دوووم!
مع دويّ البرق، ازدادت الأمطار غزارة، لحظة بعد لحظة، فوق الجدار العملاق. تحوّلت أرض الحاجز إلى مستنقع وبرك متفرّقة، لا أحد يعلم متى سيتوقّف هذا الهطول الكثيف.
وقف ذلك الشخص ذو العباءة البيضاء، وخلفه القائد ملقى على الأرض، يتنفس بصعوبة... يحتضر.
لكن الشخص لم يلتفت إليه، بل صبّ تركيزه على من وقف في وجهه.
كان يتألم، نعم، مما فعله به كورغامي قبل لحظات... لكنه تحمّل الألم.
نظر إليه بعينيه الزرقاوين، مصدوماً، غير مصدق.
"كيف... كيف أمسك بي وأنا في هيئتي الضوئية؟! مستحيل! ألم يكن ضعيفًا قبل عام فقط؟!"
عضّ على لسانه بغيظ، ثم تمتم:
"كان مجرد حشرة ضعيفة... تخلّى الجميع عنه، فقط لأنه أصاب بطلاً من الفئة B بقوة مجهولة انطلقت من جسده... أوه، صحيح، لقد أظهر قوته في اتحاد الأبطال قبل أيام، لكن... هذا لا يُصدّق!"
كان يحاول أن يتقبّل الحقيقة... أن كورغامي أصبح الآن أقوى منه، في عامٍ واحدٍ فقط.
فجأة، تحدث كورغامي بسخرية، وقال:
"كنت أعلم أن أحدكم سيأتي... لكن لم أتوقع أن تكون أنت."
"ماذا يقصد؟ هل كان ينتظرنا؟ هل خطط لكل شيء؟"
كان جيف عاجزًا عن تصديق مدى تطوّر كورغامي. سنة واحدة فقط؟! مستحيل.
لكن قاطعه كورغامي مجددًا، هذه المرة بنبرة تهديد:
"أيها البطل... أم يجب أن أقول، جيف... هل تريد أن تنضم للحفلة؟"
"أيها المجنون!"
صرخ جيف، وانطلق ضغط قوته الضوئية ليتصادم مع ظلام كورغامي.
كورغامي لم يرد، بل اكتفى بالنظر إليه بنظرات باردة.
"أجب أيها المعتوه!"
زاد غضب جيف حين لم يجد رداً، لكنه أخفى انفعاله، واستبدله بهدوءٍ قاتل.
دوووووم!
دوى صوت البرق مجددًا، أقوى من السابق، لتضيء الأرضية الحجرية للجدار بالكامل... وتكشف عن المجزرة.
التفت جيف، يمنة ويسرة... فتجمد مكانه.
كانت مجزرة بحق.
جثث الحراس مبعثرة، أطرافهم ملقاة على مسافات، وبعضهم بلا رؤوس، والبعض الآخر بلا أحشاء. الحارس العملاق... كان مشقوقًا عموديًا، وأعضاؤه الداخلية مقسومة إلى نصفين. رغم موته، ما زالت يداه تمسكان بمطرقته العملاقة ذات النقوش الغريبة.
شعر جيف بالاشمئزاز... ولكنه يعلم جيدًا: في هذا العالم، إن قللت حذرك من أحد... ستموت.
"لكن... كيف قتلهم كورغامي؟! وهم كلهم في رتبة SS! هذا جنون..."
ثم انتقلت نظراته إلى ما خلف كورغامي... ذلك الشيء.
كان يقف خلفه بعشرة أمتار، مخلوق من الظلال، مستقيم القامة.
عيناه... كانتا تتوهجان بنقوش بنفسجية، محاطتين بعتمةٍ خانقة، نظراته خالية من الإنسانية.
"جندي ظل...!"
شعر جيف بصدمة أكبر. تقنيات الظلال محظورة... لأنها تحيي الموتى وتجعلهم أدوات قتل.
"كلما زادت القوة، زادت الآثار الجانبية... هذا ما تعلمته في أكاديمية فاريون. لكن هذا..."
قاطع أفكاره صوت كورغامي:
"أيها البطل... سأطرح عليك سؤالًا واحدًا. أجبني، وسأمنحك موتًا غير مؤلم."
قال ذلك وهو يرفع يده، ويبدأ بجمع طاقة الظلام حوله.
"هل تهددني الآن، يا كومة الظلام؟!"
صرخ جيف، وعيناه الزرقاوان تلتمعان بالغضب.
"ما رأيك أن نبدأ القتال بدلًا من هذه الأسئلة التافهة؟!"
انفجرت طاقة ذهبية من جسده، وتشكل سيف نقي من النور بين يديه... تحكمه بالمانا كان دقيقًا، احترافيًا، رغم صغر سنه.
"تعجبني صراحتك، أيها البطل..."
ابتسم كورغامي ابتسامة باردة، وارتفع ضغطه من جديد.
لكن هذه المرة... أراد أن ينهي عبقري اتحاد الأبطال قبل أن تصل أي مساعدة.
"رَجنار... أعطني سيفك الآن!"
صرخ كورغامي، مشيرًا بيده إلى ذلك الظل خلفه.
رَاجنار أخرج السيف من ظهره، ورماه باتجاه كورغامي...
وفور أن أمسك به...
اندفعت طاقة مظلمة هائلة من جسده.
انطلق جيف بسرعة نحو كورغامي، رافعًا سيفه، واستهدف ذراعه اليسرى.
لكن كورغامي لف جسده ببراعة، ثم سدد ركلة قوية نحو قدم جيف اليمنى.
تأرجح جيف للخلف، يحاول استعادة توازنه...
لكن الأرضية الرطبة للحاجز زادت الطين بلّة.
انزلق قليلاً، وفقد تركيزه لوهلة.
رفع رأسه بسرعة يبحث عن خصمه، لكن...
كورغامي اختفى.
وفجأة...
ظهر خلفه تمامًا!
حرك سيفه المظلم بسرعة نحو ظهر جيف، محاولة لإنهائه بضربة واحدة.
لكن جيف، بدافع الغريزة، التفت سريعًا ورفع سيفه في اللحظة الأخيرة!
"أغغغ!"
تأوه من شدة الضربة.
لو تأخر جزءًا من الثانية... لكان السيف قد مزق عموده الفقري.
تحذير قاتل.
استدار جيف سريعًا، وأطلق عدة طلقات من الضوء باتجاه كورغامي.
لكن كورغامي لم يكن هناك...
تجاوزها بسهولة... سرعته كانت مرعبة.
"سحقًا!" تمتم جيف،
"يبدو أن علي أن أبذل جهدي بالكامل... كي لا أُهزم؟!"
اندفع كورغامي مجددًا، لكن هذه المرة سدد لكمة مباشرة نحو بطن جيف.
جيف صدّها بذراعه، لكن في اللحظة نفسها، تحرك سيف كورغامي باليد الأخرى نحو ظهره.
كان فخًا مزدوجًا... لكن جيف كان قد توقّعه!
رمى سيفه في الهواء عاليًا، ثم أمسك بسيف كورغامي بسرعة بيده الحرة، ورمى به في الارض ،قبل ان يشد قبضته ويضرب بها كورغامي في بطنه.
"أوغغ..."
تأوه كورغامي من قوة الضربة المرتدة، لكنه لم يتراجع.
شدّ قبضته، وضرب بسرعة نحو فك جيف، كأنها طلقة!
لكن جيف، بعينيه الزرقاوين اللامعتين، قرأ المسار وتجنبها بدقة قاتلة.
انطلقت موجة هوائية عنيفة من قوة ضربة كورغامي.
رفرفت عباءة جيف البيضاء بعنف،
بينما كانت الأمطار تهطل بغزارة فوق رؤوسهم، بلا رحمة.
بل اندفع مجددًا، واستمر الاثنان في تبادل اللكمات والركلات بسرعة هائلة، حتى أصبحت حركتهما غير مرئية للعين المجردة.
انفجرت كرة طاقة ضخمة حولهما،
نصفها نورٌ لامع... ونصفها ظلامٌ دامس.
الصدام بينهما خلق ضغطًا رهيبًا، جعل الأرضية تهتز، والحاجز يصدر صريرًا كأنّه سينهار.
وفي لحظة، طار سيف جيف عاليًا في السماء، متلألئًا وسط المطر.
لكن جيف لم ينتظر عودته.
ضغط على الأرض بقوة، وانطلق صاعدًا كصاروخ من النور!
جيف أراد استرجاع السيف في الهواء.
لكن...
كورغامي قفز أيضًا!
قوة انطلاقه كانت مرعبة، كأنّ الجدار نفسه لفظه نحو السماء.
وحين بلغا نفس الارتفاع تقريبًا...
كورغامي ضخّ جزءًا من طاقة الظلام في قدمه،
وسدد بها ركلة مباشرة نحو جيف!
"ماذا؟! كيف وصل بهذه السرعة؟!"
همس جيف، ثم صرخ في نفسه:
"لا... لا تخبرني أنه يريد إسقاطي أرضًا؟!"
لكنه لم يُكمل الفكرة.
قبل أن يدرك ما يحدث...
كورغامي كان قد وجّه له ركلة مغطاة بالكامل بالظلام،
ركلة تحمل كل نية السحق.
حاول جيف صدها بكلتا يديه...
لكن الوقت كان قد فات.
بوووم!!
اصطدمت قدم كورغامي بجيف بقوةٍ مدمّرة،
وانفجر حول جسده الضوء، وتبعثر المطر في الهواء كما لو انفجر السحاب ذاته.
جيف سقط بسرعة هائلة من السماء،
جسده كالصاروخ المنهار، يهبط نحو أرض الجدار.
"سحقًا...! ما هذا؟!"
"هل أنا أخسر...؟ من شخص كان نكرة؟! من ذلك الفتى الذي لم يكن يُقارن حتى بأخته؟!"
"أخته... التي تمتلك موهبة من الدرجة SS... بينما هو؟ لم يكن شيئًا يُذكر!"
"هل هكذا...؟ هل هكذا سأسقط؟!"
"أنا... عبقري اتحاد ابطال 'فاريون'...!"
"لا... هذا مستحيل...!"
"لن أسمح بهذا... مستحيل!"
صرخ جيف، وكل خلية في جسده تقاوم السقوط.
وفجأة...
اندفعت طاقة هائلة من جسده،
انفجرت من عموده الفقري إلى السماء،
هالة من النور النقي اجتاحت المكان كله، وأوقفت سقوطه في الهواء.
من أعلى السماء...
كان المشهد مذهلًا ومرعبًا.
جيف يطفو في مركز كرةٍ عملاقة من النور،
كأن نجمًا قد اشتعل وسط جدارٍ من الظلام.
الهالة الساطعة كانت تشقّ ظلمة العاصفة،
وتنير ما تبقى من الحاجز، بينما المطر يتناثر حوله… لا يلمسه.
ومن أعلى منه، كان كورغامي ينظر مباشرة إلى النور.
رفع رأسه، وعيناه تلمعان بنفسج قاتم…
توهجت أعصابه كأن الظلام داخله يغلي.
"ما هذا؟"
همس، وعيناه لا تفارقان تلك الهالة الطاغية.
"لماذا لم يسقط... لماذا لم تُسحق هذه المهزلة؟"
ثم ضحك ضحكة قصيرة… خالية من الفرح:
"أوه... صحيح."
"لقد نسيت..."
"إنه ذلك الشيء السخيف... الذي يسمونه بالأمل."
اشتعلت عيناه بالكامل.
لم تعد بنفسجية فقط، بل بدأ الظلام يتسرّب من حواف جسده.
"راجنار."
مدّ يده للخلف، وصرخ بنبرة غليظة، تحمل صدى من عوالم غير مرئية:
"عُد إلى جسدي."
"لقد حان الوقت..."
"لأُطفئ هذا النجم... بيدي."
"امرك.."رد راجنار على سيدة قبل ان يختفي من ارضية الجدار،كانه لم يكن هناك شيء .."
"اذاً ،لتبدأ الحفله رسمياً.."