المجلد الثاني - شيطان التغيير [Shadow Slave]

الفصل 102: القديسة الحجرية

المترجم: محمد

_____

في ساحة قاتمة تحيط بها أطلال مبانٍ مهيبة، كانت معركة شرسة توشك على نهايتها. كانت بقايا الحامي المهيب متناثرة فوق الأحجار الباردة، ممزقة بلا رحمة إلى أشلاء.

تراجع ساني وقد اعترته الدهشة. "لقد هُزِموا بالفعل..."

كان مذهولًا بحق. فالتماثيل الحية التي كانت تحرس الساحة كانت خصمًا عصيًا على المواجهة. ورغم أنها لم تكن الأكثر رعبًا بين مخلوقات المدينة الملعونة، من حيث الحجم أو القوة الجسدية، إلا أن أجسادها الغريبة تميّزت بصلابة مذهلة وقدرة خارقة على امتصاص كميات هائلة من الضرر.

فضلًا عن ذلك، كان المحاربون الحجريون أقوياء البنية، منضبطين، متمرسين في استخدام السلاح، وقاتلين إلى درجة مخيفة. تمكنوا من تنسيق تحركاتهم بامتياز، مستعينين بالإستراتيجية والتكتيك لإسقاط خصوم يفوقونهم عددًا وقوة. سقطت وحوش لا تُحصى على شفراتهم الصامتة.

لهذا السبب، كان ساني يتجنب دومًا الاشتباك مع تلك الكائنات الغريبة. ورغم أنهم لم يكونوا من رتبة الساقطين، إلا أن المنتقمين الحجريين كانوا يشكلون تهديدًا كافيًا ليجعلوه في غاية الحذر.

ومع ذلك... كانت ملكية الساحة على وشك أن تتغير.

جثث السادة السابقين ملقاة على الأرض، ممزقة بلا رحمة. وقد بدوا بعد موتهم كتماثيل محطمة. حتى دروعهم المعدنية وأسلحتهم تحولت إلى حجر ما إن هلك حاملوها. انتثرت خمس أو ست من هذه الأكوام الحجرية في أرجاء الساحة، بينما لم يخسر المهاجمون سوى ثلاثة من عددهم – أحدهم كان الوحش الهائل الذي تحطم داخل مبنى سابقًا. كانت كل جثة منهم ترتفع فوق الحجارة الداكنة كتلٍ صغيرة.

أما الغزاة، فكانوا من نوع من مخلوقات الكابوس لم يسبق أن رآه ساني من قبل. شبه العناكب العملاقة، كانت أجسادهم مغطاة بطبقات من صفائح الحديد المطاوع. تحركوا بقوة وسرعة مرعبتين، فتركت كل خطوة منهم تشققات عميقة في الحجر المرصوف.

في تلك اللحظة، كان اثنان منهم في الساحة، يدوران حول المحارب الحجري الأخير الذي لا يزال صامدًا.

كان ذلك التمثال الحي الأخير أنثى، ويبدو أصغر حجمًا إلى حد مثير للسخرية مقارنةً بتلك العناكب. لم تكن أطول من ساني نفسه. كانت هذه القديسة الحجرية الرشيقة مسلّحة بسيف ودرع دائري، وترتدي درعًا صفيحيًا يغطي معظم جسدها، تاركًا عينيها فقط مكشوفتين... أو بالأحرى، حجرين من الياقوت يشتعلان بلهيب قرمزي يتوهج في محجريها.

درعها وسلاحاها كانا بلون أسود قاتم، مصنوعين من سبيكة ثقيلة مجهولة. لكن في الحقيقة، لم يكونا سوى امتداد لحجارتها، شأنهما شأن جسدها. إلا أن القوة المظلمة التي حولت جسدها الغرانيتي إلى لحم غريب، قد حولت أيضًا درعها الحجري إلى معدن قاتم كالفولاذ.

كانت التمثال الأنثى واقفة بثبات، درعها مرفوع، وسيفها يغرس طرفه في الأرض. انخفض رأسها قليلًا، وعيناها الياقوتيتان تراقبان بصمت تحركات وحوش العنكبوت.

لم يكن ساني متأكدًا، لكنه اشتبه في أن تلك العناكب كانت من رتبة الساقطين. في جميع الأحوال، كانت المحاربة الحجرية محكومًا عليها بالفناء. بدا أن الوحشين كانا يتلاعبان بها، يتلذذان بإحساس تفوقهما وعجز فريستهما قبل أن يقضيا عليها.

لم يكن الأمر يزعج ساني. في الواقع، كان ينتظر العرض. مشاهدة مخلوقات الكابوس وهي تفتك ببعضها كانت إحدى هواياته المفضلة... والأجمل أنه لم يكن مضطرًا للقلق بشأن من سينتصر.

"هيا... خذوها!"

لكن في اللحظة التالية، تفاجأ.

ففي منعطف غير متوقع، كانت المسخة الحجرية هي من اندفعت أولًا نحو العناكب. ضربت سيفها مرتين بهدوء على حافة الدرع، ثم انطلقت للأمام بعزم قاتم.

كان العنكبوت الذي استهدفته بطيئًا في ردة فعله. ومع ذلك، وبفضل بنيته الفائقة، تمكن من رد الهجوم بضربة مدمرة من إحدى قوائمه. انطلقت ساقه الحديدية كقضيب يهوى لتحطيم جسدها الحجري إلى شظايا.

غير أن القديسة الحجرية صدّت الضربة بسيفها، ثم ارتطمت بالعنكبوت بدرعها المستدير، دافعةً كل وزنها وقوتها غير البشرية في الهجوم.

اتسعت عينا ساني بينما انزاح جسد الوحش الساقط العملاق وانقلب على ظهره.

تبع ذلك سقوط السيف الأسود، فاهتزت أحشاء الوحش تحت الضربة. توالت الضربات بعد ذلك كالمطر، تهوي على بطنه الحديدي، وترجُّ أرجاء الساحة بأزيز المعدن المسحوق. كانت المحاربة الحجرية تهاجم بضراوة وحشية، مستخدمة سيفها ودرعها لإلحاق أقصى قدر من الضرر في أقصر وقت ممكن.

بدأ الدرع الحديدي الذي يحمي الأجزاء الرخوة للوحش بالتصدع... ثم انضم العنكبوت الثاني إلى المعركة.

ما تلا ذلك لم يكن أقل من مجزرة مروعة.

رغم أن العناكب كانت أسرع وأقوى بكثير، فإن القديسة الحجرية صمدت في وجههما لفترة مذهلة. كانت إرادتها الصلبة وعزمها القاسي كفيلين بإيقاف الوحوش الهائجة.

تحركت بدقة قاتلة، كآلة قتل متعطشة للدماء، لا تعبأ بالنجاة بقدر ما تهتم بإلحاق أكبر قدر ممكن من الألم.

بدا أنها مصممة على جرّهما معها إلى القبر.

سرعان ما تراكَمت الجراح في جسدها، فتحولت إلى ما يشبه تحفة من الفن المدمَّر. لكن العناكب لم تكن في حال أفضل: كان الدم الفاسد يسيل من جراحهما، يغمر الساحة بلون أحمر داكن.

تناثرت الأطراف المقطوعة وشظايا الحديد على الأرض، واختلطت ببقايا المحاربين الحجريين المحطَّمة.

وأخيرًا، سقط أحد العناكب يتلوى على الأرض، يلفظ أنفاسه الأخيرة.

اندفع العنكبوت المتبقي بغضب عارم نحو المسخة الحجرية، وعيناه تتوهجان بالحقد. ارتفع درعها الأسود الدائري للمرة الأخيرة... ثم طار جانبًا، ممزقًا مع ذراعها اليمنى بالكامل.

لكن في ذات اللحظة، اخترق سيفها جمجمة الوحش، منهيًا حياته. ثم تهشّم النصل وسقطت هي بدورها، متحولة إلى حجر.

هزّ ساني رأسه بإعجاب. يا له من مشهد مبهر! كائن مستيقظ متواضع يقتل وحشين ساقطين... شظية الغسق دائمًا ما تحب أن تُحدث ضجّة في النهاية.

لكن، حين يفكر في الأمر، فإن ما حدث لا يكاد يُصدق.

وقد دفعت تلك القديسة الحجرية الرشيقة ثمنًا باهظًا لتحقيق معجزتها الدموية.

ترنحت إلى الخلف ثم سقطت أرضًا بثقل، وقد قضى عليها تمامًا.

وهكذا... انتهت معركة الساحة المظلمة. ولم يفز أحد.

2025/06/05 · 57 مشاهدة · 852 كلمة
Mohamed zhg
نادي الروايات - 2025