أفلتَ كورغامي يد القائد وقد استعاد طاقته بالكامل... طاقةٌ قد لا تكفي لمواجهة كائنٍ مصنّفٍ في الرتبة SS+، لكنّ خصمه الآن جريحٌ ينزف. ولن ننسى أن وحش العظام السوداء يقف خلفه كأداة طاعةٍ عمياء. إن قرّر إنهاء حياة القائد، فلن يستطيع أحدٌ منعه... لم يعد في الساحة سوى راجنار جندي الظل، والوحش، والقائد... وكورغامي وحده الذي يمسك بخيوط الموت.
التفتَ نحو القائد بنظراتِ ذئبٍ جائعٍ يشهد لحظات احتضار فريسته...
"ماذا؟ لماذا قتلتَهم؟! مَن سيحمي الحاجز الآن؟! نحن محكومون بالفناء..."
تهاوى كلام القائد في الفراغ، ثم اندفع كالمجنون:
"لا... لا! سأذهب إلى مركز القيادة، أتصل بالاتحاد... سيرسلون الدعم! ومختصاً لإصلاح الثغر في الحاجز!"
حاول الالتفاف للفرار، لكنّ عينيه اتسعتا فجأةً...
يداه... اليدان اللتان كانتا تحملان الدرع الذهبي الثقيل، تحلّقان في الهواء كريشتين مقطوعتين!
التفتَ إلى الخلف مرعوباً...
كورغامي واقفٌ كتمثالٍ شيطانيّ، إصبعُه مشدودٌ نحو السماء... ودوامةٌ من الظلام تتشكّل حوله، تبتلعُ الضوء والمطر معاً.
تجمّد القائد...
نظراتُه المكسورةُ تتساءل: "ما الذي حوّل هذا الفتى إلى وحشٍ؟
هل كلّ ما قاله... كان صدىً لحقيقةٍ مظلمةٍ أخفتها الأكاديمية؟"
"لكن ماذا ذنبنا؟ نحن لكي يقتلنا؟!.. لماذا لم يُعاقب الاتحاد بدلًا عنا؟!"
كان الجريح يصرخ من الألم لفقدان يديه، لكنه ما زال يتمتم في نفسه..
عندما نظر إلى يمينه، رأى يده اليمنى ملقاة هناك يتسرب منها الدم بغزارة... وعندما التفت إلى اليسار رأى يده اليسرى ملقاة على الأرض تنزف بغزارة... تحسّر على حاله: "كيف يمكن أن أكون ضحيةً لهذه الوحشية؟!"
عندها تذكر: قبل دقائق من الانفجار، أنه رأى الفتى يُحرِّر طاقته، لكنه تركه.. لأنه لم يشكِّل تهديدًا له. حتى الوحش فعل ذلك! لكن ذلك الوحش أصبح خادمًا له، أما هو فقد قُطعت يداه ولم يعد يستطيع أن يحمل الدرع ليُطلق طاقته.. ولم تعد لديه حتى القوة لفعل ذلك.. لم يُرد أن يقاوم أكثر. أراد أن يموت بسلام ويلتقي بعائلته.. لكنه كان يحلم بحلم لن يتحقق..
وقف كورغامي وراءه وهو ينظر إليه بنظرات احتقار، بينما كان الجريح يحاول أن يتحرك للأمام، لكنه كان يخسر الكثير من الدماء مع كل حركة بسيطة..
"هيَّا أيها القائد! لا تخبرني أنك على وشك الموت، فنحن لم نبدأ بعد.."
"تحدث كورغامي بصوت مرتفع هو يظهر ابتسامه شيطانية ."اسمع! إن لم تخبرني أين خريطة قارة الوحوش سأقتلك وأدمر الحاجز أولاً. تحرك! قل بسرعة أين هي؟"
لكن القائد لم يعطي اي ردة فعل.."
تنهد كورغامي ونظر إلى الوحش"تقدَّم أيها الوحش! احرص على أن تهشم قدمه اليسرى فقط.. لا تجعله يموت، فأنَا أحتاجه."
اتسعت عينا القائد ،بينما كان ينظر الى كورغامي.."
أدرك القائد أن كورغامي فعل كل ذلك من أجل شيء لا يملكونه. كيف يمكنهم امتلاك مثل هذا الشيء؟ هم مجرد حراس يحمون الحاجز من هجمات الوحوش اليومية. لا يعرفون أي شيء!
رأى ذلك الوحش ذا المظهر البشع المغطى بالعظام السوداء يتقدم نحوه بثبات. والغريب أن الوحش استعاد طاقته بينما هو استنفد طاقته تماماً بسبب كورغامي.و كل ما بقي له هو قدماه.
أخرج زفيراً بينما كانت قطرات المطر تتساقط حوله. حاول تجميع ما تبقى من طاقة في قدميه. لم يعد لديه خيار. إذا كان الموت محتوماً سواء بقي أو هرب، فسيقاتل حتى أنفاسه الأخيرة ولن يخضع لهذا الطفل المحاط بالظلال.
أدرك كورغامي أن شيئاً ما ليس على ما يرام. نعم، لاحظ أن القائد استقرت حالته العقلية بعد فقدان حراسه.
"توقف!"
رفع كورغامي يده وأوقف الوحش الذي كان يتقدم نحو القائد.."
تحدث كورغامي في نفسه:
"يبدو أن هناك شيئًا قد تغيّر حقًا في عيني القائد... نعم، إنها هي... إنها الأمل.
حتى ولو كنت على وشك الموت، ذاك البريق لا يزال يلمع...
هذا هو الشيء الذي لطالما كرهته.
عدم الاستسلام؟ جميل، نعم... لكنه في الوقت ذاته سخيف.
إذا كنت تملك القوة، فما حاجتك لعدم الاستسلام أو حتى للاستسلام؟
عندما تمتلك القوة، فأنت ببساطة تسحق ما تريد."
لم يسمع القائد ماقالة كورغامي ..فقط قال:
"عليّ أن أسرع... لقد أوقف ذلك الفتى الوحش، إذًا لا شيء يمكن أن يمنعني الآن."
"اظن ان ذلك الفتى... استخدم شيئًا ما ليرتقي مباشرةً إلى الرتبة SSS.
لذلك أظنه لن يستطيع تكرار الأمر مرة أخرى.
وحتى لو امتص طاقتي، فلن يستطيع إطلاق سوى الرتبة التي يتحمّلها جسده فقط.
نعم... إذا أردت النجاة، فعليّ أن أغتنم هذه الفرصة وأتوجّه بسرعة إلى أقرب مدينة أو إلى مقر الاتحاد، لأعالج يدي، وليُوقفوا هذا الوحش... وذلك الفتى."
"وسأنتقم منه أيضًا...
مهما حصل، عليّ قتله!"
كان القائد يتمتم، والأمل يلمع في عينيه، غير مدركٍ أنه مجرد دمية في يد كورغامي،
فكل ما حدث... كان مخططًا له مسبقًا.
عندما جاؤوا إلى الحاجز قبل لحظاتٍ من غروب الشمس...
عندما فتح الحارس الثغرة...
عندما خاضوا معركتهم ضد الوحش...
كل شيء كان محسوبًا، وكل خطوة كانت جزءًا من تلاعب شامل.
ضحك كورغامي ضحكاتٍ شيطانية في نفسه،
بينما كان يراقب القائد وهو يجمع ما تبقى له من طاقة في قدميه،
ليهرب... ليتمسك بالحياة...
لكن... كان لكورغامي راي اخر.."
قال القائد بصوت منخفض، وهو يضغط على جراحه:
"عليّ أن أسرع... تمتم مره اخرى ، أن أمامي فرصة للهرب."
نظر إلى الأفق البعيد، وتحديدًا إلى الجنوب الغربي... هناك يقع مقر الاتحاد.
"نعم... مقر الاتحاد بعيد جدًا، لكن إن تمكنت من الهرب الآن، ربما أصل قبل أن ينهار كل شيء."
وفي لحظه..
انطلق بأقصى سرعته!
ركض بكل ما تبقى في جسده من طاقة...
الدم يتطاير خلفه، والمطر يغمر الأرض تحته...
عيناه لا تحيدان عن جهة الجنوب الغربي، نحو مقر الاتحاد.
لكنه بعد دقائق من الركض المحموم...
وجد نفسه في نفس النقطة.
توقف، لاهثًا، يتلفّت من حوله بذهول...
"لا... هذا... هذا مستحيل!"
شدّ عضلاته من جديد وصرخ:
"الجنوب الغربي! هذا هو الاتجاه الصحيح!"
وانطلق مجددًا... أسرع من قبل،
لكن... عاد مجددًا إلى نفس المكان. نفس الحطام. نفس الظلال. ونفس كورغامي، واقفًا بثبات، لم يتحرّك خطوة.
اتسعت عينا القائد، وهو يتمتم:
"هل... هل ألعب دورًا في مسرحيته؟ هل حبَسَني داخل مجال طاقته؟!"
ضحك كورغامي ببرود وهو ينظر إلى عينيه المرتجفتين:
"بعض المسافات لا تُقاس بالخطوات، يا قائد..."
"أنت تركض في حلقة مغلقة... داخل عالمي أنا."
تجمّد القائد...
عيناه على كورغامي، والعرق يختلط بالدم على جبينه...
وفجأة... انفجرت خلف كورغامي هالة مظلمة... مرعبة...
هالة من الوحشية الصافية.
دوائر من السواد تدور حوله، كأنها أرواح مذبوحة تصرخ في صمت.
الهواء ثقيل. الضوء ينكسر.
حتى صوت المطر تلاشى، كأن العالم انكمش حول هذه اللحظة.
كورغامي يتقدّم ببطء، بخطى ثابتة، نحو القائد.
كل خطوة تُحدث رعشة في الأرض... والظلال تزحف خلفه كأنها تتنفس.
وفجأة، دون سابق إنذار...
اختفى كورغامي من مكانه وظهر أمام القائد،
وبحركة سريعة حادة، مغطاة بالوحشية، قطَع ساقه اليسرى من عند الركبة!
لم يدرك القائد ماحدث ،إلا عندما شعر بالألم
صرخةٌ مفزعةٌ شقّت السماء...
القائد سقط على ركبتيه، يتلوى من الألم، الدم يتدفق كنافورة.
كورغامي لم ينظر إليه حتى...
التقط الساق المبتورة بيده، وابتسم بابتسامة باردة، ثم رماها للخلف باتجاه الوحش المغطى بالعظام السوداء.
الوحش التقطها بأسنانه، وبدأ ينهشها ككلبٍ جائعٍ وسط صمتٍ قاتل.
القائد شهق وهو يشاهد ذلك المشهد الدموي...
كان جسده يتألم، نعم...
لكن ما حطّم روحه لم يكن الألم، بل الرعب من المشهد.
"أنا... أنا قاتلت الوحوش لعشر سنوات..."
"شاهدت العشرات من جنودي يُذبحون كل سنة..."
"لكن... هذا؟! هذا الجنون؟! هذا الفتى؟!"
حدّق في عيني كورغامي البنفسجية التي كان، يضهر حولها سواد ويغطي، بريق عينية ،نظر في وجهه الشاب...
"إنه لا يتجاوز العشرين... هذا مراهق..."
"من يصنع هذا المشهد ليس كائنًا طبيعيًا... هذا ليس إنسانًا..."
بدأ القائد يرتجف رغم كل تجاربه،
وتسللت إلى قلبه فكرة مخيفة:
" هل هذا الفتى مازال بشرياً حقاً..انتظر ان اعلم لماذا؟!،تغير وبقى هكذا ،نعم انه قوته تسلب من انسانيتة ."
ضحك كورغامي ببرود، وهو يرى القائد يزحف محاولًا التراجع رغم نزيفه الحاد،
ثم قال بسخرية:
"ماذا أيها القائد؟! لا تخبرني أنك خِفت؟!"
"أو... تسلل شيء من الرعب إلى قلبك؟!"
"أنت! القائد الأعلى للجهة الغربية من الحاجز الفاصل بين قارتنا وقارة الوحوش!"
"من سابع المستحيلات أن تخاف، أليس كذلك؟!"
اقترب كورغامي أكثر، وعيناه تتوهّجان ببريق شيطاني مريض...
ثم انحنى قليلًا قرب أذن القائد، وهمس بصوت غارق في الظلام:
"ما رأيك... أن أريك شيئًا ممتعًا؟"
دون أن يمنحه فرصة للرد، أمسك كورغامي بجسد القائد كأنه دمية،
وانطلق به عاليًا...
صعودًا... بسرعة جنونية...
حتى بلغا ارتفاعًا هائلًا فوق جدارٍ صخريٍّ شاهق...
ارتفاع يقارب ثلاثة آلاف متر.
من هناك... كان الحاجز واضحًا تمامًا.
ذلك الحاجز العملاق الذي يُصدر تذبذبات صفراء متقطّعة،
وكأنّه يحتضر ببطء...
نظر كورغامي للأسفل...
وعيناه تراقبان الأرض كأنها لوحة من الجحيم.
كانت الجثث مبعثرة في كل مكان.
أشلاء الحراس... أطرافهم... رؤوسهم... أسلحتهم المحطّمة.
ولكن...
ما شدّ انتباهه... كان جثمان ضخمٌ جدًا،
جسد حارسٍ عملاق، قُطِع من رأسه حتى قدميه إلى نصفين،
وكأنه شُرِحَ بسيف لا يُرى.
كان لا يزال يُمسك بمطرقة عملاقة بيد واحدة،
كأنها آخر ما تشبّث به قبل أن يُباد.
وفوق ذلك الجسد...
كان يقف شيء...
كائن صغير نسبيًا، طوله لا يتجاوز المتر والنصف،
جسده مكوَّن من ظلال كثيفة سوداء، لا شعر، لا ملامح،
فقط عيناه سوداوان،وفي داخلهما نقوش بنفسجية متوهجة،
بلغة قديمة... ميتة... لا يفهمها إلا من لمس الظل نفسه.
كورغامي، ما إن رأى الكائن، حتى ارتسمت على شفتيه ابتسامة حقيقية،
ابتسامة رضا قاتل...
ثم همس:
"أحسنت، راجنار..."