجفة إليه، فرفع كين يده ببطء ووضعها في يدها الصغيرة، ووقف مترنحاً. وعندما بدأوا بالمشي في الشوارع المحطمة، لمح كين فجأة شخصاً مألوفاً من بعيد... ركض بلا تفكير، وكل شيء داخله كان يصرخ: "دان!" اقترب أكثر، حتى اتضحت ملامح أخيه الأكبر. نعم، كان هو.

كين (وهو ينهار في حضنه ويبكي بحرقة): "دان! أخي! أنت حي! ظننتك... ظننتك مت معهم... أمي... إيميلي... التوأمان... لقد... لقد ماتوا جميعاً..."

ارتجف جسد دان، وبدت الصدمة عليه وكأنها أصابته في مقتل. احتضن كين بقوة وكأن حضنه وحده قادر على حماية أخيه من كل الدمار المحيط.

دان (بصوت مخنوق): "لا... لا يمكن... أمي... إيميلي..."

ثم شهق بنعومة، وانسابت الدموع من عينيه بلا مقاومة.

دان (يحاول أن يبدو قوياً): "والدي خرج للبحث عنك... لم أره منذ ذلك الوقت..."

مشى الثلاثة معاً بهدوء، حتى خرج من أحد الزوايا جندي غريب الهيئة. ملامحه كانت باردة، ابتسامته مائلة ومزعجة، وملابسه مليئة بالدم.

الجندي (يتفحصهم بعين حادة): "شعر أحمر... وعيون رمادية؟... كم هذا مألوف... أنتما ولدا أكاكو، أليس كذلك؟"

دان (بحدّة): "ومن تكون أنت؟!"

الجندي (بضحكة قصيرة): "لست مهتماً بالتعارف. أنا فقط هنا لإنهاء ما بدأه غيري."

وقبل أن ينهي جملته، اندفع إلى الأمام وأمسك بكين من يده اليمنى، ثم أمسك دان من يده اليسرى، وكأنهما مجرد دمى صغيرة.

الجندي: "الآن، من منكما يجب أن يرحل أولاً؟"

صرخت يوكو، وارتجف كين، عيناه تسمرتا على المسدس الذي اقترب من رأسه. فخرجت منه أنفاس متقطعة وسعال لم يتوقف.

الجندي (بابتسامة قاتلة): "ماذا إن بدأنا بالصغير؟ أحب ردود أفعال الصغار."

دان (وهو يصرخ): "اتركه! خذني أنا بدلاً منه! إنه طفل، لا يعرف شيئاً!"

نظر الجندي إلى دان مطولاً، ثم ضحك ببرود.

الجندي: "يالها من شجاعة... نعم... هذا ما يعجبنا في أمثالكم أيها اليوكاجي."

ثم حرر كين بعنف، وجعل فوهة مسدسه تستقر على جبين دان.

الجندي: "واحد منكم يجب أن يختفي الآن..."

تجمد كين في مكانه واتسعت عيناه من هول المنظر.

دان (ينظر إلى عيني كين بآخر ما تبقى فيه من حياة): "عِش يا كين... حتى لو كان الألم لا يُطاق... عليك أن... تواصل الطريق... اهرب!"

ضغط الجندي على الزناد. سقط دان في لحظة واحدة بعد أن اخترقت الرصاصة رأسه، والدماء تفجرت منه كالنافورة. ما إن سمع كين صوت الطلقة، حتى ارتعشت شفتيه، وحدقت عيناه في جسد دان الذي انهار أمامه ببساطة، والدماء تتفجر من رأسه وتلطخ الأرض. لحظة واحدة فقط، لكنها كانت كافية لتحطيم كين إلى الأبد.

كين (بصرخة من أعماق روحه): "داااااااااااااااااااااااان!!!"

ركع كين على الأرض وهو يصرخ بكل ما تبقى من أنفاسه، صرخة اختلط فيها الغضب، والانكسار، واليُتم، صرخة هزت الزقاق حتى ارتد صداها بين الجدران. جسده كان يرتجف من شدة الانهيار... ثم خفت صوته شيئاً فشيئاً... واختفى تماماً.

فقد كين وعيه. يوكو التي كانت تراقب كل شيء بعيون متجمدة، ركضت نحوه مباشرة وسقطت على ركبتيها بجانبه.

يوكو (وهي تهزه بجنون): "كين! لا! كين، أرجوك! لا تمُت أنت أيضاً! لا تفعل بي هذا...!!"

لكن كين كان ساكناً تماماً. في هذه اللحظة، ارتفع صوت طلقات أخرى... فالجندي قد أعاد توجيه سلاحه نحوهما... وبدأ بإطلاق النار! صرخت يوكو من شدة الرعب، لكن شيئاً ما استيقظ بداخلها—غريزة النجاة والإصرار. حملته على ظهرها رغم وزنه وجسدها المنهك، ودموعها لم تتوقف.

يوكو (بصوت مرتجف، بالكاد يُسمع): "كين... أنا لن أتركك... أبداً..."

يتبع...

2025/05/04 · 9 مشاهدة · 1597 كلمة
Sara Otaku
نادي الروايات - 2025