رغم المشاجرة السابقة، جلس كين ودان جنباً إلى جنب في غرفة الجلوس، وكأن شيئاً لم يكن. كان هناك صندوق خشبي ذو تصميم منحني غريب، تتوسطه بلورة زرقاء تنبض بضوء خافت، يُعرف في فالوريا باسم "راديسون", وهو جهاز إرسال صوتي يُستخدم لنقل الأخبار والتقارير عبر الصوت.

انضم إليهم أكاكو، ماشا، وإيميلي، وجلس الجميع بهدوء بينما بدأ الجهاز يصدر صوتاً مشوشاً، وسرعان ما استقر ليخرج منه صوت المذيع بنبرة ثقيلة:

المذيع: "مرحباً بكم في نشرة أخبار ولاية روبي... للأسف، أنباؤنا الليلة ليست سهلة. وصلتنا تقارير رسمية تؤكد أن جيش مملكة كاجي بقيادة الملك سيروس قد بدأ بالتوغل عبر حدود العاصمة. شوهدت دبابات ضخمة تقترب من المداخل الجنوبية، والطائرات الحربية بدأت تحلق فوق سماء الضواحي. هل نحن على أعتاب حرب جديدة؟"

ساد الصمت فجأة. وكأن قلوب العائلة تجمدت. وبدأت على وجوههم ملامح القلق والتوتر.

كين (بصوت مرتعش): "أبي... هل هذا يعني أننا في حرب؟"

أكاكو (بوجه متوتر): "آمل ألا يحدث ذلك..."

دان (بغضب): "لكن لماذا؟ ماذا يريد جيش سيروس منّا؟!"

ماشا (بنبرة هادئة لكنها متوترة): "إنهم يريدون ضم روبي إلى مملكتهم... مملكة كاجي."

إيميلي (ببراءة): "كاجي... إنه يشبه اسم عائلتنا: يوكاجي."

دان (ينظر إليها): "ألم يخبركِ أبي بعد؟ نحن في الحقيقة لا ننتمي لروبي. أبي جاء من هناك... من مملكة كاجي."

إيميلي (بذهول): "ماذا؟!"

كين (يقبض يده بانفعال): "من هذا الملك الذي يدعى بسيروس؟! ولماذا يريد إيذاءنا؟! لن أسامحه أبداً! أنا متأكد أن جيشنا سيهزمه!"

انخفض صوت الراديسون إلى همسات متقطعة، ثم نهض أكاكو من مكانه بصمت، وتبعته ماشا نحو غرفة النوم. وظل الأطفال خلفهما في حالة من الذهول. في الداخل، أغلق أكاكو الباب وسار بخطى ثقيلة، ثم جلس على السرير.

أكاكو (يتمتم بمرارة): "لا أصدق أن هذا يحدث... هل ينوي ذلك اللعين أن يمزق السلام؟!"

نظرت إليه ماشا بخوف وقلق، وجلست بجانبه وهي تمسك بيده المرتجفة.

ماشا: "سيروس... إنه ليس مجرد ملك. بقوته يستطيع حرق مدينة كاملة بضربة واحدة. لا أحد يستطيع إيقافه."

أكاكو (بعينين متعبتين): "إنه ليس مجرد ملك... إنه أخي. وأنا... ما زلت الأمير المنفي بنظرهم."

ماشا (بصوت مكسور): "وأطفالك لا يعلمون شيئاً... لا يعلمون أنهم ورثة عائلة يوكاجي... وأن عمهم يسعى للحرب."

أغمض أكاكو عينيه، وارتجفت شفتاه حين سمع ماشا تكمل بصوت باكٍ:

ماشا: "أنا خائفة يا أكاكو... لا أريد أن أفقدك... ولا أياً من أطفالنا."

ارتمت ماشا في حضنه وهي تبكي، أما هو فكان يحاول أن يبدو قوياً، لكن عينيه اللامعتين خانتاه، فعانقها بقوة كأنما يتمسك بأمل هشٍّ في عالم يتشقق من حوله.

أكاكو (بصوت خافت): "لا تقلقي يا عزيزتي... سوف يبذل جيشنا ما بوسعه."

بعد عدة أيام... وفي الطابق العلوي من المنزل، كان الأطفال الثلاثة يجلسون في غرفة الألعاب. كانت تتردد بينهم ضحكات خفيفة، على الرغم من التوتر الذي بدأ يزحف إلى قلوبهم. وفجأة، فُتح الباب ودخلت ماشا.

ماشا (بصوت حزين لكنه حازم): "أطفالي... لقد أعلنوا اليوم أن الطائرات الحربية قد دخلت إلى قلب العاصمة... القصف سيبدأ في أي لحظة. من الآن فصاعداً، لن يُسمح لأحد منكم بالابتعاد. سنبقى معاً دائماً... إذا متنا، سنموت معاً... وإذا نجونا، سيكون هذا بفضل تمسكنا ببعضنا."

كين (بقلق): "لكن... ماذا عن أبي؟ ألن يذهب إلى العمل؟"

ماشا (وهي تحاول إخفاء توترها): "أباكم وضعه مختلف... يجب أن يكون هناك... عمله مهم."

ساد صمت ثقيل، قبل أن تجهش إيميلي بالبكاء، وتخفي وجهها بين ركبتيها.

إيميلي (بصوت مرتجف): "أمي... هل سنموت؟!"

ماشا (تنزل على ركبتيها وتحتضنها): "لن نموت يا حبيبتي... طالما التزمنا بالتعليمات وتوجهنا للملاجئ فوراً، سنكون بخير... لا تخافي."

في اليوم التالي... جلست ماشا في غرفة المعيشة بجوار "الراديسون"، ثم دخل كين، وتردد للحظة قبل أن يتحدث.

كين: "أمي... أرجوكِ، دعيني أذهب إلى منزل يوكو... فقط لألعب قليلاً."

ماشا (بنبرة حادة متوترة): "لا يا كين! لا يمكنك الخروج. الوضع خطير جداً... الطائرات تحلق فوق المدينة، والجنود في كل مكان! قد تصيبك طلقة، أو يأخذك أحدهم..."

كين (بإصرار): "ولكنني سأضطر للخروج عاجلاً أم آجلاً. المدارس ستفتح خلال أسبوعين! ألا ترين أن حبسي في البيت لا فائدة منه؟"

ماشا (بصوت منخفض، غارق في الحيرة): "لا أعلم..."

وقبل أن تنهي جملتها، دوّى صوتٌ مرعب عبر المدينة... كان صوت الطائرات وهي تقصف بالقنابل. قفز كين من مكانه وارتمى في حضن والدته، كان قلبه يخفق بعنف.

كين (بصوت مذعور): "ما هذا؟! أمي... ما هذا الصوت؟!"

ماشا (وهي تشدّه إلى صدرها): "لقد بدأ القصف!"

كين (وهو يضغط وجهه في صدر والدته، بصوت مختنق يغلب عليه الذعر): "أمي... أمي، أنا لا أريد أن أموت! لا أريد أن أموت اليوم!"

كانت يدا كين ترتجفان وهو يتمسك بقوة بقميصها، أنفاسه متسارعة، والدموع تنهمر من عينيه دون توقف.

ماشا (وهي تضمّه أكثر، تحاول أن تبقي صوتها ثابتاً رغم الارتجاف في أعماقها): "لن تموت يا كين... أنا هنا معك... أنا لن أتركك أبداً..."

لكن كين لم يسمعها، كان عقله غارقاً في دوامة من الرعب. كانت أصوات القصف تزداد وهي تهزّ الجدران من حولهم. تخيّل لوهلة أن السقف سينهار فوقه، وأن كل شيء سينتهي هنا دون أن يحقق شيئاً، دون أن يرى العالم، دون أن يكبر.

كين (بهمس مرتجف): "هل هذه هي النهاية؟... هل سأموت هكذا؟ دون أن أفعل شيئاً؟ دون أن أودّع أحداً؟"

رفعت ماشا يده ببطء، ومررتها على رأسه المرتجف، قبّلت جبينه بحرارة رغم برودة الموقف، وقالت بصوت خافت، كأنها تدعو لنفسها قبل أن تطمئنه:

ماشا: "لن تكون هذه نهايتك، يا بني... أنت لم تُخلق لتنتهي هنا. فقط تمسّك بي..."

ووسط صدى الانفجارات... ظلّ كين يحتضن أمه كما لو أنها آخر ما تبقّى من العالم.

في الخارج، سُمعت أصوات الانفجارات، متتالية وقريبة. الزجاج ارتجّ، والأرض اهتزّت تحت أقدامهم. كانت إيميلي تحت سريرها، تبكي وتصرخ وتغطي أذنيها بيديها. أما دان، فكان على سريره، وظهره مستند إلى الحائط، عيونه متسعة ويداه تغطيان رأسه.

في غرفة مظلمة من منزلٍ قريب، كانت يوكو ذات الثمانية أعوام تقف بجوار شقيقها، وعيناها ممتلئتان بالدموع.

يوكو (بذعر): "أخي! ما الذي يحدث؟!"

أخوها (بهدوء مصطنع): "لا تخافي يوكو... كل شيء سيكون على ما يرام."

في منزل كين، وبعد ساعة. عاد أكاكو من الخارج وهو عابس الوجه، يده ملوثة بالتراب، ونظراته ميتة. وجد العائلة كلها في غرفة الجلوس وهم ينتظرون عودته.

أكاكو (بصوت منخفض): "جارنا كامو... قُتل مع أسرته بسبب القصف اليوم. سقطت القنبلة فوق منزلهم."

ماشا (تشهق وهي تغطي فمها): "مستحيل...!"

كين (ينهض بسرعة): "ماذا عن يوكو؟! هل هي بخير؟!"

أكاكو: "لا توجد أخبار مؤكدة... لكن منزلهم لم يُذكر بين المناطق المتضررة. أظن أنهم بخير."

كين (باندفاع): "سأذهب إليها الآن!"

ركض كين نحو الباب دون أن ينتظر رداً، وسط ذهول الجميع.

ماشا (تلتفت نحو أكاكو): "لماذا لم تمنعه؟!"

أكاكو (بهدوء عميق): "لأنه لن يسامح نفسه إن لم يطمئن عليها. وأيضاً... منزلها خلفنا مباشرة، لن يكون بعيداً. أما أنا... فسأتجه إلى المتجر قبل أن تُقفل الطرق تماماً. نحتاج طعاماً وصابوناً..."

عندما خرج كين من منزله... كان الهواء مليئاً بالدخان، والسماء تصرخ بصوت الطائرات. نظر حوله بذهول، وجسده تجمّد للحظة... نصف منازل الحي كانت قد تحولت إلى ركام. الحطام متناثر، والنيران تلتهم الأخشاب والحديد، والروائح المختلطة بين الدخان والبارود والخوف تخنق الأنفاس.

على الرغم من الفوضى، ركض كين بأقصى ما يستطيع، وقلبه ينبض كطبول الحرب. وعندما رأى منزل يوكو ما زال واقفاً، تنفّس بارتياح وكأن روحه عادت إلى جسده. في فناء المنزل، كانت يوكو تقف وحدها وهي ترتب بعض الحجارة، وكأنها تلهي نفسها عن الخراب حولها.

كين: "يوكو! أنتِ بخير؟!"

رفعت يوكو رأسها، وابتسمت ابتسامة صغيرة وسط كل هذا الجنون.

يوكو: "نعم، أنا بخير... سعيدة لأنك ما زلت حياً، يا كين!"

ركض كين نحوها، والدموع تتلألأ في عينيه من شدة الارتياح.

كين: "لا تموتي... أرجوكِ، لا تموتي! أنتِ صديقتي الوحيدة!"

يوكو (وهي تبتسم وتلوّح بيدها بثقة طفولية): "أنا؟! مستحيل! سأعيش طويلاً... سنكبر معاً، ونتزوج أيضاً! اتفقنا؟!"

تجمد كين في مكانه، واحمرّ وجهه بشدة، ثم ضحك بخجل وهو يبعد نظره عنها.

كين (مرتبكًا): "م-ماذا تقولين؟!"

لكن قبل أن تفكر يوكو بالرد، دوّى صوت جرس الإنذار، وأطلق صفيره كأنّه يصرخ في آذان المدينة. أمسكت يوكو بيد كين دون تفكير، وعيناها مليئتان بالحزم هذه المرة.

يوكو (وهي تشدّه): "هيا بنا! المدرسة تحوّلت إلى ملجأ، يجب أن نذهب الآن!"

كين (يتردد): "لكن... عائلتي! ماذا عن أمي وأبي ودان وإيميلي؟!"

يوكو: "سيأتون لاحقاً! علينا أن ننجو أولاً، فهُم بالتأكيد يعرفون الطريق!"

ركض الطفلان يداً بيد والطائرات تعوي فوقهما، والدخان يلتف حول الأفق. الأرض تهتز تحت أقدامهم، وكل قذيفة تسقط كانت تقربهم أكثر من النهاية... أو النجاة.

وفي منزل كين... كان أكاكو يستعد للخروج من المنزل والتوجه إلى المتجر حين سمع صوت جرس الإنذار. وسمع صوت صراخ ماشا.

ماشا (بذعر): "أكاكو!!! كين ليس هنا!!!"

تجمد أكاكو، وأسقط ما في يده... ثم صرخ من قلبه.

أكاكو: "ماذا؟! لا... لا يمكن... كين!!!"

ماشا: "دان! إيميلي! يجب أن نذهب إلى الملجأ الآن!!"

كاملان يحاول كبح تساقط دموعه، بينما ارتمت إيميلي في حضن والدتها وهي تبكي بخوف شديد.

إيميلي (بصوت مرتعش): "أمي... أمي... أنا خائفة!!"

ماشا: "لا تخافي يا صغيرتي... أنا معكِ، نحن سننجو، فقط علينا أن نبقى معاً..."

في تلك اللحظة، انفتح باب المنزل بقوة، وخرج أكاكو بوجه متجهم مليء بالغضب والخوف.

أكاكو (بصوته الداخلي): "أنا ذاهب للبحث عن كين... لن أتركه يواجه هذا الجحيم وحده!"

ركض أكاكو إلى الخارج كالعاصفة، وأغلق الباب خلفه بعنف، فتردد صوت ارتطامه في أنحاء المنزل. ظلت ماشا واقفة للحظة وهي تحتضن إيميلي، ثم رفعت رأسها ببطء، عيناها دامعتان لكنهما متماسكتان.

ماشا (بصوت مبحوح): "دان، أحضر حقيبة الطوارئ من الخزانة... علينا الذهاب حالاً!"

ركض دان نحو الخزانة القريبة وفتحها بسرعة، لكنه حين عاد بالحقيبة لاحظ أن والدته تتحرك ببطء شديد، كانت ترتجف وتحاول السيطرة على انهيارها النفسي، بينما تُلبِس إيميلي معطفها الصغير وترتبها.

دان (بصوت داخلي وهو يحدق بها): "أمي... أنتِ مرعوبة... حاولي أن تكوني قوية... إن الوقت ينفد!"

وفجأة, التفت دان إلى الباب الخارجي، تجمد مكانه حين لاحظ أن والده قد خرج دون حتى أن يخبرهم إلى أين هو ذاهب.

دان (بهمس لنفسه): "أبي ذهب ليبحث عن كين... ولكنه وحده... ماذا لو احتاجني؟! ماذا لو لم يجد كين في الوقت المناسب؟!"

تردد قلبه بين البقاء والذهاب، لكنه لم يحتج إلى وقت طويل. نظر إلى والدته التي كانت منشغلة بربط شال إيميلي وهي تبكي بصمت. ثم حمل دان معطفه بسرعة وفتح الباب الخلفي بهدوء كي لا تُلاحظه.

دان (بصوت داخلي بينما يخرج): "أنا الأخ الأكبر... لن أدع كين يضيع وحده. هذه مسؤوليتي!"

أغلق الباب بلطف خلفه، ثم انطلق يركض في الأزقة المحطمة وسط الدخان والصراخ. أما أكاكو فقد كان يركض في الشوارع المدمرة، أنفاسه متقطعة، وعيناه تنظران في كل اتجاه.

أكاكو (وهو يصرخ بأعلى صوته وسط الضجيج): "كييييين!! أين أنت يا بني؟! أرجوك أجبني!!"

صوته كان مبحوحاً من شدة النداء، يتردد بين الجدران المتشققة دون أي إجابة. ركض بين الأنقاض، تجاوز جثثاً مغطاة بالقماش، وحوله الأشلاء والدماء التي لم يجفّ لونها بعد.

أكاكو (بصوت مكسور، يركع على ركبتيه): "أنا... أنا أب فاشل... تركتك تخرج وحدك في يوم كهذا... كيف وثقت بكلام طفل؟!"

تساقط الرماد على شعره الأحمر الداكن، وتصبب العرق من جبينه رغم برودة الرياح. رفع رأسه ببطء وحدق في السماء الرمادية.

أكاكو (يهمس برجاء): "أتمنى فقط أن يكون قد ذهب إلى الملجأ مع يوكو..."

ثم وقف من جديد، وشد قبضتيه بعزم وهو يتمتم:

أكاكو: "لن أعود إلى المنزل إلا ومعي كين... لن أسمح لنفسي أن أكون سبب فقدانه."

يتبع...

2025/05/04 · 11 مشاهدة · 1733 كلمة
Sara Otaku
نادي الروايات - 2025