اولاً انا انعتذر لاني لم افي بوعدي بالثلاثية ولكن كان لدي ضرف طارئ.."

وبس ..🙂🙂🙂🫵

كان جندي الظلام راجنار واقفًا في صمت، سيفه الخانق يخشى حتى لمس ظلال نفسه. لم يجرؤ على الجلوس بجانب ملكه، بل فضّل أن يبقى في الخلف، يراقب بعينين لا ترمشان.

تحركت عيناه نحو الفتاة الصغيرة التي كانت توزع الطعام على الفقراء، رغم تدافعهم حولها كالذئاب الجائعة. لكنها لم تهتز، بل وزعت الحصص بيد حازمة، وكأنها تقسم العدل نفسه بين الجياع.

ثم نظر إلى سيده... كورغامي. ذلك الفتى الذي كانت عيناه البنفسجيتان تلمعان بحنين مؤلم، كأنهما تريدان البكاء، لكن الدموع لم تعد موجودة في عالمه..."

تنهد راجنار في سره: "أعرف أنه يريد الاقتراب منها... لكنه لا يستطيع."

لو سأل أحدهم: "ولماذا؟" لكان الجواب بسيطًا وقاسيًا: "لأن أي شخص يكن كورغامي له مشاعر ثم يبقى بجواره... سيموت."

كانت تلك هي اللعنة... الخطيئة التي لا تُغتفر. لقد أخبره راجنار بكل شيء في ذلك تلك الايام ، حين كان كورغامي محبوسًا في زنزانة الجحيم، حتى ان جسده الفاني ينهار تحت وطأة القوة التي لا يُمكن للبشر تحملها.

سيقول البعض لماذا لايتدخل؟، ويضع حداً لتصرفات كورغامي،او يتخلص من تلك الفتاة التي ،تعتبر نقطة ضعق قاتله لملكة.."

هو لايستطيع فعل شيء ، بدون اي اوامر من كورغامي ،إلا فحالة تعرضه للخطر فانه سيندفع ،ويقاتل من اجل سيدة .."

وايضاً راجنار نفسه يعلم جيدًا أنه لم يعد بشريًا. هو ليس سوى وعي ظل... بقايا إرادة قُيّدت في جسد سيف. لم يعد يفهم المشاعر البشرية، ولا يريد أن يفهمها. لا حاجة له بالعاطفة، فوظيفته الوحيدة الآن هي أن يحمي ملكه، حتى لو كان ذلك الملك قد فقد ذاته.

لذلك لم يتدخل في قرارات سيدة او ارتباطة بتلك البشرية.."

ثم حول نظره للاسفل حيث تلك الفتاة مازالت توزع الطعام ..و القفراء يحاولون ان يتجاوزوها .. لكنها تمنعهم مره اخرى بطاقته .."

كان يرى تلك الابتسامة على شفتيها الصغيرتان، بدات سعيدة جداً.."

لكن راجنار لم يشعر بشيء ،رغم انه يعلم مصيرها لكنه لن يفعل اي شيء،لايقاف ذلك المصير إلا اذا كان ، كورغامي يريد ذلك."

ثم وجه مره اخرى نظره الى سيده .."

عباءته كانت تتلوى كما لو أنها تحاول الهروب منه، لكنه بقي ساكنًا، نظره مثبت على الأرض، كأنه يحاول كبح شيء بداخله على وشك الانفجار.

كان كورغامي يفكر في نفسه: "جئت فقط لأراها... لأرى أختي، قبل أن أذهب إلى قارة الوحوش."

لكنها لم تكن تعلم أنه ما زال حيًا... لقد رآها، لكنه لم يقل لها كلمة واحدة.

ولم تكن في حاجة لتعرف ذلك ،لانه سيخرج من هذا العالم ..قبل ان تعرف انه مازال على قيد الحياة ..لماذا؟"

لان هذا هو مصير ملك الظلام...

ليس كمصير الأبطال الذين يحظون بحماية القدر، أولئك الذين تتساقط المعجزات بين أيديهم كما لو أن الكون ذاته يمهد لهم الطريق. لا، ملك الظلام لا يحتاج شفقة السماء... ولا حماية الخيوط الخفية.

لأنه لم يكن يومًا ضعيفًا ليترك مصيره يُكتب بيد غيره.

فحين تحرك القدر لحماية الأبطال...

كان يفعل ذلك خوفًا من شيء واحد:

من ملك الظلام.

عندما كان تجسيدًا خالصًا للقوة، لا يُقارن، لا يُكبح، خاض معارك ضد الملوك-الحكام، ضد الكيانات التي تُقال عنها: "لا تُهزم."

دمّر أكوانًا لا تُعد ولا تُحصى،

حتى أن مجرد نُطق اسمه في بعض العوالم كان يُدخل الرعب في القلوب،

رعبًا... ليس من الموت،

بل من ملاقاته.

وإلى يمينه،

راجنار.

ذاك الجندي الذي لم يتراجع، لم يتلكأ، لم يسأل "لماذا"،

قاتل بجانب ملكه في معارك وُصفت بأنها حروب جشية،

قتالات استمرت أعوامًا دون راحة،

حيث كان الزمن نفسه ينحني لهما لاختصار الألم.

فإن كان لاسم ملك الظلام معنى...

فإن راجنار هو تجسيد معنى الجندي الوفي.

الذي لا يخون.

لا يشك.

ولا يموت… إلا واقفًا.."

ثم فجأة، وقف كورغامي فوق السور العملاق، وقد انقسمت المدينة أمام عينيه إلى عالمين.

كان خلفه كل ما يرمز إلى الثراء: الأبنية الفاخرة، الشركات العملاقة، القصور المتلألئة، والمصانع التي لا تنام. أما أمامه... فقد تجسّد الخراب بعينه.

منازل مبنية من القش بالكاد تصمد أمام الرياح، وأخرى من الأسمنت المتآكل تكاد تنهار. الطرقات مملوءة بالقمامة المتراكمة، والروائح الكريهة تعبق في المكان، وأثر الجرذان واضح في كل زاوية، كأن هذه الأرض نُسيت من قِبل السماء.."

لم يستطع كورغامي إلا أن يشعر بالشفقة. لا على المكان فقط، بل على الذكريات التي دفنت فيه.

لأنه، ببساطة، عاش هنا ذات يوم.

وفي أحد أطراف هذه الأحياء البائسة، كان هناك منزل مختلف قليلًا، لا يزال في حالة جيدة. يبدو أنه كان مأوى لعائلة من الطبقة المتوسطة… ربما آخر بقعة أمل قبل أن يبتلعها الفقر.

لمعت عيناه فجأة، واندفعت الذكريات نحوه كما لو أن الزمن نفسه قرر التوقف. رأى نفسه في عمر الثامنة، يركض في نفس هذا الشارع، ضاحكًا… وأخته الصغيرة، أميشيا، تلهث خلفه محاولة اللحاق به.

لكنها لم تنتبه إلى الحجر في طريقها… فتعثرت وسقطت.

حاولت النهوض، لكنها شعرت بألم حاد في كاحلها. كانت صغيرة جدًا على أن تتحمل، فبدأت بالبكاء وهي تنادي أخاها مرارًا، دون أن يصل صوتها إليه.

كان كورغامي مستغرقًا في سباقه، يركض كأن الفوز أهم من كل شيء. وعندما التفت ليضحك عليها… لم يرَ شيئًا سوى الغبار المتصاعد خلفه.

ندى باسمها، لكن لم يأته أي رد. عاد مسرعًا، وعيناه تبحثان عنها بقلق.

وعندما وجدها… كانت مغشيًا عليها.

صرخ:

"أميشيا!"

وجثا بجانبها، يحاول إيقاظها بكل ما أوتي من خوف وحب.

هزّها بلطف، ثم بقوة، لكنها لم تستجب. كانت مستلقية بصمت، وكأنها غارقة في حلم بعيد لا يريد أن ينتهي.

"استيقظي، أرجوكِ!"

صرخ وهو يهزّها مجددًا، يحاول أن يعيدها… أن يعيد اللحظة إلى الوراء.

لكن فجأة…

تجمعت طاقة غريبة في الهواء، كأنها استُدعيت من بُعد آخر. دوّمت حول جسدها، ثم اندفعت داخله دفعة واحدة!

ارتفع جسدها عن الأرض، محمولًا بتلك الطاقة، وعيناه تتسعان من الصدمة.

مدّ كورغامي يده، حاول أن يمسك بها، أن يمنعها من الارتفاع… لكن كل شيء كان أقوى منه.

فشل.

وأمام عينيه، بدأت الكدمات والجرح في كاحلها يلتئمان كأن شيئًا لم يكن، كأن الألم نفسه تلاشى.

لكنها لم تفتح عينيها… وظلت فاقدة للوعي.

تجمّد كورغامي في مكانه، قلبه يتسارع، وأنفاسه تتقطع…

بينما عيناه البنفسجيتان تلمعان بذعر.

"أختي... ليست عادية."

ثم هبطت مره اخرى بهدوء كأن تلك الطاقه تحاول حمايتها.."

اقترب كورغامي بسرعة من اخته ..وراها تحرك شفتاها.. كانها تحاول قول شيء ..وضع اذن اليمنى على فمها الصغير.."

"أريد... الماء..."

خرجت الكلمات بصوت خافت، بالكاد مسموع، من بين شفتي أميشيا المرتجفتين.

جلس كورغامي القرفصاء ، وعيناه ممتلئتان بالخوف، ثم حملها على ظهرية ، واتجه بها نحو منزلهما.

كان منزلهما يتكوّن من طابقين، مبنيًا من الإسمنت المتآكل، والجدران الرمادية التي لا تزال تحتفظ ببعض صلابتها، رغم أن كل شيء في الداخل بدا وكأنه مرّ بأزمنة طويلة من التعب.

الأثاث كان قديمًا، متهالكًا، معظم القطع تم تجميعها من هنا وهناك… إعادة تدوير كانت فلسفتهم في النجاة.

شقوق صغيرة في الجدران سمحت لأشعة الشمس بالتسلل إلى الداخل، مرسلة خيوطًا دافئة على الأرضية الترابية.

أما والده ووالدته، فلم يكونا في المنزل. كانا في الخارج، يعملان جاهدين ليكسبا لقمة العيش في عالم لا يرحم.

كورغامي لم يُبالِ بشيء آخر. ركض مباشرة إلى غرفته في الطابق الثاني. فتح خزانته القديمة بعجلة، وأخرج منها قارورة ماء.

الماء النظيف في الأحياء الفقيرة… كان معجزة. لا آبار، لا أنابيب، لا مصادر قريبة.

لكن والديه تمكّنا، وبمعجزة، من إحضار قارورتين من الماء الصالح للشرب... هدية نادرة بمناسبة عيد ميلادهما، الذي كان بالأمس فقط.

كانت هذه القارورة حصته... أما حصة أميشيا فقد نفدت منذ الصباح.

تردد، نظر إلى القارورة كما ينظر الفقير إلى الكنز الوحيد الذي يملكه… ثم التفت نحو ظهره، حيث كانت أميشيا مستلقية، وعيونها المغلقة تكاد لا تقوى على الصراخ.

اختفى التردد تمامًا.

أنزلها برفق، ونظف الأرضية جيدًا، ثم أحضر قطعة قماش ووضعها بعناية، قبل أن يسند رأس أخته عليها.

كانت أميشيا في الرابعة من عمرها، جمالها الطفولي يلمع رغم تعب وجهها. رموش صغيرة تحيط بعينيها الخضراوين، وشعر قصير ينسدل على جبهتها. خدودها الحمراء، رغم شحوبها، لا تزال تحتفظ ببراءتها الساحرة.

"كليك..."

صدر صوت خافت من فتحة قارورة الماء.

فتح فمها الصغير بعناية، وبدأ يسكب الماء بهدوء… قطرة فقط، ثم أخرى… لا يريد أن يخنقها، فقط يريدها أن ترتوي.

نظرت إليه بعينين نصف مفتوحتين… همست:

"شكراً... كورو..."

ابتسم ابتسامة صغيرة، لكنه سرعان ما حبسها. لم يكن وقتًا للابتسام.

...... كان وقت الحياة .."

2025/06/07 · 6 مشاهدة · 1272 كلمة
نادي الروايات - 2025