امتدت اثار المعركه الى كل مكان في القاره

في مكانٍ بعيد - مقر اتحاد الأبطال - البرج الذي لاتقترب منه الغيوم

اهتزت السماء…

توقفت الطيور عن الطيران، وساد صمت مفاجئ شق السكون كما لو أن العالم قد توقف عن التنفس لثانية.

ارتفعت أنظار القادة العظام نحو الأفق، حيث تمزق الغلاف الجوي بانفجار هائل أسود مائل للأرجواني، يلتف حوله البرق الداكن، والشرر الذي لا ينتمي لهذا العالم.

رئيس الاتحاد، رجلٌ عجوز ذو لحية بيضاء ووشمٍ سماوي يلمع على جبينه، وقف فجأة من مقعده، وعيناه تتسعان بخوفٍ لم يظهر منذ قرن.

قال بصوت خافت، لكنّه حمل كل ثقل الرعب في صدره:

"ذلك ليس انفجارًا عاديًا… هذه طاقة مَلَكية… لا، ليست ملكية فقط… بل محظورة."

اقتربت منه امراة ترتدي عباءه من الرياح ، شابة ذات عينين ذهبيتي، وهمست وهي تشد على قبضتها:

"هذا الظلام… أشعر به يضغط على قلبي، كما لو كان يناديني… كأن شيئًا قد استيقظ."

رد القائد السماوي الآخر بنبرة مرتجفة:

"ما هذا؟ هل اخترق أحدهم قوانين العالم؟ من يجرؤ على استخدام هذا النوع من القوة في العلن؟"

بينما كانت العيون تتابع من الشرفات، ومن الساحات، ومن خلال المرايا السحرية، بدأ بعض التلاميذ يشعرون بالدوار، وآخرون وقعوا على الأرض غير قادرين على التنفس

كان الصوت خافتًا، كأن الرياح نفسها كانت تحمله من بعيد...

"أريد أمي..."

توقف كورغامي.

أدار رأسه ببطء نحو مصدر الصوت، فرأى طفلًا صغيرًا، بالكاد يتجاوز السابعة من العمر، ملقى وسط الأعشاب، يرتجف من الخوف والجوع، عيناه متورمتان من البكاء، وثوبه ممزق يحمل آثار الطين والدم والرماد.

اقترب منه كورغامي ببطء، ركع أمامه، نزع عباءته المظلمة ووضعها على جسد الطفل المرتجف.

"أمي... أريد أمي..."

همس الطفل بصوت مكسور، كأن قلبه ينزف مع كل كلمة.

لم ينبس كورغامي بكلمة.

مد يده، وحمل الطفل برفق، ثم وضعه فوق ظهره، كأنما يحمل عبء الماضي كله... وصرخات الطفولة الضائعة التي لم تجد من يُنصت.

"تمسّك بي جيدًا..." قالها كورغامي بهدوء، وارتفع في السماء، ينظر بين الأشجار، بين الطرق المتكسرة، يبحث عن أثر، عن دفء، عن أم… عن شيء يُشبه الرجاء.

حلّ الليل.

ومع ضوء القمر، أبصر كوخًا قديمًا... منعزلًا على حافة الغابة، كأنه منسيّ من العالم، محاصرًا بظلال الذئاب التي تتربص به من كل اتجاه.

من داخل الكوخ، كان صوت بكاء ناعم يتردد...

امرأة، كانت تنكمش على نفسها، تصرخ بهمس خافت:

"ولدي... أين أنت؟ خذوني، لا تأذوه، أرجوكم..."

لم تكن تبكي على نفسها، بل على صغيرها... قلبها ممزق، ودموعها لا تجف.

في الخارج، الذئاب بدأت تزمجر، تقترب، أنيابها تلمع في الظلام، لكن قبل أن تهجم...

بوووم!

انفجرت هالة قاتمة فوق رؤوسها، والهواء تغيّر، والظلام غلّف السماء، وكأن الهاوية نفسها سقطت على الأرض.

ظهر كورغامي في السماء أمام الكوخ، واقفًا على أطراف جناحيه المظلمين... عيناه تلتمعان بلون البنفسج العميق، والهالة التي تحيط به جعلت الذئاب تركع، ثم تولّي الأدبار، تهرب كأن الموت نفسه قد ظهر.

هبط كورغامي ببطء.

اقترب من باب الكوخ، وطرقه.

المرأة ارتعشت، ثم فتحت الباب بسرعة، ودموعها تغمر وجهها.

حين رأت الطفل على ظهره، شهقت، ثم ركضت نحوه، أخذته بين ذراعيها، تقبّله، تبكيه، تعصره على صدرها.

"ولدي... صغيري... ظننتك متّ..."

كورغامي ظل واقفًا في مكانه، ينظر إليهما، كأنما يطالع مشهدًا من زمن لم يعد يخصه.

ثم نزلت دمعه على خده ..

لماذا أبكي؟

كان السؤال يتردد في داخله.

لماذا قلبي يضيق وأنا أنظر إليهما؟

هل تذكّرت؟

أختي... والداي…

نزلت دمعة واحدة من عينه... واختفت في الظلام، كما اختفى كل شيءٍ كان يومًا يعني له.

المرأة نظرت إليه، أرادت أن تشكره، لكنه أدار ظهره، وقال بهدوء:

"ابقوا هنا... لن يقترب منكم شيء بعد الآن."

ثم مشى في الظلام، والريح تلف عباءته كأنها تحاول منعه من الرحيل، تتشبث به كما تتشبث الذاكرة بحطام قلبٍ محطم.

غاب كورغامي في الظلام.

خطواته على الأرض كانت بلا صوت، لكن داخل صدره كانت الأرض تنشق. جلس قرب شجرة محترقة، يحدق في السماء الصامتة، وعباءته تتموج مع الريح مثل ظلّ فقد شكله... شكله، وهويته، وكل ما تبقّى له.

كانت تلك اللحظة، ولأول مرة منذ سنة... بدأ يتذكرهم.

أمه... أبوه... وأخته.

مرت سنة كاملة لم يلتقِ بهم، لم يسمع صوتهم، لم يرسل لهم خبرًا. كان مختفيًا... مأسورًا في ظله، محبوسًا بين زنزانات الجحيم، لا أحد يعلم أين ذهب، ولا أحد فكر أنه ما زال حيًا.

تنهد، وأغلق عينيه.

"ربما..." همس لنفسه بصوت مكسور. "ربما ظنّوا أني متُّ."

لكنه كان فخورًا.

رغم كل شيء... كانت أخته الصغرى تحلم بأن تصبح بطلة، والآن، رغم الفقر، والتمييز، والجوع... انضمت فعلًا إلى منظمة الأبطال، حققت حلمها، وربما—نعم ربما—كسبت بعض المال، وانتشلت عائلتهم من الحيّ الفقير الذي لطالما سكنوه.

لكن...

ابتلعت الكلمات قلبه، وتحوّلت إلى مرارة.

"تلك المنظمة..."

شد على قبضته.

تلك المنظمة التي لا تعرف الرحمة... حيث يُضحى بالضعفاء من أجل الواجهة، حيث تُباع المبادئ من أجل العناوين، حيث يُكرم القناع ويُداس الوجه الحقيقي.

"قليلة الحياء..." قالها كورغامي ببرود مرير، وعيناه تتلألآن بوميض قاتم.

"كيف لها أن تنضم إليهم؟!"

كان يشعر بالضيق كلما فكر فيها وهي تقف مع أولئك المزيفين، يحيونها كأنها بطلة، بينما الحقيقة أن أول من طردوها هم من يدّعون العدالة الآن.

"سأدمّر تلك المنظمة... سأمحوها من الجذور."

صوته كان أشبه بوعد... أو لعنَة خرجت من الهاوية.

أغمض عينيه، وتخيلها...

تضحك، تقاتل، وتعيش حلمها.

لكنه لم يكن هناك... لم يكن معها.

"هل تفتقدينني؟"

لم يُجب أحد.

كان وحده.

حتى الظلام حوله، صمت.

نهض كورغامي من الأرض بصمت، رفع يده بثقل، وانبعثت منه هالة سوداء كأنها تنهض من قبرٍ عتيق.

ظن أن الطيران سيكون كالسابق، مجرد ومضة، لكنه...

تَشققَ جسدهُ من الداخل.

تقلصت عيناه من الألم، وتكاثف الظلام حوله بشكل عشوائي، كأن جسده يرفض ما كان ينتمي له.

"آه..."

اهتز الهواء حوله، وسقط، لكنه لم يصل للأرض.

يد سوداء قوية أمسكته.

"مولاي، لا يمكنك بعد."

كان الصوت مألوفًا...

نهضت من الهاوية روحه القديمة.

راجنار.

جندي الظلام الأول، ساعده الأيمن، وأحد من حملوا راية كورغامي يوم كان اسمه يُهمس في المجالس الملعونة.

ركع راجنار فورًا وقال بصوت مملوء بالرجاء:

"مولاي، جسدك الفاني لا يحتمل قوتك السابقة... لا ترهق نفسك. لم تسترجع طاقتك كاملة، ولا تزال ذاكرتك غير مكتملة. أرجوك..."

لكن كورغامي لم يكن ذاك الذي يستمع للتحذيرات.

تردد صوته ببرود غامض:

"ألم تقل لي، يا راجنار... أن النيزك سيسقط بعد أربع سنوات؟"

أومأ راجنار.

تابع كورغامي:

"أريد أن أجعل النيزك يسقط في قارة الوحوش... حيث يقيم باربروس، جالب الكارثة للأرض."

ثم أدار وجهه، وعيناه تلمعان بلون البنفسج الحاد:

"لن أقاتله من أجل العدالة... بل لأني أريد... أن أسحقه."

راجنار خفض رأسه، ثم قال بتحذير مشوب بالولاء:

"سيدي... احذر من قوتك، فهي تستهلك إنسانيتك شيئًا فشيئًا. الظلام لا يعطي مجانًا... والثمن باهظ."

ابتسم كورغامي، نصف ابتسامة:

"هاها، راجنار، قف. أنت ساعدي الأيمن، فلا تركع لي بعد الآن."

لكنه لم يسمع حماسًا.

راجنار أجاب بهدوء:

"أشكرك... يا ملِكي."

صمت كورغامي قليلاً، ثم رفع حاجبه:

"توقف عن مناداتي بالملك، نحن لوحدنا."

راجنار نظر إليه بنظرة غامضة، ثم شقّ الفراغ بإصبعه.

"من قال إننا وحدنا؟"

ظهر مشهد مذهل خلف التمزق: قلعة عملاقة تطفو في فراغٍ أبدي، يحيط بها سبعة قصور تدور كالأقمار، مضاءة بألوان خافتة من الطاقات المحرمة.

كورغامي انبهر:

"لمن هذه القلعة؟"

"إنها بُعدك الخاص... عالمك الخاص، أنت من خلقه، قبل أن تفقد كل شيء."

نظر كورغامي للقصور، وتأملها بصمت.

"هل هذه... كل ممتلكاتي؟"

ضحك ساخراً..

أظنني فقيرًا دومًا."

أغلق راجنار الفراغ.

"حسنًا، حان وقت عودتك إلى داخلي يا راجنار... سأتوجه إلى اتحاد الأبطال... لأُسلّم لهم النسخ المزيفة من الزعماء الأربعة."

رفع كورغامي يده للامام فظهرت بوابه ودخل في داخلها واختفى ..."

2025/05/22 · 9 مشاهدة · 1156 كلمة
نادي الروايات - 2025