في إحدى الأزقة الضيقة لعاصمة جزيرة أوراكانو، ظهر فتى مراهق يرتدي قميصاً أبيضاً بسيطاً وبنطالاً أزرقاً داكناً، وغطى جزءاً من وجهه بقبعة بيضاء مائلة قليلاً نحو اليسار. كان شعره الأحمر فوضوياً قليلاً على الرغم من نعومته، وعينيه رماديتين هادئتين. ملامحه كانت مثالية وجذابة جداً. مشى الفتى بخطوات هادئة كمن اعتاد حمل ثقل العالم على كتفيه.

إسمه هو كين... كان قد بلغ السادسة عشرة من عمره هذا الشهر، لكن الاحتفال كان آخر همه. توقف كين عند زاوية أحد الجدران واستند إليه، ثم أخرج سيجارة من جيب سترته الداخلية، وأشعلها بهدوء باستخدام شعلة نارية صغيرة صنعها بإصبعه، ثم أخذ منها أول رشفة وزفر الدخان ببطء.

كين (يفكر بصوته الداخلي): "هذا العالم... كلما نظرت إليه، ازداد قبحاً. وجوه مزيفة، أصوات عالية، عدالة وهمية... ولا أحد ينجو من القذارة."

كان يُدخن ببطء، وكأن كل نفس يساعده على تحمّل فكرة أنه ما زال هنا. حتى سمع بعض الخطوات وهي تقترب منه. كانت صاخبة وغير منضبطة. اقترب من الزقاق أربعة فتيان مراهقين بدوا أكبر وأطول منه قليلاً، وبدأت تُسمَع منهم أصوات الضحك والتعالي عندما لاحظوا وجود كين.

الفتى أول (ساخر، بنبرة مصطنعة): "أنظروا من وجدنا هنا! أليس هذا الطالب العبقري من مدرستنا الثانوية؟ كين العبقري، صاحب الدرجات المثالية؟!"

الفتى الثاني (يضحك ويقول بنبرة أكثر استفزازاً): "دائماً متكئ على الجدران وكأنك في عرض أزياء... ما المشكلة؟ تعتقد نفسك أفضل منا لأنك لا تتحدث كثيراً؟"

الفتى الثالث (بنبرة متهكمة): "أنا أراقبك منذ بداية السنة، غالباً تجلس لوحدك، أو مع آدم وكايتو، اولائك الحثالة! لا تضحك، لا تنظر لأحد. أتعرف ما يقولون عنك؟ إنك متكبّر... تتظاهر بأنك هادئ ونقي... لكننا نعرف أنك قذر مثلنا تماماً... يوكاجي كين! لا تجعلني أعدد لك كل ما فعلته قبل ثلاث سنوات!"

كين لم يرد ولم يتحرك. فقط أسقط رماد سيجارته على الأرض، ورفع رأسه قليلاً دون أن يلتفت إليهم.

خرج الدخان من فمه ببطء، واستمر في تجاهلهم.

الفتى الأول (يميل نحو البقية ويهمس بصوت مسموع): "انظروا لحجمه... ما زال قصيراً بالنسبة لشخص بعمره، هل يحتاج إلى كرسي ليرى العالم من فوق؟"

ضحكوا بصوت صاخب مجدداً. لكن على الجانب الآخر من الشارع، خرج آكيو ويوكو من المقهى، وتوقفوا عن المشي فجأة حين رأوا التجمع الغريب في الزقاق.

آكيو (يركّز وهو يضيق عينيه): "ما الذي يحدث هناك...؟ مجموعة أولاد يحيطون بشخص واحد؟"

يوكو (وهي تركز في المشهد): "انتظر..."

تقدّمت خطوة ببطء وعيناها متوسعتان، تحاول أن ترى وجه الفتى الذي كان يدخن وحده. رغم الظلال والقبعة، كان هناك شيء مألوف به في نظرها.

يوكو (بهمس مصدوم): "لا يمكن... لا يمكن أن يكون هو..."

في الزقاق، ازداد حماس الجانحين، وبدأ أحدهم يقترب أكثر من كين، ومدّ يده باتجاه قبعته.

الفتى الرابع (بابتسامة مائلة): "فلنرَ ما تخفيه تحت هذه القبعة يا عبقري... ربما تخجل من رؤيتنا لوجهك الباكي؟"

لكن قبل أن تصل يده... رفع كين رأسه بالكامل ووجَّه نَظَرَه للجميع! تلك العينين الرماديتين لم تكونا تنظران بنظرة عادية أبداً... كانت نظرته باردة... قاتلة... فارغة من كل شيء... كانت نظرة من يرى الآخرين كأشباح عابرة لا تستحق حتى الاشمئزاز. بمجرد أن التقت نظراته بنظراتهم، حتى توقفت الضحكات.

يوكو (تغطي فمها بصدمة): "هذا... مستحيل."

صوتها كان خافتاً، لكن جسدها ارتعش. في تلك اللحظة، لم يتحرك أحد. الهواء في الزقاق أصبح أثقل، وكأن نظرة كين وحدها كانت كافية لخنق كل شيء من حوله. أصابع الفتى الذي حاول الإمساك بقبعته بدأت ترتجف دون أن يشعر... ثم... حرّك كين يده اليسرى ببطء.

أدخلها تحت قميصه من الخلف، وسحب شيئاً طويلاً ولامعاً... كان سيفاً مخبأً بعناية خلف ظهره، ومثبتاً بين ثنايا حزامه الداخلي. صوت السَحب المعدني شقّ الصمت. أسقط كين سيجارته من فمه، ثم داس عليها برجله.

رفع كين السيف أمام وجهه بهدوء... ثم مرّر طرف لسانه على حافة النصل. سال خط دقيق من الدم من طرف لسانه، لكن كين لم يطرف له جفن. بل ابتسم ابتسامة مشوهة ومرعبة... ثم اشتعل السيف. انبعثت نار حمراء داكنة فجأة من النصل، كأنها استجابت لجسده. التصق اللهب بالمعدن دون أن يحرقه، وبدأ يتراقص ببطء على حدّ السيف. تراجع أحد الجانحين نصف خطوة وقال بصوت مرتجف:

الفتى الأول: "مـ... ما هذا؟! إذا فالشائعات صحيحة؟!"

لكن كين لم يرد. خطا خطوة للأمام، فانفجرت شعلة صغيرة تحت قدميه على الأرض، وكأن الأرض تنذرهم أن هذا ليس وقت العبث.

آكيو (وهو يهمس بدهشة): "ما هذا بحق السماء...؟ من يكون هذا؟!"

يوكو (تكاد لا تنطق): "فاكن النار... وسيف واحد... هذه طريقته. إنه هو... يوكاجي كين!!"

ساد الصمت... لكنّ الخوف كان يصرخ داخل صدورهم. تقدم كين خطوة أخرى، السيف المشتعل بيده بدأ يضيء وجهه بنورٍ أحمر قاتم، أما نظراته... فلم تكن نظرات مراهق. بل نظرة شخص حُرِقَ من الداخل ولم يتبقَّ منه سوى الرماد. تلفّت الجانحون فيما بينهم بقلق، بينما وَجَّهَ كين نَظَره نحو الجانح الأول.

كين (بنظرة مرعبة): "أنت... تشين. ما زالت والدتك تعتقد أنك تعمل في متجر الحلويات بعد المدرسة... بينما كنت تبيع المخدرات في الأزقة الخلفية مع ريتسو."

تجمد تشين في مكانه.

كين (ينقل نظره إلى آخر): "وأنت يا ريتسو... تتباهى أمامهم بأنك لا تهتم بشيء... لكنك تبكي ليلاً كلما تذكرت كيف طردك والدك من البيت."

ريتسو: "ماذا...؟!"

كين (يتجه بنظره للثالث وهو يؤشر على تشين): "وأنت، هاغوار... صديقك هذا خانك مع من كنت تسميها 'حبيبتك'. كم هو مؤسف أنك ما زلت تضحك بجانبه حتى اليوم."

هاغوار (بصدمة وهو ينظر لتشين): "ما الذي...؟"

كين (ينظر للرابع): "وأنت آندو... أضعفهم. تسير معهم لأنك تخشى أن تُضرب، صحيح؟ لكنك لن تفلت."

ثم فجأة... اختفى كين من مكانه. في لحظة، ظهر خلف ريتسو تماماً، ووجّه ضربة خفيفة بسيفه على الأرض بجانبه. لم تصبه، لكنها أطلقت عموداً من النار ارتفع فجأة! سقط ريتسو أرضاً وهو يصرخ، وظلّ كين واقفاً خلف ريتسو الذي بدأ يهدأ بعد صراخه الشديد، لكن الرعب لم يهدأ في عيون الآخرين.

كين (بصوت هادئ): "هل ترون؟... كل ما يلزم لإسقاطكم هو أن أتكلم."

كان تشين قد تراجع للخلف بوجهه شاحب، أما هاغوار فقد ارتجفت يداه وهو ينظر لرفيقه تشين الذي خانه، بينما كان عقله يتصارع بين الإنكار والغضب.

كين (ينظر إلى هاغوار مباشرة): "أخبرني يا هاغوار... كم مرّة ضحكت معه بعد أن خانك؟ كم مرة ظننت بأنك تعيش في صداقة حقيقية؟"

هاغوار (بصوت متهدج): "أنت... أنت لا تعرف شيئاً..."

كين (وهو يخطو ببطء نحوه): "بل أعرف... كنت أستمع إليكم كل يوم. كنت أجلس بعيداً وأنا أراقبكم تسقطون بأنفسكم."

توقف كين أمام هاغوار، ثم رفع السيف ببطء شديد، حتى أصبح طرفه قريباً من صدره ولامس قميصه الأبيض. في لحظة خاطفة، حرّك كين نصل السيف بحركة سطحية عبر قميص هاغوار. خرجت من هاغوار صرخة مكتومة، وبدأ يظهر خط رفيع من الدم فوق صدره. لم تكن ضربة قاتلة... بل كانت إهانة دقيقة ومحسوبة... كأن كين كان يقول: "أستطيع قتلك... لكن لا تستحق."

كين (وهو يهمس): "الآن... أنت تنزف لأنك تستحق أن تتذكر هذا الجُبن... في كل مرة تنظر فيها للمرآة."

ثم خفض السيف، وتراجع خطوة واحدة، بينما كان اللهب ما زال يحيط بشفرته.

كين (وهو يشيح بوجهه): "اذهبوا... قبل أن أغير رأيي."

لم يكن يحتاج أن يصرخ... لم يكن يحتاج أن يُكمل. لأنه كان يعلم بأن أربعتهم سيركضون دون قول كلمة واحدة. خطواتهم كانت مرتعشة وخالية من القوة التي دخلوها بها. يوكو كانت لا تزال تراقب من بعيد، وقد غطت فمها بكلتا يديها، ودموعها تتجمّع بصمت.

آكيو (بصوت منخفض): "هذا أكثر شخص مخيف رأيته في حياتي!"

يوكو (بهمس مشحون): "هذا هو... يوكاجي كين الذي كنت أبحث عنه."

بعد أن اختفى الجانحون، رفع كين رأسه إلى السماء للحظة، ثم أغلق عينيه وأخذ نفساً عميقاً. ثم خمد اللهب من حوله بهدوء، وعاد السيف خامداً كما كان، ليعيده إلى ظهره دون أن ينبس بكلمة. لكن خطوات خفيفة وسريعة كانت قد توجهت نحوه.

تركت يوكو آكيو خلفها، واندفعت نحو كين بكل ما تبقى من قلبها. دموعها سالت بحرارة على وجنتيها وهي تتقدّم، لقد كانت تعرفه من قبل!

يوكو (بصوت مختنق، وهي تقترب): "كين... كين... إنه أنت حقاً...!"

وقف كين مكانه ولم يتحرك، حاجباه انخفضا قليلاً، وكأن شيئاً في داخله ارتجف للحظة. لكن قبل أن يرد، كانت يوكو قد ألقت بنفسها عليه واحتضنته بقوة.

يوكو (تضغط وجهها على صدره، والدموع لا تتوقف): "لقد اشتقت إليك... لا أصدق أنني وجدتك بعد كل هذه السنوات..."

بقي كين جامداً، وشعر بأن صوتها كان مألوفاً، لكن الذكريات في داخله كانت مشوشة. نظر إلى الأعلى قليلًا، ثم خفض رأسه وهمس بصوت بارد، لكن مرتبك:

كين: "من... أنتِ؟"

تصلّبت يوكو في مكانها. ثم رفعت رأسها ببطء، ونظرت في عينيه مباشرة.

يوكو (بذهول يقطعه الألم): "أنا يوكو... ألا... تتذكرني؟! لقد... لقد هربنا معاً من الحرب!"

سادت لحظة صمت... حتى آكيو الذي لحق بها للتو توقف عن الحركة. نظر إليهما بانبهار، ثم رمش بعينيه وقال بانفعال:

آكيو (بحماس طفولي): "أنت مذهل!!! كيف فجّرت النار بهذا الشكل؟! وكيف كشفت أسرارهم؟! و... و... ما كان ذلك المشهد عندما..."

لكن كين لم يرد عليه، كان لا يزال يحدّق في وجه يوكو، وجهها كان مليء بالدموع... لكنه كان يشبه شيئاً دُفن في ذاكرته منذ زمن بعيد.

كين (بصوت خافت جداً): "يوكو؟"

حين نطق كين باسمها أخيراً، اهتز شيء ما في أعماق يوكو. لم تكن نبرته حنونة... لكنها لم تكن قاسية أيضاً.

يوكو (بارتباك وهي تبتعد عنه قليلاً): "آسفة... أعلم أنني اندفعت كثيراً... فقط... حين رأيتك هناك، وسط اللهب، كنت أعلم أنه أنت. لم أتمالك نفسي..."

مسحت يوكو دموعها سريعاً بكُمّها وهي تحاول استعادة هدوئها. أما كين فقد بقي صامتاً، نظراته لا تزال معلقة بها، لكن وجهه كان جامداً كالمعتاد. في هذه اللحظة، اقترب آكيو أكثر وهو متحمس كالعادة، وبدأ يُلوِّح بيده أمام وجه كين.

آكيو (بابتسامة مشرقة): "أنا ساكاموتو آكيو! ويجب أن أقول... ما فعلته كان أسطورياً!! طريقة سحبك للسيف، النار، الصمت، النظرة القاتلة, واااه!"

ثم شبك ذراعيه وهو ينظر إليه بإعجاب حقيقي.

آكيو (بحماس): "أتعلم؟ ظننت نفسي رائعاً بقوة البرق... لكن الآن؟ أنا رسمياً معجب بك!"

كين لم يرد، لكنه نظر إلى آكيو للحظة، ثم قال بجفاف:

كين: "أنت تتحدث كثيراً."

آكيو (بضحكة): "أعرف! الكل يقول ذلك!"

ثم اقترب خطوة، ومدّ يده بحماس.

آكيو: "ما رأيك في أن نصبح فريقاً؟ أنت نارّي، وأنا كهربائّي... تخيّل فقط مستوى الدمار الذي يمكننا إحداثه معاً!"

نظر إلى كين يد آكيو الممدودة، ثم إلى وجهه... ثم إلى يده مجدداً. رفع حاجباً واحداً وهو يتنفس ببطء، كأن كل هذا الحماس يربكه أكثر مما يثير إعجابه.

كين (بنبرة ساخرة، منخفضة): "فريق؟ ولماذا بالضبط أنضم إلى شخص لا يغلق فمه؟"

آكيو (بثقة وهو يشير لنفسه بإبهامه): "لأنني مذهل! سريع، قوي، وسأصبح الشوغن المستقبلي!"

كين (يشيح بنظره عنه): "هذا أغبى حلم سمعته في حياتي."

آكيو (بابتسامة ماكرة): "لكن اعترف... لو كنت أنا مكانك، لوافقت على الفور."

كين (ينظر إليه مجدداً ببرود): "لهذا السبب أنا لست مكانك."

ضحكت يوكو بخفة رغم الموقف، كانت لا تزال تحاول ضبط نفسها بعد اللقاء المفاجئ، لكن مشاهدة تفاعل هذين الاثنين أعاد لها بعض الشعور بالدفء.

آكيو (ينظر نحو يوكو مبتسماً): "على الأقل أخبريني أنتِ... أليس من المنطقي أن نتعاون؟"

يوكو (بهدوء): "بصراحة... أعتقد أنكما مزيج غير متوقع... لكنه خطير."

كين (ينظر إلى الاثنين بنصف اهتمام): "خطير؟"

ثم استدار ومشى بضع خطوات نحو الزقاق.

كين: "أنا لا أنضم لفِرق. ولا أقاتل من أجل أحلام الآخرين."

عبس آكيو قليلاً لكنه لم يتراجع. وما إن رأى كين يدير ظهره ويمشي حتى ركض خلفه بخطوات خفيفة، ثم سار بجانبه وكأنه لم يسمع شيئاً مما قاله.

آكيو (بابتسامة متماسكة): "لا بأس، لا تحتاج أن تقاتل من أجل أحلامي... فقط شاركني الطريق، وستكتشف أنك كنت تبحث عن شيء مشابه دون أن تدري."

كين (بنظرة جانبية حادة): "هل أنت دائماً هكذا؟ تُلقي الجمل العميقة وكأنك حكيم صغير؟"

آكيو (بمرح): "أوه لا، هذا يحدث فقط عندما أتحدث مع أشخاص أعجب بهم!"

تنهّد كين وهو يواصل المشي، وكأن وجود آكيو بجانبه مزعج... لكن لا يستحق الطرد. خلفهما، كانت يوكو تسير ببُطء، عيناها لا تزالان معلّقتان على ظهر كين.

يوكو (تفكّر بصمت): "ما الذي حدث لك يا كين...؟ أين ذهب ذلك الفتى الذي كان يضحك إذا تعثر وسقط؟ أين اختفى صوته حين كان يحلم معنا تحت ضوء القمر؟ هل هذا أنت حقاً... أم أن ما حدث دمّرك بالكامل؟"

لكنها لم تقل شيئاً. فقط لحقت بهما، وهي تتمنى أن يكون ما بقي من كين كافياً لإعادته إليها، ولو قليلاً. في هذه اللحظة... سار ثلاثة غرباء في طريق واحد، كلّ منهم يحمل شيئاً مكسوراً بداخله، لكن الخطوة التالية... كانت بداية لرحلةٍ ستغيّر كل شيء.

يتبع...

2025/05/03 · 22 مشاهدة · 1910 كلمة
Sara Otaku
نادي الروايات - 2025