بدأت الشمس تغرب، تسكب خيوطها الذهبية الأخيرة فوق أطراف الغرفة المتشققة، وكأنها تودّع يومًا طويلًا من الصمت والترقّب.

لقد قضى كورغامي وراجنار كامل هذا اليوم إمّا في مراقبة أميشيا، أو داخل ذلك المنزل القديم، حيث الذكريات تتمسك بالجدران كالأرواح الباهتة

وفجأة، فُتحت بوابة مظلمة في وسطها كان. يوجد نبض بنفسجي .. وخرج منها شيئان.

رجل... أو ربما رجل واحد وظله. ظلّ بدا كفارس يقف خلفه.

كان الرجل شابًا ذا شعرٍ أسود طويل، تتوهج عيناه باللون البنفسجي، وداخلها حلقات سوداء .."

يرتدي عباءة سوداء مخططة بخطوط بنفسجية،في اسفلها، كانت تتلاطم بعنف مع الرياح وهو يحلق في السماء، كان على وشك أن يفقد السيطرة ويسقط... لكنه تماسك في اللحظة الأخيرة.

هذا المشهد كان دليلاً قاطعاً: لم يتقن بعد السيطرة على قوته.

وخلفه... كان هناك كائن من الظلام، طوله يقارب المتر والنصف، يحمل سيفًا مظلمًا على ظهره يشع بطاقة سوداء كثيفة.

عيناه سوداوان، تتخللهما نقوش مظلمة كأنها تعاويذ خفية... بدا كمن ينتظر أمراً من سيده.

كان كورغامي، وخلفه راجنار، يطيران في الهواء.."

لا مهمة.

لا انتقام.

فقط... أراد أن يستمتع قليلاً.

وقف وخلفه ، والريح تعبث بأطراف عباءته. نظراته كانت هادئة على غير العادة... شبه مطمئنة.

ربما، لأنه رأى أخته اليوم. او لانه قام بالمزاح معها.."

وربما، لأن ما فعله الزعماء الأربعة بالأمس... أراحه بشيء من السخرية.

في الأمس فقط، قام الزعماء الأربعة، أولئك الذين اختاروه سيداً عليهم قبل عدت ايام ،وقررو التمرد معه على التوازن، بهجومٍ شامل استهدف الداعمين الرئيسيين للأبطال النبلاء، والممولين، والطبقة العليا من النظام.

النتائج كانت مدوية.

خسائر جسيمة. موجة من الفوضى. سُحقت معاقل بأكملها، وتخلخلت البنية التي يستند إليها الأبطال.

لم يُشارك كورغامي شخصيًا.

لكنه كان يستمتع ..كما ولو انه في قلب الحدث .."

توقف عن الابتسام ونظر هو وراجنار الى امامهما.."

وظهرت علامات الدهشة على وجه كورغامي ...لكن سرعان ما اخفاها..."

ارتفع حاجز من الطاقة، يمتد على طول سور عملاق يبلغ ارتفاعه ثلاثة آلاف متر — أكبر بثلاثة أضعاف من الجدار الفاصل بين الأحياء الفقيرة والنبلاء.

امام هذا الحاجز، كان هناك عدد كبير من الحراس من الرتبة SS، يقفون كحائط صد أمام ما هو قادم.

وفجأة، انطلق صوت قوي، هزّ المكان بأكمله.

جاء من خلف الحاجز، من الجهة الأخرى.

بدأ الحاجز يطلق شرارات طاقة هائلة، حين ظهر مخلوق بشع الشكل، لكنه كان يملك هالة مرعبة لا يمكن إنكارها.

رغم أن الحاجز كان يطلق قوة مدمرة نحوه، إلا أن الكائن لم يتأثر على الإطلاق.

في مكان بعيد، داخل غرفة المراقبة الغربية للحاجز الذي يفصل قارة الوحوش عن عالم البشر، وقف قائد الوحدة المسؤولة، رجل ذو درع ذهبي مشع،لكن صراخه المفاجئ أفقده كل وقاره:

"ما الذي يجري هنا؟!"

كان كورغامي واقفًا في السماء، وراجنار خلفه، لا يزالان بعيدين عن الأرض.

حينها، خطرت لكورغامي فكرة عبقرية..."

كانت خطة الحراس هي ،ان يفتحو ذقب في الحاجز ..لكي يسحبو الوحش اليهم ويقتلونه .."

لكنهم لم يعلموا أن خطأهم هذا سيكون بداية كارثة.

فما إن فُتح الحاجز قليلاً حتى زأر الوحش، وتقدّم بخطوات ثقيلة، تعجّ الأرض تحتها… كان جسده مكسوًا بدرع طبيعي من العظام السوداء، ونفسه يشتعل كأنفاس بركان.

هالته كانت كافية لجعل الهواء يثقل، وركب الأضعف تهتزّ.

كان من المرتبة SS+… أعلى بقليل من الحراس الذين وُكلت لهم مهمة حماية هذا الحاجز.

ورغم ذلك، لم يتحرّك كورغامي ولا راجنار. ظلّا في السماء، يراقبان المشهد بصمت قاتل.

الفوضى جعلت الجميع يغفل عن وجودهما.

وفجأة، وقبل أن يستوعب أحد خطورة ما يحدث… تقدم الوحش مباشرة نحو أحد الحراس… ومدّ قبضته المعوجة كالمطرقة.

بووووووم!!

واحدة فقط، كانت كافية لإرسال الحارس طائرًا في الهواء، يرتطم بأحد الجبال القريبة.

صوت الانفجار دوّى في السماء… سُحقت الصخور، وتناثر الغبار.

كورغامي، بابتسامة باردة ونبرة مهيبة:

"هذا ممتع… أن ترى أحد الأبطال يُسحق… في أخطر مكان على وجه كوكب فاريون."

كانت عيناه تلمعان بإثارة، بينما راجنار ظلّ صامتًا، يتأمل الوحش بتلك العيون المنقوشة التي لا يظهر فيها أي انفعال.

بدأ الحارس المصاب يتحرّك من بين الحطام… ينهض بصعوبة، والدم ينزف من كل أنحاء جسده، وملابسه ممزقة، بالكاد يقف.

لكن قبل أن يلتقط أنفاسه…

كانت الضربة الثانية في طريقها لتهشيم الحارس المصاب تمامًا، لكنها توقفت في اللحظة الأخيرة.

يدٌ بشرية أمسكت بمخلب الوحش، ومنعته من الحركة تمامًا!

الوحش حاول أن يدفع بيده، لكن اليد لم تتحرك قيد أنملة.

العاصفة التي كانت تضرب المكان سكنت فجأة، والهواء تجمّد من الهيبة.

"أوه…"

قال الصوت بثقة هادئة لكنها تحمل شيئًا خطيرًا…

"هو الوحش إذاً."

رفع الجميع أنظارهم نحو الشخص الذي تدخل.."

رجلٌ يقف أمام الوحش، يده تمسك بضربته كما لو كانت مجرد لعبة.

كان طويل القامة، مغطى بدرع ثقيل تتخلله نقوش مضيئة، تتوهج بطاقة تشبه الشمس. وشاحه الأرجواني يرفرف خلفه، وعيناه بلون الذهب النقي تنظران بجمود.

الحارس المصاب الذي كان على وشك الموت فتح عينيه بصعوبة، وقال بلهفة:

"سيدي… القائد…!"

أزاح القائد يده إلى الخلف، ثم…

بوووم!!

لكمة واحدة منه أرسلت الوحش يتدحرج عشرات الأمتار للخلف، مُخترقًا عدة صخور، ومحدثًا أخدودًا هائلًا في الأرض.

ارتجّت المنطقة كاملة… حتى السماء تغير لونها للحظة.

تقدّم القائد خطوة واحدة فقط… لكنها كانت كافية لجعل الجميع يتراجع.

صاح أحد الحراس بذهول:

"لقد… أوقف الوحش بضربة واحدة…! حتى الحاجز لم يوقفه هكذا!"

في السماء، ظل كورغامي يراقب بهدوء… قبل أن ينطق بابتسامة باردة:

"هاه… ذلك الرجل… ربما يستحق نظرة."

....

صوت خطوات الوحش تصاعد من داخل الدخان المتناثر.

رغم الضربة القوية، وقف مجددًا. جسده العظمي بدأ يتصدّع، لكنه لم يتراجع… بل زأر، والسماء ارتجّت.

"غراااااااه!!"

هالة حمراء انفجرت من جسده، تصاعدت كدوامة شيطانية نحو الأعلى، وبدأت عيونه تلتهب بنقوش أكثر…

لقد دخل طورًا آخر من قوته.

أشار القائد بيده بهدوء… فتوهّجت السماء خلفه، وتشكلت دوائر من الضوء، واختفت قدمه عن الأرض.

ثم —

بوووووووم!!

في لحظة، تصادما!

الوحش أطلق مخالبه بكل قوة نحو جسد القائد، بينما هذا الأخير استعمل قبضته المدرّعة ليصدّها.

موجات الصدمة الناتجة عن التصادم جعلت الأرض تحت أقدامهم تتشقق، وطارت الصخور إلى الهواء.

"ماهذه القوة!" صرخ أحد الحراس وهم يحاولون الاحتماء.

انتقلا إلى نقطة أخرى، أعلى الجبل ،تصادم!ثم إلى سفح الوادي

تصادم! مره اخرى.."

السماء امتلأت بالبرق الناتج عن تقاطع هالاتهم.

كل ضربة تُسمع على بعد عشرات الكيلومترات…

كل لكمة تُحدث حفرة في الجبال.

القائد استعمل تقنية "الوميض الشعاعي"، فاختفى للحظة، ثم ظهر خلف الوحش وسدد له ركلة أرسلته مباشرة إلى أعلى، محطّمًا السحب.

لكن الوحش كان عنيدًا…

ففي الهواء، فتح فمه وأطلق شعاعًا مظلمًا اخترق الغلاف الجوي، متجهاً مباشرة نحو القائد.

القائد رفع يده، وشكّل درعًا شمسياً صدّ الهجوم، قبل أن ينقض مجددًا بسرعة خارقة، ويوجه عشرات الضربات المركزة.

كورغامي في السماء، بعينين لامعتين، همس:

همم..ان يقدر على استعمال تقنيات الضوء ا بدرجة عالية جدًا... لا عجب أنه القائد."

راجنار بصوت هادئ:

"لكن الوحش لم يستخدم كل قوته بعد…"

وفجأة… بعد تبادل مئات الضربات…

انفجرت قبة كاملة من الضوء والظلام.

سقط فيها الاثنان نحو الأرض… وتحطّم جزء ضخم من السهل، تاركًا حفرة سوداء متوهجة وسط الغبار.

الأنفاس محبوسة… الأرض صامتة.

من وسط الحفرة، ظهر ظلّان… واقفان، يتنفسان بقوة، الدماء على أطراف ملابسهما، لكن أعينهما مشتعلة…

القائد قال بصوت حاسم:

"اسمك... ما هو؟!"

الوحش ابتسم ابتسامة ملتوية، وقال:

"من أنا؟… أنا مجرد بداية… لما هو قادم."

وقف الوحش امام ذلك القائد.." وسط الدخان، نصف جسده مكسوّ بالدم، ونصفه الآخر يشعّ بطاقة مظلمة تُمزق الهواء من حوله. رفع رأسه ونظر إلى القائد مباشرة وقال بصوت أجوف:

"أيها البشر… أنتم أغبياء كالعادة…"

ابتسم بسخرية قاتمة، ثم أكمل:

"أنا؟ مجرد طُعم…"

ساد الصمت للحظة، قبل أن يكسر الوحش الهدوء بعبارة صادمة:

"جميع الوحوش الآن… يُعدّون العُدّة. سنشنّ حرباً على قارتكم قريباً. قواتنا تتجمّع، والزحف قد بدأ."

تقلّصت عينا القائد، وهالته بدأت تهتز. "ماذا تقصد بذلك؟ تكلم!" صاح بقلق، وهو يشعر بشيء ثقيل يتسلل إلى قلبه.

ابتسم الوحش ابتسامة واسعة، وأنفاسه الحارقة تبخر الأرض تحت قدميه. ثم قال بنبرة ملوثة بالحقد:

"هل تذكرون تلك البعثة؟ عندما أرسلتم نخبتكم إلى أرضنا… عازمين على 'تطهيرنا'؟"

ضحك ضحكة شيطانية اخترقت السماء، وقال:

"نعم… نصبنا لهم كمينًا... وأفنيناهم بالكامل."

"ولن أنسى تلك المجموعة الصغيرة من البشر... الذين كانوا يحملون تلك الأشياء البراقة... ماذا تُسمونها؟ آه نعم… الكاميرات."

"لقد جعلناهم يُسجّلون نهايتهم بأنفسهم... وأرسلنا لكم الصور… كي تروا مصيركم القادم."

صرخ القائد بغضب، وهالته اشتعلت كالنار:

"فلتصمت أيها الوحش البغيض!"

لكن الوحش لم يتراجع، بل رفع رأسه وكشف عن جانب أكثر حزنًا وظلامًا:

"لكننا... لم نخرج سالمين..."

"زوجة الزعيم... وابنته الصغيرة... قُتلتا على أيديكم."

نظر إلى القائد بعينين غارقتين في النقوش المظلمة:

"إنه... لا يبحث عن نصر. إنه يبحث عن انتقام."

2025/06/08 · 7 مشاهدة · 1306 كلمة
نادي الروايات - 2025