سانشنيج , الخلود علي ضفاف نهر النسيان .


الفصل 11


إنه لمن المحرج أن تنوحي , سانشينج


___________________________________________












لقد شعرت بشعور حارق صادر عن رقبتي حين رأيت الرسولينالشبحيين قادمين , فقط وقتها أدركت أنه لم يتبقي لي غير حياة واحدة لأقضيها مع موشي .

هذه المرة لم أنتظر موشي حتي يعود للعالم السفلي كي لا يجنني لألف أو ألفين عام , و أيضاً لم أستطع أن أعود بسرعة كيلا يصاب رهبان ليبو بنوبة قلبية إن رآوني .

حينها ذهبت لقصر يانوانج لأسئله عن ميعاد رجوع موشي .

قبل أن أتفوه بكلمة واحدة كان يانوانج يطقطق بلسانه قائلاً " يا للهول سانشينج ! لقد ساعدتي سعادته علي تجاوز محنته مرتين و تمكنتي من إغوائه بنجاح , يبدو أن اليوم الذي يري فيه العالم السفلي النور قد اقترب ."

"متي سيأتي موشي إلي هنا ؟ فأنا لا يسعني مقابلته ؟ "

"حسناً دعينا أري , " و بعدها بدأ بالبحث في كتابه قائلاً " كُتب في كتاب سيمينج شينججون للأقدار أن ليبو سيضعف و في غضون عامين سيموت زونجهوا في فراشه ."

لقد دُهشت " من سيقتله ؟"

"تلميذته , كينجلينج ."

"تلك الراهبة ؟ إن عيناها مليئتان بعشق الحبيب الملعون حينما تنظر إلي زونجهوا ."

" يُقال أن الحب يلد الكراهية , فبعد ذهاب روح معلمته عاش أيامه في السُكر و حينها اعترفت له بحبها فرفضها , لهذا قامت بتدمير ما لم تستطع الحصول عليه و من ثم انتحرت ."

و في نبرة جادة قلت " يانوانج , آنت من كتب هذا الهراء ؟"

و بنفس الجدية قال " إن مصير السيد موشي كُتب علي يدي سيمنج شينججون شخصياً ."

عدت بعدها إلي حجري بجوار الوانجتشوان و أخذت بمرور الأيام ألتمس الأخبار من الرسولين عن ليبو فأخبروني أن قوة ليبو قد ضعفت و هي في تراجع مستمر و أن موشي يقضي أيامه في خمره لكن ما لم يقله الكتاب هو انه يقضيه في حديقة الزهور و أنه ختم سيفه فوق قبر بلا اسم .

لتمر أيامه .

أخذت الأيام تمر .

و حينما شعرت بقرب الميعاد توجهت إلي عالم البشر .

لقد منعت نفسي في كثير من الاوقات من الذهاب إلي ليبو لأراه , و في احد الأيام كنت جالسة في الطابق الثاني من احد المطاعم اقرأ إحدى الروايات حيث أرسل البطل يده أسفل ثوب الأميرة لتمنعها و من ثم تقوم بخلع ملابسها قائلة " فلنفعلها بروية ." , و بينما أتعجب من جرءة تلك المرأة فإذ بي اسمع صوت نحيب صادر من الأسفل فتوجهت لأجد راهباً يبكي و جواب في يده بينما يرتجف من حوله قائلاً " لقد مات الموقر ! مات ليبو ! و مات معه إيماننا ! " , لولا معرفتي بموشي فكنت سأظن أنه متورط مع هذا الرجل في نوع من المحرمات .

حسناً , و الأن بعدما رحل موشي يجب أن استعد حتي أقابله لأمضي معه حياته كاملة .

إن محنته هذه المرة هي " السعي وراء ما لن يحصل عليه "

إن كنت أنا بجواره فما الذي لن يتمكن من الحصول عليه .

في تلك الليلة جاءني صديقاي حراس الاختلال و أخبرني الحارس الأسود " سانشينج , أخشي أنه يجب عليك توخي الحر في المرة القامة التي تأتي فيها إلي العالم السفلي ."

" لم ؟ "

" أنت لم تري حالة الغضب الت كان يمر بها , يانوانج المسكين لازال يرتعد خوفاً حتي الأن ."

"اكان غاضباً جداً ؟"

حينها اقشعر جسده و قال " أتتذكرين رخام فينجزين في قصر يانوانج ؟ بات تراباً بثلاث خطوات ."

مهلاً , حينما تنتهي محنه الثلاث سأعود في النهاية إلي العالم السفلي حيث أكون صخرة بجوار الوانجتشوان و هو اله الحرب القادم من السماء .

و أيضاً , رخام فينجزين أصلب مني مئة مرة .

جذبت يد حاؤس الاختلال الاسود و بعيون دامعة قلت " أيها الأخ باي , حينما يجئ ذلك اليوم , ستساعدني بالتاكيد ؟"

و للحظات حدق فيني حارس الأختلال الأبيض بوجه متيبس ثم قال " إنه لمن المحرج أن تنوحي , سانشينج ."

بعفوية مسحت دموعي " لقد نجح الأمر مع موشي ."

أخذ الحارس الأسود الأبيض في يده و تركني قائلاً " عليك مساعدة نفسك سانشينج , إن موشي سيولد في بيت مزارع عند سفح جبل يانجشان , إن أردت إغوائه فلا تتركي تلك الفرصة تضيع منك ."

لم أحتج لأنينهوني بهذا الأمر , أسرعت ليلتها إلي سفح البل و مررت بمنازل القرية منتظرة سماع صراخ طفل وليد , لكن عدا عن بيت لم يغادره ضوءه فلم أجد شيئاً حتي و بعد أن فارقت النجوم سماء الليل .

بينما كنت واقفة علي سطح أحد المنازل لمحت رجل يخرج من كوخ و في يده شئ ما و الختم علي معصمي يحرقني .

تبعت الرجل إلي أن بلغ ضفة النهر فإذ به يلقي ما بيده في االماء ليظهر وجه طفل منها .

بغضب عارم أسرعت مفقدة للرجل وعيه ثم سرت نحو النهر متصيدة الرضيع .

و بعد أن هدأت قمت باستراق النظر نحو وجه الرضيع , لقد كان فمه يفتح و يغلق لكن لا صوت صادر منه .

تجمدت في مكاني ...

إن موشي .....أصم في هذه الحياة .

و الصمم كان يعد نذير شؤم .

و لهذا تخلص منه والداه , و لهذا ....بدون سانشينج ما كان ليحظي علي ما يرغب فيه طيلة حياته .

بالأخ في الحسبان إعاقة موشي في هذه الحياة فقد رأيت أنه من الأفضل لنا أن نسكن في عزلة بعيداً عن الأخرين , لكنها محنة موشي و من أنا لكي أقف في طريقه غير أنه إذ لم يتمكن من تخطي محنته ...فستلعني السماء حينها .

هززت يد موشي الصغيرة التي لم تفتح بعد و وضعت فيها عملة نقدية "إن كانت طرة فسنسكن في المدينة و إن كانت كتابة فسنعيش في عزلة في الريف ."

هز موشي يدها بعدها ملقياً العملة في وجهي , حقاً لم أعرف سواء كان يجب أن أبكي أم أضحك .

بصدق شعرت أن حساء الجدة مينج لم يؤثر فيه , فكيف له أن يعكر صفو وجه جميل مثلي ؟

نظرت نحو العملة و قلت " لقد قلتها بنفسك و سنعيش في عزلة في المدينة ."

و بما أنني لم أرد شيئاً غير أن يحظي موشي بتجربة كاملة فقمت باختيار مدينة كبيرة و ارتأيت أن العاصمة هي الافضل .

و في اليوم التالي كنا قد استأجرنا كوخاً في العاصمة .

لقد حرصت ألا يقضي موشي ايامه في الترحال لهذا حجزت طاقتي كلها داخل جسدي كي أمنع مضايقات الرهبان لنا .

و بعدها بدأت اتساءل عن كيف سنجني قوت يومنا ؟

نحن سنعيش حياة بلا سحر من الأن فصاعداً , من السهل صُنع المال من السحر لكن من الصعب صرف انظار الجيران عنا لذا سألت موشي " و كيف تنوي كسب قوت يومنا الأن ؟"

لربما لأنه شعر بنبرة الاستهجان فإذ به يفتح فيهه عن لعابه علي يدي فقمت بمسحه في شعره .

مر يوم و أنا جالسة علي باب الكوخ أداعب الصغير في يدي , فالان هو الوقت الأنسب لكي أقوم بحركتي اتجاهه , فمن يعلم كيف سيتصرف معي إن عاد لهيئته الطبيعية .

و الحق يُقال , لقد كان موشي قبيحاً في هذه الحياة , لا يسعني التخيل كيف سيبدو شكله إن رآى كيف كان يبدو حينما يعود لهيئته كاله للحرب .

حينها مر من أمامنا رجل قد داعبت الخمر رأس , و بينما أنا احدق في ظهره الذي أخذ يختفي في مرمي البصر سألت موشي " ما رأيك في الخمر ؟ "

لكنه كان يمص ابهامه نائماً فلم يأتني أي جواب .

و بعد مرور سبع سنين .....

علي قارعة الطريق كانت تقف حانة في الناحية الشرقية من العاصمة .

أخذت أنقر علي منضدة الحسابات ليرفع المسؤول عن المكان عيناه و ينظر نحوي ثم يقف قائلاً و هو يبتسم "آنسة سانشينج , لم أتيت اليوم ؟ "

"لم أجد موشي في المنزل اليوم لذا رأيت أنه قد يكون هنا ." ثم نظرت في الأرجاء لكني لم أجد الفتى " كيف حال العمل اليوم ."

" إن العمل يسير جيداً , هاك يمكنك تفحص الدفاتر ." لقد كان المحاسب لو شيخاً طيب القلب حكيماً آتمنته علي علي الحانة , لكن أمر تلك لم يهمني كثيراً فما هي إلا واجهة للناس فإن أردت مالاً فما عليّ أن افعل غير قلب كفي .

لوحت نحوه يدي ألا داعٍ للأمر , حينها من أعلي السلالم و من الطابق الثاني جاء ظل قصير مسرعاً نحوي .

بإبتسامة قلت " موشي! حان وقت العودة للمنزل و تناول العشاء ."

حينها أشرق وجه موشي .

و من حولنا أخذ الضيوف يطقطقون بألسنتهم في فضول بينما هز المحاسب لو رأسه قائلاً " آنسة سانشينج , إن تعلقك بالسيد الصغير قد يسبب سوء فهم و قد يضر بمستقبلك ."

لقد اخبرت الجميع أن موشي هو فتى صغير قد تبنيته و أقوم برتبيته كأخي الاصغر .

جاء موشي يقف بجواري و حينما سمع ما قاله المحاسب لو نظر نحونا في حيرة فانحنيت أزيل التراب عن وجهه قائلة " أنا لا احتاج شيئاً من أحد فدعهم يفهموا ما شاءوا , جل ما اريده في الحياة هو موشي ."

و كرجل ناضج ابتسم موشي و هندم خصلات شعر جبيني .

تنهد المحاسب قائلاً " أنت لا زلت صغيرة ."

ممسكة بيد موشي قلت له " لا لست كذلك , فقط شعري لا يشيب و بشرتي لا تتجعد ."

في الحقيقة أنا صخرة نمى لها الشعر بصعوبة فما بالك أن يشيب شعرها .

حين عدنا و بينما نحن نتناول طعام العشاء أخذ موشي يشير إلي بعلامات فهمت منها في النهاية أنه يسألني إن كنت سأتركه و ارحل مع احدهم .

و ببرودة الخيار سألته " اتريدني أن أرحل مع أحد , موشي ؟"

و بعد نصف يوم من الإشارات أدركت أنه يخشي أن أرحل مثل أخت شياو دينج الكبري الذي يسكن قبالتنا بعدما رحلت مع أحدهم و توقفت عن زيارتهم .

لم أخقى عنه حقيقته و أصله , و طوال الست سنوات التي أمضيناها معاً لم يشعر بشئ مختلف إلي أن بدأ يرتاد المدرسة و أدرك أن هناك شئ خاطئ فيه , و يبدو ان احدهم أخافه أنني قد اتركه و ألا أرغب فيه بعد الان لهذا صار فتاً مهذباً لا يسبب المشاكل كالأخرين .

مراعاته هذه قد فطرت قلبي .

إن كنت علي دراية بأن هذا ما سيحدث كنت سأخذه إلي الجبال يعيش فيها براحته .

اقتربت منه و قلت " لا مكان لسانشينج بعيد عنك " لقد جئت لأغوى موشي فكيف لي أن أتركه .

بعدما داعبته كلماتي ترقرقت عيناه تاركاً يدي تعبث بشعره الناعم بينما يأكل.

في المساء , أدخلت موشي فراشه و توجهت لكي اكمل قراءة كتابي .

لكني سمعت صوت قادم من الحديقة .

يا للحيرة , أي أحمق هذا الذي أختار باحتي ليسرق منها , توجهت نحو الباب و فتحته لأندهش مما رأيت , لم يكن شحاذاً أو لصاً بل رجل في ثياب سفر ليلية قد أعتصر جرح خصره و هو يتوارى في ظلام الليل .

لم يعتقد الرجل أنه كان بوسعي رؤيته في جنح الليل لهذا توجهت إلي ركن و جلبت دلواً من الماء إلي المنزل متجاهلته الرجل .

و تحت إضاءة المشاعل التي تنير العاصمة , احتضنت موشي و غرقت في سبات عميق و أنا اتساءل , أبدأت محنة موشي أم أن هي محض مصادفة , لكن أياً كان الأمر فأنا متأكدة أنه سيسبب لي وجع الرأس .....

إن وجدت الرجل في الصباح التالي سوف أقوم بإفقاده الوعي و إلقاءه في الشارع .





Beloc Doukanish


2018/09/11 · 565 مشاهدة · 1796 كلمة
Doukanish
نادي الروايات - 2024