بعد سقوط الثلاثة في الحفرة، مرت عدة دقائق عندما بدأ كين يفتح عينيه ببطء. كانت رؤيته مشوشة، والأضواء من حوله غير واضحة. عندما استعاد وعيه بالكامل، وجد نفسه وحيداً... لا أثر لآكيو ولا فيكو. حاول النهوض، لكنه تأوه من الألم. الجرح الذي أصابه خلال السقوط كان يؤلمه بشدة، ومع ذلك، نهض متجاهلاً الإحساس اللاذع الذي شق صدره.

كين (بصوت متعب): "يبدو أنني مصاب بالحمى.. لقد فقدت الكثير من الدم."

رغم ذلك، تابع سيره بخطوات متثاقلة، وهو لا يعرف إلى أين يقوده هذا الطريق. لكن فجأة، سمع صراخ فتاة من خلف باب حجري ضخم أمامه. كان الصوت غاضباً، محتجاً... لا يشبه صرخات الخوف. أسرع كين وفتح الباب، ثم دخل.

في الداخل، كانت هناك فتاة مراهقة ذات شعر بنفسجي قصير، وعيون بنفسجية تلمع بالغضب، كانت مقيّدة بالسلاسل، وفمها مكمم بقطعة قماش، لكنها كانت تصرخ رغم ذلك. وحولها اصطفّ عدد من الجنود الصخريين قصيري القامة، ملامحهم غريبة، وجوههم أشبه بمنحوتات مشوهة، وكانوا يحيطون بها في دائرة كأنهم حراس ينتظرون الأمر.

أما في الخلف، فقد ارتفع عرش حجري غير منتظم، جلس عليه كائن شفاف يشعّ بضوء أخضر باهت. كان شبحاً بهيئة بشرية، شعره الأسود متوسط الطول يتدلّى على وجهه الشاحب، وملامحه تبدو في منتصف الثلاثينات، لكن عينيه الخاليتين من الحياة كشفتا أنه لم يعد ينتمي لعالم الأحياء. كان ذلك هو الشبح الأسود.

وما إن فتح كين الباب ودخل، حتى استدار الجميع نحوه في آنٍ واحد، حدّقوا في جسده المثقل بالجراح، والعرق البارد يتصبب من جبينه. لكنه رغم ذلك... كان واقفاً.

الشبح الأسود: "أنظروا من شرفنا هنا اليوم، إنه يوكاجي كين بعينه!"

كين (وهو يتنفس بصعوبة): "كـ... كيف تعرف اسمي؟"

الشبح (يضحك باستهزاء): "ههه، لا تكن ساذجاً! شهرتك سبقتك يا فتى. في عالم البشر... وفي عالمي أيضاً. أنت ذلك الطفل الذي واجه الملك سيروس بلا خوف! نحن نعرف عنك كل شيء."

نظرت آن إلى كين، وبدأت تصرخ وهي تحاول لفت انتباهه.

كين (بصوت حاد): "هذه هي آن إذاً... إن كنت ترفض تسليمها لنا، فسآخذها بالقوة. وسآخذ معهما المخطوطة المحرّمة أيضاً!"

ضحك الشبح الأسود بشدة ولمدة طويلة، ثم نظر إلى كين.

الشبح الأسود: "هل تقوم بدور البطولة الآن... يوكاجي كين؟"

كين (وهو يشعل سيجارته ببرود): "لست كذلك، إنه مجرد عمل علي إنجازه من أجل فريقي."

آن(وهي تفكر): "يا.. يا إلهي.. من هذا الوسيم؟! شعره أحمر وعيناه رماديتان براقتان، لقد أسرتني ملامحه!"

أخذ كين رشفة من سيجارته، ثم بدأ يتقدم بخطى بطيئة نحو آن، وهو يراقب الجنود الصخريين الذين تحفزوا للهجوم. حدّق فيهم باستخفاف، ثم أمسك أحدهم بيد واحدة... ورفعه... ثم رماه كالدمية عبر الغرفة.

كين (ساخراً): "هل تنوي قتالي بهذه المخلوقات المثيرة للشفقة؟"

الشبح الأسود (بهدوء): "بما أنك مصاب، فأنت لا تستطيع القتال أصلاً، لهذا استسلم، أعلم بأنك تقاوم الألم وأنك على وشك الصراخ."

كين (بغضب): "هراء! أنا بكامل قوتي!"

آن (تفكر ووجنتيها بدأتا بالاحمرار): "هل سينقذني هذا الفتى الوسيم؟! يبدو أنني في حلم!! إنه زوجي المستقبلي.. اسمه كين-سان!!"

سحب كين سيفه من على ظهره بلا مقدمات، وانطلق وهو يخترق صفوف الجنود الصخريين، بدأ يقطعهم واحداً تلو الآخر بمهارة وسرعة، حتى وصل إلى آن. وما إن مدّ يده ليفك قيودها... حتى ظهر الشبح الأسود أمامه مانعاً إياه.

الشبح الأسود (بصوت بارد): "هل تظن بأنني ألعب معك؟ يوكاجي كين. بعد أن تخلصت من جنودي... ستواجهني الآن. أنا شبح ولا أموت!"

كين (ينظر إليه بثبات): "إذاً... لننهي هذه اللعبة. أرِني ما لديك."

الشبح الأسود (يبتسم ابتسامة شرسة): "أنت من طلبت ذلك... فاستعد!"

ما إن أنهى الشبح الأسود جملته الأخيرة، حتى تلاشى من مكانه كالضباب، ليظهر خلف كين فجأة ويوجه له لكمة قوية في ظهره. ارتطم جسده بالأرض بقوة، لكن كين لم يسمح للألم أن يسيطر عليه، فنهض بسرعة وهو يلهث، محاولاً. استيعاب أسلوب خصمه.

كان الشبح يختفي ثم يظهر من مكان غير متوقع، ليضرب ويختفي مجدداً، وكأن جسده ينتمي للعالم الآخر بالكامل. في البداية، تلقّى كين الضربات الواحدة تلو الأخرى دون أن ينجح في صدها، فقد كان أسلوب الشبح سريعاً ومباغتاً. لكن كين سرعان ما أدرك أنه لن يهزمه بالقوة وحدها، بل بالتركيز.

كين (يفكر وهو يضيق عينيه): "لا يمكنني رؤيته... لكنه موجود. الهواء يتغير... الصوت... الرائحة... ركز يا كين. استخدم كل حواسك."

أغمض كين عينيه، وأسند يده على الأرض، ثم بدأ يركز على محيطه. أصوات تنفس خافتة... خطوات خفيفة... وتلك الرائحة الطفيفة لشيء يحترق كلما اقترب.

كين (يهمس لنفسه بثبات): "لن أدعك تختفي من أمامي مجدداً..."

في مكان آخر من الكهف، كان آكيو يسير وحيداً وهو ينادي بأسماء أصدقائه.

آكيو (بقلق متزايد): "كين؟ فيكو؟ أين أنتما؟!"

وفجأة، داس دون قصد على زر حجري مخفي في الأرض، لتصدر البوابة الكبيرة أمامه صوتاً ميكانيكياً وتُفتح ببطء. أنار ضوء باهت الغرفة التي انكشفت خلفها، ليجد نفسه أمام غرفة جديدة. كانت المخطوطة المحرّمة موضوعة في المنتصف بداخل وعاء زجاجي سميك، وهي محاطة بأشعة ليزر متقاطعة في كل الاتجاهات.

آكيو (بابتسامة متهكمة): "هاه، ما هذا؟"

اقترب آكيو بخفة إلى الحافة التي تبدأ منها خطوط الليزر، وحين حدق أمامه، لاحظ زراً صغيراً مثبتاً في الجدار الآخر.

آكيو (بثقة وهو يرفع سبابته): "حسناً... سأنهي هذا بخطوة واحدة."

أطلق شرارة دقيقة من إصبعه أصابت الزر بدقة، فأطفئت كل أشعة الليزر في الغرفة. ضحك بفخر وهو يتقدم نحو المخطوطة.

آكيو (بفخر): "سهلت المهمة على نفسك يا بطل. بقي فقط كسر هذا الزجاج!"

استل آكيو سيفه بسرعة، وضرب الوعاء الزجاجي بشدة. ولكن بمجرد أن تهشم السطح الأول، انفتح باب أرضي تحت قدميه فجأة، فسقط في حفرة عميقة وهو يصرخ:

آكيو: "آآآآآه! المخطوووطة!!!"

واختفى صوته مع سقوطه... والمخطوطة بقيت مكانها، كما لو أن الغرفة كانت تنتظر من يخطئ.

الأرض، يبكي في صمتٍ مرير.

أفاق فيكو ببطء داخل غرفة باردة ومظلمة، يتسلل إليها ضوء خافت بالكاد يُظهر ما حوله. أمامه، ظهرت ثلاث بوابات حجرية عظيمة، كل واحدة منها تحمل نقشاً غامضاً... نقش يدل بوضوح على أحد أصدقائه: كين، آكيو، وأخته آن.

أمام كل بوابة، وقف تمثال حجري يجسد هيئة من يُمثله، وكأن الحياة تكاد تدب في عروقه. بينما كان فيكو يدور بنظره مرتبكاً، انشق الظلام فجأة، وخرج منه كائن غامض... عباءته السوداء ترفرف حوله بصمت، ووجهه مغطى بالكامل... لا يظهر منه سوى ظل بلا ملامح. صوته كان منخفضاً، عميقاً، يبعث القشعريرة في الجسد:

الكائن الغامض (ببرود مرعب): "أخيراً استيقظت، يا فيكو... اختبارك بسيط: اختر من سينجو. واحد فقط... أما الاثنان الآخران فسيُبادان."

تجمّد الدم في عروق فيكو، واتسعت عيناه من الصدمة. حاول الركض نحو التماثيل، لكنه ما إن اقترب حتى توهجت بقوة، ودفعت جسده للخلف بطاقة غير مرئية.

فيكو (بغضب وارتجاف): "هل تسخر مني؟! أين أختي؟ أين رفاقي؟! أعدهم لي الآن!"

الكائن الغامض: "إن لم تختر... سيموت الجميع."

فيكو (بصوت يزداد توتراً): "أين أختي؟!"

اقترب الكائن منه ببطء، وأخرج من عباءته كرة بلورية صغيرة. في داخلها... ظهرت صورة آن. كانت مقيدة بالسلاسل وهي تصرخ وتحاول المقاومة داخل غرفة الشبح الأسود. ملامح وجهها متعرقة، غاضبة، مرعوبة.

فيكو (يصرخ بجنون): "آآآن!!! ماذا فعلتم بها؟!! أقسم أنني لن أرحمكم!!"

الكائن الغامض (بصوت شيطاني): "يمكننا تحريرها بسهولة. فقط اطلب حمايتها... وسيُمحى الآخرون."

فيكو (بغصة وألم): "لا... كين وآكيو لن يموتا! خلفهما أحلام، ومصائر... أما أنا فليس لدي أي حلم لأحارب من أجله!"

الكائن الغامض: "عليك أن تختار أحد الأولاد على حساب أختك."

سادت لحظة صمت ثقيل، ثم ارتفع صوت فيكو وهو يصرخ:

فيكو: "كفى... إذا كان لا بد لأحد أن يموت... فليكن أنا!"

الكائن الغامض (بدهشة حقيقية): "تضحي بنفسك؟ لأجلهم؟ يا لك من فتى أحمق..."

بدأ جسد فيكو يرتجف. انساب عرق بارد من على جبينه، لكن عينيه بقيتا ثابتتين، تقاومان الرعب المتصاعد داخله.

فيكو (بصوت مخنوق لكنه حازم): "أنا... مجرد صبي غبي... بلا أحلام كبيرة... لكن كين، آكيو، وآن... هم من يصنعون المستقبل! إن كنت ستأخذ أحداً... فخذني!"

الكائن الغامض (بصوت متسائل): "ولكنك لم تعرف كين وآكيو سوى اليوم... ما الذي يجعلك ترغب بالموت من أجلهما؟"

فيكو (بصوت يتقطع لكنه مشبع بالإيمان): "لأنني شعرت بشيء مختلف... شيء لم أشعر به من قبل. كأننا نعرف بعضنا منذ سنوات... كأن بيننا رابط لا يمكن تفسيره. ربما لم أكن سوى جزء صغير من رحلتهم... لكنني... كنت فخوراً بذلك."

بدأ الكائن الغامض يخطو ببطء نحو فيكو، ثم أخرج سيفاً مظلماً من خلف عباءته، ووجهه نحو عنق الفتى المرتجف. ارتجف جسد فيكو من الرعب، لكنه بقي ثابتاً في مكانه، يحدّق في النصل اللامع وهو يقترب منه كأنما يسلّم مصيره للموت. وقبل أن يلامس السيف جلده... توقف الكائن فجأة، ونطق ببرود قاتل:

الكائن الغامض: "أحسنت... لقد اجتزت الاختبار. يمكنك العبور."

فيكو (بصدمة مرتجفة): "ح-حقاً؟! ألن تقتلني؟!"

الكائن الغامض (بلامبالاة): "لم يكن موتك ضمن شروط الاختبار. ولهذا... نجوت أنت، ونجوا جميعاً."

سقط فيكو على الأرض وهو يجهش بالبكاء. اختلطت دموعه بالعرق والارتياح بعد لحظات الرعب التي عاشها.

الكائن الغامض (وهو يتراجع نحو الظلال): "بالمناسبة... أنت تبكي كثيراً. لقد بلّلت الكهف كله منذ أن دخلته."

استدار الكائن واختفى في الظلام، تاركاً فيكو على الأرض، يبكي في صمتٍ مرير.

يتبع...

2025/05/06 · 6 مشاهدة · 1368 كلمة
Sara Otaku
نادي الروايات - 2025