سانشينج , الخلود علي ضفاف نهر النسيان.





5: إنه يقوم بحمياتك عزيزتي , سانشينج.








في اللحظة التي وطأت قدمي أرض العالم السفلي إذ بألم ينتشر في رقبتي . من الثلاث أختام التي أعطاني إياها يانوانج , أخذ أحدهم يختفي .إن هذا يعني أن واحدة من الحيوات الثلاث التي وعدني بها موشي قد انتهت .

لم أعد أحب السير بمفردي علي ضفاف الوانجتشوان بعد عودتي إلي العالم السفلي , فما الفائدة من الأمر ؟ إن كنت سأكون وحيدة ؟لقد اتكأت علي صخرة في انتظار قدوم موشي عبر باب التناسخ مرة أخري لكي أذهب معه إلي الأرض.

إن الوقت يمضي بسرعة في العالم السفلي , فما هي إلا أربعة عقود قد مرت في عالم الفانين , فإذ بي أقابل بمحض الصدفة شخص اعتبره من معارفي القدامي .

لقد ابتسمت له . بينما -هو أيضاً قد تذكرني- أجفل و أخذ منه الأمر وقتاً لكي يعود لرشده قبل أن يتكلم " إنه أنت ؟! "

"أيها الكاهن , لقد مر وقت طويل . يبدو أنك لم تتقدم في العمر قط ."

لم يكترث كثيراً بدعابتي و قال مقطب الجبين " لم تدخلي في بوابة التناسخ ؟"

"أنا انتظر أحدهم ."

لقد قلت ما قلت بعفوية لكن الأمر قد ادهشه , و بعد برهة تنهد قائلاً " لقد كان أنا من تسبب في التفريق بينكما ...."

لوحت بيدي و كنت علي وشك أن أقول له أنها تدابير القدر حين أردف " لقد أمضيت حياتك تنتظرينه في الجحيم بينما أمضي حياته يندبك علي الارض . لقد كنت مخطأً حين سرقت سعادتكما ." ثم توقف كما لو كان يفكر في شئ ليعلن بعدها بحزم "يجب علي أن أتحمل نتيجة أفعالي ,بما أنني أدين لكما في هذه الحياة , فسوف أقوم -بلا أي خطأ - برد الدين لكما في حياتي الأخري."

" لا حاجة لذلك حقاً " بهدوء أردفت "هذا متعلق بي و موشي و لا نريد أن نقحم الغرباء في الأمر ."

هز الكاهن يده و طأطأ رأسه متنهداً , ثم أكمل طريقه .

لقد شعرت أنه أمر أساسي لهؤلاء من عاشوا طويلاً أن ينموا تلك العادة السيئة في أن يستخدموا وجهة تفكيرهم و وجهة نظرهم في التنبأ بفكر الأخرين .

مهما كان ما حققه في حياته كراهب , ما يتطلبه الأمر هو صحن حساء واحد من الجدة مينج , و خطوات علي جسر نايهي , و القفز في ينبوع التناسخ لينسى كل ما يخص كيانه السابق .

لن تنموا أخطاء الحياة في الجديدة.

بعدما اختفي الكاهن , اخذت أتساءل إن كان موشي علي وشك القدوم . لقد أمضيت أيامي في الأغتسال في وانشجتوان حتي بت نظيفة لدرجة تجعلك تظن أنني لا أنتمي لكآبة العالم السفلي .في وقت فراغي , كنت أجلس متكأة علي صخرة أتعلم تقاليد البشر , و أرسم دوائر في الأرض و أنا أهمس " موشي , فلتأتي بسرعة .فلتأتي بسرعة ."

يبدو أن إخلاصي قد حرك مشاعر السماء .في أحد الأيام و أنا جالسة بالقرب من الصخرة وجدت موشي قادماً نحوي و هي يدوس علي نباتات النرجس علي ضفاف وانجتشوان و الغضب بادي علي وحهه.

أوه , لقد كان غاضباً .

لقد كنت في حيرة من أمري حين جاءت كرة من اللهب الحارق مصطدمة بقدمي.

بسرعة قفزت بعيداً لأتفاداها , لقد أجفلني هذا حقاً .

أخذت حينها الأقزام و الأطياف التي كانت متجمعة في الهرب حينما رأت مظهر النار .

لم أكن أعلم ماذا يجري , فأخذت أحدق في موشي , لقد كان يبدو مثلما رأيته أول مرة -بهالته السماوية تلك.

لكن هذا المخلوق السماوي قد كان يستشيط غضباً للا سبب .و قد أصابني الأمر بالحيرة .

لقد كنت أشعر بالأضطهاد قليلاً , فقد كنت انتظر قدومه بفارغ الصبر , و لكن من قبل حتي أن نتبادل كلمة علي الأقل فإّذ به يُهاجمني . حقاً أنا أشعر بالحزن !

لقد اخذ يقترب مني مستهدفاً معصمي لكنني قد قمت بتفاديه بينما أحمي بوابتي الحيوية .

" هيه , لقد تعلمتي كيف تتفادين و كيف تشعرين بالخوف الأن .لم لا تدعيني أمسك بك ؟لم لا تدعيني أحرقك ؟آتضحت لك أن هذه الحياة لا تُمنح بسهولك و بت تخافين فقدانها ؟"

أخذت أفكر في المعني الخفي في كلماته " موشي , آنت غاضب مني ؟"

"غاضب ؟" ثم زفر "و لم سأغضب ؟لقد حميتني , و ضحيتي بحياتك لتنقذيني , و ساعدتني في محنتي . لا يسعني أن اشكرك كفاية , فلما سأغضب منك ؟"

لقد فتحت فاهي لكي أخبره أنني لا أفهم سبب غضبه مني , لكن تعابير وجهه لم تكن ملائمة لما كان يقول . لكن مسحة الغضب بين حاجبيه جعلتني اصمت .

حينما رأي وجهي الحزين و عيني مليئة بالدموع , أخذ وجهه يتصلب و بصوت حازم قال " غير مسموح لك بالبكاء ."

لكني لم أكف عن النظر إليه بهاتين العيون المغرورقة .

لقد كانت عضلات وجهه تتلوى ليتنهد بعدها تنهيدة ثقيلة ."لا تعبئى بالاً ."حينها رقت عيناه و ابتسم ابتسامة واهنة بينما هو يبرت علي رأسي " حقاً , لقد كنت أنا المخطأ ."و لحظتها اكفهر وجهه و قال " لم اشتدت رائحة الظلمة فيك ؟"

بخجل أخفيت وجهي و قلت " لما أنني كنت أظن أنك ستأتي قريباً فقد كنت استحم في النهر كل يوم , أيعجبكك ما أبدو عليه الأن ؟"

و لوقت طويل , لازم موشي الصمت .

"لقد كنت أُعد أموري كل ." أخذت أحدثه "بينما كنت انتظرك هنا , موشي , أيمكنني الذهاب معك حينما تسير إلي نبع التناسخ ؟"

قطب موشي حاجبيه قائلاً "تذهبين معي ؟"

"بالطبع ."

قام موشي حينها بالتلويح بيده ليضربني ختم هبي ثم قال " أنت ممنوعة من مغادرة العالم السفلي لخمسين عاماً ."

مذهولة سألته " لماذا ؟! ألم تعدني بثلاث حيوات في عالم البشر ؟"

" أجل , لكن كل ما أطلبه منك أن تأتي بعد خمسين عاماً ."

"لكنك وعدتني أنك ستمح لي بأن أغويك ."

"يمكنك فعلها بعد خمسني عاماً ."

"و لكنك ستكون رجلاً يحتضر حينما ألقاك.و هكذا لن يتنسي لنا قضاء الوقت معاً !"

" إذاً لا تبحثي عني حينها ."

عندما أنهي كلامه توجه مباشرةً إلي جسر نايهي , و من غضبي الشديد تناولت حفنة من الوحل و قمت بإلقاءها نحوه لتصيب مؤخر رأسه .

لقد كان ظهره لي لهذا لم أعرف كيف بدا وجهه حينها إلا أنني رأيت الجدة مينج تركع له و هي تترجاه قائلة " الرحمة , مولاي ."

حينها فقط تذكرت أن تربة العالم السفلي قد داس عليها عدد لا يوصف من الأطياف , فقد كانت تُعد أقذر ما بالعوالم الثلاث *. قيامي بإلقاء مثل هذه التربة علي اله سماوي لهو إهانة عظيمة .

رايته حينها ينظر نحوي بجانبه و يقول بصوت يخلو من المشاعر " أنا لا أريدك أن تكوني محنتي ."

يا له من كلام غريب يُقال . لم افهم حينها ما قصد بكلامه هذا . لقد رأيته يسير نحو الجدة مينج دون أن ينظر نحوي و لو مرة واحدة ليشرب من حساءها ثم قفز في الينبوه مختفياً.

لابد و أنه وجدني إزعاجاً له لهذا لم يردني أن ارافقه .هذه الفكرة جعلتني حزينة لدرجة أنني أخذت أضرب رأسي في الصخرة و أنا أبكي بحرقة .

إن كان شخص أخر هو الذي قام بالتنمر عليّ لكنت رددت له الصاع صاعين و عشرة .و لكن من كان يتنمر عليّ هنا هو موشي .....لقد كان موشي لهذا لم يسعني فعل شئ .

لم أعلم كم مر من الوقت مُنذ بدأت أبكي إلي أن سمعت أحدهم ينادي اسمي من خارج الصخرة " سيدة سانشينج , سيدة سانشينج , يا إلهي لا تبكي رجاءً سيدة سانشينج."

حينها أخرجت رأسي من الصخرة لألقي نظرة علي ضيفي بعينين منتفختين " جيا, ما الخطب ؟"

أخذ جيا يفرك ذقنه ثم هز رأسه قائلاً " مُنذ أيام حينما أخذت تبكين و الدموع المنحدرة من صخرتك قد جعلت مياه النهر ترتفع بضعة أمتار مما جعل الأرواح تخاف .من المدهش كيف لحجر مثلك أن يبكي كل هذا القدر , لقد أرسلني يانوانج بنفسه لكي أساعدك في إيجاد حل لما يزعجك ."

اومأت برأسي ثم تبعت جيا نحو قصر يانوانج .

علي الرغم من أنه كان يبدو هزيلاً إلا أنه في الحقيقة كان شخصاً شرهاً للغاية , حينما دخلت عليه قصره كان يمضغ بالفعل قي ثطعة لحم بين يديه .

اومأت تحية له "يانوانج"

"أوه , لقد جاءت سانشينج ." حينها أشار إلي القزم الواقف بالقرب من الباب ليختفي بعدها و يعود حاملاً فخذ خنزير مملح كاد يجعلني اتقيأ لذا أخبرته أن يعيده .

ألقي يانوانج نظرة نحوي ثم قال " لقد سمعت أنك كنت تبكين السيد موشي في الأيام السابقة ."

حينما سمعت اسم موشي , أخ أنفي يحرقني و عيناي بدأتا تغرورقان مجدداً .

"كلا , كلا رجاءً ! " قالها متلعثماً في محولة لايقاف بكاءي "لقد طلبت رؤيتك اليوم لنجد حلاً لهذه المعضلة , إن استمريتي علي هذه الحال فأخشي أن يفيض النهر ."

"سانشينج ." قال يانوانج " أتعلمين أي نوع من المحن يمر بها السيد موشي في عالم البشر ؟"

حينها هززت رأسي .

"أن نفترق علي الرغم من الحب , أن نتقابل في عداوة , أن نسعي لما لا نستطيع أن ننوله .هذه ثلاثة من ثمان ابتلاءات في البوذية .في حياته السابقة كان عليه أن يفارق حبه .في كتاب أقدرا سيمنج مكتوب أن السيد موشي و ابنة الجنرال سيحبان بعضهما و لكنهما سيعيشان بعيدان عن بعض لكونهما ينتميان لجانبين مختلفين .و هذا ألم فراق من أحب . و مع ذلك و لقد تغير قدره بظهورك أنت .لقد كان عليه أن يعيش في وحدة لكن مشاعراً تجاهك قد نمت نحوك بعدما ظهرت في حياته .لقد أردت أن تساعديه بتجنب مصيره , و لهذا لقيت حتفك لتهيئي الامور له في حياته .حسناً , أن يمضي حياته بعيداً عنك هو جزء من " أن نفترق علي الرغم من الحب ", يمكنك القول أنك قد ساعدتيه يحقق قدره بدون علمك ."

حينها صمت يانوانج قليلاً ثم أردف "أنت لم تري كيف بدا السيد موشي في حياته السابقة في عالم البشر . تسك تسك , لقد كان في الأصل شخصاً طيباً لكنه لك جعل الأمبراطور يقوم بقتل عشيرة الجنرال بآسرها , و فوق هذا أمضي بقية حياته بلا زواج وحيداً حزيناً عليك .قد يظن البعض أنه لكونه كائن سماوي فهو متعفف عن التعلق بماضيه إلا أنه لا يتمالك نفسه أن يتصرف هكذا أمام ...من الجلي أن مشاعره تجاهك من حياته السابقة لم تختفي , بل أن عظمته قد منعنك من الذهاب معه كيلا تصيري محنته مجدداً ."

لقد كان يانوانج يقول لي " إنه يقوم بحمايتك عزيزتي , سانشينج ."

لقد أجفلتني كلماته .

"هؤلاء من يقطنون بالسماء يستحقرون من بالعالم السفلي , لهذا ابذلي ما في وسعك , سانشينج , لإغوائه . حينها فقط يمكن لعالمنا .......اهاهاهاهاها , أنت تعين ما اقصد ؟"

لقد أخذ ضحكات يانوانج الهيستيرية تتلاشي مبتعدة عني .

فقط جملة واحدة لا زال صداها يتردد في عقلي .

" إنه يقوم بحمايتك عزيزتي , سانشينج."




* العوالم الثلاث : الأرض و الجحيم و السماء .



Beloc Doukanish




2018/06/17 · 515 مشاهدة · 1723 كلمة
Doukanish
نادي الروايات - 2024