المجلد الثاني - شيطان التغيير [Shadow Slave]

الفصل 105: الحجر الحي

المترجم: محمد

_____

في السابق، كان ساني يظنّ أن التماثيل الحيّة ليست سوى آثار أُعيد إحياؤها بواسطة أرواح شريرة. فقد كان هناك الكثير من الزبّالين من هذا النوع يجوبون شوارع المدينة الملعونة.

خذ الفارس الأسود على سبيل المثال — كان ساني شبه متيقن من أن ذلك الوغد لم يكن سوى درعٍ فارغ تسكنه روح انتقامية حبيسة. لم يكن هناك ما يدل على وجود جثة حقيقية داخل تلك القلعة المتحركة من الفولاذ... على الأقل لم يرَ دليلاً على ذلك.

لكن بعد أن شاهد القديسة الحجرية تموت أمام عينيه مباشرة، لم يعد متأكدًا ما إن كانت هي والفارس الأسود ينتميان إلى ذات الفئة. لا شك أن هناك أوجه شبه بينهما… حتى تصميم دروعهما بدا متقاربًا إلى حد ما، كما لو أن أحدهما مشتق من الآخر. إلا أن درع المحاربة الحجرية بدا أكثر... قِدمًا.

ثم كان هناك غبار الياقوت الذي انساب من جراحها بدلًا من الدم. منذ متى والتماثيل تنزف؟ بدا الأمر وكأن هذه الكائنات الغريبة صُمّمت لتحاكي شكلًا خاصًا بها من الحياة. وإن تأمل المرء قليلًا، لوجد أن المحاربين الحجريين أقرب إلى مخلوقاتٍ اصطناعية بعثت إلى الحياة بسحر مظلم، أكثر مما هم كائنات حيّة.

"ألغاز، ألغاز، ألغاز في كل مكان!"

ربما كانت الأحرف الرونية التي تصف القديسة الحجرية ستمنحه بعض الإجابات.

في تلك الأثناء، بدأت الصدى تنبض بالحياة. اشتعلت نار أرجوانية في عينيها المصنوعتين من الجواهر، ولمع درعها الحجري ببريق معدني خافت، بينما صار السطح الأملس لجلدها الغرانيتي أقل صلابة بقليل. أدارت رأسها بصمت، وحدّقت في ساني من خلال الشق الضيق لخوذتها.

"دعنا نرى..."

ركّز نظره على الأحرف الرونية.

الصدى: القديسة الحجرية رتبة الصدى: مستيقظة فئة الصدى: مسخ سمات الصدى: [سيدة المعركة]، [قوية البنية]، [علامة الألوهية]

رمش ساني بدهشة.

علامة الألوهية؟

لقد كانت هذه سِمته الأصلية! فما شأن مخلوقة كابوسية تتجول حاملة أثرًا من الألوهية محفورًا في روحها الشريرة والفاسدة؟

وماذا عن باقي السمات...

[سيدة المعركة]: "وُلدت في ساحة المعركة، والقديسة الحجرية بارعة في شتى أساليب القتال." [قوية البنية]: "القديسة الحجرية مقاومة بشدة لمعظم أشكال الضرر، كما أنها محصنة تمامًا ضد الهجمات العقلية والروحية."

هزّ ساني رأسه بحيرة. لا عجب أن هؤلاء المحاربين الصامتين كانوا قاتلين إلى هذا الحد. لقد كانوا، حرفيًا، آلات قتل بُعثت لتدوم أطول وتُخلّف أكبر قدر من الدمار في ساحة المعركة.

لكن... من الذي خلقهم؟

ترك السمات جانبًا، خفَض بصره ليقرأ السطر التالي من الأحرف الرونية:

[في أعماق القاعات الكهفية لمنطقته المظلمة، خلقها آخر الأطفال — المجهول — من الحجارة، لِيُخمد النار المتأججة في قلبه الغاضب. ومع ذلك، لم ينطفئ لهبه، بل ازداد اشتعالًا. صُمِّموا لجلب السلام، لكنهم وُلدوا في حربٍ لا تنتهي.]

هاه... المجهول مجددًا. أو بالأحرى، أطفاله. يبدو أن نظريته كانت صائبة. القديسة الحجرية كانت إما مخلوقة اصطناعية، أو من نسل أحدهم. وفي الحالتين، كان ذلك قبل أن تُفسد... أياً كان ما أفسد مخلوقات الكابوس جميعها، وخصوصًا تلك التي في المدينة الملعونة. حتى الحكّام أنفسهم ما كانوا ليعرفوا على وجه التحديد ما كانت عليه من قبل.

لا يهم. فالوحش يبقى وحشًا.

ما شغل ساني أكثر، هو أن أثر الألوهية الذي تحمله القديسة لا بد أنه أتى من صانعها الأصلي، والذي كان، جزئيًا على الأقل، أحد المجهولين. وهذا يعني أن المجهول كان مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالحكام... وبالألوهية ذاتها.

تمامًا مثل ويفر الغامض.

أبعد ساني نظره عن الأحرف الرونية، وراح يتأمل الصدى الساكنة بعينيه المتغيرتين. ما رآه جعله يبتسم بظلمة.

كما في الذكريات، كان الجوهر الحقيقي للصدى منسوجًا من خيوط ماسية لا تُعد، تشكل نمطًا معقدًا بلا حدود. إلا أن النمط هنا بدا أكثر تعقيدًا، يقزّم كل ما رآه ساني من قبل.

كان هناك جمرتان تشتعلان داخل جسد القديسة الحجرية، تعملان كمراسي تربط الخيوط اللامتناهية. كانت إحداهما في موضع القلب، والأخرى أسفل البطن.

أغلق ساني إحدى عينيه وحدّق بتركيز. خلف ذلك النسيج الماسي المتلألئ، لمح نظامًا آخر أكثر بدائية وخشونة، مكوَّنًا من خيوط أدمانتينية تخترق لحم الصدى الحجري، على غرار الجهاز العصبي لدى البشر.

كانت تلك الخيوط تبدو أيضًا ماسية، لكنها لم تكن أثيرية، بل مادية تمامًا. عقد ساني حاجبيه.

"حسنًا... هذا منطقي. انتظر، كيف يكون هذا منطقيًا؟"

كانت الذكريات والأصداء تُنشأ بواسطة التعويذة. مخلوقات اصطناعية. والقديسة الحجرية كذلك، لكنها صُنعت بطريقة أكثر... دنيوية. خُلِقت بيد أحد أطفال المجهول، تمامًا كما تُخلق الأصداء بفعل التعويذة.

فما الذي يعنيه هذا؟ أن التقنية المستخدمة في خلق القديسة الحجرية تشبه بشكل مخيف تلك التي تستخدمها التعويذة، رغم بدائيتها الظاهرة.

هل يعني ذلك أن التعويذة نفسها جاءت من المجهول؟

قطّب ساني جبينه وهزّ رأسه. كلا، رغم أن النظرية معقولة، إلا أن ما لديه من معلومات ضئيل جدًا، ولا يمكن الجزم بأي شيء بعد. لا بد من معرفة المزيد... من البحث أكثر، والاكتشاف أكثر، قبل أن يتمكن من فهم القصة الحقيقية التي ربطت التعويذة، والحكام، والمجهول، وحياته... في نسيج كابوس واحد.

لكن سيكون لهذا أوانه لاحقًا.

أما الآن، ففي يده ما هو مشوّق بما يكفي.

نظر نظرة أخيرة إلى المسخ الحجري الرشيق، وارتسمت على وجهه ابتسامة داكنة، ثم لعق شفتيه بخفة وقال بخجل:

"فلنـ... فلنفعل هذا."

تقدّم بخطوة، ثم تردد لحظة، ومد يده ببطء، حتى استقرت راحته على درع صدر القديسة الحجرية... مباشرة فوق المكان الذي وُجدت فيه نقطة الارتكاز الرئيسة لنسيج سحرها.

لدهشته، كان الدرع الحجري دافئًا تحت لمسته. كما لو أن لهبًا قرمزيًا غاضبًا كان يحترق داخل صدر مخلوقة الكابوس.

هاه...

بمجرد أن لمس ساني الصدى، ظهرت سلسلة جديدة من الأحرف الرونية في الهواء أمامه:

[تحويل الصدى إلى ظل؟]

تردد، مجددًا يساوره الخوف من اتخاذ القرار. ماذا إن جعلت هذه العملية القديسة الحجرية أضعف؟ أو أسوأ، عديمة الفائدة؟

حاول أن يطرد هذا الاحتمال من ذهنه، ثم تنهد وقال بتصميم:

"نعم!"

في الحال، حدث تغيّر خفي في بحر الروح، كأن عاصفة من الرياح هبّت فجأة من العدم. المياه الساكنة في الأعماق بدت في آنٍ واحد ثابتة... ومضطربة بلا كلل. ثم، انبثق ضغط مفاجئ من العلاء.

رفع ساني رأسه، ورأى شعاعين داكنين ينحدران من أعماق جوهر الظل. سقط أحدهما على الصدى، والآخر على أحد الظلال الصامتة التي كانت واقفة بلا حراك خلفه، كما لو أنهما ارتبطا الآن.

غمرت القديسة الحجرية الميتة أنوار الظل، وبدأت تتلاشى داخله ببطء.

ثم... بدأ الصدى يتغير.

2025/06/05 · 78 مشاهدة · 959 كلمة
Mohamed zhg
نادي الروايات - 2025