في منتصف الليلة المظلمة بولاية داركوفا، خرج المستذئب أكيرا من قصر تيراكولا وهو يمشي بخطوات بطيئة في إحدى القرى، في يده اليمنى، كان يمسك بحبل يستخدمه لتقييد ضحيته. أخذ نفسًا عميقًا وهو يحدق في الظلام، نظر إلى المباني التي حوله، وكانت نوافذها كلها مغلقة بإحكام، والأبواب محكمة الإغلاق بالسلاسل. فجميع البشر في ولاية داركوفا كانوا يخافون من الدوقة القرمزية المرعبة، ولم يكن أي أحد يجرؤ على ترك طفل وحيدًا في الخارج بعد منتصف الليل.
توقف أكيرا عند منزل خشبي قديم، حيث كان الضوء الخافت ينبعث من الداخل، وداخل الغرفة... رأى طفلاً صغيرًا ذو شعر أسود ينام على سريره البسيط ببطانية مهترئة. فراقب أكيرا الطفل لوهلة وهو يتنفس بانتظام، لا يعلم شيئًا عن الوحش الذي يقف خلف الجدار.
قبض على الحبل بين يديه، لم تكن هذا أول مرة يُكلف فيها بمهمة مثل هذه، لكنه كان يكرهها أكثر من أي شيء آخر، وهذه المرة كان التردد واضح في تحركاته.
وقف أكيرا في مكانه للحظات، أغمض عينيه وأصابعه ترتجف وهو يشد قبضته على الحبل الجلدي. كان بإمكانه أن يستدير ويعود إلى القصر، أن يخبر تيراكولا أن المهمة فشلت، أن يكذب، أو يختلق أي عذر... لكن يبدو أنه كان يخاف منها أكثر من كل شيء.
فتح عينيه مجددًا وحدق في الطفل النائم أمامه. كان يبدو ضعيفًا ومسالمًا... لم يرتكب أي ذنب سوى أنه ولد في المكان الخطأ، تحت حكم الشخص الخطأ.
أكيرا(في نفسه): "سحقاً.. سحقاً سحقاً سحقاً!!!"
لم يمنح نفسه وقتًا للتردد أكثر، فقد تراجع لبضع خطوات إلى الوراء ثم قفز عاليًا بمرونة مستذئب، ورفع ذراعه بقوة وهو يهبط ليكسر زجاج النافذة بكل قوته. دوى صوت التحطم في أرجاء القرية، وتناثرت الشظايا في كل أنحاء الغرفة.
في هذه اللحظة استيقظ الطفل مفزوعًا، عيناه الذهبيتان الصغيرتان تحدقان برعب في الظل الداكن الذي ظهر أمامه. لم يكن لديه وقت لاستيعاب ما يحصل، فكل ما رآه هو يدًا قوية بمخالب حادة تمتد نحوه بسرعة! قبض عليه أكيرا في لمح البصر.
الطفل (بصوت مرتجف): "لا... لا! أمي...!"
لم يكن هناك وقت لسماع توسلاته. لف أكيرا الحبل حول جسد الطفل الصغير، رافضًا النظر إلى عينيه الباكيتين.
بدأ الطفل يتلوى في محاولة للهرب، لكن أكيرا ضغط عليه بقوة وهو يتمتم بصوت خافت:
أكيرا (بجفاء): "لا تقاوم..."
حاول الطفل أن يصرخ ولكن أكيرا وضع شريطاً لاصقاً على فمه لكي لا يصدر أي صوت.
في صباح اليوم التالي، اقتربت العربة التي تقل آكيو ورفاقه من الحدود المؤدية إلى داركوفا، حيث كانت أمامهم أسوار حديدية ضخمة، تحرسها مجموعة من جنود ماكيا. وقتها كانت آن تمسك بمخطوطة النينجا المحظورة بيديها وتقرأها.
آن (في نفسها): "لقد حاولت كثيراً استخدام تقنيات المخطوطة ولكنني لم أنجح، ربما ستعمل عندما أشارك في قتال جدي."
كان علم ولايات فالوريا الأسود والأبيض يرفرف فوق البوابة بجانب علم ولاية داركوفا الذي كان قوطياً وغامضاً، وقف مجموعة من الحراس المسلحين الذي يرتدون ملابس جيش خضراء تقليدية بجانب بوابة داركوفا، يراقبون كل من يمر بنظرات صارمة.
أوقف السائق العربة أمام نقطة التفتيش، حيث تقدم أحد الضباط وبدأ بفحص الأوراق الرسمية.
الضابط (بصوت جاف): "ما غرض زيارتكم لداركوفا؟"
آكيو (بحماس وهو يضحك): "جئنا لسحق تلك الشمطاء تيرا...."
ضربته آن على رأسه بغضب قبل أن يكمل جملته الغبية، ونظرت إليه بوجه كوميدي غاضب.
آن: "أيها الغبي! هل تريد التسبب في طردنا قبل أن ندخل حتى!!"
السائق (بهدوء): "هؤلاء المسافرون جاءوا للسياحة."
تقدم أحد الجنود وبدأ بفحص العربة بعناية، فتحوا الحقائب والصناديق، بحثًا عن أي شيء غير قانوني. لم يكن الأمر يبدو مريبًا حتى استوعب أحد الجنود بأن آكيو يعلق سيفاً على خصره.
الجندي1: "سيدي، لدينا مشكلة هنا."
التفت الجندي الثاني ونظر داخل حقيبة كين، ثم ضاقت عيناه عندما رأى السيف الآخر الخاص بكين في الداخل.
الجندي2 (ببرود وهو ينظر إلى كين وآكيو): "ألم يخبركم أحد بالقوانين هنا؟ حمل السيوف ممنوع في جميع ولايات فالوريا."
آكيو (بدهشة): "ماذا؟! لماذا؟!"
الجندي1 (بهدوء صارم): "هذا القانون تم إصداره منذ أن تولى ماكيا الحكم، أي شخص يحمل سيفًا داخل حدود ولايات ماكيا سيتم مصادرة سلاحه فورًا."
كين لم يقل شيئًا، لكنه أمسك بمقبض سيفه داخل الحقيبة، فيما بدا على ملامحه توتر خفيف.
آكيو: ولكننا أتينا من ولاية فاويلا وكانت معنا سيوفنا طوال الوقت! أليست فاويلا تابعة لماكيا أيضاً؟!
الجندي1: "ماذا؟! كيف لم يكتشف أحد ذلك!"
آن (بقلق): "لكن السيوف جزء من أسلوب قتالهم، ألا يمكنكم إعطاؤهم استثناءً؟"
الجندي2(بابتسامة ساخرة): "تظنين أننا نسمح باستثناءات؟ كل شخص يدخل داركوفا بلا سيف، أو لا يدخل على الإطلاق."
آكيو (بإصرار وهو يمسك بسيفه): "لن أسلم سيفي بهذه السهولة!"
تحركت أيدي الحراس نحو أسلحتهم، وهم ينظرون إلى آكيو بتركيز حاد. شعر الجميع أن الوضع بدأ يتوتر، لكن كين رفع يده فجأة، ثم أمسك سيفه ببطء وسحبه من الحقيبة وسلمه بهدوء إلى الضابط.
كين (بصوت بارد): "لا جدوى من العناد، نستطيع تدبر أمرنا بدون سيف، ولكن فقط هذه المرة."
آكيو اتسعت عيناه بدهشة وهو ينظر إلى كين، لكنه زفر بغضب، ثم استدار وسلم سيفه رغمًا عنه.
أخذ الحراس السيوف، ووضعوها في صندوق معدني مغلق، بينما ألقى الضابط نظرة أخيرة على المجموعة.
الجندي2: "حسنًا، يمكنكم الدخول الآن... لكن نصيحة صغيرة؟ لا تثيروا المتاعب هنا، وإلا... ستندمون."
فتح الحراس البوابة الحديدية ببطء، وسمحوا للعربة بالمرور، لكن آكيو ظل ينظر خلفه بحنق وهو يرى جنود ماكيا يصادرون سيفه وسيف كين.
آكيو (بانزعاج وثم حماس): "هذا سخيف... كيف سنقاتل الآن؟! في المرة التالية سيكون لدي سيفين! لطالما أردت استخدام أسلوب السيفين في القتال، لا أطيق الانتظار حتى أمسك بسيف سانغوينيس مع سيف رينكا!"
آن: "هذا غريب، إنهم يحظرون السيوف هنا ولكن دوقتهم بنفسها تمتلك سيفاً!!"
كين: "إن الشرطة والنبلاء في هذا العالم يتم منحهم كل حقوقهم، ولكن كل ما يتم إعطائه للمواطنين هو الظلم."
بعد أن نزل أبطالنا من العربة، شعروا بتغير الأجواء فورًا. الهواء كان مشبعًا بالرطوبة والضباب. كانت المدينة مليئة بالأزقة الضيقة، والمصابيح الضعيفة، والهدوء مسيطر على المكان حتى بين الناس.
بدأ الثلاثة يمشون بهدوء حتى وصلوا بالقرب من أحد الأسواق.
آن: هذا هو سوق داركوفا الشعبي.
قفز آكيو بحماس وهو يتفحص المكان بفضول، متجاهلًا نظرات السكان المندهشة.
آكيو: "وااااه! هذه أول مرة أرى قرية تشبه قصص الفانتازيا!"
آن (تتمتم وهي تضع يدها على وجهها): "يا إلهي... نحن في ورطة."
يتغير المشهد إلى قصر داركوفا القوطي، في الطابق السفلي للقصر، وتحديداً في إحدى الزنزانات المظلمة، جلس الطفل المختطف على الأرض الباردة، عينيه مغرورقتان بالدموع، وهو يحتضن نفسه بخوف. كانت أصوات قطرات الماء المترسبة من السقف هي الشيء الوحيد الذي كسر السكون من حوله. كان الطفل يشعر بالبرد والجوع والخوف... لا يعلم لماذا هو هنا، لكنه كان يعلم شيئًا واحدًا... أنه يريد العودة لأمه.
فُتح باب الزنزانة المعدنية بصوت مزعج، ودخلت تيراكولا بخطوات هادئة، يتبعها أكيرا، نيورو، وستيف. وقفت تيراكولا أمام الطفل، وهي تحمل كأسًا زجاجيًا يحتوي على دماء بشرية، وأخذت رشفة صغيرة منه، بينما تراقبه بعينيها الحمراوين المتوهجتين.
تيراكولا (بابتسامة باردة): "أوه، انظروا إلى هذا الصغير... كم هو لطيف."
الطفل (يرتجف وهو ينظر إليها بخوف شديد): "أ-أرجوكِ... دعيني أعود إلى أمي..."
تيراكولا (تضحك بسخرية وهي تنظر إلى أكيرا): "أوه، أكيرا عزيزي، لماذا اخترت طفلًا بهذا الجُبن؟ كنتُ أتوقع شخصًا أقوى."
أكيرا لم يرد، فقط ظل واقفًا بصمت، عينيه متوجهتان إلى الأرض، وكأنه يرفض النظر إلى الطفل مباشرة.
تيراكولا التفتت ببطء نحو أكيرا، ونظرت إليه نظرة طويلة قبل أن تقول بصوت هادئ ولكنه يحمل نبرة أمر لا يقبل النقاش:
تيراكولا: "أكيرا... أريدك أن تقتله."
سادت لحظة صمت ثقيلة في الغرفة.
أكيرا (متجمد في مكانه): "...ماذا؟"
تيراكولا (بابتسامة هادئة): "أنت من جلبه إلى هنا... إذاً، أنهِ الأمر بنفسك."
شعر أكيرا بأن بتوتر وثقل شديد. عيناه تحركتا ببطء نحو الطفل، الذي أصبح يبكي بشكل هستيري الآن.
الطفل (يبكي وهو يتوسل): "أرجوك! لا تفعل ذلك!"
تيراكولا (تقترب ببطء من أكيرا، تهمس بجانبه): "هل أصبحت رقيقًا يا عزيزي؟ لقد أنقذتك من الموت، أعطيتك حياة جديدة، والآن تتردد في فعل شيء بسيط كهذا؟"
رفعت يدها الباردة ولمست ذقنه برفق، مما جعله يشعر بقشعريرة خفيفة.
أكيرا: "ءءء ولكن تيراكولا ساما، لقد قتلت أشخاصاً من قبل، ولكنهم لم يكونوا أطفال..."
تيراكولا (بصوت منخفض لكن حاد): "إذا لم تستطع تنفيذ أوامري... فربما لم يعد لي حاجة بك بعد الآن."
رفع أكيرا يده ببطء... أمسك خنجره، وبدأ يخطو نحو الطفل.
الطفل (يصرخ وهو يحاول التراجع إلى الخلف): "أمي... أين أنتِ... أمي!!"
وقف أكيرا فوق الطفل... رفع خنجره... وهذا جعل تيراكولا تراقبه بحماس وهدوء، ولكن يده توقفت في الهواء.
أكيرا (بصوت منخفض لكنه حاسم): "أنا... لا أقتل الأطفال."
ثم... ابتسمت تيراكولا، وأخذت رشفة جديدة من كأسها قبل أن تقول بصوت مرح:
"تذكر يا أكيرا، أنت لست بشرياً، ولست ذئباً بالكامل حتى، أنت وحش! لهذا عليك أن تتصرف كوحش."
أدارت ظهرها وبدأت تسير ببطء خارج الزنزانة، ثم توقفت للحظة وقالت بصوت هادئ لكن يحمل تلميحًا خطيرًا:
"خذ الطفل إلى السجن العلوي... سأقرر ما سأفعله به لاحقًا."
ثم خرجت من الغرفة، تاركة أكيرا واقفًا هناك... بينما كان الطفل لا يزال يبكي بهدوء.
نيورو (يضحك بسخرية): "يا لك من شخص لطيف، أكيرا."
أما ستيف، فقد ظل صامتًا كعادته، لكن عينيه راقبتا أكيرا باهتمام. أكيرا لم ينظر إليهم، فقط أمسك بيد الطفل، وسار به إلى السجن العلوي عن طريق ركوب الدرج، دون أن يتفوه بأي كلمة.
وصلوا أخيراً إلى الطابق العلوي، أكيرا يسير ببطء، ممسكًا بيد الطفل الصغيرة التي كانت ترتجف. لم يقل شيئًا طوال الطريق، ولم يحاول حتى النظر إلى الصغير، الذي بالكاد يستطيع المشي بسبب الرعب الشديد الذي يسيطر عليه. ثم وصلوا إلى بوابة الزنزانة، ومن هنا شعر الطفل أنه لم يعد يستطيع الاحتمال أكثر.
الطفل (بصوت مرتجف): "أرجوك... أرجوك لا تتركني هناك... لا أريد الموت..."
توقفت خطوات أكيرا لثانية، لكنه لم يلتفت إليه.
ثم فجأة... حاول الطفل سحب يده بقوة، محاولًا الهروب! ركض الطفل بأسرع ما يستطيع عبر الممر، محاولًا العثور عن مخرج! لكن أكيرا لم يتحرك بسرعة، فقط تنهد ببطء، ثم اختفى من مكانه في لحظة خاطفة! قبل أن يصل الطفل إلى نهاية الممر، شعر بقبضة قوية تمسكه من الخلف، وترفعه في الهواء.
الطفل كان يصرخ ويبكي بجنون، يتلوى في محاولة يائسة للهروب، لكن جسده كان ضعيفًا جدًا مقارنة بقوة أكيرا، أخذ يضرب بقبضتيه الصغيرتين على ذراع أكيرا، لكنه بالكاد شعر بشيء.
الطفل (بصوت متقطع وهو يصرخ): "أرجوك! أمي تنتظرني... لا تتركني هنا!"
وسط صرخات الطفل ومحاولاته الفاشلة في الهروب، حدث شيء لم يكن في الحسبان... بدأت الدموع تنزل من عينيّ أكيرا بهدوء. لم يكن صوت بكائه مسموعًا، كل ما استطاع الطفل سماعه هو شهقات خفيفة يحاول أكيرا إخفائها. عندما رأى الطفل ذلك، تجمد للحظة... توقف عن البكاء، وعيناه امتلأتا بالدهشة، فهو لم يكن يتوقع أن يرى خاطفه يبكي!
وبعد لحظات حاول أكيرا أن يتمالك نفسه ويهدأ، فحمل الطفل وبدأ يتجه بهدوء ووجه شاحب يبدو أنه تحمل الكثير، ثم فتح الباب الحديدي بصوت مزعج، وألقى نظرة أخيرة على الطفل.
أما الطفل فعلى الرغم خوفه إلا أنه لم يكن يصرخ الآن، كان فقط يحدق في عينيّ أكيرا التي تحاول السيطرة على دموعها. أكيرا لم يقل أي شيء، كل ما فعله هو أنه وضع الطفل بهدوء داخل الزنزانة، وسحب الباب ببطء حتى أغلقه بإحكام.
الطفل لم يبكِ هذه المرة... فقط جلس في الزاوية، وعيناه لا تزالان تراقبان أكيرا بصمت. وكأن شيئًا ما تغير بينهما في تلك اللحظة.
يتبع...