المجلد الثاني - شيطان التغيير [Shadow Slave]
الفصل 114: صوت الظلام
المترجم: [محمد]
_____
جاء الصوت الساحر من البئر في موجة من الأصداء المرتدة. كان صوتًا ناعمًا وعذبًا، ينساب كأنغام حريرية متواصلة... لو أن البشر فقط امتلكوا مثل هذا الصوت. لا، بل ربما كان أقرب إلى صوت كائنٍ سامٍ، لا مجرد شابٍ بشري.
‘... أوه، هذا وقح.’
لم يكن ساني في مزاج يسمح له بتقدير جمال الصوت الناعم والغني.
كان يتصبب عرقًا باردًا.
ترددت أصداء الصوت:
"...الوقت... الوقت... الوقت."
على امتداد كل الوقت الذي قضاه على الشاطئ المنسي، لم يلتقِ ساني سوى مخلوق واحد قادر على تقليد الكلام البشري. ولا تزال ذكرى ذلك اللقاء توقظ رعشة عميقة في جسده.
ذلك الشيء الذي خرج من أعماق البحر المظلم، مغطى بعباءة من الضباب، وسرق صوت كاسي... كان بلا شك أحد أكثر الكائنات رعبًا التي واجهها في حياته. لم يكن يرغب حتى في استدعاء الرعب المطلق الذي اجتاحه عندما أحاط به سرب من الأصوات الهامسة تلك الليلة. لم يتمسك بعقله سوى بفضل تحذير الفتاة العمياء في اللحظة المناسبة.
لقد نجا فقط بإغلاق عينيه بإحكام.
والآن... كان هناك واحدٌ آخر.
"لماذا كان هؤلاء الصيادون يبحثون عن هذا الرعب القديم؟"
عبس ساني. إن كان هنالك شرٌّ يتخمر داخل القلعة، فعليه أن يُحذّر النجمة المتغيّرة. لكنه لم يكن قادرًا على التصرف دون فهم الوضع بالكامل.
ولهذا السبب أجبر نفسه على الثبات، رغم أن كل خلية في جسده كانت تصرخ بالفرار. لكن الغريزة لا تكون دائمًا ناصحة حكيمة. فالبشر يمتلكون العقل لسبب.
كانت فتحة البئر السوداء تلوح أمامه كبركة من الظلام، تشبه بشكل مذهل تلك الشبكة المزخرفة الثقيلة التي أبقت المتحدث الساحر سجينًا في أعماق العتمة.
لعق ساني شفتيه محاولًا استعادة رباطة جأشه. وعلى استعداد لاستدعاء القديسة الحجرية وشظية الغسق في أي لحظة، خطا خطوة إلى الأمام وحدّق مجددًا في الفراغ المظلم.
ثم قال ببطء:
"سعيد بلقائك."
لم يكن يصدق أنه يحاول التواصل مع السجين المرعب في البئر بدلًا من الهرب دون أن يلتفت وراءه. الحياة... مليئة بالمفاجآت.
حتى اللحظة التالية، حين فاجأه الصوت مجددًا.
ضحكة مكتومة وناعمة دوت من أعماق البئر، ثم قال الصوت بعد أن تلاشى صدى الضحكة في فناء الظلال:
"أوه... لا... الشرف لي..."
"...لي.. لي...لي."
فكّر ساني مليًّا في كلماته التالية.
‘قد تكون حياتي معلقة على ما سأقوله الآن.’
لم يستطع إلا أن يتذكر تلك الحكايات القديمة عن الوحوش المرعبة التي تحبّ لعب الألغاز مع الأطفال التائهين... إجابة واحدة خاطئة، ويُبتلع الطفل، ولا يُرى مجددًا. هل سينتهي به الحال في مصير مشابه؟
لم يفت الأوان بعد للانسحاب.
ولكن قبل أن يتمكن من طرح سؤال أو اتخاذ قرار، تحدث الكائن في البئر مرة أخرى:
"إذن... هل ستطعمونني أخيرًا، أم لا؟ لا أقصد الإهانة، ولكنكم مؤخرًا... تأخرتم كثيرًا. لقد بقيت هنا، وحيدًا، لثلاثة أيام كاملة. أم أنكم قررتم تجربة شيء جديد؟"
تجمد ساني في مكانه، مذهولًا.
‘ماذا؟’
... لم يكن هذا ما توقعه من شر قديم. بدا هذا الكائن... بشريًا. كان يميل تقريبًا إلى تصديقه.
"هكذا يبدأ الأمر، أيها الأحمق!"
أجبر ساني نفسه على البقاء يقظًا. ماذا كان يعرف عن كيفية حديث الشرور البدائية أصلًا؟ إن كان قادرًا على سرقة اللغة البشرية، فلا شك أنه قادر على سرقة أشياء أخرى.
مرت ثوانٍ قليلة في صمت، ثم عاد الصوت قائلاً:
"آه، فهمت... إذن نعاني المجاعة الآن. حسنًا... لا بد أن أعترف، هذه أفضل فكرة تطرحونها منذ زمن. للأسف، لن تنجح. هل تعرفون نوع النظام الغذائي الذي نتبعه نحن المتدرّبون لنحافظ على أجسادنا؟ لا أعتقد ذلك. في الواقع، يجب أن أشكركم! إنها فرصة ممتازة لأعمل على خفض مؤشر كتلة جسدي."
"...مؤشر كتلة جسدي... مؤشر كتلة جسدي... مؤشر كتلة جسدي."
‘انتظر، ماذا؟!’
حدق ساني في البئر، مذهولًا. رمش بعينيه.
"لا تقل لي... لا تقل لي أن هناك فعلًا شخصًا جالسًا في قاع هذا البئر اللعين!"
شعر وكأن العالم تجمد. فرك جبينه، ثم سأل بصوت غريب:
"من أنت؟"
ساد الصمت.
تذكّر ساني ما قاله له الصوت من قبل... شيءٌ عن الجوع وعدم تلقي الطعام منذ أيام. بدا الأمر مشؤومًا حينها، لكن إن نظر إليه من زاوية أخرى...
إن كانت تلك المجموعة من الصيادين الذين قُتلوا في طريقهم لتوصيل الطعام إلى سجين، فسيُفسّر ذلك سبب بقاء الرجل المسكين بلا طعام لبعض الوقت.
لكن... لماذا يحتفظ أحدهم بشخصٍ ما سجينًا في هذا المكان النائي من الأنقاض؟
وفي هذه الأثناء، عاد الصوت من البئر، متوترًا هذه المرة:
"انتظر... أنت لست أحدهم... أنت لست... أوه! أوه، يا إلهـي!"
غطى ساني وجهه بيده، مدركًا ما سيحدث الآن.
"أوه، أيها الحكام! إنه ليس إنسانًا! يا إلهـي... سأموت! هؤلاء الأغبياء الحمقى قتلوني أخيرًا!"
من منظور النائم المحبوس داخل بئر في وسط الأنقاض، لا يمكن أن يأتيه سوى نوعين من الكائنات: خاطفوه... أو مخلوقات كابوسية.
وساني استبعد كونه من الخاطفين بطرحه ذلك السؤال الأخير. مما لم يترك أمام السجين سوى خيار واحد مرعب.
والحقيقة أن ساني جاء في الليل، وحده، دون حتى شعلة لإنارة الطريق، كل ذلك جعل الاستنتاج أكثر رعبًا.
"انتظر... إنه يتحدث... أوه، يا إلهـي! لقد سمعت عن مخلوق واحد على الشاطئ المنسي قادر على تقليد الكلام البشري... لا، لا، لا، لا يمكن..."
‘اللعنة، إنه يملك صوتًا جميلًا بالفعل. صوته عذب حتى حين يغمره اليأس... هاه؟ ما هذا؟ إنه مجرد صوت! لماذا أنا مفتون به هكذا؟’
‘...آه...’
هل كان يائسًا إلى هذا الحد ليسمع صوتًا بشريًا؟ لماذا؟
‘كنت أعيش بشكل ممتاز وحدي! أفضل بكثير بهذه الطريقة!’
‘ركز! ركّز على المهمة!’
لكن ما هي المهمة أساسًا؟
لم يتوقع ساني أن يعثر على إنسان في نهاية هذه الخريطة الأولية. ماذا يُفترض به أن يفعل الآن؟
‘أعتقد أن أول خطوة هي أن أعرف من هذا الرجل الموجود في البئر... وكيف انتهى به المطاف هناك. بعدها أقرر إن كنت سأفعل شيئًا حياله... أو إن كان يجدر بي أن أفعل شيئًا من الأساس.’
لكن... ها هنا تكمن المشكلة.
كان على ساني أولًا أن يقنع الشاب في البئر بأنه إنسان أيضًا.
نظر إلى ظله... وشعر بعجزٍ طفيف.
كان ظلّه منحنِيًا، ممسكًا بطنه، وكتفاه يهتزان.