نزل كورغامي ببطء من السماء إلى الحاجز، وكان قد وضع قناعًا أسود عليه ثلاثة خطوط بنفسجية، يغطي وجهه الأبيض الشاحب، ولم يكن يُرى منه سوى عينيه البنفسجيتين المتوهجتين.
كان يقترب ببطء من القائد الذي كان يزحف بصعوبة إلى الأمام، متجهًا نحو جثة أحد أتباعه، ولا يزال يحارب الألم...
شعر كورغامي فجأة أن الطاقة التي امتصها أوشكت على النفاد، وبالتالي استطاع أن يتحرر من سيطرة قوته على وعيه، وعاد إلى طبيعته، فرأى ذلك المنظر البشع أمامه.
ولم يُبدِ أي ردة فعل، كأنه لم يرَ شيئًا. بل ظل ينظر بعينيه البنفسجيتين، لكن هذه المرة، كانت الحلقات السوداء الصغيرة تتحرك في داخلهما، ما يدلّ على أنه استرجع بعضًا من ذكرياته القديمة.
وبداخل جسده، بدأ الظلام يتراجع، ولكن بشكل منتظم، وهذا ما كان يحاول فعله طوال تلك السنة في زنزانة الجحيم. كان راجنار يدربه يوميًا، عندما لا تكون هناك دوريات للحراس، وكان يخبره أيضًا عن تقنيات قديمة كان يستخدمها، وبعضها ما زال بإمكان كورغامي استخدامه، رغم ضعفه.
أما بعضها الآخر، فكان محظورًا؛ تقنيات قادرة على محو دول بأكملها من على وجه الخريطة، بمجرد تلويحة صغيرة من يده. استخدامها له ثمن باهظ، وإذا استعمل إحداها، فقد يتم رصده من قبل الملوك الاثني عشر، وهو ما كان راجنار يحذره منه باستمرار، إذ إن الملوك سيستغلون أي فرصة لقتله.
التقنية التي فجّر بها قوة الظلام في جسده كانت في الأصل تقنية عادية، ولكن جسده، بشكل غير متوقع، لم يتحملها إلا لثلاثين دقيقة فقط. وقد مرت منها عشرون دقيقة، وبدأت آثارها تضعف تدريجيًا، حيث أن القوة التي امتصها من القائد والوحش كانت تتصارع داخله، ولكن قوة الظلام احتجزتهما بالقوة.
"آغغ... لماذا يحدث هذا الآن؟!"
تأوه كورغامي من الألم وقال:
"دائمًا... عندما أكون في أمسّ الحاجة إلى القوة، جسدي الضعيف لا يستطيع تحمّلها حتى... كم أنا مثير للشفقة..."
قطرة... قطرة...
بدأ المطر يتساقط بخفة، يطرق سطح الحاجز بصوت خافت، كما لو أن السماء نفسها تتردد في الحزن. لكن فجأة، انهمر المطر بعنف، بلا سابق إنذار.
دووووم!
دوى صوت الرعد فجأة، كصرخة غضب مدفونة، شق السماء السوداء إلى نصفين، ومع ومضته السريعة، ظهر بوضوح شكل القناع على وجه كورغامي.
تحمّل كورغامي الألم الناتج عن تصارع الطاقات الثلاث في جسده، وتحمل المطر الغزير الذي كان ينهمر فوق عباءته. ثم بدأ يمشي ببطء نحو القائد.
كان القائد لا يزال يحاول الزحف إلى جثة الحارس العملاق، الذي قُسم عموديًا إلى نصفين...
وكان راجنار لا يزال واقفًا فوق الجثة، يراقب كورغامي، وكأنه ينتظر إشارة واحدة فقط ليقتل القائد. لكن كورغامي أشار له بيده أن يبتعد، فاختفى راجنار وظهر على بعد عشرة أمتار من القائد وكورغامي.
فوووش!
هبت رياح قوية فوق الأمطار، وجمعت المياه فوق سطح الجدار، وبدأت البرك بالظهور تدريجيًا.
وفجأة، قفز الوحش من بين العظام السوداء إلى خلف كورغامي بسرعة مذهلة، ووجّه لكمة تشبه المطرقة نحو ظهره.
لكن كورغامي لم يهتم، لم يكن يركّز على أي شيء سوى القائد...
"ستدفع الثمن، أيها البشري اللعين!"
صرخ الوحش بصوت بشع وغاضب.
وحين كانت الضربة على وشك أن تصيبه، تحرّك شيء كظلٍ مظلم وظهر خلف كورغامي. وفي اللحظة التالية، أمسك بيد الوحش بقوة.
قال راجنار بصوت خالٍ من المشاعر:
"أيها الوحش... لقد تركتك سابقًا فقط من أجل خطة سيدي، ولكن يبدو أنك خرجت عن سيطرة الحجر الكريستالي عندما بدأت طاقة سيدي تنفد... ولكن سيدي لم يعد مهتمًا بك، وهذا يعني أنه لم يعد بحاجة إليك."
نظر راجنار إلى جسد الوحش، ورأى الفتحة التي خلفها كورغامي سابقًا لم تلتئم بعد.
ثم أفلت قبضة الوحش، وفي لحظة واحدة تحرك بسرعة مذهلة وسدد عشرات الضربات في أقل من ثانية، قبل أن يتوقف وينظر إلى الوحش قائلاً:
"يبدو أنني بالغت كثيرًا في تقدير قوتك..."
"هاه؟"
تعجّب الوحش من قوله، قبل أن يُقذف فجأة بسرعة نحو الأرض. كان الجدار على ارتفاع 3000 متر، ولكن كل ما شعر به الوحش هو أنه يسقط بسرعة، وفجأة...
بوووووووم!!
اهتزت الأرض.
لم يكن مجرد ارتطام...
بل كأن جبلًا سقط من السماء.
انفجر الغبار، وتشققت الصخور تحت جسده، وتدفّعت موجة من الظلام الهائل إلى كل اتجاه، محوّلة المكان إلى أرضٍ قاحلة لا حياة فيها.
اختفى كل شيء في طريق الانفجار، وذبلت الأشجار، وتحولت الأرض إلى صحراء ميتة.
شعر القائد بقوة الانفجار، فالتفت، وكانت الصدمة...
رأى كورغامي يقترب منه، وخلفه ذلك الشيء من الظل.
في تلك اللحظة، اختفى بريق الأمل من عينيه، وكان مستعدًا للموت. كانت أمامه صخرة كبيرة نوعًا ما، فاستدار بجسده، ووضع رأسه عليها، ينظر إلى كورغامي الذي كان لا يزال يقترب ببطء... ثم توقف، ونظر إليه وكأنه لا يرى شيئًا ذا قيمة.
نظر القائد في عيني كورغامي، فرآه كأنه يبحث عن شيء لا يوجد في هذا العالم...
وعندما علم القائد أنه ميت لا محالة، قال بصوت ضعيف:
"ما الذي تبحث عنه بأفعالك هذه؟... هل تظن أن هذه الأفعال سترضي غايتك؟"
صمت كورغامي لحظات، ثم قال بصوت منخفض:
"أنا لا أبحث عن الحقيقة... بل عن شيءٍ لا يستطيع أحد أن يفسره لي."
وبعدما أنهى كلماته، رفع يده نحو وجه القائد، وبدأ الظلام يتشكل على هيئة طاقة في راحة يده، تتجمع من كل مكان، وكلما ازدادت، ازداد التوهج البنفسجي في تلك الطاقة.
نظر كورغامي إلى القائد المنبطح على تلك الصخرة الكبيرة، وقد اختفى بريق الأمل من عينيه... شعر بشيء داخله يتلاشى.
لكنه لم يهتم، بل أعاد تركيزه وقال ببرود:
"هل لديك أي كلمات أخيرة؟
أنا فقط أحترمك لأنك كنت من وقف في وجه الوحوش، ومنعتهم من غزونا طوال السنوات العشر الماضية...
لكن، للأسف، حتى مع كل ذلك... لا يمكنني أن أبقيك حيًا."
"أرى..."
علم القائد من نبرة كورغامي أنه لن يدعه يعيش. لم تعد للكلمات قيمة، لكنه أراد فقط أن يقول شيئًا أخيرًا...
"هل يمكن..."
كانت كلماته تتقطع، فجمع كل قوته ليقول:
"هل يمكنك أن تدفنني بجانب قبر زوجتي وابني؟... هذه آخر أمنيتي المتواضعة..."
كانت الدموع تنهمر من عينه السليمة بغزارة.
تأثر كورغامي بكلماته، لكنه كان يعرف، أكثر من أي أحد، وجه الأبطال الحقيقي...
فما يراه الناس بطولة، لا يكون كذلك في عالمٍ لا يسير كما نتمنى.
تمتم في نفسه، ثم قال:
"آسف...
لكن لن يبقى لك حتى رماد، إن أصابتك هذه الضربة..."
قالها بصوت حزين وبارد في الوقت ذاته.
"حسنًا..."
تراجع القائد إلى الخلف، وأسند رأسه على الصخرة العملاقة.
دوووم!!
دوى صوت البرق في السماء، كاشفًا عن شكل القناع على وجه كورغامي.
نظر القائد للمرة الأخيرة نحوه، ورأى ذلك القناع، ثم قال:
"أتمنى أن تصل إلى غايتك، أيها الفتى..."
كانت تلك آخر كلماته. لم يعد يريد شيئًا سوى الموت... والهروب من هذا العذاب.
اكتملت طاقة الظلام في يد كورغامي، وفتحها بالكامل استعدادًا لإطلاقها نحو القائد، الذي أغمض عينه الأخيرة.
ولكن فجأة...
ظهر شخص من ومضة ضوء، بسرعة مذهلة، انطلق نحو القائد وأخذه!
لكن كورغامي أمسك بقدمه قبل أن يرتفع به، ثم ضربه بقوة على أرضية الجدار.
"إلى أين أنت ذاهب؟!"
صرخ كورغامي وهو يرميه على الحاجز أيضًا.
"آغغ..."
خرجت تأوهات من جسد ذلك الشخص، لكنه سرعان ما استدار في الهواء برشاقة، وترك القائد ببطء على الأرض،وبدا الضوء من حول جيدة بالتفرق.
وعندما ابتعد الضوء عنه، وتلاشى بين المطر والدخان، ظهر بوضوح ذلك الشخص...
عباءة بيضاء ترفرف كجناح مكسور، عينان زرقاوان تشعّان كأنهما تحتفظان بسماء ميتة، وشعر أشقر قصير التصق بوجهه من شدة المطر...
لقد كان هو... جيف.
وقف بين كورغامي والقائد، كأنه سدّ بشري ضد طوفان من الظلام.
رفع كورغامي عينيه نحوه، ومن خلف القناع، لم يكن هناك غضب، ولا مفاجأة... بل شيء يشبه الملل.
تمتم كورغامي، وكأنه يخاطب قدره:
"كنت أعلم أن أحدكم سيأتي... لكن لم أتوقع أن تكون أنت."