رأى جيف كورغامي يسقط ببطء في ظلمة قارة الوحوش، جسده يطفو بلا وزن وسط الفراغ المظلم، وعيناه البنفسجيتان المتعبتان، محاطتان بحلقات سوداء دقيقة، تلمعان بخفوت كأنهما تقولان:
"عليك حمايتها من كل شيء..."
كان جيف مذهولًا، عينيه الزرقاوان لا تصدقان ما ترى، قلبه يتوقف للحظة، وكأن الزمن تجمد.
تساءل فجأة:
"هل كل هذا القتال فوق الحاجز... وقتله لكل الحراس وتعذيبه للقائد... كان فقط ليحضِرني إلى هنا؟" تمتم جيف بصوت متهدج، والدهشة تعتلي ملامحه.
تذكر كل شيء... القتال العنيف، الانهيار المتسارع للحاجز، وحتى القتال بينهم. أدرك فجأة أن كورغامي كان يعرف أنه سيأتي في حالة طوارئ، لذا بدأ خطته بلا رحمة.
"لقد قتل الحراس وعذب القائد... وعندما كان على وشك إنهاء الأمر، تدخلت أنا وأنقذته. ولكن القتال بيننا أضعف الحاجز بشكل رهيب." قال جيف وهو يعض على لسانه بغضب واضح.
"لقد استخدم تقنيته التي جعلتني أتجنبها عمدًا لكي لا أموت... يعرف أنه سيتلقى ضررًا عقليًا وجسديًا، لكنه لم يهتم وأكمل خطته." أكمل جيف بحدة.
ارتفعت غمامة الغضب في عينيه، واسترسل:
"عانيتُ كثيرًا، لكن ليس مثله. وعندما نزلت إلى أرض الحاجز، ضربته بقوة. رغم الضرر، كان يبتسم كما لو أن الألم لا يعنيه... هذا ما جعلني أغضب أكثر."
تقدم بخطوة، وصرخ:
"ركلته بقوة فأرسلته طائرًا إلى الحاجز، حيث تلقى شرارات ضوئية من الحاجز نفسه وكهَّرت جسده."
توقف قليلاً، ثم قال بغضب يشتعل:
"عندما سألته لماذا فعل هذا بالحارس، أجابني بطريقة مستفزة: 'لقد حذرني القائد، ولكني لم أهتم... ووقعت في فخه.'"
نظر جيف إلى الأفق حيث كان الظلام يبتلع كورغامي، وأكمل بنبرة مريرة:
"وعندما كان على وشك أن يسدد الضربة القاضية لي... تدخل شخص ما وأصابَه!"
وفجأة، سمع صراخًا يقترب بسرعة، صوت أميشيا، تصرخ باسمه بقوة:
"جيف!"
ركضت أميشيا نحو جيف، عيناها مليئتان بالقلق والخوف، وكل ما في قلبها يتمنى أن يكون بخير.
وعندما وقف في تلك اللحظة، كانت عباءته البيضاء ممزقة ومقطعة من آثار المعركة، وحتى مسامير الظلال لا تزال تخترق جسده من الداخل.
لكن، نظر إلى أميشيا، تحرك شعره الذهبي تحت المطر، وفتح فمه بابتسامة مشرقة، وكانت عيناه الزرقاوان تنظران بحنية.
لكن في تلك اللحظة، تارجح فجأة وكاد يسقط إلى الوراء، لولا أن أميشيا وصلت بسرعة...
قلب أميشيا يخفق بعنف، وعيناها الخضراوتان تملأهما مزيج من الخوف والارتياح. لم تستطع أن تخفي دموعها التي تشق طريقها على وجنتيها رغم المطر البارد.
نظرت إلى وجه جيف المبتسم، رغم كل الجراح والتعب، وشعرت بقوة لا توصف تتدفق في صدرها.
همس جيف بصوت خافت لكنه مليء بالامتنان:
"شكرًا، أميشيا... لولاك، لما كنت واقفًا الآن، لذلك أرجوك، لا تبكي."
"همف، الآن تقول هذا أيها المغفل."
لكن أميشيا لم تستطع كبح غضبها، صوتها احتدم عندما قالت:
"لماذا لم تسمح لي بالذهاب معك؟ لماذا تركتني أجهل ما يجري؟"
تردّد جيف للحظة، ثم قال بصوت مثقل بالأسف:
"كنت أحميك... لم أرد أن تواجهي هذا الخطر."
رفعت أميشيا حاجبيها بغضب، وصرخت:
"حمايتي؟! وأنا أكثر من تستطيع القتال بجانبك! لا تستخف بي، جيف."
تلاقى نظرهما، في تلك اللحظة، كان هناك أكثر من كلمات، كانت هناك ألف معنى محشورة بين الألم والغضب والرغبة في الثقة.
فجأة، تألم جيف بشدة، وصرخ بقوة حتى أغمي عليه.
تفاجأت أميشيا مما رأته، التفتت نحو المسامير التي تغرز في جسده وحاولت نزعه بسرعة.
"توقفي!" جاء صوت صارم، لكنه كان محاطًا بصدى صرخات مدوية تخترق طبلة أذنها.
فجأة، خرج الظل من شق الفراغ، عيونه الرمادية تلمع بضوء رهيب، ووجوده يملأ المكان بهالة من الغموض والقوة.
تجمّدت أميشيا للحظة، ثم همست بارتباك واحترام:
"آه... سيدي الظل..."
قال الظل بنبرة صارمة:
"هل أنتِ غبية؟ ألا ترين أن جيف قد أُغمي عليه ويتألم بشدة؟
إذا لمستي هذه المسامير فقد يصيبك شيء أسوأ. نحن لا نعلم ما الذي يميز هذه المسامير المظلمة، ولا نعرف ما الذي استخدمه ذلك الشخص ذو العباءة السوداء."
ردت أميشيا بغضب لا يخلو من إصرار:
"لا يهمني الألم، يجب أن أنقذ جيف، ولا أهتم لذلك الشخص. إذا نجا وقابلته مرة أخرى، سأجعله يدفع الثمن على ما فعله به."
تنهد الظل في نفسه وقال بمرارة:
"فتاة غبية وحمقاء..."
ثم أشرقت عيناه الرماديتان فجأة بضوء رهيب، وأضاف بصوت يزلزل الفراغ:
"هل تعتقدين حقًا أن بإمكانك هزيمة شخص قام بإبادة حراس الحاجز وتعذيب قائدهم؟"
وهنا تأتي الحقيقة المرة:
"هؤلاء الحراس لم يكونوا ضعفاء، بل كانوا من رتبة SS، والقائد كان استثنائيًا من رتبة SS+... كانوا قوة هائلة، لكن طيف هذا الرجل تكمن في قتله لهم."
تقدم الظل نحو أميشيا وقال بحزم:
"تنحي جانبًا."
حاولت أميشيا المقاومة، لكن أمام ضغط قوته كانت كالنملة الصغيرة، لم تستطع المواجهة.
وضعت جيف ببطء على الأرض المبللة وتراجعت.
مد الظل يده، وتجملت الظلال حولها محاولًا استخراج أحد المسامير، لكن المسمار رفض الخروج من جسد جيف.
لم يستسلم، وضخ طاقة أكبر حول يده، تجمعت ظلال بكثافة، وأخيرًا استخرج أحد الأوتاد، لكن مع إخراجه ظهرت أمامه ظلال متحركة من المسمار، قاومت طاقته بشدة، مما أسفر عن هبوب رياح عاتية.
ضحك الظل ساخراً:
"مجرد هالة صغيرة تجرؤ على قمعي..."
تساءل الظل في نفسه:
"ما هذا؟ لماذا أرى أن هذا المسمار له إرادة خاصة؟ هذا نادر جدًا." كان تعبيره مدهشًا.
نظرت أميشيا إلى القوة التي أخرجها الظل، وقالت في نفسها:
"هل هذه قوة بطل الظل؟ لم أرها من قبل، ولكن من مجرد نظرة على قوته، أستطيع أن أقول إنها قوية جدًا. ومع ذلك، حتى هذا المسمار استطاع مقاومة طاقته... كم تبلغ قوة ذلك الشخص؟ بالمقارنة بي، ياترى."
في تلك اللحظة، كانت أميشيا تتساءل في نفسها:
"لقد وصلت متأخرة، لذا لم أرَ القتال، لكن مما عرفته، إنه قوي جدًا. استطاع أن يقاتل الحراس بالكامل ويقضي عليهم، وعذب قائدهم، وأصاب جيف بإصابات بالغة... قوي جدًا."
"ولكن هناك إشاعات أن الظل حارب ضد باربوس بنفسه وأصيب بجروح، مما أدى إلى انخفاض قوته إلى رتبة SSS. كان غامضًا جدًا، لا يظهر إلا في المناسبات الكبيرة أو الضرورية، ولا يحب القيام بالمهام ضمن مجموعة، بل يفضل إنجازها بشكل منفرد، لذلك على الأرجح أنه ليس بخصم للظل!"
ضغطت أميشيا يدها بقوة، وعيناها تلمعان بالحرق، وقالت بصوت مليء بالإصرار:
"متى سأصل لهذا المستوى من القوة؟
أريد أن أصبح أقوى... لأتمكن من البحث عن أخي."
ترددت للحظة، ثم أضافت بنبرة حزينة:
"لم أر أخي منذ ما يقارب السنة...
في ذلك اليوم الذي طُرد فيه من الأكاديمية، لم يعد حتى الآن."
تنهدت، قبل أن تتابع بوضوح في صوتها:
"ولكن قبل عدة أيام، جاء شخص... نعم، إنه نفس الشخص الذي أصاب جيف!"
أخذت نفسًا عميقًا، وقالت:
"في تلك المرة، سلّم الأربعة زعماء، وتقاتل مع عدة أبطال في قاعة اتحاد الأبطال.
لولا أن بطلة العاصفة تدخلت وأخرجتني أنا وجيف من قاعة الأبطال في ذلك اليوم، لكنت تمكنت من رؤية أسلوب قتاله عن قرب... للأسف، لم أتمكن."
أغمضت عينيها للحظة، ثم همست بأمل:
"أتمنى أن يعود أخي... أتمنى."
وبقولها ذلك، بدأت بدلتها القتالية تنبعث منها طاقة ضوئية انتشرت في الهواء، وظهرت أميشيا بفستانها الأبيض المزخرف بالخطوط الخضراء في أسفله.
انتشر شعرها الأسود الطويل، ولمعت عيناه الخضراء الشبيهة بغابة غنية بالحياة.
صوت هادئ جاء من الخلف:
"أيها الفتاة... لقد انتهيتِ من نزع المسامير من جسده. الآن علينا نقله هو وقائد الحراس إلى مستشفى الأبطال لتلقي العلاج."
قالت أميشيا بدهشة:
"آه... أوه، نسيت القائد."
تدخل صوت آخر ساخر:
"ما هذا... أنتم الجيل الجديد مجرد أشخاص مجانين..."
تابع:
"سوف أجلب القائد، لنتمكن من دخول نفق الفراغ."
سألت أميشيا بقلق:
"ولكن سيدي، لماذا رميتني سابقًا؟"
أجابها بطل الظل بغموض:
"لا أستطيع إخبارك الآن، لكن ربما أخبرك في المستقبل."
بسكوته، صمتت أميشيا وقامت.
فتح بطل الظل نفق الفراغ، ولكن قبل أن يدخلوا قال:
"يجب أن أطلب بعض الأشخاص لتجميع الجثث وإقامة جنازة لهؤلاء الأبطال الشرفاء."
أمالت أميشيا رأسها بالموافقة.
"جيد، لنذهب." تحدث بطل الظل بينما دخل وهو يحمل القائد الفاقد، لذراعيه واحدة وقدميه وعينه اليمنى، وأميشيا تحمل جيف.
أغلق بطل الظل النفق خلفهم بإحكام