بمجرد أن انطلق جيف بسرعة نحو الحاجز، انفتح باب القصر المتواضع بهدوء. خرجت منه فتاة بخطوات سريعة بعد أن ألقت نظرة خاطفة إلى الخارج، وقالت بنبرة تحمل شيئًا من التحدي والسخرية:
"همف... هل تظن حقًا أنني سأبقى في المنزل مطيعة؟"
ارتسمت على شفتيها ابتسامة ساخرة وهي تضيف بصوت واثق:
"يبدو أنك تستخف بقوتي، أيها الرقيب جيف..."
رفعت يدها ببطء نحو منتصف جبينها، وفجأة دوّت الرياح من حولها، تتشكل في دوامات كإعصار صغير يلتف حول جسدها، قبل أن تغمرها هالة خضراء ساطعة. وفي لحظة خاطفة، تحولت الهالة إلى لون ذهبي نقي أضاء المكان بضوء باهر.
انبثقت منها بدلة قتالية مذهلة، انسيابية تلتصق بجسدها بإتقان، يغلب عليها اللون الذهبي المتلألئ، تتخلله خطوط خضراء متوهجة ترتجف مع كل حركة. عند المعصمين والكاحلين، تلاشت أطراف البدلة في شفافية ضبابية، كأنها امتداد للهالة التي تحيط بها.
ابتسمت بثقة، وعيناها تلمعان بوميض أخضر، قبل أن تقول:
"قد لا أكون بسرعة الرقيب جيف... لكنني أيضًا من الرتبة S."
شدّت قدميها، جمعت طاقة الرياح فيهما، ثم انطلقت بسرعة هائلة نحو السماء، محدثة دوامة عنيفة حرّكت أزهار البستان وأطاحت بأوراق الأشجار. حلّقت بين القصور والمباني العملاقة، شعرها الأسود الطويل يجلد الهواء بعنف، وعيناها تتوهجان بشرارات خضراء.
"يجب أن أسرع... وإلا قد لا أعلم ما الذي سيحدث لجيف..." تمتمت بقلق.
لكن فجأة، شقت يد سوداء الظلام، تتلوى كحيّة عملاقة، وأمسكتها بقوة قبل أن تسحبها إلى العدم.
وجدت نفسها عالقة في فراغ مظلم لا نهاية له، لا تستطيع تحريك سوى عينيها وفمها. حاولت الصراخ، لكن الظلام ابتلع صوتها بالكامل. فجأة دوّى صوت عميق من العدم، ثقيل كأن الكون نفسه يتحدث:
"لا تقلقي أيتها الفتاة... لن أؤذيك، لأننا في نفس الجانب. أنا بطل من الرتبة SSS... يلقبونني بالظل."
ارتجفت أنفاسها، بينما تابع صوته يزحف إلى أعماق روحها:
"لماذا كنتِ تطيرين بهذه السرعة؟ وما الذي حدث لشريكك جيف؟"
بصوت متردد أجابت:
"لقد تلقّينا بلاغًا عن اضطراب في الحاجز الحامي، ولكن جيف..." تقاطعت كلماتها فجأة.
"ولكن جيف ماذا؟!" أظهر صوت الظل الانزعاج.
"عندما طلب منا الاثنان أن نتوجه إلى الموقع المطلوب، وافق جيف عليه. ولكن عندما كنا سنتوجه إلى هناك معًا، تغير تعبيره وطلب مني ألا أذهب معه، وأنه سيتحمل المسؤولية. وافقت على قوله، ولكن عندما غادر، تحركت خلفه وهو لا يعلم!" تحدثت أميشيا وهي تقيس كلماتها بعناية، وتخفي المهمة التي كُلّفت بها مع جيف.
"هممم! وما هو ذلك الموقع؟" تنهد، ثم أضاف:
"لا تقلقي يا فتاة، لن تُحاسبي على مشاركتك لي بمعلومة مهمتك."
ترددت أميشيا، ولكنها قالت بصعوبة:
"إنه الحاجز الفاصل بين قارتنا والقارة الخاصة بالوحوش."
"يبدو أن أحد الوحوش قد هاجمت الحاجز... ولكن أليس هذا يحصل دائمًا؟ فلماذا كل هذا القلق؟" تساءل الظل، ثم قال:
"ما اسمك أيتها الفتاة الصغيرة؟"
"اسمي أميشيا!" أجابت بلا تردد.
"ها... أميشيا! لقد تذكرت... أنها أخت ذلك الفتى الذي صدر قرار من قبل رئيسي الاتحاد بسجنه في زنزانة الجحيم، المستوى التاسع!!!"قال في نفسه
بدأ الظل يشبك كل شيء في شبكة معقدة في عقله: قرار الاتحاد بذلك الطفل، وما حدث في الحاجز.
كلهم كانوا يشيرون لشخص واحد سيجرؤ على فعلها... نعم، إنه هو!
"يبدو أن شيئًا سيئًا حدث فعلًا... إذا كان السبب هو ذلك الفتى المحاط بالظلام، فهذا يعني... أن جيف في ورطة حقيقية."
"هههههههه!،يبدو ان هذا سكون رائعا،مواجهة بين الاخوان ،لقد فهمت الان جيف كان يحاول ان يوقف هذه الفتاة من معرفة ان اخيها حي.
خرج الظل من العدم فجأة، جسده يتشكل من الضباب الأسود. كان يرتدي معطفًا طويلًا داكن اللون، وقبعة سوداء دائرية تخفي جزءًا من ملامحه، فيما أضاءت عيناه الرماديتان وسط الظلام كسيفين باهتين شعره كان اسود وقصير."حق
اقترب منها، والظلال من حوله تهتز ككائنات حية، وقال بصوت يزلزل الفراغ:
"أميشيا... إن أردتِ إنقاذ جيف، تعالي معي الآن."
بخطوة واحدة، شق الظلام خلفه، فانفتح نفق فراغي مظلم بلا نهاية، تتدفق منه رياح جليدية تحمل صرخات بعيدة كأنها همسات أشباح.
"هذا هو نفق الفراغ... أسرع طريق إلى الحاجز الفاصل بين قارة الوحوش والبشر." قالها ببرود، ثم استدار داخله:
"لنذهب."
ارتجفت أصابع أميشيا، قلبها يخفق بجنون، لكنها مدت يدها بخوف، وتقدمت خطوة داخل الظلام، قبل أن يبتلعها النفق برفقة الظل.
عيونه الرمادية تلمع وسط العتمة، وفي داخله صدى فكرة أخيرة:
"إن كان هو السبب... فسيكون جيف حتمًا في ورطة."
بعد دقائق من السير في النفق، كانت عينا أميشيا الخضراوان تلمعان في الظلام، فيما تتأمل ظهر الرجل الغامض أمامها. لم تهتم بملابسه البسيطة، لكن هالته التي تثقل الهواء من حوله جعلت جسدها يرتجف بلا سبب واضح.
وقبل أن تسأل شيئًا، سرت قشعريرة في جسدها. طاقة وحشية اقتربت بسرعة من مسار النفق، تهدد بتمزيقه.
أمسك الظل يدها بقوة، وبحركة خاطفة شق مخرجًا من الفراغ، ثم قذفها إلى الخارج بقوة هائلة.
"آآه!" صرخت وهي تُقذف من النفق، تدور في الهواء قبل أن تستعيد توازنها بصعوبة.
هبطت على حافة صخرة مرتفعة، رفعت رأسها لتستوعب ما حدث… لكن أول ما لاحظته كان قطرات الماء التي ارتطمت بوجهها.
"مطر؟!" تمتمت بدهشة، وهي تلمس قطرات المطر على جبينها، ثم رفعت بصرها نحو السماء الداكنة التي تمزقها خيوط البرق.
"لكن… في المدينة كان الجو مشمسًا!"
لم يكن لديها وقت لتفكر أكثر. فجأة دوّى انفجار مدوٍّ من بعيد، تبعته موجة صدمية مروّعة أطاحت بالأشجار، وحطمت الصخور، كأن الأرض نفسها انقسمت نصفين. في تلك اللحظة، توقّف المطر. كل شيء صمت فجأة، حتى العاصفة خمدت للحظة واحدة، والسماء تجمّدت كأنها حُبست بين الأنفاس.
"ما هذا…؟!" همست، والهواء من حولها يثقل أكثر فأكثر.
ثم—
انشق الأفق بموجة سوداء هائلة، اجتاحت كل شيء في طريقها، تاركة وراءها حفرة بلا قاع، وجدران الحاجز العملاق ترتجف تحت وطأة كارثة لم يشهدها أحد من قبل.
لم يدم السكون طويلًا. بعد ثوانٍ فقط، عاد المطر… أقوى من ذي قبل، كأن السماء قررت البكاء نيابة عن كل من ماتوا قبل قليل.
شدّت أميشيا قبضتها، قلبها يخفق بجنون:
"لا وقت للتردد… يجب أن أصل قبل أن يحدث ما هو أسوأ."
جمعت طاقتها مجددًا في قدميها، وانطلقت كصاروخ أخضر يخترق العاصفة. لم يتبقَّ سوى بضع لحظات للوصول.
عندما اقتربت من الحاجز، تجمدت عيناها من الدهشة:
جدار أسطوري بارتفاع ثلاثة آلاف متر، يعلو كجبل لا نهاية له، مكوَّن من صخور صفراء ضخمة ترتجف تحت ضغط قوة غامضة. في السماء، تلمع شرارات الضوء، بقايا الحاجز الذي بدأ ينهار شيئًا فشيئًا، وموجات طاقته تتموج في الهواء بضعف شديد.
قفزت أميشيا إلى القمة، وهبطت بسلام فوق الحاجز، لتواجه المشهد الذي سيغيّر كل شيء... في نظرها.
كانت أرض الحاجز مليئة بالبرك التي تكونت من المطر الغزير، لذلك كانت زلقة جدًا.
لكن أميشيا لم تهتم لشيء في هذه اللحظة؛ توقف شعرها عن التحرك مع الهواء، وعيناها أشرقتا باللون الأخضر الشبيه بالغابة، وارتفع ضغطها فجأة.
"من فعل هذا؟!" تساءلت بينما الضغط الخاص بها يرتفع.
لقد رأت العديد من أشلاء الجثث المتناثرة: أذرع، أقدام، وبعض الجثث كانت مقطوعة الرأس. ولكن كان هناك جسد مقصوم عموديًا، وكانت الدماء الخاصة به تنتشر على الأرض وتكوّن بركة، ولا ننسى أيضًا منظر الأمعاء التي تخرج من المنتصف.
في هذه اللحظة شعرت أميشيا بأنها على وشك التقيؤ مما رأته، لكن سمعت صوتًا ينادي باسم جيف بشكل ضعيف.
"جيف، لا تقترب!"
صرخ بها ذلك الرجل بصوت متهدج، وكان واضحًا أن حالته في غاية السوء. فقد كلتا ذراعيه وإحدى ساقيه من عند المفصل، بل إن إحدى عينيه قد اخترقها حجر صغير، وجسده بأكمله كان ينزف بغزارة حتى تشكلت تحته بركة من الدماء.
لكن أميشيا لم تركز عليه، بل انشدت عيناها نحو الشخص الذي كان يناديه ذلك الرجل. كان يقف شامخًا وسط العاصفة، يرتدي عباءة بيضاء ممزقة، يبدو أنها بقايا معركة شرسة خاضها قبل لحظات. كان شعره الأشقر القصير مبتلًا بالكامل من المطر، والرياح تعصف بعباءته بعنف، ولم تستطع أميشيا رؤية عينيه بوضوح، لكن قلبها عرفه... إنه جيف!
كان يمسك بسيف يشع نورًا قويًا، ووجهه يشي بغضب عارم وهو يتقدم بخطوات ثابتة نحو الأمام، كمن فقد كل رحمة بداخله.
حين أعادت أميشيا بصرها نحو الرجل المصاب والمسنود إلى الحاجز، لاحظت الفرق الصارخ بينه وبين جيف. لم يكن يرتدي عباءة بيضاء، بل سوداء مزينة بخطوط بنفسجية دقيقة عند أطرافها السفلية. شعره الأسود كان أطول من شعر جيف، وكان يخفي ملامحه خلف قناع أسود تتوسطه ثلاثة خطوط بنفسجية عمودية، مما زاد من غموضه ورهبته.
كانت فرحة جداً في نفسها ولكن بنفس الوقت شعرت ان هناك شيء غريب وكانت على حق .
فجاة خرجت مسامير سوداء من الارض ، اخترقت جسد جيف فجأة، كأن الأرض نفسها تحولت إلى فخ قاتل. الدماء اندفعت من كتفه، فخذه، وجنبه، وهو يصرخ صرخة مزّقت ضجيج العاصفة. المطر تساقط فوقه بلا رحمة، يختلط بدمه الساخن الذي لوّن الحجارة والبرك.
أميشيا، التي كانت قد وصلت لتوّها إلى حافة الحاجز، تجمّدت في مكانها. عيناها الخضراوان اتسعتا حدّ الذهول، وقلبها انقبض بعنف حتى كاد يخرج من صدرها.
"جيف...؟!"
الاسم تساقط من شفتيها كهمسة مرتجفة، قبل أن يبتلعه هدير المطر والرعد.
لم تستوعب ما حدث في البداية. كل ما رأته هو جسده يهتز تحت وطأة المسامير التي غرزت فيه مثل أنياب وحش من الظلال. سيفه سقط من يده، ارتطم بالأرض بصوت مكتوم، وكأن حتى الضوء نفسه استسلم.
أنفاسها تسارعت، حرارة الغضب اشتعلت في عروقها، يديها ارتجفتا… ثم شدّت قبضتيها حتى تكسرت أظافرها في راحتيها.
لم تعد تسمع شيئًا… لا المطر، لا الرعد، لا حتى صرخات جيف.
كل ما كان يملأ رأسها… هو وجه ذلك الرجل.
ذلك الرجل المتكئ على الحاجز، جسده يقطر دمًا، ينهض ببطء، والظلام يلتف حوله كأفعى لا تموت. عيناه البنفسجيتان الموشحتان بالدماء، تلمعان كشرر جهنمي خلف القناع الممزق.
لم تكن تعرفه، لم تره يومًا، لكن هالته وحدها جعلت عظامها ترتجف. كان أشبه بوحش خرج من رحم العدم. نظرة واحدة منه… جعلتها تشعر بشيء غريب، شيء بين الخوف والكراهية.
لكن حين رأت جيف ينهار على ركبتيه، الدماء تندفع من جراحه، والبرق يكشف وجهه الملطخ بالألم… احترق كل خوف في قلبها.
شيء انكسر في داخلها، وصوتها خرج كالبركان:
"أيها الحقيــــر!!!"
ارتجفت الأرض تحت قدميها، وصوت الرعد غطّى صرختها، لكن الغضب الذي انفجر منها لم يكن بحاجة لصوت… كان هالة من قوة خام، لا تعرف الرحمة.
"هل هو؟ هل هذا هو الوحش الذي قتلهم جميعًا؟"
نظرت إلى جثث الحراس الممزقة، إلى القائد الذي كان يحتضر، ثم إلى جيف، شريكها، الذي بالكاد يتمسك بالحياة.
"كل هؤلاء… قتلتهم وحدك؟ لماذا؟ لماذا؟! ولماذا الآن… تريد قتله أيضًا؟"
عروقها اشتعلت، أنفاسها تحولت إلى نيران صامتة، والعاصفة من حولها بدت كأنها تتغذى على غضبها.
لم تعد ترى المطر. لم تعد ترى الليل. لم ترَ سوى ذلك الظل المائل بجسده، الملطخ بالدماء، خلف القناع الأسود.
"لن أسمح لك… لن أسمح لك أن تلمسه."
تمتمت، لكن الكلمات كانت تغلي بنيران لا يسمعها إلا الموت نفسه.
وفي اللحظة التالية… انفجرت الطاقة.
هالتها تمزقت من جسدها كإعصار، لفّ السماء، مزق المطر، ودارت حولها بسرعة مروّعة.
لونها… أخضر زمردي، ناصع، كأن الطبيعة نفسها سلّحتها لتكون سيفًا.
تحولت بدلتها في لحظة، تضاعفت طبقاتها، وأذرع من الرياح صارت تلتف حول قدميها وذراعيها، وكل حركة منها كانت تشق الهواء كالشفرة.
صرخت مرة أخرى، بصوتٍ مزّق الضباب، ورجّ صدى الحاجز نفسه:
"سأقتلك!!! سأقتلك!!! سأقتلك!!!"
"سأمزقك إربًا… حتى لو اضطررت لنسف هذا العالم معك!!!"
رفعت منجلها عاليًا، والعاصفة لبّت النداء.
دوامة ريح، أشبه بإعصار غاضب، التفّت حول شفرتها، تضاعفت سرعتها، حتى صار الضوء الأخضر يمتد منها كهلال موتٍ يتلألأ وسط الظلام.
ثم… انطلقت.
"منجــــــــــــــل الريــــــــــــــــاح!!!"
الهجوم كان أشبه بنجم ساقط، يشق الفضاء بخط واحد من الغضب الخام.
اصطدم بجسد كورغامي قبل أن يلتقط أنفاسه، اخترق صدره، مزّق عباءته السوداء، قناعه انفجر إلى شظايا تلمع في المطر، وتلاشى صدى الانفجار وسط صمت مخيف…
— ثم حدث ما لم تتوقعه أبدًا.
الحاجز العملاق… اهتز،لم يكن مجرد اهتزاز عابر.،شقوق هائلة بدأت تنتشر فيه، كعروق موتٍ على جسدٍ يحتضر.
وفي ثانية واحدة، انفجر الضوء.
فتحة سوداء شقت الجدار، أضواءه تناثرت في السماء كنجوم تحتضر… وانكسر الرمز الذي حمى عالمهم لعقود.
"مستحيل… الحاجز… انهار؟!"
لكن صرخة ذهولها ضاعت مع المشهد الذي تلاها:
كورغامي طار جسده عبر الفتحة، يبتلعه الظلام، ينجرف نح الهاوية خلف الحاجز، فيما كانت الريح تصرخ باسمه كأنها تنتقم للعالم بأسره.
أمسكت منجلها بقوة، أنفاسها متقطعة، قلبها يغلي. لم تعرف من يكون. لم تعرف لماذا فعل كل هذا. ولم تهتم.
"لقد اسرعت نحو جيف بسرعة "