تروي أسطورة في زمن غابر قد مضى ، رجل كان يستطيع سحب الأرواح من الأحياء
كان عندما يسافر بحرا يركب حوتا ، و عندما يسافر برا يركب أسدا و عندما يسافر جوا يركب عقابا عملاقا
لهذا الرجل صديق أصبح ملكا لإحدى الممالك العظمى
كانا كثيرا الخصام قليلا الوفاق ، لكنهما صديقان حقيقيان
عندما كبر الرجل أراد تمرير معرفته للأجيال القادمة فدرب بضع تلاميذ
كان يقول لهم " اجمعوا كل ما عسر عليكم فهمه خلال 4 أسابيع و اطرحوه علي "
كان أغلب كلامه ألغاز لم يفهمها كأحد كأن يقول لهم " ابحثوا قديما و حديثا ، عددا و حرفا ، أرضا و سماء ، عن مشتري الملوك و الأنوار ، و القرى و الأخيار ، و حال المعضلات و مستبين الأخبار ، الذي يستر ما لا يستر و لا يستر ما يستر "
و يعطيهم 3 سنوات للإجابة عن اللغز ، لكن لم يتمكن أحد من إيجاد الحل
حتى أن اليأس بدأ يدب في قلبه لانعدام موهبة يمكنها تحمل علمه
في آخر محاولة منه قال لتلاميذه " سأشبه لكم المفتاح الأصيل لحل الألغاز و استعمال عقولكم بالقدرة الكاملة ، ابحثوا في خزائن الملوك و في كل التمائم و العمائم في إمبراطورية ستسود لـ 12 سنة ، ستجدون كتاب جوامع الأمم و الدول ، لن تبلغوا ذلك المكان إلا على خيل مبارك من قبل الإله ستجدونه في أرض فقيرة يملكه جاهل لا يعرف قيمته ، ستجدون هذا المفتاح في صينية وهاجة ، لن يستطيع أحد لمسها أو حتى رؤيتها إلا إذا بلغ المستوى المقدس "
وصفه طلابه بالحكيم المجنون و الطبيب المريض
من الشائعات المتداولة عن هذا الرجل و التي لا يعرف صحتها أي أحد أنه يملك ما يريد و يشفي أي مريض و يحل أي لغز و يشتري أي شيء يباع ، على الرغم من أن لا أحد يعرف ماله من أين يأتي و لا هو أيضا من أين أتى ، كما كان يستطيع التنبؤ ببعض الأحداث قبل أن تحدث ، و يعرف علم الأثر أكثر من أي شخص ، كما كان يعرف اسم أي مكان كما لو أنه سافر في الأرض شبرا شبرا ، و يعرف اسم أي شخص كما لو كان معه لسنوات ، و لم يسبق لهذا الرجل أن مرض في حياته قط
بعد أن فقد الأمل في تلاميذه قام بطردهم دون ترك خليفة له ، هذا أثار حنق بعض تلاميذه المتهورين ، فصمموا على قتله
دسوا له السم في الأكل ، لكن لسوء الحظ من أكل منه كانت زوجته و ابنتاه ، فماتت عائلته جراء السم
في تلك الليلة ، غضب غضبا لم يغضبه في حياته قط ، فنزلت شهب من السماء و أمطرت السماء دما و تحركت الأرض في أكبر زلزال عرفه التاريخ ، حتى أن كل الأودية و الأنهار قد فاضت مالئة البحار التي جفت فجأة ، ما أسفر عن مقتل أغلب سكان الأرض ما عدا 130 رجلا و امرأة ، كل هذا استمر فقط 3 دقائق
فخلال هاته الدقائق تمكن الرجل من القبض على التلاميذ الـ 4 الذين حاولوا قتله ، و من شدة غضبه قام برفع جبل و أطبقه فوقهم ، بعدما انتقم هدأ من روعه ، فهدأت الأجواء و عادت الطبيعة كما كانت
فقد ذلك الشيخ كل أمله في البشر ، فتحول لضوء و اختفى بين سحب السماء
منذ ذلك الحين لم يره أحد ، و سميت تلك الكارثة بـ " ليلة الغضب "
عصر بعد عصر و ملايين السنين مرت ...
بدأ الناس في نسيان هذا الرجل ، كل ما تذكروه هي الكارثة
في العصر الحالي ...
العالم قد أثخنته الحروب ، و تصارعت الأقاليم للسيطرة على أكبر جزء ممكن من الأراضي
في عالم حيث القوي المفترس ، و الضعيف يعني الفريسة
بزغ نجم فتى صغير يدعى "منير" من بين الطبقة الكادحة
هذا الفتى من صغره تأمل العالم بنظرة مختلفة ، بالرغم من أنه لا يملك أي قوى ، لكن تفكيره كان أكبر من عمره كثيرا
رأى منير أن الصراعات التافهة بين البشر ليس لها مغزى ، فالأرض واسعة تكفي ليعيش عليها الجميع سعداء دون صراعات ، إذا كان الشخص قديسا أو حتى عاديا ما الفرق ؟ لن تحتاج للقوة في عالم ينعم بالسلام
و في ذات الليالي و هو خارج كوخ عائلته الصغير يتأمل في النجوم ، شاهد وميضا غريبا أخضر اللون يسقط في البحيرة القريبة ، الفضول تملكه و سارع نحو المكان
رأى داخل المياه شيئا دائريا يومض بألوان مختلفة ، فغطس لإخراجه ، بعد أن اقترب منه ، شعر و كأنه دخل عالما آخر
اختفى الماء المحيط و تحول كل شيء للسواد مزدان ببعض النجوم ، و كان يسير فوق طريق زجاجي أزرق اللون مرصع بالكرستال
الحيرة ملأت قلب منير
و بينما هو كذلك ، إذ طارت ورقة قديمة و وقعت بين يديه ، كتب على هذه الورقة " ابحثوا قديما و حديثا ، عددا و حرفا ، أرضا و سماء ، عن مشتري الملوك و الأنوار ، و القرى و الأخيار ، و حال المعضلات و مستبين الأخبار ، الذي يستر ما لا يستر و لا يستر ما يستر "
ابتسم منير برفق و قال "هذا سهل جدا ، البشر " ومض من الورقة شعاع أبيض غطى كل العالم الخيالي هذا ، حتى تغير العالم و أصبح منير كأنه يطفو بين السماء
ظهر أمام منير هيئة رجل عجوز قال له "أحسنت ، هلا شرحت لي كيف استطعت إيجاد الحل "
أجاب منير بعد تخلصه من توتره
" البحث في القديم و الجديد يعني أن الحل نفسه بغض النظر عن العصور و البشر تواجدوا في مختلف العصور
و عددا و حرفا يعني أن كلمة البشر رغم أنها تعني جنس واحد لكن من الممكن أن تطلق على عدد كبير ، فكلمة بشر قد تعني عدد كبيرا من الأشخاص
أرضا و سماء ، يعني أن البشر خلقوا من الأرض ليذهبوا أخيرا للسماء ، فأجسادهم من الأرض و أرواحهم من السماء
مشتري الملوك و الأنوار ، يعني أن البشر دائما ما يبتغون الملك و يلهثون وراءه و العلم كذلك
القرى و الأخيار تعني أن من خير البشر أنهم استطاعوا بناء تجمعات تأوي أعدادا لا بأس بها منهم ، فمن آوى شخصا داخل بيت و وقاه من الحر و البرد هو خير
حال المعضلات و مستبين الأخبار تعني أنه لطالما واجه البشر مشكلات في حياتهم لكن بالإرادة و العمل استطاعوا حلها ، كذلك البشر فضوليين بطبعهم و يريدون تتبع أخبار الأشياء
الذي يستر ما لا يستر و لا يستر ما يستر ، هذه كناية على طبيعة البشر الضعيفة ، فأحيانا يكونون بدرجة من الحماقة و يفعلون أفعالا لا يمكن تصورها "
بدت على وجه ذلك الشيخ الشبحي علامات الفرح " أخيرا بعد انتظار ملايين السنين ، وجدت أحد على قدر كافي ليستوعب معرفتي "
تعجب منير من كلمات الشيخ
لكن الشيخ لم يكترث لرد فعل منير و أكمل قائلا " يا بني ، من اليوم أنت خليفتي ، سأجعلك تصبح في قمة هذا العالم و كل العوالم ، لن يستطيع أحد مجابهتك لا جسديا و لا فكريا و لا سحريا "
أجاب منير " لست مهتما يا عم بأن أصبح قويا ، العيش سعيدا يكفي "
ضحك الشيخ بجنون ثم قال " لا بأس ، لا بأس ، تعجبني طريقتك ، حسنا كما تريد ، و لكن إذا قررت العدول عن رأيك عد إلى البحيرة و سوف تجدني في انتظارك "
لم يكترث منير بما قاله الشيخ أبدا من قوة و ما إلى ذلك
اختفى ذلك العالم و وجد منير نفسه أمام كوخ عائلته و الصباح قد حل
بدا كل ذلك كحلم فقط