عندما أنهى العجوز كلماته، خيّم صمت ثقيل على القاعة، تبعه تنفّس جماعي خافت من الأبطال الذين بدأوا يعودون تدريجيًا إلى أماكنهم حول الطاولة، وكأن لحظة الانفجار قد انقضت، لكن أثرها لا يزال عالقًا في الهواء.
أما كورغامي، فظل واقفًا في منتصف القاعة، بثباتٍ لا يتحرك، كتمثالٍ من الظلام يُراقب المكان بعينين لا ترمش.
تقدّم أربعة من الخدم، يرتدون زيّاً موحّدًا، وهم يحملون حقائب ضخمة من النوع الذي يعتمد على الفضاء السحري الداخلي، مغطاة بنقوش تعاويذ للحماية والتثبيت. كانت الحقائب تُصدر وهجًا خافتًا، يدل على امتلائها بشيء ثمين… الأحجار الكريستالية.
لم يتحرك كورغامي، بل ألقى نظرة باردة نحوهم، ثم نطق بصوته الخافت كهمسٍ من عمق هاوية:
"افتحوها... كي أتأكد."
ارتجف أحد الخدم، وتراجع خطوة دون وعي، أما الآخرون فتبادلوا النظرات، ثم نظروا جميعًا نحو رئيس الاتحاد، كأنّ الأمر أصبح خارج قدرتهم.
ولم يطل الانتظار... إذ أمال زعيم الاتحاد رأسه بهدوء، كمن يعطي الإذن دون الحاجة إلى كلمات.
تنهّد أحد الخدم بانقباض، ثم بدأوا بفتح الحقائب واحدة تلو الأخرى، وكشفوا عن محتواها.
تدفق الضوء الكريستالي من داخلها، أبيض، أزرق، أرجواني… كانت الأحجار من أعلى درجات النقاء، مكدسة بشكل دقيق.
لحظات صمت... وكورغامي ينظر إليها دون أن ينبس بكلمة، حتى همس أحد الأبطال:
"هل يرضيك هذا؟"
لكن كورغامي لم يجب… فقط ارتفعت أنفاسه، خفيفة… كأنّه يقيس وزن هذه الأحجار بثقل شيء أعمق بكثير من الثروة.
رفع كورغامي يده بهدوء، فانفتحت دوامة من الظلام وابتلعت الحقائب الأربع كما لو كانت مجرد رماد، ثم قال بصوت منخفض يحمل نبرة إنذار ثقيلة:
"أيها الأبطال… إن أزعجتموني مرة أخرى، سأمحوا أسماءكم من التاريخ."
ثم استدار بخطوات بطيئة، يغلفه الظلام كعباءة حيّة تتحرك مع أنفاسه، واتجه نحو المخرج الكبير المطل على آلاف الأمتار من العلوّ... بوابة الاتحاد العليا التي لا يدخل منها إلا الكبار الابطال، ويخرج منها من لا يمكن إيقافه،لكن هذه المره من دخل اليها قد ظغى على الاتحاد ولم يستطيعو حتى منعه .."
وعندما اقترب من الحافة استعدادًا للطيران… توقّف.
را شيء من بعيد ..."
كانت فتاة في الخامسة عشرة من عمرها تقف على جانب الممر، شعرها الأسود الطويل يتمايل مع الريح العاتية التي تلامس هذا الارتفاع الشاهق، عيناها خضراء كالغابات النقية، ويديها تظهر عليهما آثار ضمادات حديثة. زيها... زي المرضى من المستشفى المركزي التابع للاتحاد.
شعر بشيء يضرب قلبه لحظة، إحساس من زمن بعيد... إحساس لم يشعر به منذ عام..."
أراد أن يتحرك… أن يمشي نحوها…"
لكن تلك الكلمات التي قالها لها وهو داخلٌ إلى مقر الاتحاد قبل بضع دقائق أوقفته.
لقد أنهى كل شيء حينها…
"لقد اخطأتي … اخوكي مات."
قالها عندما وقفت مع الأبطال ، وسألته "
"أنت… أخي… أليس كذلك؟"
لكنه رفض… رفض أن يفتح بابًا يعلم أنه لن يُغلق مجددًا.
نظر اليها بحنية كانه فقدها او خسرها في حرب ما .."
لم يقل شيئًا… كان يشعر بألفة داخله، شيء دافئ… لكنه رفض الاعتراف.
الآن ليس الوقت… يكفي أن تكون سعيدة… حتى لو لم أستطع الابتسام مجددًا، فلتكن هي بخير.
لكن نظراته تغيّرت فجأة.
اشتعلت عيناه البنفسجيتان، عندما رأى شابًا يقف خلفها.
عمره يقارب التاسعة عشرة.
شعره أشقر، وعيونه زرقاء، ويرتدي بدلة الأبطال الرسمية وعليها نجمتان.
"رقيب… بهذا العمر؟ عبقري…" قالها داخله.
كان جيف.
كورغامي يعلم من هو… يعلم أنه لم يكن سوى مراقب كُلّف من الاتحاد بمتابعة عائلته، في حال حدثت فوضى.
الشيء غير المنطقي هو أن الاتحاد كان يعلم بخروجه من زنزانة الجحيم الأبدي، ومع ذلك… لم يتحرك ضد عائلته.
لكنه رغم ذلك… لا يزال يشعر بالخطر يقترب.
كان مستعدًا لقتال العالم أجمع من أجلهم، إن لزم الأمر.
أما أميشيا…
فقد التفتت نحوه فجأه، ودموعها تنهمر بهدوء.
كانت تشتاق لأخيها جدًا…
منذ طرده من الأكاديمية C، وهي تتدرّب بلا توقف، فقط لتنضم إلى صفوف الأبطال.
وها هي قد فعلت.
لكن حين عاد… لم يعد كما كان.
قال لها:
"أخوكي قد مات."
حين دخل ذلك الشخص ذو العباءة، ومعه الزعماء الأربعة الذين دمّروا المدينة S…
طلب رئيس الاتحاد منها أن تخرج مع جيف.
لم تعارض.
رغم أنها شعرت بانفجارات قوية في الداخل، وهالات قاتلة تهتز في الأرجاء، وقفت عند الحافة بصمت، الرياح تلفّ شعرها.
جيف ظل هادئًا… كعادته.
يعلم من هو ذلك الشخص، لكنه لم يتحدث.
وكأنه لا يهتم.
وعندما التفتت نحوه، رأت ذلك الرجل الذي ،اخبرها ان اخوها مات.." ينظر إليها بنظرة مليئة بالحنين…
وكأنه فقدها…
أو فقد أشياء كثيرة قبلها…لكن تلك النظرة لم تدم. ،لأنه سرعان ما طار…،مغادرًا المكان، تاركًا خلفه أخته الصغرى…
التي كانت توقظه كل صباح،وتداعبه.."
عجز عن التعبير… عن مشاعره او قد تخلى عنها لم نعد نعرف ماذا يجول في راسه!"
لكنه فهم أخيرًا… كلمات راجنار بإن من يختار الظلام
عليه ان يفقد اعز الناس إليه… ومقدّر له أن يتألّم
في اليوم التالي ..في منتصف الليل
.........
في منطقة جبل جارب..
وقفت أربع شخصيات مهيبة ينضج منها هالات قوية..
كانوا يراقبون العالم الآن، وهم ليسوا حذرين من اكتشاف أحد لهم، فقد تم تسليم ظلال تشبههم إلى الاتحاد، مما جعلهم يشعرون بأنهم لم يعودوا بحاجة للاختباء في قلعة طائرة أو ما شابه..
تقدَّم الزعيم الأول بثبات إلى الأمام ثم التفت..
كان يُطلق عليه سيلفر..
كان شخصاً طوله متران على الأقل.. وجهه كان شاحباً مع ندبة تمتد من جبهته إلى قرب عينه اليسرى التي بلون الرمادي..
كان يرتدي وشاحاً أسود طويلاً ممزقاً قليلاً..
وكان يضع خمسة خواتم، وكل خاتم يحمل أحد حروف اسمه..
وقال بصوت مهيب وهو يرفع ضغطه حوله:
"هل تظنون أنه سيفي بوعده حقاً؟ أم أنه فقط يريد أن يعطينا أملاً زائفاً؟"
رد عليه زعيم آخر..
يُطلق عليه مارتن..
كان شخصاً بطول سيلفر تقريباً، ولكن كان لديه شعر أبيض مع خطوط حمراء مبعثرة على شعره.. وجهه لم يكن شاحباً، بل كان طبيعياً..
كانت عيناه تلمعان باللون الفضي وسط الظلام المحيط بينهم. كان أيضاً يرتدي نفس الرداء، لكنه كان يحمل خطوطاً فضية في الأسفل..
ويضع قبعة طويلة دائرية فوق رأسه.. ولم يكن يضع أي خواتم، كان يرتدي حذاءً أسود.. قد تظنه عادياً، لكن إذا ركزت قليلاً..
ستلاحظ أشياء مثل المروحة موجودة في خلف الحذاء، وأيضاً في أسفله توجد مسامير حادة.. كأنه شيء للاغتيال.
تقدَّم واقترب من سيلفر وقال بصوت غليظ:
"ما نفع أن نشكك به الآن وقد أقسمنا الولاء له؟ الندم لن يغير شيئاً الآن.."
رد سيلفر وقال:
"همم، لديك وجهة نظر.. ولكن، إذا كان القائد ليس جديراً بقيادتنا، فلماذا؟ نبقى تحت جناحه.."
ولكن في لحظة، ظهرت بوابة سوداء ذات خطوط بنفسجية في الهواء، وخرج منها شخص..
كان شعره أسود طويل، وعيناه بنفسجيتان، مع حلقات سوداء..
كانت عباءته السوداء تتمايل مع الرياح بعنف..
نظر ذلك الشخص نحوهم وأطلق ضغطاً هائلاً من الظلام عليهم..
قال سيلفر وهو يحاول أن يقاوم الضغط:
"ما هذا؟! إنه أقوى من قبل بكثير! هل تضاعفت قوته؟! مستحيل! كيف لشخص أن يصبح أقوى بهذا الشكل في فترة وجيزة فقط؟!"
"هل ترى هذا، أيها الأحمق؟ لقد أخبرتك ألا تشكك به.." رد مارتن وهو يحاول النهوض بصعوبة..
تحدث ذلك الشخص وقال بصوت خالٍ من المشاعر:
"راجنار، انهض الآن.."
سُمع صوت من العدم، مشبع بالولاء:
"أمرك، أيها الملك.."
فجأة هدأ كل شيء في الأفق، وبدأت الظلال تتجمع من كل مكان حولهم.. كانت أنظار الزعماء الأربعة منبهرة مما يحدث، لم يستطيعوا استيعاب ما يجري..
وعند اكتمال تجمع تلك الظلال، خرج شيء منها..
شيء ليس لديه ملامح، فقط عيون بنفسجية وحولها ظلام دامس، ويحمل خلفه سيفاً ينبض بالظلام..
أطلق من جسده ضغطاً قوياً جداً، جعل كل شيء يتأثر به..
"ثم ركع على إحدى ركبتيه.."
نظر الزعماء الأربعة بذهول، وهم مصدومون مما رأوه...
لم يكن ذلك الكائن سوى تجسيدٍ خالص للظلال، خُلق من أمرٍ واحد... الطاعة.
ضغطه كان قاتلاً، وجوده بحد ذاته تحدٍ لقوانين الطاقة، أما ركوعه، فكان إعلان ولاء لا لراية... بل لرجلٍ واحد فقط.
ساد صمت رهيب، قطعته خطوات كورغامي وهو يقترب بخطى ثابتة.
هالته اتسعت أكثر، كأنها تبتلع الهواء، والضوء، وحتى الشكوك.
توقفت خطواته عند مركز الدائرة، ثم رفع بصره ونظر إليهم نظرة واحدة فقط...
نظرة جعلت سيلفر يتراجع نصف خطوة لا إراديًا، أما مارتن فقبض على ردائه بقوة وكأن قلبه خفق بخوف لم يعهده.
قال كورغامي بصوت خالٍ من الانفعال، لكنه تسلل إليهم كالنار تحت الجلد:
"أتعلمون ما أكثر ما يثير سخطي؟"
سكت لحظة... ثم أكمل:
"أن يُطلب من الملوك أن يُثبتوا جدارتهم، وكأن المجرة نسيت من نحن."
اقترب منهم أكثر، والهواء من حوله كان ينهار، ووجهه بلا تعبير، لكن صوته كان نصلًا بارداً:
"أنا لم أعد من أجل ولائكم، بل لأذكركم انكم لم تقسمو لي الولاء وانتم تضعون امالاً علي ،بل لقد سحقتكم جميعاً في ذلك اليوم .."
"أنتم شككتم، لأن قلوبكم ما زالت مرتبطة بفكرة: أن القائد لا يخطئ. أما أنا... انا مجرد خطيئه تمر مثل مرور الظلال ."
ثم نظر إلى السماء، وكأن كلماته ستُحفر في طبقات الواقع، وقال:
"يمكنك ان تقولو اني املاً زائف لكن ... أنا آخر احتمال قبل الانهيار."
"أولئك الذين يرتجفون من ظلي... سينحنون لخطوتي."
"والذين يظنون أن الظلام ضعف... سينسون حتى كيف يفتحون أعينهم عندما أغلقها عليهم."
مد يده، والظلال خلفه بدأت تتخذ شكلاً أكثر وضوحًا… كأنها جيش كامل يستيقظ تحت رجله.
"أنا كورغامي…"
"وإذا كنتم ما زلتم بحاجة لدليلٍ بعد كل هذا، فأنتم لستم تابعين… بل عبء."