"أحسنت، راجنار."
هذه الكلمات خرجت من فم كورغامي، عندما رأى راجنار واقفًا فوق جثة الحارس العملاق.
"آااااااااه!"
صرخ القائد بصوت عالٍ، بينما كان كورغامي يحمله. صرخة تحمل معاني اليأس، والحزن، والوحشية التي مات بها أتباعه.
"أفلتني أيها الوحش!" ظل يصرخ ويطلب من كورغامي أن يطلق سراحه.
"أوه، هل تريد مني أن أفلتك؟ حسنًا..."
رد كورغامي على صراخ القائد، بينما كان يرجع يده الممسكة به إلى الخلف ليرميه أرضًا.
"ماذا تفعل؟!" رد القائد، وهو ينظر إلى كورغامي الذي بدأ يتراجع إلى الخلف...
"ألم تطلب مني أن أفلتك؟! حسنًا، سأفعل."
تجمعت طاقة من الظلام في يد كورغامي... كانت تدور حولها كالنار الثائرة.
"آه..."
القائد كان مصدوماً، لم يتوقع ان كورغامي يريد ان يرميه حقاً،وليس مجرد كلمات فارغة. وعندما أراد أن يقول شيئًا... كان قد رُمي بسرعة نحو الأسفل.
بووووم!
دوى انفجار فوق الجدار العملاق... ومن بين الانفجار ظهرت سحابة دخانية كثيفة، بدأت تتناثر، كاشفةً ما بداخلها.
"أغغغ..."
تأوه الشخص الذي كان وسط الدخان الكثيف... والذي بدأ ينكشف تدريجيًا.
كان ذلك الشخص هو القائد... مصابًا بجروح خطيرة جدًا. يداه الاثنتان قد قُطِعتا، وأما قدمه فقد انتزعها كورغامي وأطعمها للوحش.
إحدى عينيه كانت مخروقة بحجر... لا يزال مغروسًا بداخلها، نتيجة الاصطدام العنيف بالأرض.
"أغغغ... آاااااه..."
كان القائد ما يزال يصرخ... بسبب الألم.
كورغامي بقي محلقاً،في السماء ينظر الى القائد بنظرات لاتحمل اي شفقة،كانه كان يستمتع عندنا يرى احد الابطال يتعذب.."
وفجاه رفع يدة ،وادخلها شق من الفراغ ،واخرج منه قناعاً ذا خطوط عموديةمن اللون البنفسجي.."
"يبدو اننا سنحظا برفقة.."تمتم بينما كان يضع القناع ،على وجهة .
..........
قبل ساعتين... في المدينة من الفئة .
كان ضوء الشمس يغيب تدريجيًا خلف البنايات الشاهقة للمدينة؛ من شركات ومصانع وقصور. لقد حان قدوم الليل.
وأمام كل تلك البنايات... كانت السيارات تطير في الجو مثل أسراب الذباب.
لم تعد السيارات كما في السابق... حين كانوا يستخدمون البنزين لتحريكها.
تلك الأيام قد ولّت... ما يستخدمه الناس في هذا الزمن هي السيارات الطائرة، أو القطارات التي تحلّق بسرعة الصوت.
لقد أصبح التنقّل بين المدن سهلًا... لكن كلّما زادت سرعة التنقّل، زادت التكلفة.
قد يصل سعر الرحلة من مدينة فئة C إلى مدينة فئة إلى أربع كريستالات للفرد الواحد... وهو ما قد يكفي عائلة مكونة من ستة أفراد لعشر سنوات.
لهذا السبب غالبًا ما تتجنب العائلات من الطبقة المتوسطة هذا النوع من السفر، ولا يصعد به إلا الأثرياء... أو طلاب الأكاديميات في المدن؛ سواء في الرحلات أو في تنفيذ المهمات.
وسط كل تلك السيارات الطائرة... ظهرت شاحنة بيضاء عملاقة، تطير بسرعة هائلة بالنسبة لحجمها الضخم.
كانت تشق طريقها بسرعة، مراوغة السيارات والشاحنات الأخرى أمامها... تدخل من زقاق إلى آخر وسط البنايات العملاقة.
وعلى أطراف تلك المدينة المترفة، كانت القصور الضخمة تستقر بهدوء فوق أراضٍ خضراء. قصور خيالية كأنها انتُزعت من صفحات الأساطير، محاطة بأسوار بيضاء أنيقة تفصلها عن منازل عامة البشر. بلغ عدد هذه القصور ما بين 110 إلى 120 قصرًا، مصطفة بجانب بعضها البعض في تنسيق متقن، ومع ذلك كانت الفواصل بين كل قصر وآخر عميقة، تذكيرٌ صامت بأن حتى بين النخبة، هناك درجات. أمام كل قصر بوابة حديدية ضخمة يعلوها شعار العائلة المالكة..وبعضها لقب البطل الذي يسكن في داخل القصر.."
ولكن كان هناك قصر ،او ممكن ان تقول عنه قصراً متواضع ،مكون من طابقين وحديقة كبيرة قليلاً والسور الماحط به كان صغيراً،ليس مثل القصور الاخرى.."
اتجهت ،الشاحنة البيضاء طائره بسرعة الى ذلك القصر،المتواضع وهبطت في مكان خاص بالسيارات الطائرة ،كان في داخل الحديقة الكبيره .."
وعندما استقرت على الارض اخيراً،فتح بابها الامامي وخرجت منه فتاة صغيره قد تبلغ من العمر 15 عاماً،كان وجهه جميلاً جداً،عينان بلون الاخضر مثل الغابة النقية ،وشعرها الاسود الطويل ،كان يتدلى على كتفها الصغير،كانت ترتدي فستاناً بلون الابيض مع خطوط خضراء قليلة،وتضع على راسها قبعه بيضاء كبيره.."
استنشقت الهواء المنعش ،الذي ينبعث من حديقة الازهار امامها..كان منظراً جميلاً بحق"
كانت تنظر بسعادة ،ولكن عندما دققت اكثر بعينيها الخضراء،سرعان ما ذهب الابتهاج ،بالمنظر الى بؤس .."
في ذلك البستان من الارض ،رات سيدة في منتصف العمر ،تمسك بخرطوم ماء ،وتسقي الورود والازهار..."
كان لون شعرها ايضاً ،اسود ولكن كان قصيراً ،كانت قد اطرت الى قص شعرها ، بسبب بيئة العمل التي كانت تعمل به .."
وكانت عينيها،خضراء ايضاً..وكانت ترتدي زياً متواضعاً..يتكون من قميص ابيضاً وبنطال جنس ازرق .."
"امي .." تنهدت اميشيا وهي تنظر الى امها.."الم اخبرك انني ،ساجلب بستاني،لكي يعتني بالازهار وان عليكي الراحة،فمرضك المزمن قد يعود ،اذا استمريتي بهذا العناد.."
"ها.." تنهدت امها ايضا.."اميشيا ،ليس عليكي ان تقلقي علي ،فقط ركزي على مهام عملك ،واحرصي الا تتكاسلي في اداء الواجب..وايضاً هل احرزتي اي تقدم ؟!.." سقطت كلماتها على ضهر اميشيا مثل حجرة كبيره ،من وقع كلماتها الاخيره .."
"امي،ليس عليكي ان تقولي ذلك .." ردت اميشيا ووجهة محمر .."
"حسناً ،حسناً .." هل وزعتي كل الطعام هذه المره،وايضاً هل احضرتي الغرض الذي طلبته منك .."
"نعم..ولكن !" ارادت اميشيا ان تقول شيء ولكن،لم تكمل وبدلاً من. ذلك حركت يدها قليلاً،وتجمعت رياح قليلة قبل،ان يفتح شق في الفراغ،وتخرج درج صغير وقديم،واخرجت ايضاً مفتاح.."
كانت ،سابقاً تريد ان تجلب محتويات الدرج ،فقط ولكن لقد شعرت انها بحاجة الى ،احضار الدرج ايضاً..ولكن لم تنسى تلك الاشياء الغريبة ،التي حصلت لها في منزلهم القديم ،كانت تصرفات غريبة بحق!.".تمتمت وهي تسلم المفتاح لامها.."
"حسناً،هي لندخل الشمس على ،وشك المغيب.."
"ولكن ،اين والدي انني لا اراه.." تسالت اميشيا بصوت عالٍ.
"انه في الداخل ،يعد العشاء " ردت عليها امها مع ابتسامة بسيطة.."
"انا ساسبقك الى ،الداخل لكي اساعد والدك .."
"حسناً ،سابقى هنا لبعض الوقت.." تحدث اميشيا وهي تنزع القبعة من على راسها.."
تحركت والدة ،اميشيا سريعاً بين بستان الورد واتجهة الى باب القصر.."
بعد عدت دقائق من استنشاق ،اميشيا لراحة الزهور والورود ،تحركت لداخل ايضاً.."
كان القصر، رغم بساطته من الخارج، يحمل في داخله سكونًا يشبه الذكريات التي لم تُدفن بعد.
جدرانه العاجية، وأرضيته الخشبية التي تصدر صوتًا ناعمًا عند كل خطوة، وأثاثه العتيق... كل شيء فيه بدا كأنه عالق في لحظةٍ قديمة، لحظة لم يتجرأ أحد على تجاوزها.
في قاعة الطعام، استقرت طاولة طويلة من الخشب المصقول، تحيط بها أربعة كراسٍ، وُضعت بعناية كما في كل يوم.
رائحة الطعام كانت تعبق في المكان، قادمة من المطبخ القريب، حيث وقف والد أميشيا يُحضر الطبق الأخير.
بمئزرٍ أبيض يعلو قميصه الرمادي، كان يتنقل بين القدور بخفة، صامتًا، كأن الطهي بالنسبة له صار طقسًا يوميًا يحفظه عن ظهر قلب.
أما زوجته، فكانت تضع الصحون على الطاولة، كما تفعل دائمًا، دون أن تنسى ذلك الصحن الرابع.
وضعته أمام الكرسي الفارغ، كأن شيئًا داخلها لا يزال يرفض تصديق الغياب.
جلست أميشيا في صمت، بينما كانت نظراتها تتسلل نحو ذلك الكرسي المهجور.
لم تتحدث، لم تسأل، فقط فكرت بصمت:
"ما زالوا يضعون له مكانًا؟
هل… ما زالوا ينتظرونه؟"
"أم أن هذا الكرسي صار طقسًا من طقوس الحنين… لا يجرؤون على كسره؟"
رن جرس الباب.
توجّهت الخادمة بناءً على إيماءة من الأم، ثم فُتح الباب... ودخل جيف.
كان يبدو أنيقًا على غير عادته، رغم أنه لم يكن يرتدي زيّ الأبطال.
شعره الأشقر القصير بدا مرتبًا، وعيناه الزرقاوان كانتا تحملان شيئًا من الراحة.
كان مرتاحًا، كمن عاد إلى مكان يخصه دون أن يُقال له ذلك.
"هاه... جيف؟"
قالتها أميشيا بخجل، ثم ابتسمت على استحياء، وجهها ازداد احمرارًا.
"ما الذي جاء بك إلى هنا؟ أليست عطلتك اليوم...؟"
ردّ بابتسامة لطيفة:
"أجل، اليوم عطلتي... وفكرت أن أزور عائلة أشتاق إليها.
خاصةً بعد كل ما حدث بالأمس... أظنني كنت بحاجة لبعض الهدوء."
دُعي للجلوس، فجلس على الكرسي الثالث، وبدأ الطعام يُوزع بهدوء.
جلس الجميع على الطاولة، وتبادلوا كلمات بسيطة عن الأيام الماضية، عن التمرد الذي حصل، وعن الهدوء النسبي الذي تلا ذلك.
ضحكت الأم قليلًا حين علّق الأب على طعم الحساء، وقالت إن المرة القادمة ستكون أميشيا من تطبخ.
أما جيف، فقد نظر إليهم جميعًا للحظة... ثم قال، بصوت هادئ وممتن:
"أنا سعيدٌ حقًا لأنكم دعوتوني ...
حفل لمّ شمل العائلة هذا يعني لي الكثير.
أن أتناول العشاء معكم الآن... يجعلني أشعر أنني أملك بيتًا حقيقيًا."
سادت لحظة صمت قصيرة.
نظرت الأم إلى جيف وابتسمت بلطف، ثم قالت:
"أنت دائمًا مرحّب بك هنا يا بني... سواءً في الحفل، أو في أي وقت."
رفعت أميشيا رأسها ونظرت إلى جيف، ابتسامة خفيفة ظهرت على شفتيها، لكنها لم ترد بشيء.
فقط عادت تنظر إلى الكرسي الفارغ
لم يكن أحد يجلس عليه.
لكن طيفه كان حاضرًا…
كما في كل مرة.
كان العشاء يسير بهدوء…
الملاعق تتحرك بخفة، والأحاديث البسيطة تتناثر هنا وهناك،
وحتى ضحكات خفيفة خرجت من الأم، كأن هذه اللحظة تنتمي إلى زمن آخر… زمنٍ لم يكن فيه كورغامي مفقودًا، ولا كانت هناك دماء تسيل في أطراف العالم.
لكن هذا السكون...
لم يدم.
تييت! تييت! تييت!
رنّ صوت حادّ من ساعة جيف، ساعة الإنذار الخاصة باتحاد الأبطال.
تجمّد للحظة، ثم رفع يده فورًا، ومرّر إصبعه على الشاشة، ففتحت أمامه نافذة شفافة مضيئة.
لم تمضِ ثانيتان... حتى اتسعت عيناه، وعبست ملامحه.
أميشيا لاحظت التغير فورًا.
"ما الأمر...؟"
سألته وهي تقف بسرعة من كرسيها.
بصوتٍ منخفض، لكنّه مشدود، قرأ جيف الرسالة الظاهرة على الشاشة:
"نداء طارئ إلى جيف وأميشيا —
توجّها فورًا إلى الحاجز في الجهة الغربية ،الذي يفصل قارة البشر عن قارة الوحوش.
وردتنا تقارير مؤكدة عن إبادة جميع حراس ،الحاجز الحامي .."
لم يتبقَّ من إشارات الحياة... سوى القائد."
سقط السكون الثقيل على المائدة.
حتى الأم وضعت الملعقة جانبًا، وبدا الوجوم على وجه الأب.
أميشيا عضّت على شفتها، وعيناها تلمعان بجدية:
"الحاجز...؟ تلك المنطقة كانت تحت مراقبة مستمرة منذ أشهر…
كيف يمكن لكل الحراس أن يُقتلوا دفعة واحدة؟!"
أجاب جيف وهو ينهض من الكرسي:
"لا أعلم… لكن وجود إشارة القائد وحدها… هذا يعني شيئًا واحدًا فقط:
الذي هاجمهم... لم يكن بشريًا."
لم تتحدث أميشيا.
لكن يدها كانت ترتجف وهي تضع ساعتها في وضع التفعيل، وتستدعي درعها الميداني، الذي بدأ يتجمع من جزيئات مضيئة حول جسدها.
نظرت إلى والديها للحظة.
ثم نحو الكرسي الرابع…
الكرسي الذي ظلّ فارغًا طوال الوقت.
تنهّدت… بصوت لا يسمعه أحد.
ثم استدارت، واتجهت مع جيف نحو الباب…
كأنها تعرف — دون أن تُقال الكلمات — أن القادم
لن يكون مجرد مهمة.