ذلك الطفل ذو الشعر الأزرق. لم يكن أحد يعلم من أين جاء... ولا لماذا بدأت العواصف تلاحق المدينة منذ لحظة ظهوره، لكن شيئاً ما تغير في فالوريا تلك الليلة، شيئاً لن يعود كما كان...

قبل 375 عاماً، استفاق البشر فجأة في أرضٍ لا يعرفونها، بلا أسماء، بلا ماضٍ، بلا ذاكرة. كانت القارة تُدعى فالوريا، وهي محاطة بجدار شفاف يحيط بها من كل الزوايا ولا يمكن اختراقه، وكأنه يُخفي العالم الحقيقي عن أعينهم. لم يخرج أحد من هذه القارة أحد قط... ولم يدخلها أحد كذلك.

هكذا بدأت الحياة من جديد. لكنها لم تكن حياة عادية... فقد ظهرت قوى خارقة غريبة تدعى بالـ(فاكن) لدى بعض العائلات النبيلة، وما إن تكيف الناس على الوضع حتى تم إنشاء نظام حكم الساموراي والشوغن في القارة. دام هذا النظام أكثر من ثلاثة قرون... حتى جاء الانهيار.

بعد موت الشوغن شيرو، بدأ العصر الأسود. وفي هذا العصر، سقطت القوانين وسادت الوحشية. لم يعد هناك عدل، ولا شرف، ولا سيوف. الذين يملكون الفاكن حكموا الجميع بالظلم والحروب. وقُمعت طبقة الساموراي، وحُظر حمل السيوف، وانتشرت العنصرية والدماء في الشوارع. في فالوريا... لا مكان للضعفاء. في هذا العالم، يتسابق الجميع في دوامة شعارها البقاء للأقوى...

في سنة 361 بالتقويم الفالوري، وتحديداً في إحدى ليالي الصيف، كان هناك رجل يسير بصمت تحت ظلال الليل. كان شعره كحلياً داكناً، وعيناه الذهبيتان تلمعان في الظلام رغم محاولته إخفاء ملامحه بسترة وقبعة سوداوين. بدا الرجل وكأنه يهرب من شيء... أو يحمي شيئاً.

في حضنه، كان يحمل طفلًا رضيعًا بشعر أزرق، يحتضنه بقوة كأنما هو كل ما تبقى له في هذا العالم. تابع الرجل سيره حتى توقف أمام منزلٍ متوسط الحجم، ثم نظر إلى الطفل طويلاً وقال بنبرة حزينة:

الرجل (بصوت مرتجف وهو ينظر إلى الطفل): "سامحني يا صغيري... لا أحد يستحق أن يبدأ حياته هكذا. لكني لم أعد قادراً على حمايتك... لا وهم يقتربون. ربما سيظنونني جباناً، لكني أفعل هذا لأجل أن تعيش. سيظنون أنك مجرد طفل غريب... دعهم يظنون ما يشاؤون. أنت لست عادياً يا آكيو... وستفهم كل شيء يوماً ما. فقط... عش. عش وابقَ حياً حتى يأتي وقتك."

ثم قبّله على رأسه، حيث ظهرت على جبهته علامة صفراء متوهجة على شكل برق.

الأب (يهمس): "أنا أحبك... أكثر مما ستدرك يوماً."

وضع الأب طفله الصغير برفق أمام الباب بيدين مرتجفتين، نظر إليه بنظرة طويلة... كأنّه يحاول أن يحفر ملامحه في ذاكرته إلى الأبد. ثم شهق بصمت وهو يُخفي دمعة انسلت من خده دون إذن، ثم ضغط زر الجرس وانطلق راكضاً دون أن يلتفت.

فُتِحَ باب المنزل بعد لحظات، ووقف رجل عشريني ذو شعر بنفسجي مبعثر وعينين بنيتين، وبدأ يتلفت حوله بقلق بعد أن لمح ظلاً يختفي بين الأزقة.

الرجل (بدهشة وغضب): "مَن هناك؟! هيه، توقف! من أنت؟! هذا ليس وقت المزاح!"

وبعد لحظات، أدرك الرجل أن هناك طفلٌ رضيع مُلقى أمام بابه، بدأ الطفل يئنّ بأنفاس صغيرة ثم يبكي، كما لو أنه يعلم بأن والده قد تخلى عنه. انحنى الرجل بسرعة واحتضن الطفل لتهدئته، ثم نظر حوله مجدداً وقد بدأ قلبه يخفق بتوتر، قبل أن يدخل إلى المنزل ويغلق الباب خلفه بإحكام.

في الداخل، وقفت زوجته التي تحمل عينان بنفسجيتين وشعراً وردياً ناعماً متوسط الطول، وبجانبها وقفت طفلتها الصغيرة ذات الثلاثة أعوام التي كانت تشبهها تماماً، وقد رمقت الطفل الجديد بعينين واسعتين من الدهشة.

الرجل (وهو يضع الطفل على الأريكة): "كان هناك رجل... لا أعرف من يكون. وضع الطفل أمام الباب وهرب. لم يقل أي كلمة، فقط ترك لنا هذا الصغير..."

اقتربت الزوجة ببطء وجلست بجانبه، ثم مدت يدها لتلمس شعر الطفل الأزرق.

الزوجة (بهمس): "إنه صغير جداً... لا أحد يترك طفلًا بهذه الطريقة إلا لو تغلبت عليه الظروف."

اقتربت الطفلة الصغيرة، ثم شدّت طرف فستان والدتها وهمست بصوت خجول:

الطفلة: "أمي... هل هذا أخي؟"

ابتسمت الأم بحزن وهي تحتضنها.

الأم: "ربما من الآن فصاعداً سنكون عائلته. أليس كذلك يا صغيرتي؟"

نظرت الطفلة إلى الرضيع الذي هدأ بكاؤه أخيراً وكأنه شعر بالأمان، ثم همست بابتسامة بريئة:

الطفلة: "مرحباً بك يا أخي الصغير..."

عندما كان الأب يحاول إزالة المهد من الطفل، اكتشف أن هناك ظرف بداخله، فأخذه واخرج منه ورقة صغيرة، وبدأ يردد ما كان مكتوباً عليها بصوتٍ مسموع:

"إلى من يجد هذه الرسالة... أعلم أن ما فعلته قد يبدو جنوناً... لكنني لم أعد أملك خياراً آخر. الطفل الذي أضعه بين أيديكم هو ابني... اسمه هو ساكاموتو آكيو. وُلِدَ بتاريخ 27/7/361. إنني ملاحق من قِبل أعداء لا يعرفون الرحمة، ولو علموا أن لدي ابناً... فلن يترددوا في قتله. أثق بأنكم ستعتنون به جيداً وتمنحونه الأمان. ربما يأتي يوماً أستطيع فيه العودة لأخذه... أو على الأقل رؤيته من بعيد. وإن لم يحدث ذلك، فليعرف فقط أن والده لم يكفّ يوماً عن التفكير فيه."

الرجل (بصوت منخفض وهو يطوي الرسالة): "يا له من أمر مفجع... طفل لم يُكمل أسبوعه الثاني ويُترك بهذه الطريقة..."

الزوجة (وهي تنظر إلى الطفل بحنان): "ربما لن يعود... وربما لن نعرف أبداً من يكون. لكن لا يهم. طالما هو هنا... فهو ابننا الآن."

مرّت السنوات بهدوء ثقيل، وعاش آكيو وسط هذه العائلة الصغيرة التي منحته حباً كبيراً، لكن هذا الهدوء لم يدم طويلاً، فبعد عدة أعوام، تسلّل المرض إلى جسد الأم دون سابق إنذار، حتى ماتت تاركةً طفليها وزوجها. كانت الخسارة قاسية على الجميع، خاصة على آكيو الصغير الذي لم يكن يفهم تماماً معنى الفقد.

وفي عام 370 من التقويم الفالوري، بلغ آكيو التاسعة من عمره، وكانت موراساكي قد أصبحت في الثانية عشرة، عندما وقعت حادثة غريبة غيّرت مجرى حياته إلى الأبد...

آكيو (بلهفة وهو يمضغ قطعة كعك): "أبي... هل تسمح لي أن أذهب في نزهة صغيرة إلى الغابة الليلة؟ سأصطحب معي بعض السوفليه (نوع من الكعك)، ولن أتأخر!"

الأب (بتوتر): "في هذا الوقت؟ لا، مستحيل. أخبرتك مئات المرات أن الغابة ليلاً ليست مكاناً للأطفال، خصوصاً في الشتاء... العواصف تزداد عنفاً هذه الأيام، وقد شوهدت ذئاب قرب التلال. لا أحد يدخل هناك ويخرج سالماً."

آكيو (متضايقاً وهو يلوح بيده): "لكنني لم أعد طفلاً يا أبي! أستطيع الاعتماد على نفسي، أرجوك... فقط نصف ساعة، أعدك!"

الأب (بحزم): "كفى. الآن اذهب إلى غرفتك، حان وقت النوم."

نظر آكيو إلى الأرض بأسى ولم يُجادل. دخل غرفته ببطء وأغلق الباب خلفه، ثم جلس على سريره متأملاً النافذة.

آكيو (يهمس لنفسه): "إذا كان العالم يمنعني من عيش مغامرتي... فسأصنعها بنفسي."

انتظر بصبر. ساعة... ساعتان. وما إن تأكد من أن الهدوء عم المنزل، حتى تسلل بهدوء، حاملاً حقيبة صغيرة فيها بعض علب السوفليه. فتح باب المنزل ووقف للحظة وهو يتأمل السماء التي بدأت تتلبد بالسحب السوداء.

آكيو (ابتسم ثم همس): "هيا إلى الغابة!"

شق آكيو طريقه بين الأشجار، وكانت الغابة ساكنة بشكل مخيف، لكن هذا لم يمنعه من الشعور بالحماسة. جلس آكيو تحت شجرة عريضة، ومد السوفليه أمامه كأنه يحتفل وحده، وبدأ يلتهمه بشراهة، بينما كان يراقب ومضات البرق التي تلوح في السماء.

نهض بعد أن أنهى طعامه، وبدأ يتمشى بين الأشجار بفضول. المطر بدأ يهطل بقوة، والبرق أخذ يقترب، لكنه لم يتوقف.

آكيو (بابتسامة): "يا له من يوم جميل... الأمطار، الظلام، المغامرة... كل شيء مثالي."

وصل آكيو إلى مساحة مفتوحة داخل الغابة، وتوقف فيها فجأة. نظر إلى السماء وقد تزايد ضوء البرق وتضخم صوت الرعد.

آكيو: "ربما علي العودة... أبي سيستيقظ على صوت العاصفة... وإذا اكتشف أنني لست في المنزل—"

لكنه لم يستطع أن يكمل جملته. ففي لحظة، دوّى الرعد فوق رأسه، واخترق البرق السماء ثم أصاب آكيو مباشرة، فسقط آكيو أرضاً من قوة الضربة، وبدأ الدخان الخفيف يتصاعد من جسده الصغير، وآثار رماد غطت ملابسه... وفقد وعيه تماماً.

في منزل آكيو، هزّ صوت الرعد أركان المنزل بعنف غير معتاد، حتى بدت النوافذ ترتجف تحت وطأة العاصفة. استيقظ الأب مفزوعاً وجلس منتصباً وهو يلهث. لم يكن مجرد رعد... بل كان نفس الصوت الذي رافق الليالي التي دخل فيها آكيو حياته لأول مرة. نظرت موراساكي إلى نافذة غرفتها وهي تحتضن دميتها، وقد بدا القلق في عينيها.

موراساكي (بهمس): "أبي... لقد عاد ذلك الصوت من جديد..."

اندفع الأب نحو غرفة آكيو، وفتح الباب بسرعة ليجد السرير خالياً. حدّق للحظة، ثم صرخ وهو يضرب الجدار بقبضته:

الأب: "لا... ليس مجدداً!"

موراساكي (من خلفه): "هل... هل ذهب إلى الغابة؟"

الأب (وهو يرتدي معطفه بسرعة): "إنه يجذب العواصف إليه منذ أن دخل حياتنا... وها هي تزداد سوءاً هذه الليلة أيضاً. كان يجب أن أراقبه... كنت أعلم أنه قد يفعلها."

موراساكي: "دعني آتي معك!"

الأب (بحزم): "لا، ابقي هنا. هذا خطير!"

اندفع الأب خارج المنزل وهو يركض بكل ما أوتي من قوة. كل خطوة كانت تمزق قلبه قلقاً، وكل صاعقة كانت تُشعل داخله خوفاً لم يعرفه منذ زمن. صرخ بين الأشجار:

"آكيوووو! أين أنت يا بني؟!"

واصل الركض حتى بدأ يسمع طقطقة غريبة... ليست من المطر، بل من شيء يحترق. وفجأة، في زاوية بعيدة من الغابة، لمح جسد آكيو الصغير وهو ممدد على الأرض، ويتصاعد منه الدخان الخفيف ويغطيه الرماد. توقف للحظة من شدة الصدمة، ثم جثا بجانبه.

الأب (اتسعت عيناه بقلق شديد): "آكيو!! آكيو!! استيقظ، أجبني!"

هزّ جسده مراراً، ولكن لم يكن هناك أي استجابة.

الأب: "لا... لا تأخذوه مني... ليس هو أيضاً..."

حمل الأب جسد آكيو بقلق شديد، وبدأ يركض به بسرعة عائداً أدراجه للمدينة.

[بعد أسبوع]

كان آكيو ممدداً في جناحه الخاص في المستشفى، محاطاً بأجهزة كثيرة، والضمادات تلف جسده الصغير من الرقبة حتى الساقين. أنبوب التنفس مثبت على فمه، وعيناه مغمضتان منذ أيام... جلس الأب بجانبه على الكرسي، وملامحه كانت متعبة كأنها لم تعرف النوم.

الأب (يهمس): "متى ستفتح عينيك يا بني؟ لقد مرّ أسبوع، وأنا لا أزال أجهل إن كنت تسمعني أو لا..."

لكن في تلك اللحظة، ارتجفت جفون آكيو، وبدأت يداه تتحركان ببطء، وعيناه تنفتحان بصعوبة لتحدقا في السقف المعتم.

آكيو (بصوت خافت ومبحوح): "أين... أنا؟"

رفع الأب رأسه فجأة وكأن روحه عادت إلى جسده.

الأب: "آكيو! يا إلهي، أنت مستيقظ أخيراً!"

أمسك بيده بحنان، وهو يبتسم بدموع متجمعة في عينيه.

الأب: "كيف تشعر؟ هل أنت بخير؟"

تردد آكيو قليلًا، ثم قال وهو ينظر إلى يده:

آكيو: "أشعر بشيء... غريب. ليس ألماً... ولا راحة. وكأن شيئاً يتحرك داخلي."

قبل أن يتمكن الأب من الرد، حدث ما لم يكن في الحسبان. بدأ جسد آكيو يتحرك فجأة وكأن شيئاً يدفعه للنهوض، وبدأ ينتزع الضمادات بسرعة. لكن الصدمة أنه لم تكن هناك أي آثار للجروح ولا الحروق، كان جسده سليماً فقط وكأنه قد أُعيد بناؤه من جديد. وقف الأب مذهولاً وهو غير قادر على استيعاب ما يراه.

الأب: "انتظر... لا يمكن... كانت هناك حروق من الدرجة الثالثة! ما الذي...؟"

نهض آكيو من السرير فجأة، ثم نظر إلى راحة يده... فبدأت شرارات صغيرة تتكون فوق جلده. أولاً كوميض خفيف... ثم اشتدت. وفي لحظة، خرجت شحنة كهربائية صغيرة من كفه، ارتطمت بجهاز صغير في الغرفة وأحدثت صوت طقطقة كهربائية، ثم ارتدت دون قصد نحو الممرضة التي كانت تقترب منهم، وأصابتها في كتفها فسقطت على الأرض بتأوه خفيف.

الأب (وهو يركض نحو الممرضة): "آكيو! ما الذي فعلته؟!"

آكيو (بذهول وهو ينظر إلى يديه): "أنا لم... أقصد... يدي تحركت لوحدها!"

ثم نظر إلى والده بخوف، وصوته يكاد يختنق: "أبي... ما الذي يحدث لي؟"

الأب (بذهول وهو يحدق في يد آكيو التي تصدر شرارات): "آكيو... أنت لم تعد طفلاً عادياً بعد الآن...هل حرّرت للتو قوة الفاكن؟"

آكيو (بعدم فهم): "فاكن؟ ما هذا؟ ماذا تقصد؟"

الأب (يلتقط أنفاسه، ثم يقترب منه ليجلس): "الفاكن هي قوة خارقة وراثية نادرة، لا تولد نشطة مع الإنسان، بل تبقى نائمة في داخله حتى تصطدم بمصدرها... وهذا المصدر قد يكون طبيعياً، كالعواصف أو البراكين، وقد يكون مصدرها غير طبيعي بقدرات غير تقليدية. يبدو أن البرق لم يكن يريد قتلك يا آكيو. لقد اختارك."

آكيو (ينظر إلى يديه بدهشة): "إذاً... هذه الطاقة بداخلي منذ ولادتي؟"

الأب: "لا شك في ذلك. الجميع ورثوها من آبائهم، ولكن بعضهم لا يعلمون بأنهم يحملون طاقة الفاكن، وتظل ساكنة لسنوات وهي تنتظر لحظة الصدمة لتستيقظ. قوتك كهربائية... هذا يعني أن كثرة الصواعق حولك لم تكن مصادفة."

آكيو (بصوت خافت): "كنت دائماً أسمع صوت الرعد قريباً مني... منذ أن كنت صغيراً."

الأب (يبتسم بحزن): "وأنا كنت أراقب... لم أرد أن أخيفك. لكنني الآن متأكد... أنت تملك فاكن نادر."

في أحد الأيام، كان آكيو يلعب في الحي، حين التفّ حوله بعض الفتيان. تقدّم أحدهم وهو فتى بشعر أسود وعينين بنيّتين، وقال باستهزاء:

"انظروا... إنه آكيو اللقيط! تظن أن قواك ستجعل منك بطلاً؟ لن تهزمنا أبداً!"

ضاق صدر آكيو واشتعلت يداه بالشرر. رفعها فجأة وأطلق كرة صغيرة من البرق لتصيب الفتى في صدره وأسقطته أرضاً، فصرخ من الألم. هرب الصبي وهو يبكي، بينما وقف آكيو ينظر إلى يديه ويقول:

"طفل غبي... أنا سأصبح أقوى شخص في هذا العالم!"

بعد قليل، وصلت أم الفتى الغاضب إلى منزل فانكو، كانت تصرخ وهي تمسك بيد ابنها الجريح.

الأم (بغضب): "أنظر يا فانكو! ما الذي فعله ابنك في ولدي؟ ذلك المشاكس تسبب له بحروق وألم شديد! أهذا ما تسميه تربية؟!"

فانكو (بهدوء متعب، وقد ظهرت عليه ملامح الضيق): "أنا آسف... آكيو اكتشف قواه قبل أيام فقط، وهو لا يزال لا يعرف كيف يسيطر عليها. لكن لن أكذب... ابنك كان دائماً يسخر منه، يضربه، وينعته بكلمات لا تليق بطفل. ربما البرق لم يكن خطأه وحده، بل كان نتيجة غضب مكبوت."

الأم: "كيف تجرؤ على تبرير ذلك؟! عليك أن تتحمل مسؤلية هذا الطفل اللقيط الذي يدمر كل شيء!"

فانكو (ببرود وهو يشير للباب): "أخرجي من هنا. هذا منزلي، ولن أسمح لكِ بإهانة ابني فيه مجدداً!"

دخل فانكو إلى المنزل حيث كان آكيو يجلس في الصالة مع موراساكي، وكان يعبث بكرة كهربائية صغيرة تتراقص بين أصابعه.

فانكو (بنبرة صارمة): "آكيو... لا تستخدم قوتك مع من هم أضعف منك. أنت تملك سلاحاً لا يمتلكونه.

لك الحق في الدفاع عن نفسك، لكن ليس بإفراط. البرق لا يُصلِح الجراح، بل يُشعلها."

موراساكي (ضاحكة): "ها قد فعلها من جديد... يا له من شقي!"

آكيو (ينفخ خديه بانزعاج): "أكرهه! إنه مزعج! وعندما أكبر... سأرمي عليه كرات برقية كل يوم!"

فانكو (وهو يضع يده على رأسه بيأس): "هذا الفتى لا يتعلم أبداً!"

في أحد الأيام، بينما كان آكيو يسير برفقة موراساكي ووالده بالقرب من منزلهم، توقفوا فجأة بسبب صوت صراخٍ قادم من الزقاق الجانبي. كان هناك خمسة أطفال محاصرين من قبل رجل ضخم الجسم، وهو يرتدي زياً عسكرياً أخضر اللون. كان وجهه قبيحاً وملامحه غليظة، ويده تلوّح بسوط معدني يضرب به الأطفال وهم يصرخون ويتوسّلون. كانت الدماء تلطِّخ المكان ولا أحد يتدخل... المارة ينظرون ثم يشيحون بوجوههم.

آكيو (بحدة وهو يخطو للأمام): "ما الذي يفعله هذا الوحش؟! لماذا يضربهم بهذه القسوة؟! لماذا لا أحد يوقفه؟!"

فانكو (بصوت خافت متألم): "لأن لا أحد يجرؤ، يا بني... هذا الشعار على كتفه... إنه من جيش الإمبراطور ماكيا. هؤلاء لا يُحاسبون أبداً على أفعالهم."

آكيو (بغضب يشتعل في عينيه): "هذا ليس جيشاً... هذه عصابة بزي رسمي! سأجعله يتوقف، سأستخدم قوتي!"

بدأ الشرر يتصاعد من يدي آكيو.

فانكو (يمسكه من كتفه بقوة ويقول بنبرة حادة): "لا!"

آكيو (باندهاش وغضب): "لماذا؟! إنهم أطفال! ونحن نملك القوة، يمكنني إيقافه!"

فانكو (بصوت منخفض لكن مملوء بالتوتر): "وإذا فعلت... ستموت. هو لا يعمل وحده، خلفه عشرات، وربما مئات. سيسحبونك من بين أيدينا ولن أستطيع إنقاذك. لا تكن أحمق..."

آكيو (ينظر إلى الأطفال وهم يُضربون، الدموع تتجمع في عينيه والغضب يملئ وجهه): "لكن... هل هذا هو العالم الذي نعيش فيه؟ أن نترك الأبرياء يتألمون... فقط لأن الظلم يحمل رتبة؟!"

موراساكي (بصوت مختنق وهي تمسك بيده): "أرجوك آكيو... لا تذهب. أنت لا تعرف إلى أي مدى هم قساة..."

دوى صوت صفعة السوط مجدداً في الهواء، وسقط أحد الأطفال أرضاً. ارتجف آكيو والبرق يتصاعد حوله من دون أن يتحرك، ركع فانكو أمامه فجأة ووضع يديه على كتفيه، ثم نظر في عينيه.

فانكو (بصوت مرتجف لكن صارم): "أعرف ما تشعر به... لقد رأيتُ أشياءً أسوأ من هذا. لكن اسمعني جيداً يا آكيو... إذا كنت تريد حقاً أن تنقذهم، فكن ذكياً... لا متهوراً. تعلم، تدرب، واصبر... لأن وقتك لم يحن بعد."

انطفأ البرق من يد آكيو ببطء. ظلّ واقفاً في مكانه وهو يعض شفته السفلى، والدموع تسيل من عينيه بصمت.

آكيو (بإصرار وعناد): "سأتدرب... سأتدرب كل يوم حتى أجعل هذا العالم ينحني لي. وسأحرر كل من ظُلِم ذات يوم! سوف أصبح... ساموراي!"

فانكو: "إذاً... حان الوقت لنسجلك في مدرسة فنون الساموراي."

قفز آكيو من مكانه بحماسة، وملامحه كانت لا تزال تحمل أثر الدموع.

آكيو: "حقاً؟! سأصبح ساموراي! وبعدها سأصبح الشوغن وأنقذ العالم!"

موراساكي (تضحك بخفة وهي تمسح دموعها): "شوغن؟! وأنت ما زلت لا تعرف كيف تقص أظافرك بنفسك؟ ياله من حلم طفولي! الحياة ليست بهذه البساطة... آكيو."

ضحك الجميع... لكن في نظر آكيو، لم يكن ما قاله مجرد حلم طفولي سخيف، بل بداية حلم حقيقي... ولم يكن يعرف إلى ماذا سيقوده هذا الحلم.

يتبع...

2025/05/03 · 110 مشاهدة · 2577 كلمة
Sara Otaku
نادي الروايات - 2025