كانت خطوات أميشيا الخفيفة تتردد فوق أرضية الغرفة الخشبية القديمة، وعيناها الخضراوان تتفحصان المكان وكأنها تبحث عن أثر من الماضي. قالت بصوت منخفض:
"قالت أمي... إن المفتاح كان يخبئه كورغامي أسفل القماش، فوق السرير."
تقدّمت نحو السرير وبدأت ترفع القماش، لكنها لم تجد شيئًا. راحت تبحث بتوتر واضح، تزيح القماش مرّة، وتتلمس الخشب البارد مرّة أخرى.
في تلك اللحظة، شعر كورغامي بشيء صغير في يده... التفت ببطء ونظر إليها.
المفتاح.
كان لا يزال في قبضته. لقد نسيه بعد أن أعاد الصور إلى الدرج. أصابته لحظة ارتباك نادرة... كيف يمكنه إرجاعه دون أن تراه؟
حاول أن يسحب يده بخفة، أن يعيده... لكنه تردد. إن رأت أي حركة، قد تشكّ.
اقتربت أميشيا من الدرج، وانشغلت بمحاولة فتحه. استغل كورغامي الفرصة.
بلمسة من ظلامه، رفع القماش فوق السرير دون صوت، وبحركة خاطفة، أعاد المفتاح إلى مكانه.
لكن...
مرآة الدرج المكسورة التقطت ومضة، انعكاسًا لظلّ قاتم واهتزازًا للطاقة... التفتت أميشيا فجأة!
توقف الزمن للحظة.
نظرت نحو الزاوية، نحو السرير، نحو المرآة... لكن لم يكن هناك أحد. لا شيء. فقط الغبار... والشقوق القديمة في الجدران.
ترددت، ثم هزّت رأسها، وكأنها تقنع نفسها بأنها تخيّلت الأمر.
بعد لحظات من بحثها، وقفت أميشيا في منتصف الغرفة، يداها خاليتان، وملامح الحيرة تزداد في وجهها.
"غريب... كانت أمي متأكدة أن المفتاح تحت القماش..." همست.
نظرت مجددًا نحو السرير، وكأن إحساسًا غامضًا جرّها نحوه. تقدّمت ببطء. هذه المرة، لم تكن تبحث كطفلة تنفّذ وصيّة أمّها... بل كمن يشك أن أحدًا سبقه.
جثت على ركبتيها بجانب السرير، ومدّت يدها بهدوء أكبر. عندما رفعت القماش هذه المرة...
المفتاح كان هناك.
عيناه الخضراوان اتسعتا.
"أنا متأكدة... بحثت هنا قبل قليل..."
سحبت يدها ببطء، والمفتاح في راحتها، لكن ملامحها تجمّدت.
ثم التفتت نحو المرآة المكسورة. شيءٌ فيها لم يعجبها.
هل كانت تلك بقايا طاقة؟ أم مجرد غبار عالق؟
نهضت بحذر، واستدارت نحو زوايا الغرفة. عيناها أصبحتا أكثر يقظة. الهدوء كان غريبًا... الصمت أعمق من الطبيعي.
"من هنا؟" قالت بصوتٍ خافتٍ، أقرب إلى الهمس، وكأنها لا تتوقع إجابة... لكنها مستعدة لها إن جاءت.
لم تسمع شيئًا.
تأملت المكان للحظة طويلة. ثم تمتمت، وكأنها تتحدث لنفسها:
"هذا البيت... يتنفس مجددًا."
تقدّمت نحو الدرج، لكن رأسها استمر بالالتفات بين حين وآخر نحو الزاوية التي لا ترى فيها شيئًا... لكنها تشعر بشيء.
بينما كانت أميشيا تفتح الدرج، ما زالت نظراتها تتسلل نحو الزاوية، تشعر أن شيئًا ما غير طبيعي... أنفاس الغرفة، رائحة الهواء، كل شيء يُشبه ماضٍ لم يُدفن.
وفي الركن الذي لا تراه، حيث اتحد كورغامي وراجنار مع الظلال، كان كورغامي يُراقبها.
عيناه البنفسجيتان انكمشتا قليلًا.
"أوه... هل بدأت تشك؟"
ثم ابتسم.
"هل أخيفها؟ حسناً... ههه..." تمتم بخفّة، وهمس بصوتٍ بالكاد سمعه راجنار:
"دعنا نرى كم بقي من شجاعتها."
لوّح بإصبعه بخفة، ومرّر طاقة ظلامية رقيقة عبر الهواء... جعل ستارة النافذة تتحرك ببطء، وكأن الريح دخلت فجأة.
أميشيا تجمّدت.
"لا توجد رياح اليوم..."
نظرت فورًا نحو النافذة، ، ثم استدارت للخلف دفعة واحدة.
لا شيء.
لكن قلبها خفق بقوة.
همست، "أنا أعرف هذا الشعور... هذا النوع من الضغط... شعرت به من قبل..."
أما كورغامي، فقد بدأ يضحك بهدوء وهو يغطي فمه بكم عباءته:
"لا تزال مرهفة كما كانت دائماً..."
بينما كانت أميشيا ما تزال متيبّسة تنظر نحو النافذة، قال كورغامي دون أن يخفض صوته كثيرًا:
"راجنار..."
همس الآخر دون أن يلتفت:
"أجل؟"
"فكّر بشيء بسيط... فقط شيء صغير قد يُخيفها."
صمت راجنار لثانية، ثم قال بلا انفعال:
"صرصور."
كورغامي انكمشت عينه اليسرى، وابتسم كأن طفلاً داخله استفاق فجأة، ثم تمتم:
"جميل... نادر، وفعّال."
بأطراف أصابعه، نسج خيوط ظل صغيرة، متجمّعة ومترابطة، حتى تشكّل منها كائن بحجم الكفّ.
صرصور مظلم، أطرافه لماعة كأنها من بقايا حلمٍ قديم، يلمع بهدوء، ويتحرّك بثقة، وكأنه يعرف طريقه.
"اذهب..."
همس كورغامي، وأطلقه بخفة.
الصرصور حلّق بخفة فوق الأرض الخشبية، ثم ارتفع قليلًا… إلى السرير… ثم…
هبط بخفة على ظهر فستان أميشيا.
كانت منحنية أمام الدرج، تركّز على فتح قفل الدرج ، تحاول أن تفتحه بمفتاحه لكنه عالق .
لم تشعر بشيء.
لكن الصرصور… بدأ مهمّته.
زحف ببطء، حافي الخطى، فوق القماش الأبيض ذي الخطوط الخضراء.
تسلّق طيّة، ثم انزلق عبر حافة الرداء، وكأن فستانها بات حقلاً يعبره.
ثم... صعد بثقة نحو كتفها.
كورغامي كان يراقب كطفل يخبّئ ضحكة، وعيناه تضيئان بوميضٍ بنفسجيّ.
راجنار قال بصوتٍ بارد:
"إنه في الشعر."
كورغامي عضّ شفتيه وهو يكتم انفجاره، بينما الصرصور تسلّل إلى خصلات شعرها السوداء، وتمسّك بها كأنها شجرة ظلٍّ في منتصف عاصفة.
وفجأة...
توقفت يد أميشيا عن الحركة.
تجمّدت.
ثم ببطء... رفعت يدها اليمنى إلى شعرها، لمست شيئًا غريبًا... لزجًا... يتحرّك.
عيناها اتسعتا فورًا، وفي لحظة واحدة:
"آآآآآآآآآآه!!"
قفزت، وأسقطت المفتاح، وتراجعت بضربة سريعة. راحت تضرب رأسها، تعبث بشعرها، تدور في الغرفة كعاصفة صغيرة.
الصرصور تبعثر كظلٍّ يتلاشى.
كورغامي انفجر ضاحكًا، اتكأ على الجدار حتى لا يسقط من الضحك، وراح يكتم فمه بيده:
"آه... وجهها! كان له تعبير مضحك
.."
راجنار فقط أومأ، وقال بصوت رتيب:
"لو عرف احد ان بطله مصنفه من الفئة S تخاف من الصراصير لا اعرف ماذا سيحدث.."
أميشيا كانت ما تزال تتفحّص شعرها، تتحسس جسدها بارتباك، تنظر إلى الأرض، ثم نحو السقف… وعيناها تمتلئان بشكٍ خالص.
لكن فجأة... توقفت.
نظرت نحو الدرج.
المفتاح.
سقط منه لمعان صغير أثناء ارتباكها.
اقتربت.
رفعته ببطء.
نظرت إليه طويلاً… ثم نحو المرآة.
صمتٌ مطبق.
"لا أحد يضع شيئًا هنا… ثم يختفي…" قالتها بهمس، لكن بصوت يحمل يقظةً جديدة.
ثم التفتت نحو الزاوية… تلك الزاوية التي بدت أغمق من المعتاد.
عندها فقط… ابتسم كورغامي ابتسامة طويلة، وقال بخفة:
"أوه، أميشيا… لم يتغير شيء مازلتي ساذجة.."
همس كورغامي وهو ينظر إلى أخته التي ما تزال تحاول فتح الدرج، صوته هادئ لكنه مشبع بشيءٍ من الحسم:
"انتهى وقت اللعب... حان وقت المغادرة."
ثم التفت إلى راجنار، وعيناه تلمعان بذلك البريق البنفسجي الغامض:
"وجهتنا... قارة الوحوش."
وقبل أن تختفي ملامحه في الظلال، ألقى نظرة أخيرة نحو أميشيا، تلك النظرة التي لا تحمل حقدًا ولا حنينًا... فقط صمتًا يليق بوداع لا رجعة فيه.
"وداعًا... أميشيا. لن نلتقي مرة أخرى."
وتلاشى مع راجنار بين طيات الظلال، كأنهما لم يكونا هناك قط.
لكن الكلمات... تلك الهمسات الأخيرة... بقيت في الهواء، عالقة بين الجدران القديمة.
رفعت أميشيا رأسها فجأة، واتسعت عيناها الخضراوان.
"هاه؟"
نظرت حولها بقلق، نحو الزاوية، نحو السقف، ثم همست:
"هل... هل أنا أتوهم؟"
لكن شيئًا في قلبها لم يصدق ذلك.