في ليلة هادئة داخل العاصمة نوكسار، كان فيليبو يجلس في منزله وهو يدخن سيجارته كالعادة، بينما يتكئ على أريكته وهو يشاهد التلفاز. كان المكان صامتاً تماماً، لا يُسمع فيه سوى صوت أنفاسه الثقيلة، وصوت احتراق التبغ في السيجارة التي بين أصابعه، لكن هذا الهدوء لم يدم طويلاً...
"طَرق! طَرق! طَرق!"
عبس فيليبو بانزعاج عند سماعه لصوت الطرقات، زفر بحدة ثم نهض من مكانه وهو يطفئ سيجارته في المنفضة الحديدية على الطاولة، ثم اتجه نحو الباب ببطء وفتحه.
فيليبو (بصوت خشن ومُتعب): "من اللعين الذي يطرق بابي في هذه الساعة؟"
لكنه تجمد للحظة عندما رأى من يقف أمامه... كانا رجلان بزي الشرطة الرسمي، نظرا إليه بنظرات باردة، مما جعل انزعاج فيليبو يتحول إلى قلق خفي.
الشرطي 1 (بهدوء رسمي): "فيليبو-سان، أليس كذلك؟"
فيليبو (بتوتر): "نعم، هذا أنا، ما الأمر؟"
نظر الشرطي الأول إلى زميله، الذي أخرج مذكرة صغيرة وبدأ في القراءة منها بصوت واضح.
الشرطي 2: "نحن من شرطة العاصمة، وقد جئنا إليك لنخبرك بشأن ابنك أكيرا."
تجمد وجه فيليبو عند سماع هذا الاسم... مرّت ثوانٍ طويلة قبل أن يتكلم أخيراً.
فيليبو (ببرود): "ابني؟ ماذا بشأن ذلك الطفل؟"
تبادل الضابطان النظرات قبل أن يكمل الضابط الأول الحديث.
الشرطي 1: "تم القبض عليه قبل أيام قليلة بسبب ارتكابه سلسلة من الجرائم العنيفة في شوارع العاصمة، وهو حالياً مسجون في مركز الاحتجاز الرئيسي لدينا، استغربنا بأنه لم يسأل عنه أحد طوال هذا الوقت، لهذا فقد جئنا لإخبارك بهذا يا فيليبو-سان."
ظل فيليبو صامتاً ولم تظهر عليه أي رد فعل مباشرة، أخذ نفساً عميقاً، ثم أطلق ضحكة ساخرة قصيرة.
فيليبو (بابتسامة جانبية ساخرة): "هاه، إذاً فعلها أخيراً، أليس كذلك؟ كنت أعرف أن ذلك اللقيط لن يكون سوى مصدر للمشاكل."
بدت نبرة صوته لا مبالية بشكل مزعج، وكأن الخبر لم يؤثر عليه إطلاقاً، رفع الشرطي الأول حاجبه وهو مستغرب من ردة فعل فيليبو.
الشرطي 1: "فيليبو-سان، هذه ليست مجرد مشكلة صغيرة، ابنك تسبب في إصابات خطيرة للعديد من المدنيين، وهاجم رجال الشرطة أثناء القبض عليه، نحن هنا لإبلاغك رسمياً بوضعه، وأيضاً... لنرى إن كنت ترغب في تولي مسؤولية ابنك بأي شكل من الأشكال قبل أن نقرر مصيره النهائي."
فيليبو (يضحك بسخرية وهو ينظر إلى الشرطة باحتقار): "تولي مسؤوليته؟ لا بد أنك تمزح معي يا سيدي الضابط. ذلك الطفل ليس ابني، لم يكن يوماً ابني، ولن يكون كذلك أبداً."
تبادل الشرطيان النظرات مجدداً، ثم تحدث الشرطي الثاني بصوت حاد.
الشرطي 2: "سيدي، بغض النظر عن مشاعرك تجاهه، لا يمكنك إنكار كونك والده، أنت مسؤول عنه سواء أردت ذلك أم لا."
لكن فيليبو ضحك مجدداً بسخرية أكبر، ثم نظر على الشرطيين أمامه وكأنه يسخر من سذاجتهما.
فيليبو: "اسمعوني جيداً... ذلك الشيء لم يكن يوماً جزءاً مني. لقد كنتُ مجرد أحمق تورط مع مستذئبة، وها أنا الآن أدفع ثمنه. افعلوا به ما شئتم، اقتلوه، اسجنوه، أرسلوه إلى الجحيم... لا يهمني إطلاقاً."
بدا على الشرطيان الصمت لوهلة وهما يحدقان في الرجل الذي يقف أمامهما ببرود قاتل، كانا يتوقعان ردود فعل طبيعية منه كأب، مثل إنكار، صدمة، حزن... لكن لا شيء من ذلك حدث. كان فيليبو مجرد إنسان بارد لم يكن يهتم على الإطلاق بمصير ابنه، أغلق الضابط الكبير دفتره ثم نظر إلى فيليبو بتعابير كاتمة للغضب.
الشرطي 1: "فهمت... ليس لدينا شيء آخر لمناقشته هنا."
ثم استدار نحو زميله وأشار له بالمغادرة، وبينما كانا يستديران، سمعا صوت فيليبو خلفهما وهو يغمغم بجفاء.
فيليبو: "أوه، بالمناسبة... لا تتعبوا أنفسكم بإخباري متى ستعدمونه، لأنني لن أهتم بذلك أيضاً."
لم يرد الضابطان عليه، واصلا السير بعيداً حتى وصلا إلى الشارع، ثم أخرج الشرطي الأول سيجارة من جيبه، أشعلها بهدوء ثم أخذ منها رشفة.
الشرطي 2 (بغضب واضح): "ذلك الوغد... كيف يمكنه أن يكون باردًا هكذا تجاه ابنه؟! إنه..."
الشرطي 1 (يقاطعه): "لا تفكر في الأمر كثيراً، لقد رأيت الكثير من أمثاله... بعض البشر أكثر قسوة من الوحوش أنفسهم."
ثم نفث الدخان ببطء وهو إلى الأفق المظلم.
بعد شهر من وجود أكيرا في السجن، وتحديداً في الصباح، كانت الأجواء داخل مركز الاحتجاز مشحونة بالتوتر. في غرفة الاجتماعات الخاصة بالضباط، جلس الضابط ذو الرتبة العالية وهو يحدق في التقارير الموضوعة أمامه، بينما كان الشرطي واقف بجانب الطاولة.
الضابط (بصوت بارد): "لقد حان الوقت لإنهاء هذا الأمر."
الشرطي (بتردد): "سيدي، هل تقصد...؟"
أغلق الضابط الملف بعنف، ونظر مباشرة في عيني الشرطي.
الضابط: "نعم. سننفذ حكم الإعدام. تمت مراجعة جميع الخيارات، لا يمكننا إبقاؤه في الاحتجاز إلى الأبد، ولا يمكننا المخاطرة بتركه حياً. هذا الشيء ليس طفلاً، إنه خطر على المجتمع بأكمله، وعليه، سيتم تنفيذ حكم الإعدام بعد ثلاثة أيام من الآن."
الشرطي (بصوت منخفض): "وهل سيُنفذ الإعدام علناً؟"
الضابط: "بالطبع لا، سيتم تنفيذ الإعدام في زنزانته، دون أي مراسم ودون أي إعلان."
وضع الضابط يديه على الطاولة، ثم نظر إلى مجموعة الحراس الذين كانوا واقفين على الجانب الآخر من الغرفة.
الضابط: "جهزوا كل شيء وأبقوه تحت الحراسة المشددة، لا نريد أي مشاكل في الأيام الثلاثة القادمة."
الحارس (بانتباه): "أمرك، سيدي!"
في زنزانة أكيرا، كان الصغير مستلقياً على سريره وهو يحدق في السقف، كان بإمكانه سماع الهمسات التي تتردد بين الحراس. وفجأة، توقف أحد الحراس أمام زنزانته وحدق فيه للحظة.
الحارس: "تم تحديد موعد إعدامك، أيها الوحش."
رفع أكيرا حاجبيه ببطء، ثم ابتسم ابتسامة صغيرة، وكأن الأمر لم يفاجئه على الإطلاق.
أكيرا (بهدوء): "أوه؟ متى؟"
الحارس (بغطرسة): "بعد ثلاثة أيام، استعد لمصيرك."
ظل أكيرا صامتاً للحظة، ثم أطلق ضحكة خافتة، وكأن الحارس أخبره بنكتة مسلية.
أكيرا (بصوت مرح): "ثلاثة أيام؟ هذا وقت طويل جداً، لا تظنون؟ كنت آمل أن تفعلوا ذلك غدًا، فأنا أشعر بالملل هنا."
نظر إليه الحارس باشمئزاز، ثم ابتعد عن الزنزانة ببرود.
أكيرا (يهمس لنفسه): "ثلاثة أيام... هذا أكثر مما أحتاجه."
مد يده إلى الفتحة المغلقة التي كانت في الجدار، ثم فتحها ومرر أصابعه على الأعواد الحادة التي صنعها بنفسه، شعر بحدتها، وابتسم ابتسامة أوسع.
أكيرا (بصوت منخفض ومليء بالمكر): "حان وقت اللعب."
كان أكيرا قد جمع عدداً كبيراً من أعواد المصاصات طوال هذا الشهر، وأصبح لديه الآن عدد كافي منهم لصنع سلاح قاتل. أخرج أكيرا الأعواد بهدوء، ثم بدأ يربطها ببعضها البعض باستخدام خيوط صغيرة كان قد مزقها من بطانيته، وبعد ساعات من العمل الدقيق، صنع سلاحاً شبيهاً بالخنجر الكبير ومليء بالأطراف الحادة، ثم خبأ السلاح بداخل الفتحة وأغلقها، وعاد إلى سريره وكأن شيئاً لم يكن.
بعد ثلاثة أيام، حان موعد إعدام أكيرا، كان الضابط ذو الرتبة العالية يسير في الممر، وخلفه مجموعة من الحراس المسلحين، يرافقهم الشرطي الشاب الذي بدا متوتراً رغم محاولته إخفاء ذلك. كان الضابط يحمل في يده مسدسًا فضياً ثقيلاً، ولم يكن يشعر بأي تردد. عندما وصلوا إلى زنزانة أكيرا، تبادل الحراس نظرات مترددة، وكان السجن هادئاً بشكل مريب.
الضابط (بصوت ثابت وهو ينظر إلى الشرطي): "افتح الباب."
أومأ الشرطي برأسه، ثم أخرج المفاتيح من جيبه بيده المرتجفة وأدخلها في القفل الحديدي، قبل أن يفتحه ببطء. كان أكيرا جالساً في الزاوية، ظهره مستند على الجدار وهو يحدق في الأرض، ولكن ما إن رأى الضابط والحراس يدخلون حتى اتسعت عيناه فجأة، وبدأ جسده بالارتجاف بشدة، ثم ألقى بنفسه على الأرض وبدأ بالبكاء بصوت عالٍ!
أكيرا (بصوت متقطع وهو يبكي): "لا! لا أريد أن أموت! أرجوكم! لا تفعلوا هذا! أنا... أنا لم أكن أقصد! لقد كنت خائفاً فقط! أرجوكم، أعطوني فرصة أخرى!"
ارتجف جسده الصغير وهو يضم ركبتيه إلى صدره، يختبئ وكأنه طفل ضعيف فقد كل قوته. كانت أنفاسه سريعة، وعيناه ممتلئتان بالدموع التي انهمرت بغزارة على وجنتيه، كان الضابط يراقبه بصمت بدون أن يظهر أي انفعال على وجهه. بينما تبادل الحراس النظرات بينهم، بعضهم بدأوا يترددون ويشعرون بالشفقة.
الشرطي (بصوت متردد وهو ينظر إلى أكيرا): "سيدي... أ-ألا تعتقد أنه..."
الضابط (بحدة وهو يقاطعه): "لا تنخدع به."
رفع المسدس ببطء، وصوّبه نحو رأس أكيرا الذي كان لا يزال ملقى على الأرض، يبكي ويرتجف كطفل مذعور.
أكيرا (وهو يرفع رأسه بعيون ممتلئة بالدموع): "لا... لا تفعل... أرجوك!"
الضابط (بصوت ثابت): "لقد انتهى وقتك، أيها الوحش الصغير."
لكن... قبل أن يضغط على الزناد، حدث ما لم يكن في الحسبان. في لحظة خاطفة، توقف بكاء أكيرا تماماً، تغيرت ملامحه في ثوانٍ، لم يعد ذلك الطفل الباكي المرتجف، بل استبدلها بابتسامة خفيفة... ابتسامة مليئة بالخبث والمكر.
أكيرا (بهدوء، وكأنه لم يكن يبكي قبل لحظات): "لقد وقعتَ في الفخ، سيدي الضابط!"
وقبل أن يتمكن أي شخص من استيعاب ما يحدث، انطلق أكيرا بسرعة لا تصدق! في جزء من الثانية، أخرج سلاحه المصنوع من أعواد المصاصات الحادة التي التصقت ببعضها لتشكل كتلة مدببة كالمسامير القاتلة، وبدأ بالهجوم.
أكيرا (بصوت متهور ومليء بالحماس): "مفاجأة!!"
بحركة خاطفة، غرس السلاح في صدر الضابط بدون أي رحمة!
"آآآآآه!!"
أخرج أكيرا السلاح من جسد الضابط بسرعة، فتراجع الضابط إلى الخلف، ووضع يده على صدره وهو يتأوه، والمسدس سقط من يده الأخرى بينما بدأ ينزف بغزارة، ثم استسلم وسقط على الأرض. شعر الحراس بالصدمة، ولم يكن لديهم وقت كافٍ لاستيعاب الأمر، فقبل أن يتمكنوا من رفع أسلحتهم، كان أكيرا قد انقض عليهم بسرعة! قفز أكيرا على أقرب حارس، وبحركة واحدة، غرس أسلحته الحادة في عنقه!
"غغغ—!!"
تصلب الحارس في مكانه، ثم سقط أرضاً وهو يحتضر.
أكيرا (وهو ينظر إلى بقية الحراس بابتسامة مجنونة): "هل اعتقدتم بأنني سأموت بهذه السهولة؟"
الحارس 1 (بفزع، وهو يرفع سلاحه): "أطلقوا عليه النار!!"
لكنه كان متأخراً جداً، بقفزة مفاجئة، لف أكيرا يده حول عنق الحارس الثاني واستخدمه كدرع بشري!
"بانغ! بانغ! بانغ!"
انطلقت الرصاصات... ولكنها أصابت الحارس بدلاً من أكيرا! بدأ الحراس الخائفين بالتراجع بعد أن اجتاحت الفوضى المكان.
أكيرا (وهو يضحك بجنون، ويمسح الدم عن وجهه بأصابعه): "أوه، كم فاتني هذا الشعور... الحرية!"
تقدم أكيرا نحو الحارس الثالث بخطوات واثقة، كان جسده يرتجف بينما كانت يديه تحاول رفع سلاحه، لكنه لم يستطع حتى الضغط على الزناد من شدة الذعر.
الحارس 3 (بصوت متلعثم): "ا-ابـتـعـد عني... أيها الـ—!"
لكنه لم يستطع إكمال جملته، لأن أكيرا انقض عليه كوحش جائع، أمسك برأسه بقوة ثم دفعه بعنف نحو الجدار! ضُرب رأس الحارس بالحائط بقوة، فسقط على الأرض دون حراك. أخذ أكيرا نفساً عميقاً ثم أدار رأسه نحو آخر حارس، الذي كان قد ألقى سلاحه على الأرض وسقط على ركبتيه وهو يرتجف بشدة.
الحارس الأخير (مرتجفاً، وهو يرفع يديه مستسلماً): "أرجوك... لا تقتلني...!"
حدّق به أكيرا لثانية، ثم انفجر بالضحك.
أكيرا (بصوت ساخر، وهو يميل رأسه قليلًا): "هاه؟ تريدني أن أرحمك؟ بعد كل هذا؟"
تقدم إليه بخطوات هادئة، ثم ورمقه بنظرة باردة مليئة بالسخرية.
أكيرا (بهمس، وكأنه يخبره بسر خطير): "لستُ مثلكم... فأنا لا أقتل الضعفاء."
مدّ يده، وسحب سلاح الحارس من الأرض، ثم وقف مجدداً وهو ينظر إليه.
أكيرا (بهدوء، وهو يدير ظهره له): "اختبئ في مكان ما، ربما تعيش حتى الغد."
مشى أكيرا ببطء ثم توقف عند الضابط الذي كان لا يزال يحتضر وهو يزحف على الأرض محاولاً التقاط أنفاسه الأخيرة.
الضابط (يسعل دماً، ينظر إلى أكيرا بعيون غاضبة، يلهث بصعوبة): "يجب... يجب أن تموت..."
أكيرا (مبتسماً بهدوء): "لقد حاولت قتلي بالفعل، ولكنك لم تنجح."
رفع أكيرا السلاح الذي أخذه من الحارس، ووجّهه إلى رأس الضابط مباشرة.
أكيرا (بصوت هادئ لكنه قاتل): "وداعًا، سيدي الضابط."
"بانغ!!"
طلقة واحدة أنهت كل شيء.
"ووووووو!! ووووووو!!"
بدأ صوت صفارات الإنذار يُسمع في كل أرجاء السجن، الأضواء الحمراء تومض، وأصوات الأقدام تملئ الممرات. الشرطة كانوا في كل مكان، يركضون بأسلحتهم، يصرخون بالأوامر، يبحثون عن ذلك المستذئب الصغير الذي قتل رجالهم بدم بارد.
كان أكيرا يركض بأقصى سرعته، محاولاً إيجاد مخرج السجن.
أكيرا (في نفسه، وهو يلهث): "اللعنة... لماذا هذا المكان كبير جداً؟!"
استدار عند أحد الزوايا ولكنه توقف فجأة، حيث كان هناك خمسة من رجال الشرطة أمامه وأسلحتهم موجهة إليه مباشرة!
الشرطي 1 (بصوت غاضب): "توقف مكانك أيها الوحش!"
الشرطي 2 (وهو يضغط على الزناد): "أطلقوا النار!!"
"بانغ! بانغ! بانغ!"
انطلقت الطلقات بسرعة قاتلة، وأكيرا بالكاد تمكن من القفز إلى الجانب، لكنه لم يكن محظوظاً بما فيه الكفاية، فكانت إحدى الطلقات قد أصابت كتفه!
"آآآه!!"
صرخ أكيرا وهو يشعر بحرارة الرصاصة وهي تخترق جسده، لكنه لم يتوقف عن الركض!
أكيرا (يصر على أسنانه وهو يواصل الركض): "ليس الآن... لن أموت هنا!"
قفز أكيرا فوق إحدى الطاولات، واندفع بسرعة نحو نافذة زجاجية ضخمة في نهاية الممر، كان الشرطة يطاردونه من الخلف وهم يطلقون النار بلا توقف، ولكنه لم يلتفت إليهم.
أكيرا (وهو يضغط على جرحه ويتنفس بصعوبة): "المخرج... هناك!"
جمع كل قوته المتبقية، ثم قفز مباشرة نحو النافذة! تحطمت الزجاجات إلى آلاف الشظايا بينما طار جسد أكيرا في الهواء، سقط من الطابق الثاني، تدحرج على الأرض بقوة، لكنه لم يتوقف أبداً. كان المطر يهطل بغزارة، والشارع شبه فارغ في هذه الساعة المتأخرة.
أكيرا (بصوت منخفض، وهو يبتسم رغم ألمه): "لقد نجحت..."
نهض بسرعة، ثم انطلق راكضاً في شوارع المدينة المظلمة، تاركاً خلفه الجثث والدماء والفوضى التي صنعها بنفسه. وبعد مدة، أصبح بعيداً عن الأنظار، كانت أقدامه بالكاد تحمل جسده الصغير المليء بالإصابات.
وجد نفسه في زقاق ضيق مهجور، كان مظلماً وتفوح منه رائحة العفن والمياه الراكدة، لكنه لم يهتم. فقد كان هذا المكان مثالياً للاختباء، جلس على الأرض متكئا، بظهره على الجدار. كان يلهث بشدة وبدأ يستوعب حجم الألم الذي كان فيه.
أكيرا (وهو يلهث وينظر إلى جرحه النازف): "هذا... سيء... سيء جداً..."
رفع يده المرتجفة ببطء، ثم مزّق كمّ قميصه بأسنانه، ليكشف عن الجرح. رأى الدم وهو يتدفق ببطء، والرصاصة كانت لا تزال عالقة في جسده، شعر بالغثيان بمجرد النظر إليها، لكنه لم يكن يملك خياراً آخر... كان عليه أن يخرجها بنفسه.
أكيرا (بصوت مرتجف): "يمكنني فعلها... فقط... لا يجب أفكر كثيراً... لا يوجد أحد سيود مساعدة شخص مثلي..."
أخذ نفسًا عميقًا، ثم أدخل أصابعه الصغيرة داخل الجرح، محاولاً الإمساك بالرصاصة.
"آآآآآه!!"
تجمّد جسده بالكامل، الألم كان لا يُحتمل، أكثر مما توقعه. بدأ جسده يرتجف بشدة، وانهمرت الدموع على وجهه دون أن يتمكن من إيقافها، لكنه كان مصراً على علاج نفسه بنفسه.
أكيرا (وهو يعض شفتيه حتى كاد أن يجرح نفسه): "لا... يجب أن... أستمر... أنا... لن أصبح.. ضعيفاً أبداً!"
حاول مجدداً، فلامس إصبعه الصغير سطح الرصاصة المعدنية، وعندها شعر بألم أشد من السابق. أراد أن يصرخ، ولكنه غطى فمه بيده الأخرى، فهو لم يكن يريد أن يسمعه الشرطة.
أكيرا (بصوت خافت، دموعه تسيل على خديه): "آآه... أمي... إنه يؤلم... يؤلم كثيراً... أمي... لقد تركتني أعيش كل هذا لوحدي..."
استمر أكيرا في تحريك الرصاصة حتى بدأ يشعر بها وهي تنفصل عن اللحم، وفي النهاية تمكن من الإمساك بها وسحبها ببطء.
"تشششش!"
خرجت الرصاصة المغطاة بالدماء أخيراً من جسده، وسقطت على الأرض بصوت معدني ضعيف، فنظر إليها أكيرا بعيون متعبة.
أكيرا (بصوت مرتعش): "وأخيراً... فعلتها..."
وبعد ذلك لم يستطع أكيرا مقاومة الإرهاق... أغلق عينيه، وسقط رأسه إلى الخلف ليفقد وعيه.
استيقظ أكيرا على برودة الصباح القاسية، كانت أنفاسه بطيئة وثقيلة وهو يشعر بدوار شديد. فتح عينيه بصعوبة، فرأى الجدار المهترئ للزقاق الذي قضى فيه ليلته.
"أنا... ما زلت هنا؟"
تحرك ببطء، لكنه شعر بألم شديد في كتفه المصاب، نظر إلى جرحه، حيث كان الدم قد جف جزئياً لكنه لم يُضمد بعد، كان لا يزال مفتوحاً وبدأ الجلد حوله يتورم.
أكيرا (بصوت ضعيف، وهو يحدق في يده المرتجفة): "لم ينقذني أحد...؟"
وقف أكيرا واستوعب بأنه منزله كان قريباً من هذا الزقاق، فبدأ يمشي ببطء وهو يمسك بكتفه المصاب، كان الإرهاق والتعب واضح في عينيه، ولحسن حظه بأنه لم ينتبه له أي شخص في ذلك الشارع. وصل إلى منزله بعد دقائق من السير، لم يطرق الباب حتى، بل دفعه بقوة وكاد يسقط على الأرض، كان يلهث وجسده مغطى بالجروح والدماء، حتى أن جرحه قد فُتِح بسبب الحركة المفاجئة.
بدأ العرق يتصبب من جبينه. فيليبو، الذي كان جالساً على كرسيه وهو يدخن سيجارته، حدّق في أكيرا بصدمة لم تكن معهودة منه. ولأول مرة لم يكن ببروده المعتاد، بل بدا متوتراً.
فيليبو (بصوت منخفض، لكنه يحمل بعض الصدمة): "أكيرا؟!"
رفع أكيرا رأسه ببطء، ونظر إلى والده بجمود.
فيليبو (يتقدم نحوه، وهو يلاحظ الدماء التي تغطي جسده): "ما كل هذه الدماء؟ من المفترض أن تكون في السجن الآن... كيف خرجت؟!"
أكيرا (بصوت ضعيف، لكنه يحمل نبرة غريبة، شبه متقطعة بسبب الألم): "لقد... هربت..."
كان أكيرا على وشك السقوط ولكنه تمالك نفسه.
أكيرا (يتنفس بصعوبة، وهو يرفع عينيه المتعبة إلى والده): "وقتلتهم أيضاً."
تجمد فيليبو في مكانه، اتسعت عيناه بشدة ولم يستطع إخفاء التوتر في عينيه.
فيليبو (بصوت أكثر حدة، وفي نفس الوقت يحاول الحفاظ على هدوءه): "قتلت من؟!"
أكيرا (بابتسامة ضعيفة، ودماء تسيل من فمه): "قتلتهم جميعاً... كل من وقف في طريقي... الضابط، الحراس... الشرطة..."
حدق فيليبو بابنه... لكنه لم يعد يرى طفلاً أمامه، بل كان يرى وحشاً صغيراً يحتضر! في تلك اللحظة، سقط جسد أكيرا فجأة على الأرض.
أكيرا (بهمس، وهو يضغط على جرحه الذي ينزف بغزارة): "أبي... أعتقد أنني... سأموت هنا... وأخيراً... سوف ترتاح مني..."
كان جسده يرتجف بينما كان ووجهه شاحب كالأموات، أما أنفاسه فكانت تخرج بصعوبة، صدره يرتفع وينخفض بشكل غير منتظم. لم يكن فيليبو من النوع الذي يظهر مشاعره بسهولة، ولكنه وقف متجمداً للحظات ولم يكن يعرف كيف يتصرف. عيناه كانتا تحملان توتراً لم يشعر به منذ زمن طويل... هذا الطفل، الذي لطالما رآه كعبء، هو الآن بين الحياة والموت أمامه.
تقدم خطوة واحدة، ثم توقف ونظر إلى جسد أكيرا النحيل المغطى بالجروح، كان مجرد طفل بريء ولكنه تحول إلى وحش بسبب هذه الحياة التي عاشها.
فيليبو (بصوت خافت، لكنه خشن): "اللعنة..."
أكيرا (بصوت ضعيف متقطع وهو يبتسم بسخرية): "أبي... لماذا... تبدو متوتراً؟ ألم يكن هذا... ما أردته دائماً؟"
تصلب جسد فيليبو للحظة، قبض على يده بقوة، لكن ملامحه لم تتغير، أما أكيرا فقد بدأ يفقد إحساسه بأطرافه، وأصبحت رؤيته مشوشة.
أكيرا (بصوت ضعيف): "هذا مؤلم... لم أعتقد.... أن الموت سيكون هكذا..."
تحرك فيليبو أخيراً، جلس بجانب أكيرا على الأرض ونظر إليه، لم يكن يعلم لماذا، ولكنه شعر بشعور غريب قد اجتاحه، لم يكن شفقة... ولم يكن حناناً... لكنه لم يكن بارداً أيضاً، أما أكيرا فقد غرق في الظلام أخيراً. مد فيليبو يده ولمس جبين أكيرا، كان جلده بارداً وكأن الحياة بدأت تتسرب منه، ثم وضع يده على صدره وشعر بنبضه الضعيف.
فيليبو (بصوت منخفض): "اللعنة عليك أيها الصغير... حتى في الموت، ما زلت تسبب لي المشاكل."
كان فيليبو يعتقد بأن هذا سيكون سهلاً عليه، كان يجب عليه أن يشعر بالراحة وهو يرى هذا الطفل الذي جلب له المتاعب طوال هذه السنوات وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، ولكنه لم يشعر سوى بثقل غريب في صدره.
في النهاية، حسم أمره. أمسك جسد أكيرا ورفعه بين ذراعيه، ثم خرج به من المنزل.
فيليبو (بصوت هادئ، لكنه حازم): "لن تموت بهذه السهولة، أيها اللعين."
وبدأ يسير في الشارع، حاملاً ابنه الذي كاد أن يخسره، متجهاً إلى المكان الوحيد الذي قد ينقذه... قبل فوات الأوان. بدأ فيليبو يركض بدون أن يدرك ذلك حتى، ووصل إلى عيادة صغيرة كانت تقع في نهاية المنطقة السكنية، فتح الباب بسرعة وظهر أمامه رجل مسن ذو لحية خفيفة وشعر أشيب، كان يرتدي معطفًا طبياً ونظارة طبية سوداء.
الطبيب (بتعبير متجهم): "فيليبو؟ لم أركَ منذ سنوات... عساه خيراً؟"
ثم أدار الطبيب بصره نحو جسد أكيرا الملطخ بالدماء في ذراعي والده، اتسعت عيناه قليلاً قبل أن يتنهد ويفتح الباب بالكامل، تجاهل بالكامل حقيقة أن أكيرا هو المستذئب الذي تحدث الجميع عن خطورته.
الطبيب (بتوتر): "أدخله بسرعة، قبل أن يراه أحد."
دخل فيليبو إلى العيادة ووضع أكيرا على السرير، بينما بدأ الطبيب يفحصه على الفور. مزق الطبيب ملابس أكيرا وبدأ ينظف الدماء المتجمدة حول كتفه المصاب.
الطبيب (وهو يرفع حاجبه بقلق): "لقد فقد الكثير من الدم... كيف لم يمت حتى الآن؟"
لم يجب فيليبو، فقط وقف هناك يعقد ذراعيه بصمت وهو ينظر إلى الطبيب وهو يواصل الفحص، لكن بعد لحظات، توقف الطبيب فجأة وعيناه امتلأتا بالدهشة.
الطبيب (بصدمة، وهو يلمس الجرح بإصبعه): "انتظر... هذا غير ممكن..."
فيليبو: "ماذا؟ ما الأمر؟"
الطبيب (بصوت متردد، وكأنه غير مصدق لما يراه): "الرصاصة... إنها ليست هنا."
تجمدت ملامح فيليبو للحظة، ثم تقدم خطوة واحدة إلى الأمام، عاقداً حاجبيه.
فيليبو: "ماذا تعني بأنها ليست هنا؟ لقد أصيب برصاصة من قبل رجال الشرطة بالتأكيد!"
الطبيب (وهو يمرر يده على الجرح بعناية): "بالضبط... كان يجب أن تكون الرصاصة عالقة هنا في كتفه، لكنها ليست موجودة، وكأن أحدهم قد أخرجها."
أخفض الطبيب رأسه ونظر إلى جسد أكيرا، ثم بدأ يلاحظ شيئاً آخر حول الجرح، كانت هناك علامات خدوش غير طبيعية، وكأن شخصا، ما قام بالحفر داخل لحمه بأداة حادة... أو بأصابعه. ثم نظر إلى وجه أكيرا الذي كان يتنفس بصعوبة ويبدو عليه الألم والإرهاق الشديد.
الطبيب (وهو ينظر إليه بذهول): "لا يمكن أن يكون... هل... هل أخرجها بنفسه؟ توجد آثار مخالب في جرحه..."
اتسعت عينا فيليبو عند سماع تلك الكلمات، لم يقل شيئاً لكنه شعر بقشعريرة غريبة تمر في جسده وهو ينظر إلى ابنه، هل وصل به الأمر إلى هذه الدرجة؟ كان يعتقد بأنه مجرد طفل مختلف في الشكل فقط، لكنه كان قوياً وذكياً لدرجة بأنه استطاع أخرج رصاصة مغروسة في جسده بأصابعه... وتحمل الألم المروع وحده، لم يكن لديه أحد ليساعده... لا دواء، لا أدوات طبية، فقط قوته وغريزته.
في تلك اللحظة، أدرك فيليبو شيئاً مهماً... أكيرا لم يكن مجرد طفل عادي... أخذ الطبيب نفساً عميقاً ثم بدأ يإيقاف النزيف وتضميد الجرح.
الطبيب (وهو يربط الضماد حول كتف أكيرا): "هذا الفتى ليس طبيعياً، فيليبو. أي طفل آخر كان سيموت منذ فترة طويلة، فمن الواضح بأنه مصاب منذ ساعات طويلة، ولكن جسده قد تحمل أكثر مما هو ممكن."
لم يرد فيليبو، فقط راقب بصمت وبدأ يفكر ويراجع نفسه، فأكيرا لم يكن مجرد فتى مستذئب، ولم يكن مجرد "خطأ" كما اعتقد دائماً... بل كان شيئاً آخر تماماً. بعد دقائق، انتهى الطبيب من تضميد الجرح، ثم وقف وهو يمسح العرق عن جبينه.
الطبيب: "لقد قمت بما يمكنني فعله، لكنه بحاجة للراحة... لا يمكنه تحمل المزيد من الإصابات مثل هذه وإلا... فحتى جسده القوي لن يصمد. فيليبو، لا أعرف ماذا حصل لهذا الطفل ليصل إلى هذه الحالة، لكنني أعرف شيئاً واحداً... إذا استمر على هذا الطريق، لن تكون هذه آخر مرة تراه فيها على وشك الموت."
فيليبو (بصوت منخفض وهو ينظر إلى أكيرا): "أنا أعرف... أبقِ هذا بيننا، لا أريد أن يعرف أحد أنه هنا."
بدأ الطبيب يعمل بصمت، رفع جهاز التنفس الصناعي ووضعه على وجه أكيرا بحذر، ثم تأكد من أنه يعمل بشكل صحيح. بعد ذلك أخذ كيس المغذي وعلقه على حامل معدني بجانب السرير، ثم أدخل الإبرة في وريد ذراع أكيرا. وبعدها ألقى نظرة خاطفة على وجه أكيرا الذي بدا شاحباً جداً، ولكنه بدأ يتنفس بشكل أفضل مع هذا الجهاز.
الطبيب: "كم من الوقت ستستمر في القتال، أيها الفتى؟"
خرج الطبيب من الغرفة تاركاً فيليبو مع ابنه لوحدهما، نظر فيليبو إلى أكيرا وهو مستلقٍ بلا حراك، ولأول مرة منذ ولادته، رأى ابنه عن قرب دون أن يشعر بالبرود أو النفور المعتاد، كانت هذه المرة الأولى التي يراه فيها كإبنه حقاً وليس كحمل ثقيل أُلقي على عاتقه.
مد يده ببطء، ولمس شعر أكيرا الأسود الذي ورثه منه، كان ناعماً على الرغم من أنه كان فوضوياً بسبب الإهمال. مرر أصابعه بين خصلاته، ثم أنزل يده ليمسك بيد أكيرا الصغيرة التي كانت باردة، لم يكن يستطيع إنكار الحقيقة بعد الآن... هذا الطفل الذي رفضه الجميع، والذي قاتل بشراسة للبقاء، هو ابنه.
فيليبو (بهمس، بالكاد يسمع صوته هو نفسه): "كم كنت أعمى..."
ظل يحدق في يد أكيرا، وهو يتذكر كيف كان يعامله طوال السنوات الماضية... كل الإهمال، كل العنف، كل الكلمات الجارحة التي قالها له، وها هو الآن ممدد أمامه بين الحياة والموت، لكنه كان لا يزال يقاتل، تماماً كما فعل منذ ولادته.
شعر بشيء غريب يجتاح صدره، لم يكن يعرف ما هو تحديداً... هل هو ندم؟ هل هو حزن؟ هل هو تأنيب ضمير؟ مهما كان هذا الشعور، فهو لم يكن مستعداً له، ضغط على يد أكيرا برفق وشعر بنبضه الخفيف.
فيليبو (بصوت بالكاد مسموع): "أنا... آسف، أكيرا."
بعد ثلاثة أيام، بدأ جسد أكيرا يتحرك ببطء، حاجباه انقبضا قليلاً، ثم بدأ يفتح عينيه. في البداية، كانت رؤيته مشوشة، ثم رأى سقفاً أبيض اللون وإضاءة مزعجة.
أكيرا (بصوت خافت): "أين أنا؟"
حاول رفع يده لكنه شعر بثقل كبير، وكأن جسده كله كان مقيداً، استغرق الأمر بضع لحظات حتى تذكر كل شيء إبتداءاً من الهروب، القتال، الجرح، والدماء... ثم سقوطه أمام والده. وعندما استوعب ذلك، حاول النهوض بسرعة ولكن الألم المروع ضرب جسده بالكامل.
"آه...!"
شهق أكيرا من الألم، وأغمض عينيه بقوة وهو يتأوه، ولكن فجأة، سمع صوت خطوات تقترب منه، رفع رأسه قليلاً، فرأى شخصاً يقف بجانبه، كان ذلك الشخص هو فيليبو. لم تكن ملامحه تحمل ذلك البرود المعتاد، بل كان ينظر إلى أكيرا بنظرة معقدة بها مزيج من التوتر، القلق، وربما شيء آخر لم يستطع أكيرا فهمه.
فيليبو (بصوت هادئ، لكنه جاد): "وأخيراً استيقظت."
ظل أكيرا ينظر إليه بصمت، كان عقله لا يزال مشوشاً، ولكنه لاحظ أن والده كان يبدو مرهقاً، وكأن هذه الأيام الثلاثة لم تكن سهلة عليه أيضاً.
أكيرا (بصوت متعب لكنه ساخر): "أوه... لم أمت إذاً؟ يا للأسف."
عقد فيليبو حاجبيه قليلاً، ثم جلس على الكرسي بجانب السرير، واستمر بالتحديق في أكيرا.
فيليبو (بهدوء، لكن بنبرة ثقيلة): "لماذا أخرجت الرصاصة بنفسك؟"
تجمد أكيرا للحظة، لم يكن يتوقع هذا السؤال أولاً، ثم ابتسم ابتسامة ضعيفة.
أكيرا (بصوت خافت): "لأنني لم أكن أريد أن أموت هناك... ليس في ذلك المكان اللعين."
بعد صمت دام للحظات، أخذ أكيرا نفساً عميقاً وسأل بصوت منخفض.
أكيرا: "لماذا... أنقذتني؟"
نظر فيليبو إليه بصمت، ثم زفر ببطء وأدار نظره بعيداً، وكأنه لا يعرف الإجابة بنفسه.
فيليبو (وهو يشيح بنظره بعيداً): "لا أعرف..."
كانت هذه الكلمات صادمة لأكيرا أكثر من أي شيء آخر... لأول مرة، لم يكن لدى فيليبو إجابة مباشرة، حدّق أكيرا في والده محاولًا فهم تعابير وجهه، لكنه لم يستطع قراءة أي شيء، ومع ذلك، كان هناك شيء واضح في عينيه... شيء لم يكن موجود من قبل.
أكيرا (بابتسامة ضعيفة، لكن ساخرة): "هاه... يبدو أنني تسببت بمشكلة لك، أليس كذلك؟ كان عليك أن تختار بين تركي أموت... أو أن تنقذني."
أخفض فيليبو رأسه قليلاً ونظر إلى الأرض، لم يكن يعرف ماذا يقول.
أكيرا: "لكن لماذا أنت قلق؟ هذا هو ما كنت تريده دائماً، صحيح؟ أن أختفي... أن أتوقف عن الوجود..."
رفع فيليبو عينيه إليه فورًا، وكأن كلماته أيقظت شيئًا ما بداخله.
فيليبو (بهدوء، لكن بنبرة غير مألوفة): "أنت حقاً لا تفهم شيئاً، أليس كذلك؟"
أكيرا (بدهشة): "ماذا؟ ماذا تقصد؟"
فيليبو: "عندما رأيتك تدخل إلى المنزل... كنت غارقاً في دمائك، بالكاد استطعت الوقوف... أدركت أنني قد أخسرك فعلاً. وعندما سقطت أمامي... عندما قلت إنني سأرتاح إذا مت... لم أستطع الشعور بذلك..."
حدق أكيرا في والده بصمت، اتسعت عيناه مما سمعه، فهو لم يكن معتاداً على سماع والده يتحدث بهذه الطريقة، بل لم يكن معتاداً على أن يكون محور اهتمامه... ولو للحظة!
فيليبو (بهدوء): "أنت ابني، في النهاية."
ظل أكيرا صامتاً للحظات، ثم أخفض بصره وثم زفر بهدوء.
أكيرا (بهدوء، لكن نبرته كانت تحمل شيئًا مختلفًا هذه المرة): "حتى لو كنت قد أنقذتني هذه المرة، فهذا لا يغير شيئاً... لأنني لن أسامحك أبداً. كل ما مررت به، كل شيء حدث لي... كل جزء مني تحطم... كان بسببك. أنت من تركتني أعيش بهذا الشكل، أنت من جعلتني أؤمن بأنني لا أساوي شيئاً، أنت من دفعتني إلى الحافة أكثر من أي شخص آخر."
ظل فيليبو ينظر إليه بصمت، لكن أصابعه كانت مشدودة قليلاً على يده، وكأنه يحاول أن يبقى هادئاً.
أكيرا (وهو ينظر مباشرة إلى عيني والده): "لذلك، حتى لو أنقذتني الآن، حتى لو شعرت بشيء يشبه القلق عليّ... لن أسامحك أبداً."
كان صوته ثابتًا، لم يكن فيه غضب ولا حقد، بل كان مجرد حقيقة باردة. ظل الاثنان ينظران إلى بعضهما البعض للحظات، قبل أن يشيح فيليبو بنظره مجدداً ويتحدث.
فيليبو (بصوت خافت): "كنت أتوقع ذلك..."
يتبع...