في إحدى الحجرات البيضاء داخل مقر اتحاد الأبطال، كانت أميشيا مستلقية على السرير الطبي. أنفاسها هادئة، لكن عينيها تأبيان الاستسلام للنوم. الضمادات تحيط بكتفها، وذراعها اليمنى ملفوفة بطبقات متوهجة من السحر الشافي.
ما زالت تتعافى من إصاباتها الخطيرة خلال المهمة الأخيرة... في المدينة المصنّفة من الرتبة S.
خاطرت بحياتها، وتذكرت تلك اللحظة القاسية... معلمها، ذاك الرجل القوي الذي لطالما اعتبرته صخرًا لا ينهار، كان يتوسل أحد الزعماء ألا يقتلها. لم يسبق أن رأته ينكسر بذلك الشكل.
لكن الزعيم لم يستمع. كان قاب قوسين أو أدنى من الإجهاز عليها… لولا تدخّل الرقيب جيف.
ظهر فجأة، كوميضٍ في العاصفة، واختفى بالسرعة ذاتها. لم تدرك أميشيا ما حدث إلا عندما أفاقت على سرير المستشفى.
ورغم نجاتها، لم يهدأ قلبها.
كان هناك شيء مريب بخصوص الرقيب جيف.
خصوصًا منذ اختفاء كوراغامي..."
منذ ذلك اليوم، تغيّر كل شيء. بدأ جيف يراقب عائلتها باستمرار، يتحرّك في الظل كأنه يحرس شيئًا... أو يخفيه.
ما أخرجها من تفكيرها، هو صوت الطبيب، هادئ لكنه حاسم...
"أنتِ تتحسنين بسرعة، أميشيا." قال الطبيب بابتسامة مزيّفة، وهو يراجع الأرقام على البلورة الزرقاء بجوار سريرها.
هزّت رأسها برقة، دون أن ترد. كان وجهها شاحبًا، كأن ما يؤلمها ليس جرحًا في الجسد، بل فراغًا في مكان آخر… أعمق.
حدّقت إلى السقف، ثم تمتمت بصوت بالكاد يُسمع:
"أخي... أرجو أن تكون بخير."
مرت سنة كاملة ولم يصلها منه أي خبر. لا رسالة، لا أثر، لا حتى جثة. رغم ذلك، كانت تؤمن.
"هو عنيد... مستحيل أن يموت بسهولة،" قالت لنفسها، وقد حاولت أن تبتسم، لكنها فشلت.
كانت تفكر كثيرًا بما أخبرته به يومًا: "سأنضم إلى الأبطال يا كورغامي، وسأنتشلك من الفقر، سأُخرج أمنا من ذلك الحي الملعون… فقط انتظرني."
والآن… هي بالفعل أصبحت بطلة من الدرجة S، بعمر صغير جدًا، وجمعت ما يكفي لنقل عائلتها إلى حي راقٍ، وأمّها ووالدها يعيشان بسلام أخيرًا… لكن كورغامي لم يكن هناك ليرى.
ورغم فخرها، كانت هناك شوكة في قلبها.
أرادت أن تخبره أنها نجحت. أنها لم تنسَ وعدها. أنها اشتاقت له، وكرهت العالم الذي سرقه منها.
"ربما هو... ميت." قالتها في قلبها، ثم أغمضت عينيها سريعًا، وكأنها تخشى من التفكير ذاته.
(إضافة مشهد بصري بسيط لتعزيز الإحساس بالارتباط)
لكن رغم صمتها، يدها لمست قلادة صغيرة كانت تحت وسادتها — قلادته القديمة. أبقت عليها، كأنها مرساة تُبقي الأمل حيًّا.
ثم… ارتعشت الغرفة للحظة.
"ما هذا؟!" ممرضة اندفعت من الخارج، وعيونها تتجه نحو النافذة.
أميشيا رفعت رأسها، وحدّقت في السماء من خلف الزجاج.
ظلال سوداء بعيدة كانت تتلاشى هناك… كأن نيزكًا من الظلام انفجر في السماء قبل دقائق. لم تعرف السبب، ولم تشعر بالخطر، بل بشيء آخر…
(إضافة شعورية قصيرة)
نبض قلبها تغيّر. وكأن شيئًا ما داخلها قد استيقظ.
دفء.
كأن روحًا مألوفة مرّت بجوارها. كأن شيئًا في قلبها… تنبّه للحظة، ثم سكن.
"كورغامي..." همست دون وعي.
مستحيل، لقد مات...
لكنها لم تكن تعلم... أن أخاها، الذي حسبته ميتًا، وقف هناك على أطراف العالم، وهو يراقب السماء ذاتها، مفكرًا بها...
(إضافة تعبير بصري)
وقف على حافة قمة سوداء، يعلوها الضباب، وعيناه تلمعان بوميض داخلي غريب... لم يكن تمامًا كما كان.
بعد بضع دقائق...
كانت أميشيا ما تزال مستلقية على السرير الطبي... لكن شعرت بشيء قوي جدًا، قادم نحو مقر الاتحاد...
نهضت أميشيا من على السرير بسرعة. يدها ترتجف وهي تزيح الضمادات عن كتفها المصاب، والسحر الشافي يتلاشى تدريجيًا مع كل حركة.
"توقفي! ستؤذين نفسك!" صرخ الطبيب بفزع وهو يخطو نحوها.
لكن نظراتها لم تكن هنا... لم تكن معه.
كانت متسمّرة على النافذة، على السماء التي بدأت تتحول تدريجيًا إلى لون داكن… كأن غروبًا غريبًا بدأ قبل أوانه، بلا شمس.
نبض في صدرها ازداد، وجسدها اهتز رغم السكون.
"أشعر به... إنها تشبه طاقة أخي عندما كان يتدرّب قبل عام في ذلك الجبل..." همست، وقد تسارعت أنفاسها.
كانت المرة الوحيدة التي رأته فيها غاضبًا... يومها، الجبل ارتجف.
تقدّمت نحو البلورة الزرقاء، وبمجرد أن لمستها، تغير لونها للحظة… ثم انفجرت بشرارات داكنة!
"هذا مستحيل!" صاح الطبيب، وهو يتراجع خطوة.
أميشيا لم تتراجع.
"إنه قادم..." قالت، وقد غمرت وجهها دموع لا تدري من أين خرجت.
في الخارج كانت صفارات الإنذار تدوي، تتردد أصداؤها بين جدران المقر العتيق لاتحاد الأبطال، تصاحبها أضواء الطوارئ الحمراء التي تومض بلا رحمة، كأنها تحذر من كابوس قادم لا مفر منه.
أميشيا لم تبرح مكانها عند النافذة، عيناها تراقبان السماء التي تعج بظلال متحركة، كأنها أمواج سوداء من طاقة خفية تلتهم الأفق.
في تلك اللحظة، انفتح باب الغرفة بعنف، ودخل الرقيب جيف بخطوات سريعة، وجهه مشحون بتعبير لا يعرف الخوف، لكن ملامحه كانت أكثر قتامة من أي وقت مضى.
اقترب منها، قال بصوتٍ منخفض لكنه صارم:
"الأمر أكبر مما تخيلنا. الظلال لم تعد تقتصر على الأفق، إنها تدخل المقر. تحركات غير طبيعية في كل القطاعات."
نظرت أميشيا إليه، شيء ما في عينيه جعلها ترتجف رغم التعب الذي يعشش في عظامها.
"كوراغامي..." همست، "هل هو حقًا هنا؟"
جيف لم يرد. التفت نحو الباب كأنه ينتظر أمرًا ما، ثم أشار لها بحذر:
"عليك أن تستعدي. لا يمكننا السماح لهم بالاقتراب أكثر."
أميشيا شعرت بوخز غريب في قلبها، كأن روحها تجاهد لتستنشق هواءً جديدًا، بينما سحر الشفاء يذوب في عروقها تدريجيًا.
نهضت متكئة على السرير، تتحدى الألم، وصوت صفارات الإنذار يتردد داخل رأسها.
في الرواق الخارجي، تجمع الحراس وأبطال الرتبة S، على أهبة الاستعداد، يستعدون لمعركة قد تكون الفاصلة بين البقاء والانهيار.
أميشيا لم تكن وحدها في هذا النضال.
داخل قلبها كان هناك صوت هامس، لا يموت، يدفعها للأمام.
"لن أسمح لهم بأن يأخذوا كل شيء."
كانت تدرك أن المعركة القادمة ليست فقط من أجل الاتحاد، بل من أجل كوراغامي، من أجل وعد لم يُنكسر، من أجل أمل ينبعث من بين الرماد.
حين خرجت من غرفتها، وقف جيف إلى جانبها، لم يتحدث، لكنه كان الحامي الصامت الذي لا يهدأ.
نظرت أميشيا أليه مره اخرى..ولكن هذه المره كانت عيونها لا تفارق ذلك الشخص المقنع. صمتها كان يصرخ من الداخل، صراع متلاطم بين الأمل واليأس.
همست في نفسها بصوت كاد أن يختنق بين خفقان قلبها:
"هل هو حقًا أخي؟ أم ظل محاط بالظلام؟"
تذكرت ضحكاته القديمة، تلك اللحظات النادرة التي شعر فيها بالأمان بجانبها، وكانت تطمئن نفسها:
"كوراغامي... أنت ذلك الصخر الذي لم ينكسر، لماذا تبدو هكذا؟"
لكن عينيه المخبّأتين خلف القناع لم تحمل أي دفء، لا بريق الحياة التي عرفتها يوماً.
"هل تحوّلت إلى شيء لا أستطيع فهمه؟ هل خذلتني؟"
دارت في ذهنها آلاف الأسئلة، لكنها لم تجد سوى ألمٍ ثقيل يسكن روحها.
ثم تذكرت وعدها لنفسها، أن لا تستسلم أبداً، أن تحارب لأجله ولأجل ما كانا يحلمان به.
"حتى لو كنت مختلفًا، سأبحث عنك... سأعيدك لنفسك، مهما كلفني الأمر."
كانت كلماتها بمثابة لهيب داخلي يشعل عزيمتها، رغم الخوف والشكوك التي تلتهم قلبها.
ظلّ كوراغامي معلقًا في السماء، كالظلّ الذي لا ينتمي لضوء ولا ظلام.
أمام أنظار الجميع، أنزل الأربعة المكبّلين بالسلاسل، أجسادهم هامدة، وطاقاتهم مقيّدة بختم أسود معقّد، يلفّ معاصمهم كأفعى نائمة.
هم من اعتقدهم اتحاد الأبطال ..الزعماء الاربعة. ظنّوا أنهم أمسَكوا بالكنز.
لكنهم لم يعرفوا… أن ما جُلب إليهم ما هو إلا صورة زائفة، صُنعت خصيصًا ليبدو المشهد كاملاً.
هبط كوراغامي ببطء، خطواته على الأرض تُحدث صدًى في نفوس الحاضرين، لا في التربة.
اقترب من ممثّل الاتحاد الذي تراجع نصف خطوة دون أن يشعر، وقال بصوت رخيم خالٍ من الاضطراب:
"أربعة من أخطر مجرمي العالم . كما طُلب ."
حدّق المسؤول فيه بذهول، ثم في الأجساد، ثم قال مرتجفًا:
"مستحيل… لقد كنّا نلاحقهم منذ سبع سنوات."
أومأ كوراغامي دون أن يرد، ثم أخرج من عباءته وثيقة مختومة:
"مكافأة تسليمهم، كما ذُكر… مئة مليار حجر كرستالي لكلّ رأس."
لم يتكلم بكلمة زائدة. كل شيء فيه كان يقول: لا تسألني من أنا، خذ ما جلبته وانصرف.
في الخلف، وقفت أميشيا… تنظر إليه من بعيد، تتمنى لو تتجاهل التشابه، لكن قلبها كان يصرخ بشيء آخر.
تقدّمت نحوه خطوة.
"انتظر..." همست.
سمعها.
تجمّد للحظة.
قلبه تردد، ليس خوفًا… بل حنينًا حاول خنقه.
"أخي..." قالت بصوتٍ مكسور، لكن مفعم برجاء غريب.
التفت إليها، ببطء.
نظراته اخترقتها كالسهم، لكنها لم تجد نفسها في عينيه… وجدت قناعًا من الظلال
لحظة صمت سقطت على الأرض كأنها دهر، ثم قال بصوت ناعم كالموت:
"أخطأتِ… أخوكِ مات."
ترددت أنفاسها، كأن الأرض فقدت معناها، ثم… سقطت كلماتها بصوت مهزوز:
"لكن… … طاقتك… لا يمكن أن تخطئ."
لم يقترب. لم يبتعد. فقط وقف هناك، جسدًا من ظلام مكبوتة.
ثم بصوت أكثر حدة، مغطّى بالجليد:
"أنا لست اخاك ايتها الفتاة،قد يكون اخوكي قد مات.."
ثم أكمل نحو زعيم الاتحاد الحالي ، لكي يسلّم النسخ المزيفه ببطء بصمت، والهواء من حوله ينبض بطاقة مشوّهة… غريبة.
كوراغامي لم يكذب… أخوها قد مات.
لكنه… لم يقل الحقيقة أيضًا.
فمن بقي… لم يكن شخصًا يمكن لأحد أن يحبّه.