ركع الثلاثة قرب الجدار الصخري بجانب جثة الوحش ليستعيدوا أنفاسهم. جلس آكيو يحدّق في سيفه، بينما كان فيكو يراقب كين بدهشة.
فيكو: "آكيو-سينباي، كانت تلك واحدة من أعنف المعارك التي رأيتها في حياتي! لم أعلم أنك مستخدم للفاكن..."
آكيو (ينظر إليه بابتسامة متعبة): "لقد كانت مخاطرة... لكني عرفت أن الفاكن قد يكون نقطة ضعفه. لم يكن أمامي خيار آخر."
كين: "آكيو عبقري؟ يا لها من نكتة."
آكيو (يتصنع الغرور): "اعترف أنني أنقذتك... لا بأس، يمكنك أن تقول شكراً الآن."
كين: "شكراً؟ لقد آلمتني أكثر من الوحش نفسه."
تقدم فيكو وجلس قرب كين، ثم مدّ يده بلطف.
فيكو: "كين-سينباي، دعني أساعدك في تضميد الجروح... تبدو خطيرة."
كين (وهو يرفع يده): "أنا بخير. هذه ليست أول مرة أنزف فيها... ولن تكون الأخيرة."
فيكو (ينظر إليه بقلق): "كيف... كيف يمكن أن يعتاد أحد على هذا الألم؟"
كين (بعينين ساكنتين): "عندما لا تملك خياراً آخر... ستتعلم كيف تنزف وأنت صامت."
ساد الصمت للحظة. ثم رفع كين رأسه وقال بنبرة أكثر صرامة:
كين: "انتهى وقت الراحة... المخطوطة وأختك ما زالا في الداخل. إذا كنا سنرتجف هنا، فماذا سنفعل هناك؟"
وقف الثلاثة مجدداً. ترنح كين قليلاً، ولكنه أجبر نفسه على المواصلة.
فيكو (وهو يهمس لآكيو): "هل... هل كين فعلاً بشري؟"
آكيو (بثقة وفخر): "لا أعلم... لكنه معي، وهذا يكفي."
كين: "أستطيع سماعكما."
آكيو: "أوه، رائع. إذاً، الآن بعد أن أنقذت حياتك... ألا تعتقد أنه الوقت المناسب لأن تخبرني أكثر عن نفسك؟ من أين أنت؟ ماذا كنت قبل أن تصبح بهذه البرودة؟"
كين (بصوت منخفض وهو ينظر إلى الأمام): "لن تستفيد شيئاً من معرفة ذلك."
آكيو: "دعني أحكم أنا. ما زلت لا أعرف كيف أصبحت هكذا، ولماذا يوكو تبكي كلما نظرت إليك."
كين (بنبرة هادئة): "إنها قصة طويلة جداً... وأنا أكره أن أرويها."
آكيو (وهو يسير بجانب كين ويضربه بمرفقه بخفة): "كفى مراوغة. نحن بداخل كهف مميت، كدت أن تموت بين أنياب الوحش، وأظن أن هذا يمنحني حق معرفة شيء عنك، أليس كذلك؟"
كين (يتمتم دون أن يلتفت): "هذا لا يمنحك شيئاً سوى المتاعب."
آكيو (يتنهد، ثم يقف في طريقه ليمنعه من التقدم): "أنا جاد، كين. أنظر إلي. أنا لا أريد قصص بطولية ولا مآسي تبكيني... أريد فقط الحقيقة. لمَ تنزف بهذا الشكل ثم تقف كأن شيئاً لم يكن؟ لمَ نظراتك ميتة؟ من أنت بحق الجحيم؟"
توقف كين، وارتفع صوته قليلاً بنبرة مشبعة بالضيق:
كين: "أنا شخص لم يُسمح له بالاختيار، آكيو. هل هذه هي الإجابة التي تريدها؟"
سادت لحظة من الصمت، بينما كان فيكو يراقب المشهد خلفهم بفضول وخوف.
آكيو (بهدوء هذه المرة): "نعم، أريد أن أعرف. إذا كنت سأقاتل بجانبك، يجب أن أعرف مع من أقاتل."
أخفض كين رأسه قليلاً وشهق بصمت، شعر أن شيئاً ثقيلاً تحرك بداخله. ثم بدأ يروي القصة.
[ولاية روبي - قبل 8 سنوات]
في قلب ولاية روبي المزدهرة، كانت الحياة تسير بهدوء مطمئن. الشوارع مرصوفة بعناية، المنازل ذات طابع كلاسيكي أنيق، وأصوات الأطفال تملأ الأزقة دفئاً.
في أحد المنازل المتوسطة الواقعة قرب أطراف المدينة، كان كين طفل في الثامنة من عمره، يلعب في غرفة الجلوس مع أخويه. شعره الأحمر الناري وعيناه الرماديتان اللامعتان جعلته يشبه أخاه الأكبر دان، البالغ من العمر أحد عشر عاماً، والذي كان يقف أمامه بثقة، بشعره الأحمر الداكن المتطاير، وابتسامته المشاكسة. بالقرب منهما، جلست أختهما الصغيرة إيميلي التي كانت في السادسة من عمرها، بشعرها البني الفاتح وعينيها الزرقاوين، وكانت تراقبهما بفضول وبراءة.
دان (بحماس طفولي): "يا كين، ما رأيك في نزال؟ دعنا نرى من الأقوى اليوم!"
كين (يضيء وجهه فرحاً): "موافق! هذه المرة سأفوز! أصبحت أقوى بكثير!"
لكن قبل أن يكمل حماسه، انقضّ دان عليه بلكمة سريعة على بطنه. لم تكن مؤذية بحق، لكنها كانت مفاجئة وقوية لطفل صغير. سقط كين على الأرض وهو يضع يده على بطنه ويبدأ بالبكاء، بينما وقف دان فوقه وهو متكتف اليدين، وضحك بمرح وانتصار.
إيميلي (وهي تنهض بسرعة): "توقف يا دان! لا يجوز أن تضرب أخاك! سأذهب وأخبر أبي!"
كين (والدموع تنساب على خده): "أنا أكرهك! أنت سيء!"
دان (ساخراً وهو يضحك): "أوه، طفل يبكي من لكمة؟ يالك من درامي، هههههه."
لم تمضِ سوى ثوانٍ حتى دخل أكاكو إلى الغرفة برفقة إيميلي. كان رجلاً في أواخر العشرينات من عمره، طويل القامة، ذو شعر أحمر داكن وشائك مثل دان، وعينين رماديتين حادتين، تحملان الكثير من الصرامة والدفء في آنٍ واحد. كان صوته جهورياً ومليئاً بالهيبة.
أكاكو (بنبرة صارمة): "دان! كم مرة أخبرتك أن لا تؤذي إخوتك؟! أنت الأكبر ويجب أن تكون قدوة ومسؤولًا عنهم!"
دان (وقد انكمش مكانه): "أبي... آسف، لم أقصد أن أؤذيه..."
أكاكو: "أمك حامل بتوأم، وبيتنا سيزداد ازدحاماً... أريدك أن تتعلم كيف تكون سنداً، لا عبئاً. اعتذر الآن، وانظر في عيني أخيك."
تقدم دان ببطء وتردد، ثم مدّ يده نحو كين.
دان (بهمس): "أنا آسف، كين."
مسح كين دموعه بأنامله الصغيرة، ثم صافحه على مضض، لكنه لم يكن غاضباً حقاً... بل فقط حزيناً. عندها، دخلت ماشا إلى الغرفة، وهي أمهم الحنونة التي كانت تبدو مرهقة من الحمل في شهرها السادس. كان شعرها بنياً مربوطاً بذيل حصان، وبطنها البارز يشير بوضوح إلى انتظارها لتوأم.
ماشا (بنبرة قلقة): "ما هذه الجلبة؟ هل كل شيء بخير؟"
أكاكو (مطمئناً): "لا تقلقي، مجرد مشاجرة بين الأشقاء... وتم حلها."
ركض كين نحو والدته وعانقها بشدة، ودفن رأسه في بطنها الكبير. فأحاطته بذراعيها ومررت يدها فوق شعره بلطف.
كين: "أمي... أنا متحمس لرؤية إخوتي الجدد!"
ماشا (وهي تضحك بهدوء): "وأنا أيضاً يا صغيري. لم يتبقَ سوى ثلاثة أشهر، وعلينا أن نفكر في اسمين... اسم بنت واسم ولد، ما رأيك أن تساعدني في ذلك؟"
كين (وقد بدأ ينسى الحزن): "سأسمي الولد... رايو! والبنت... ساندي!"
ضحك الجميع، ولم يكن أحدهم يعلم أن هذه الذكرى الصغيرة ستبقى محفورة في قلب كين... كنقطة البداية لكل ما سيحدث لاحقاً.
في اليوم التالي، كان كين جالساً على كرسيه الصغير في غرفة الألعاب، وقد انشغل برسم شيء ما على الورقة باستخدام أقلام ملونة. كانت يده اليسرى ملطخة بالألوان، وعيناه الرماديتان تركزان على التلوين بشدة.
دخل أكاكو إلى الغرفة وهو يرتدي قميصاً بسيطاً مفتوح الأزرار عند العنق، ويحمل كوب شاي في يده. وقف خلف كين بصمت لثوانٍ ليراقب ما يرسمه، ثم قال بنبرة هادئة:
أكاكو: "ماذا ترسم اليوم، كين؟"
كين (بحماس طفولي): "أرسم عائلتنا! هذه أمي، وهذه إيميلي، وهذا دان... وها أنا هنا، أنظر، رسمت نفسي أطول من دان!"
أكاكو (يضحك بخفة): "أنت تكبر في الورق أسرع من الواقع."
ابتسم أكاكو وهو يضع كوب الشاي على الطاولة الصغيرة بجانبه، ثم جلس على الأرض بجوار كين، مائلاً برأسه ليرى الرسم عن قرب.
أكاكو: "أوه... رسمت أمك تبتسم، وإيميلي تمسك زهرة... لكن لماذا دان عابس؟"
توقف كين عن التلوين فجأة، وبدت ملامحه حزينة قليلاً.
كين (بصوت خافت): "لأنه ضربني بالأمس... فوضعت له وجه غاضب."
أكاكو (ينظر إليه بلطف): "وهل كنت غاضباً منه؟"
كين (يهز رأسه بخفة): "لا... كنت حزين. لأنني لا أحب أن أتشاجر مع أخي."
سحب كين الورقة ووضعها على الأرض، ثم نظر إلى والده وعيناه تلمعان بشيء من الارتباك.
كين: "أبي... هل أنا ضعيف؟"
تسمرت نظرة أكاكو عليه لثوانٍ... ثم مال للأمام ومد يده ووضعها على رأس كين بلطف.
أكاكو (بهدوء): "لا يا بني... أنت لست ضعيفاً. بل قوي... لأنك تملك قلباً يشعر. أن تحب عائلتك وتخاف أن تؤذيهم... هذه شجاعة لا يعرفها كثيرون."
نظر كين إلى الأرض، ثم قال بصوت خافت كأنه سر:
كين: "أحياناً... عندما يصرخ دان، أشعر وكأن قلبي يؤلمني... وأريد فقط أن أختبئ."
عانقه أكاكو فجأة وضمه إلى صدره بحنان، وقال بصوت هادئ وهو يمسح على شعره:
أكاكو: "أعدك يا كين... طالما أنا هنا، لن تضطر للاختباء من شيء."
أغلق كين عينيه داخل حضن أبيه، واختبأ بين ذراعيه، وكأن ذلك الحضن كان العالم كله بالنسبة له.
يتبع...