كانت الشمس قد غربت بالفعل حين وصل الثلاثة إلى منزلٍ بسيط يقع على أطراف إحدى التلال، وكانت تحيط به بعض الأشجار عالية. فتح كين الباب الأمامي بهدوء، ثم أشار لهم بالدخول دون أن يتكلم. دخل آكيو ويوكو خلفه، ليجدوا أنفسهم في منزل متوسّط الحجم، دافئ ونظيف بشكل مفاجئ. الأثاث أنيق، ليس فخماً ولكن مرتب.
بداخل الصالة، خرج شابان في عمر كين تقريباً، وكأنهما كانا بانتظاره. الأول كان شعره برتقالياً شائكاً، وعيناه خضراوان ساطعتان، ويرتدي نظارة طبية سوداء. على خديه كان النمش ظاهراً بوضوح، وكان يحمل كتاباً بيده ويبدو أنه خرج للتو من جلسة قراءة.
آدم (ينظر إلى كين، ثم إلى الضيوف): "أوه؟ هل أحضرت ضيوفاً؟ هل هذا حلم أم أنني فعلاً أرى بشراً آخرين يدخلون من بابنا؟"
بجانبه، ظهر شاب آخر أكثر هدوءاً، بشعر أسود يميل إلى البنفسجي، وعينين بنفسجيتين باردتين كالليل. مظهره متماسك، وصوته هادئ.
كايتو (يرفع حاجبه): "ألا تذكر أنك قلت آخر مرة أن البشر مُتعِبون؟"
كين (يجلس بهدوء على أقرب أريكة): "قلت ذلك... وما زلت عند رأيي."
آدم (وهو يضع الكتاب على الرف بحركة دقيقة): "مع ذلك، أرى في وجوههم شيئاً مختلفاً. ليسوا مجرد عابرين... أليس كذلك، كين؟"
لم يجب كين، فقط أراح رأسه على ظهر الأريكة، وأغمض عينيه كمن يستريح من صخب العالم. أخذ آكيو يدور بعينيه في أرجاء الغرفة بدهشة طفولية، ثم فتح ذراعيه فجأة.
آكيو (بابتسامة منبهرة): "هذا المكان مذهل! نظيف، مرتب... وأنا الذي توقعت أكوام قاذورات وجدران مكسورة! منزلي في زيتارا كان يشبه ساحة معركة... أبي كان يقول إنه لا يمكن ترويضي أبداً!"
آدم (بابتسامة خفيفة): "ربما لأنك لا تحتاج مكاناً فخماً... بل مكاناً يُشعرك بأنك لست وحدك. أحياناً، الفوضى تنمو حين لا يجد القلب مكاناً يهدأ فيه."
آكيو (ينظر نحوه للحظة، ثم يبتسم): "أنت شاعر؟"
آدم: "أحياناً... دون قصد."
أما يوكو، فكانت تجلس على حافة الكرسي بصمت، يداها متشابكتان، وعيناها تنظران للأسفل. كان قلبها يطرق بصوت خافت لا يُسمع، لكنها تشعر به في كل جسدها.
يوكو (تفكر باحمرار في وجنتيها): "أنا... أنا فتاة وسط أربعة أولاد... ما الذي أفعله هنا...؟"
نظر كايتو إلى يوكو وشعر بأنها كانت تشعر بالخجل، لكنه لا يُجيد التعامل معها بالكلام. بدلاً من ذلك، مشى نحو المطبخ وهو يقول بصوت جاف:
كايتو: "هل تريدون شيئاً ساخناً؟ شاي؟ حساء؟ أو ماء... فقط إن كنتم تخشون أن أسممكم."
آكيو (ينظر له من خلف الأريكة، بنبرة مازحة): "هل هذه طريقة ترحيبك المعتادة؟ لأنني أعطيها اثنين من عشرة."
كايتو (دون أن يلتفت): "أنا لا أرحب بأحد. أنا أعد سوائل."
ضحك آدم بخفة، ثم جلس على المقعد المقابل ليوكو، وبدأ يلاحظ توترها.
آدم (بصوت هادئ وحنون): "إن كان وجودنا يزعجك، يمكنني ترك الغرفة قليلاً... أو فتح النافذة إن شعرتِ بأن الهواء ثقيل."
رفعت يوكو رأسها بسرعة، مدهوشة من رقّته غير المتوقعة. ابتسم آدم ليوكو بلطف، ثم مد يده بهدوء نحو الطاولة الصغيرة أمامه وسحب منها وسادة إضافية، وضعها إلى جانبها دون أن يقترب أكثر.
آدم (بصوت دافئ): "أحياناً... الأماكن الجديدة تثير الذكريات القديمة. لا بأس إن كنتِ بحاجة لبعض الوقت. نحن لسنا غرباء كلياً... فقط بشر آخرون يحاولون البقاء على قيد الحياة."
يوكو (بتوتر واضح): "شـ...شكراً لك..."
شعرت يوكو بدفء في صدرها، لم يكن بسبب الشاي الذي أعدّه كايتو، بل بسبب صوت آدم الذي بدا وكأنه فهم ما لم تقله. نظرت إلى آدم للحظة، ثم... انتقل بصرها لا إرادياً إلى كين. كان جالساً على الأريكة، رأسه مائل قليلاً إلى الخلف، عيناه نصف مغلقتين كعادته.
يوكو (تفكر، وقلبها ينبض): "لماذا... لماذا قلبي يخفق هكذا كلما نظرت إليه؟"
لم يكن عقل يوكو في كوب القهوة، ولا حتى في الجو العام حولها... بل في ذلك الفتى الجالس على الطرف الآخر من الغرفة. كانت نظراتها تنتقل إليه على استحياء، وكأنها لا تجرؤ على التحديق طويلاً، لكنها لم تستطع مقاومة ذلك الفضول الدافئ المتصاعد في صدرها.
يوكو (تفكر بصوت داخلي): "لو أنني جلست فقط إلى جانبه..."
نظرت إلى عيونه الرمادية... كانت باردة وعميقة، ثم تحوّلت نظراتها إلى يده اليسرى التي كانت تمسك السيجارة بإصبعين، عبرت عيناها على عضده، ثم كتفه، ثم وجهه كله... وشيء بداخلها انقبض، ليس خوفاً، بل شيئاً أعمق... انبهار، أو ربما انجذاب لم تفهمه بعد.
وجهه كان وسيماً، ملامحه هادئة، لكنها تحمل قسوة الحياة... أما السيجارة، فكانت تحترق ببطء بين شفتيه، وهو يسحب منها بهدوء، وينفث الدخان وكأنه يزيح من صدره عبئاً لا يُحكى ولا يُنسى.
يوكو (وهي تشيح بعينيها بسرعة): ."لماذا أشعر وكأنني... أريد أن أكون قريبة منه..."
رفعت الكوب إلى فمها، وحاولت التظاهر بأنها تشرب، لكن قلبها كان ينبض بقوة لم تعهدها. نهضت يوكو بهدوء بعد أن أنهت شرب الشاي، وأرادت أن تذهب نحو المطبخ لتغسل الكوب... لكن عقلها كان بعيداً تماماً عن الكوب والمطبخ، وحتى الأرض التي تمشي عليها. كان مشغولاً بالكامل... بكين.
يوكو (تفكر وهي تسير دون تركيز): "اتسائل كيف عاش كين حياته طوال هذه ال8 سنوات..."
وفي اللحظة التالية، وبينما كانت تخطو بخطوة مشتتة تماماً... تعثرت بطرف السجادة الصغيرة في وسط الغرفة. حاولت أن تتوازن لكنها فقدت السيطرة بالكامل، وسقطت مباشرة إلى الأمام... فوق ركبة كين تحديداً. نظر كين إليها وهي متجمدة فوقه، وجهها مدفون تقريباً في صدره، وشعرها يغطي جزءاً من وجهه.
آكيو (ينفجر ضاحكاً): "آآآآه! هذا ما أسميه هجوم مفاجئ!"
آدم: "يبدو أن القلب أقوى من التركيز هذه الأيام."
كايتو: "سقطت ضحية... كين كان الهدف."
رفع كين يده بهدوء ووضع إصبعيه على جبين يوكو ودفع رأسها ببطء للخلف ليبعدها عنه، ثم تمتم:
كين: "هل هذه طريقتك في اغتيال الرجال؟ مؤثرة، لكن غير فعالة."
سادت لحظة من الصمت... ثم انفجر الجميع بالضحك، حتى يوكو نفسها، رغم احمرار وجهها الكامل. كانت تخفي فمها بكفها وهي تحاول أن تضحك بهدوء، لكن ضحكتها خانتها وخرجت بصوت مرتجف.
آكيو (وهو يصفق بضحك): "أقسم أنني لم أضحك هكذا منذ بداية رحلتنا!"
أما كين، فقد كان يبتسم بخفة خفية جداً، لا يراها إلا من يدقق في زوايا شفتيه. شعرت يوكو أن حرارة وجهها قد زادت، وقلبها أصبح ينبض كطبلٍ حربي، وعقلها يصرخ: "كارثة... كارثة شاملة."
يوكو (وهي تبتسم بتوتر): "أ-أعتقد أنني سأخرج قليلاً لأستنشق بعض الهواء..."
لم تنتظر رداً. استدارت بسرعة ومشت بخطوات شبه راكضة إلى خارج المنزل. أغلقت الباب خلفها بصوت خفيف، وتركت خلفها لحظة مضحكة ومحرجة إلى حد الاختناق. كانت الحديقة الخارجية ساكنة، والنسيم الليلي قد بدأ يهبّ بخفة. وقفت يوكو على الحافة الخشبية للممر، وأخفت وجهها بكفيها.
يوكو (بهمس مرتجف): "حمقاء... أنا حمقاء... لماذا لم أكن أنظر أمامي؟!"
شهقت بخفة، وبدأت دموع صغيرة تتجمع في عينيها دون أن تدري. وبدأت تبكي بسبب الإحراج والتوتر.
يوكو (تكتم شهقة خفيفة): "سحقاً... حتى ضحكته... بدت وكأنها موجهة إليّ وحدي..."
جلست على الدرج الخشبي المؤدي إلى الحديقة، ومسحت دموعها بخفة وهي تحاول أن تستعيد توازنها النفسي.
يوكو (وهي تتنفس بعمق): "هدوء... فقط بعض الهواء... بعدها أعود وكأن شيئاً لم يحدث."
لكن في داخلها، كانت تعرف أن شيئاً قد حدث فعلاً... شيئاً بدأ يتحرك في قلبها ولم تعد قادرة على إيقافه. في الداخل، ظل كين جالساً بهدوء، ثم نظر إلى آدم وكايتو بنظرة هادئة لكنها حاسمة.
كين (بصوته المعتاد البارد): "سأغادر غداً."
توقف الحديث، واختفى المرح فجأة من وجوه الجميع، حتى آكيو الذي كان يضحك على المزحة السابقة، اختفت ضحكته.
آدم (ينزل كوبه على الطاولة ببطء): "تغادر؟ إلى أين؟"
كين: "مع آكيو... سأبدأ رحلة الانتقام."
اتسعت عينا آدم على الفور، وبدت ملامحه وكأنه تلقى صفعة غير متوقعة.
آدم (بنبرة قلق واضحة): "ماذا تقصد؟ كين... أنت تمزح، أليس كذلك؟ أنت بالكاد استعدت نفسك بعد كل ما عشته! لم تُنهِ تدريبك... وقواك لم تستقر تماماً! لا يمكنك الذهاب الآن!"
كايتو (صوته هادئ لكنه قاطع): "الجواب لا. لن أسمح بذلك. كين، نحن لا نناقش قراراً عادياً. نحن نتحدث عن خروجك إلى عالم كبير قد تموت فيه بكل سهولة."
كين (بهدوء): "أنا لا أطلب إذنك، كايتو."
وقف آدم من مكانه، وخطا نحوه بتوتر.
آدم (بصوت مشحون بالعاطفة): "هل فكرت في نفسك للحظة؟ أو فينا؟! نحن لا نريد أن نخسرك، كين... لا نريد أن نستيقظ ذات يوم ونسمع أن جسدك احترق في معركة سخيفة لأنك لم تكن مستعداً!"
كين: "أعلم أنني لست مستعداً تماماً... لكني لن أكون كذلك ما دمت أختبئ هنا."
تبادل آدم وكايتو النظرات، التردد على وجه آدم كان واضحاً، أما كايتو، فوجهه لا يزال جامداً... لكنه لم ينطق بكلمة أخرى. تنهد كايتو أخيراً ووضع إبريق الماء على الطاولة بصوت خفيف.
كايتو (بنبرة باردة): "قلنا ما عندنا... لكنك لن تغير رأيك. صحيح؟"
كين (بنظرة ثابتة): "صحيح."
آدم (بصوت هادئ، مستسلماً): "إذاً... لا فائدة من الجدل. لكن عدني بشيء واحد، كين... لا تختفِ دون أثر."
كين: "نعم، أعدك."
جلس آدم بهدوء مجدداً، وكايتو أدار ظهره وأخد رشفة من كوبه بصمت. أما آكيو، فقد قفز بحماسة وكأنه انتصر للتو في معركة كبرى.
آكيو (يصرخ وهو يلوّح بذراعيه): "نعم!! سننطلق غداً!! هذا يعني أنني سأبيت هنا الليلة! هاهاه! غرفة مريحة، شاي مجاني، وسقف فوق رأسي، حياة الشوغن تبدأ من هنا!"
كين (بجفاف دون أن ينظر إليه): "ستنام على الأريكة."
آكيو (يبتسم بخفة): "ليكن! الأريكة أفضل من لا شيء!"
وقبل أن يزداد الجو بهجة أكثر، فُتح باب المنزل فجأة، ودخلت يوكو. لكن شيء في وجهها كان مختلفاً. خطواتها كانت بطيئة، مترددة، وملامحها مشدودة وكأنها كانت تقاتل شيئاً داخلها. كانت تحاول التظاهر بالتماسك، لكن حين التقت نظراتها بنظرات كين الصامتة... انفجرت.
يوكو (بهمس مخنوق): "آسفة."
وفجأة، سقطت دموعها وانفجرت بالبكاء كمن احتبس كل شيء في صدره، ولم تعد تقوى على السيطرة. غطت وجهها بكفيها، وبدأت شهقاتها تتردد في الغرفة.
يوكو (بصوت مختنق، والدموع تفيض): "أنا آسفة... لا أعلم لما أبكي... لكنني خائفة... وسعيدة... وغبية..."
نهض كين من مكانه بهدوء، واقترب من يوكو التي كانت واقفة تبكي أمام الجميع، دون أن تجرؤ على النظر لأي منهم. وقف أمامها ونظر إليها بعينيه الرماديتين الهادئتين.
كين (بنبرة منخفضة وجادة): "يكفي."
لم تكن كلمته قاسية... لكنها كانت حادة كالسيف. كأنها قطعت سيل المشاعر المنفجرة دون أن تهينه.
كين: "إذا كنتِ خائفة... فاجلسي. إذا كنتِ غبية... فلا تعتذري."
رفعت يوكو وجهها ببطء، والدموع تلمع في عينيها، بينما بدا صوتها ضعيفاً ومهتزاً.
يوكو: "لكن... لقد فقدت السيطرة أمامكم جميعاً، أنا..."
كين (يقطع كلامها دون تردد): "نحن لسنا غرباء. لا حاجة لأن تتظاهري."
ثم استدار وسار بهدوء عائداً إلى مقعده، دون أن يضيف شيئاً آخر. كانت تلك كلماته الوحيدة... لكن وقعها كان أكبر مما ظنّ الجميع. صمتت يوكو وتنفست بصعوبة، ثم مسحت وجهها سريعاً وجلست بصمت... قلبها يخفق بشكل عشوائي، وشفتيها ترتجفان.
آدم (يبتسم بهدوء وهو يهمس): "أسلوبه غريب... ولكنه عرف كيف يسيطر عليها!"
في صباح اليوم التالي، كانت أشعة الشمس تتسلّل بهدوء عبر نوافذ المنزل، تغمر الغرفة بضوء ذهبي دافئ. كان كين واقفاً أمام طاولة في الزاوية، يحزم أغراضه بصمت ودقة. سيفه الناري ملفوف بقطعة قماش سوداء، بالإضافة لوجود صندوق صغير فيه بعض الأوراق والمتعلقات الشخصية. لم يكن يحمل الكثير... فقط ما يحتاجه.
في الجهة المقابلة، كان آكيو يركض في أرجاء المنزل كالإعصار، يحمل حقيبته ثم ينسى أين وضعها، يُخرج طعاماً من المطبخ، ثم يتذكر أنه نسي حذاءه... مرة أخرى.
آكيو (وهو يصرخ من الغرفة الأخرى): "كايتو! هل رأيت معطفي؟ لا أجد سوى جوربي الأيسر! ومَن أخذ سيفي؟ لا أحد يلمس سيف الشوغن!!"
كايتو (من على الأريكة): "أنت وضعت معطفك داخل الثلاجة، وسيفك في الحمّام. لا تسألني كيف أو لماذا."
آكيو (باستغراب): "هاااااااه؟!"
فُتِحَ الباب الخارجي فجأة بهدوء، ودخلت يوكو. كانت ترتدي فستاناً طويلاً بسيطاً بلون كريمي، وشعرها مربوط من الخلف بربطة قماش. وجهها كان هادئاً، لكن عينيها تحملان توتراً لم تخفه.
يوكو (تنظر إلى الداخل وتهمس): "صباح الخير... هل يمكنني الدخول؟"
التفت كين نحو الباب، ثم أومأ لها دون أن يتكلم.
آكيو (من المطبخ بصوت مرتفع): "يوكو! صباح الخجل! لقد بكيتِ بالأمس كثيراً، أليس كذلك؟"
احمرّ وجهها فوراً.
يوكو (وهي ترفع حاجبها): "وأنت نمت وأنت تعانق الوسادة وتضحك... اخرس!"
تقدم كين نحوها، حقيبته بيده، وعيناه الرماديتان أكثر هدوءاً من أي وقت مضى. كانت يوكو تجمع الكلمات دون أن ترتبك. قلبها كان يخفق كأنها في ساحة معركة، لكنها أرادت أن تقول شيئاً... أي شيء قبل أن يرحل.
يوكو (بصوت خافت، متردد في البداية): "أنا... أعلم أنك لا تهتم بالكلمات... ولا تحب التوديع..."
رفعت رأسها ونظرت في عينيه مباشرة، ثم ابتسمت برقة خفيفة، ممزوجة بالأسى والامتنان.
يوكو: "لكنني... سعيدة لأنني رأيتك مجدداً. وسعيدة أكثر... لأنك بخير."
مدّت يوكو يدها نحوه ببطء، في دعوة صامتة للمصافحة.
يوكو (بهدوء وهي تحاول ألا ترتجف): "إلى اللقاء... يا كين."
نظر كين إلى يدها لثوانٍ... ثم رفع يده وصافحها بخفة.
كين (بصوت خافت، لكن ثابت): "أراكِ لاحقاً... يوكو."
ثم أطلق يدها ببطء، ومرّ بجانبها متجهاً إلى الخارج دون أن يلتفت. خرج كين وآكيو من المنزل، كل منهما يحمل حقيبة على ظهره وأخرى صغيرة في يده.
كين (بنبرة هادئة لكنها حاسمة): "إذاً، إلى أين نحن ذاهبان؟"
آكيو (يحك رأسه بخجل): "ءءء بصراحة... لم أحدد الوجهة بعد. إلى حيث تقودنا الرياح؟"
توقف كين ونظر إليه نظرة طويلة، ثم قال ببرود:
كين: "هاه؟ أجبرتني على مرافقتك وأنت ولا تعلم حتى أين تذهب؟!"
آكيو (بابتسامة متفائلة): "أجل! لا تقلق، سنعرف حين نصل!"
في تلك اللحظة، وقعت عيناه على لافتة خشبية صغيرة على جانب الطريق، كُتب عليها: "ولاية فاويلا" مع سهم يشير إلى الأمام.
آكيو (بفرح مبالغ فيه): "فاويلا! وجدتها! هذه وجهتنا!"
كين (دون أن يغير نبرته): "أعلم أنك قرأتها للتو من اللافتة."
بعد عدة دقائق، وصل الاثنان إلى المرفأ الصغير، حيث كانت سفينة المسافرين تستعد للإبحار إلى فاويلا. دفعا الأجرة وركبا، ثم صعدا إلى سطح السفينة ليستنشقا الهواء.
آكيو (وهو يحدّق في البحر): "كم من الوقت سيستغرق الوصول؟"
كين (وهو يشعل سيجارته): "ولاية فاويلا قريبة من أوراكانو... سوف تستمر الرحلة لعدة ساعات."
انشغل كين بتدخينه على حافة السفينة، بينما اختفى آكيو نحو الكافتيريا. وبعد دقائق، عاد وهو يحمل طبقاً عملاقاً من السوفليه، وبدأ يلتهمه بشراهة أمام مرأى الجميع.
آكيو (بفم ممتلئ): "يا كييييين! السوووفليه لذيذ جداً! عليك أن تجربه!"
كين (من مكانه، دون أن يلتفت): "لست جائعاً."
بدأ بعض الركّاب يلاحظون كين، خصوصاً الفتيات، فقد بدا مختلفاً، عينيه الرماديتان، وطريقته الهادئة في الوقوف والتدخين جعلته يلفت الأنظار رغماً عنه. وبدأت الهمسات:
إحداهن (بهمس): "من هذا؟... إنه وسيم بطريقة غريبة..."
أخرى (تضحك بخجل): "لم أرَ في حياتي عينان بهذا اللون من قبل! إنه يذكرني في شخص ما... لكنني لا أتذكر من هو..."
تجرأت إحدى الفتيات واقتربت منه.
الفتاة الأولى (بخجل): "مرحباً... هل لديك حبيبة؟"
كين (يرد دون أن ينظر): "لا شأن لكِ."
ارتبكت الفتاة وتراجعت بخفة، ثم جاءت فتاة أخرى أكثر جرأة، وأمسكت يده.
الفتاة الثانية: "أنت لا تتكلم كثيراً... وهذا يجعلك أكثر غموضاً."
كين (يسحب يده وينظر إليها بنظرة حادة): "لا تلمسيني!"
راقب آكيو الموقف من بعيد، فانفجر بالضحك وبدأ يقترب.
آكيو: "يا رجل... بعض اللطف لا يضر. أنت مثل كتلة جليد متحركة."
كين (ببرود): "الاهتمام الزائد يصنع ضجيجاً. وأنا لا أحب الضجيج."
ثم ظهرت فتاة ثالثة وهي تحمل طبق فواكه، وابتسمت.
الفتاة الثالثة: "هل تحب المانجو؟"
كين (ببساطة): "لا."
الفتاة (بإصرار وهي تأخذ قضمة): "جربها... قد تغيّر رأيك."
لكنها فور أن أكلت الفتاة المانجو، حتى اختنقت فجأة وسعلت بقوة، وبدأ وجهها يحمر مما أثار قلق الموجودين.
آكيو (بصوت درامي وهو يتقدم): "إنها فاكهة خارقة! أكيد أعطتها قدرة غريبة! ربما... فاكن السعال المتفجر؟!"
ضحك معظم الركّاب، حتى كين ابتسم بخفة وسخر.
كين: "فاكهة خارقة؟ هل جئت من كوكب آخر؟"
آكيو (بحماسة وببراءة، وهو يرفع يده في الهواء): "لا أعرف، ولكنني أشعر بأن هناك فواكه تعطينا قوى خارقة في إحدى العوالم الموازية!"
كين (وهو يضحك بشدة): "ما هذا الهراء؟!"
آكيو (وهو يحدّق فيه بدهشة): "أوه... لقد ضحكت! يا إلهي! لقد جعلت كين يضحك! يجب أن يتذكر التاريخ هذا!"
سرعان ما استعاد كين بروده المعتاد وكأن شيئاً لم يحدث. ثم أعاد السيجارة إلى شفتيه وأخذ نفساً عميقاً منها بهدوء.
آكيو (بضحكة عريضة): "لا تحاول التهرب! أنا رأيتك! كنت تضحك ضحكة الحقيقية!"
كين (دون أن ينظر إليه): "هل تعرف ما هو النادر فعلاً؟ أن أتركك تثرثر هكذا دون أن أطفئ السيجارة في فمك."
ثم نفث الدخان مباشرة في وجه آكيو بشكل متعمد.
آكيو (وهو يسعل كالمجنون): "آآآه! هل يمكنك التوقف عن التدخين لثانية واحدة فقط أيها المدمن؟!"
كين (وهو ينفث الدخان مجدداً ببطء): "لا."
آكيو (وهو يلوّح بيده لطرد الدخان): "سترى! يوماً ما، سأتفوق عليك... وسأمنعك من التدخين بأمر الشوغن!"
كين (يرمقه بنظرة جانبية): "سأكون ميتاً قبل أن يحدث ذلك."
آكيو (وهو يضحك): "أجل، من كثرة السجائر!"
عادت نظرات كين إلى البحر، بينما وقف بجانبه آكيو وقد هدأ قليلاً، ثم نظر إلى الأفق بابتسامة واسعة.
آكيو (بصوت خافت): "هل تعلم؟ رغم كل شيء... هذه بداية جيدة، أليس كذلك؟"
كين (دون أن يلتفت): "لا تحكم على البداية... احكم على النهاية."
آكيو (ينظر نحوه): "وماذا لو لم تكن لنا نهاية بعد؟"
لم يجب كين، لكن الرياح حملت الدخان بعيداً هذه المرة... وكأنها تأخذ معها ماضياً لم يُنسَ بعد. وفي الخلف، كانت السفينة تقترب شيئاً فشيئاً من ولاية فاويلا... حيث ينتظرهم طريق جديد، ومصير لن يكون سهلاً على أحد.
يتبع...