المجلد الثاني-شيطان التغيير [shadow slave]
الفصل 122: منذ أربعة أشهر
المترجم: محمد
___
تغيرت نيفيس كثيرًا منذ آخر لقاء جمعها بصني. ظاهريًا، بقيت شبه كما هي: طويلة، مستقيمة، مُنطوية على نفسها بغرابة، وكأنها تعيش خارج العالم. لا تزال ترتدي درع فيلق ضوء النجوم، الذي يبرز رشاقة جسدها النحيل. لكنها أضافت عباءة بيضاء تلف كتفيها، قريبة في لونها من معدن درعها الأنيق.
أصبح شعر نجمة التغيير الفضي أطول بكثير، ليبلغ كتفيها تقريبًا. بغياب قصته القصيرة، التي كانت تشبه قصات الرجال، بدت أكثر نضجًا وأنوثة، مما زاد من سرعة نبض قلب صني. برزت عيناها الرماديتان الهادئتان أكثر من أي وقت مضى.
إلا أن التغيرات الحقيقية كانت أعمق بكثير. ربما لم يلاحظها إلا من عرفها جيدًا كصني، أو ربما لأن معرفته العميقة بها كسرت ستار اللامبالاة الذي كانت تُخفي به مشاعرها الحقيقية، وكشف عن أعماقها.
بدت نيفيس أكثر حيوية، وأكثر حضورًا. عيناها تتلألآنان بعزمٍ وقوة إرادة، مُنبعثتان شعورًا معدِيًا بالثقة. … تلك كانت قوتها. قوة الإيمان الراسخ.
ارتجف صني تحت تلك النظرة. نيفيس هي الشخص الذي يتوق لرؤيته، وفي الوقت نفسه، يتمنى ألا يراها أبدًا. هي السبب الحقيقي الذي دفعه لمغادرة القلعة.
استيقظت ذكريات ذلك اللقاء المشؤوم في ذهنه. لو كان يعلم حينها… حسنًا، لم يكن ليغير شيئًا.
***
قبل أربعة أشهر، في الليلة التي غامروا فيها بالدخول إلى البحر الملعون على متن قارب مصنوع من عظم شيطان، كان صني يرتجف من البرد. … بعد ما لا نهاية من احتضان الظلام القارس، كانت ليلة هروبهم الطويلة تُوشك على نهايتها. التفت صني إلى الشرق، حيث ظهر خط أرجواني باهت في الأفق.
ارتجف، ولعق شفتيه، قائلاً بصوت أجش: "كاسي، إنه الصباح."
بعد هذه الكلمات، اختفت آخر بقايا قوته، فسقط على الحجارة، وصدره يرتفع وينخفض بشدة.
كان الفجر الجديد على وشك أن يغمر شاطئ جهنم المنسيّ بضوئه الدافئ. لقد نجوا.
جلس الثلاثة على حجر هائل بارز من الأمواج السوداء، وكأنه صخرة سامية تحملُهم فوق هاوية مظلمة. كان صني وكاسي يعتنقان بعضهما للدفء، بينما كانت نيفيس ملقاة في وسط كف الحجر، لا تزال فاقدة للوعي. كان جلدها الأبيض يظهر من خلال ثقوب درعها الممزق، شاحبًا وباردًا.
"لقد فعلناها."
لقد هربوا من براثن مفترس الأرواح، أبْحَرُوا عبر الظلام الملعون، ونجَوا من معركة مع ساكن الأعماق المرعب... بمعجزةٍ ما.
لم يُصدق صني أنهم استطاعوا النجاة بهروبهم الجريء. منذ أن علم بالسحر الخادع الذي زرعه الشرير القديم في أذهانهم، شعر أن فرص نجاتهم ضئيلة للغاية. ربما لأنه سُلِبَ أخطر أسلحته… عقله.
ومع ذلك، فقد نجحوا بطريقة ما.
مرهقًا تمامًا، أغلق صني عينيه واستمع إلى البحر المظلم يتقهقر أمام الشمس المُشرقة. دون أن يُلاحظ، غطّ في نوم عميق.
عندما استيقظ، كانت الشمس عالية في السماء. توقع صني أن يشعر بالشلل بعد أن تلاشى الأدرينالين من جسده المُنهك، لكنه، لدهشته، لم يكن يعاني إلا من نصف الألم الذي توقعه. كان نسج دمه سمة معجزية حقًا لشخصٍ مُعرض للكوارث مثله.
حتى إصبعه المكسور لم يعد يؤلمه كثيرًا.
تأوه صني وهو يجلس. كانت كاسي نائمة بجانبه، منهكةً كحالِه… ربما أكثر منه. بدى وجهها الرقيق ضعيفًا وشاحبًا، مُتقلّصًا في عبوسٍ قلق. تنهد صني.
لم تستفق نيفيس بعد. في أثناء نومه، استخدمت الفتاة العمياء عباءتها لتغطية نجمة التغيير، مساعدةً إياها على الاحتفاظ ببعض الدفء. كانت نيفيس مُلقاة بلا حراك، ووجهها مُشوّهاً بالآلام. فقط صوت أنفاسها الهادئ أخبر صني أنها لا تزال على قيد الحياة.
ارتجف صني وهو يتذكر مشهد جسدها المُهترئ وهو يتجدد بفعل اللهب المنقي. كان إطلاق هذا اللهب دائمًا يتسبب بخسائر فادحة لنيفيس، مُسبباً لها آلامًا ومعاناة لا تُوصف. من كان يعلم الثمن الذي دفعته لانتشال نفسها من أبواب النسيان؟ لم يكن قد أدرك حتى أنها تستطيع استخدامه لعلاج نفسها.
ربما كان هناك سبب لمنعها من فعل ذلك في الماضي. فقط الوقت سيكشف ذلك.
حان الوقت لتقييم الوضع. ابتعد صني عن نجمة التغيير، ونظر حوله، مُحاولاً تقييم وضعهم. ثقل قلبه.
لو نجوا من هجوم الوحش المضيء وحطام السفينة ليجدوا أنفسهم محاصرين في وسط البحر الملعون، دون وسيلة للمضي قدمًا، لكان ذلك كارثة حقيقية.
إلى الشرق منهم، لم يكن هناك إلا امتدادٌ فارغٌ للحفرة الهائلة. كذلك بالنسبة ل…
تجمد صني، مُلاحظًا خطًا مظلمًا في الأفق. ذلك… تلك كانت الحافة الغربية للحفرة. لقد عبروها تقريبًا!
شعر بإثارة غريبة تُسيطر على قلبه، فالتفت صني سريعًا إلى الغرب. اتسعت عيناه.
لبضع لحظات، كان ذهنه فارغًا. ثم ظهرت فكرة واحدة: "كنا قريبين جدًا…"
جلس بهدوء لفترة طويلة، ناسيًا كل شيء آخر. بعد ساعات قليلة، استيقظت كاسي أخيرًا. شعرت بأنه لم يعد بجانبها، فنادت بصوت خائف: "صني؟"
لعق صني شفتيه. "أنا هنا."
جلست كاسي ومدّت يدها، مُمسكةً بكتفه. "لماذا… لماذا تبدو غريبًا جدًا؟"
رمش صني بعينيه، ثم أدار رأسه ببطء لينظر إلى الفتاة العمياء. ظهرت ابتسامة خفيفة على وجهه. "كاسي… وجدناها. وجدنا تلك المدينة التي رأيتها."
في النهاية، ظلت نيفيس فاقدة للوعي ليومين كاملين. بدأ صني يشعر بالقلق عليها، لكنها عادت إلى وعيها في اليوم الثالث. كان يجلس حينها فوق إصبع الحجر العملاق، مُحدّقًا في الغرب، وهو يشعر بمشاعر دافئة تُملأ قلبه.
فعلوها! لقد عادوا إلى الديار أخيرًا!
لم يكن صني ينتظر العودة إلى العالم الحقيقي فحسب. لم يعد يهتم بالصعود في القوة والمنزلة.
كل ما يهمه سريره الناعم، وجبال الطعام اللذيذ، وحمامٌ ساخنٌ طويل.
خفض صني رأسه ونظر إلى نيفيس، مُحاولًا كشف أي خلل فيها. كان من المُحتمل، في عالم القصص، أن تُصاب إحدى الشخصيات بفقدان الذاكرة قبل أن تتحسّن الأمور.
لكن نجمة التغيير كانت بخير. كانت لا تزال نيفيس التي يعرفها: طويلة، مستقيمة، مُنطوية على نفسها بغرابة، وكأن حاجزًا غير مرئي يفصلها عن العالم. عندما التقت عيناه بعينيها الرماديتان، شعر صني بقلبه ينبض أسرع قليلاً.
ابتسم. "شكراً للحكام!"
عبست نيفيس، وخفضت رأسها، سائلة بصوت خافت: "لماذا تبتسم؟"
أدرك صني أنه يبتسم ابتسامة عريضة كالأحمق، فحاول أن يُخفي ذلك بحركة كتِف مُستهترة. حاول صرف انتباهها!
"انظري خلفك."
كان مشهد ما يكمن في الغرب سببًا لمزاجه الجيد، لذلك لم يكن ذلك مبالغة.
حدّقت نيفيس في وجهه لبضع لحظات، ثم تنهدت، والتفتت. خلفها، جدارٌ مدينة طويلٌ مبني من الحجر الرمادي المصقول فوق منحدرات الحفرة الضخمة.
كان هذا الجدار دليلًا على أن معاناتهم لم تكن عبثًا، وأن أحلامهم على وشك التحقق. كان الأمل.
____
ملاحظة : ساتبع لقب نجمة التغيير من الآن فصاعدا لأنه أفضل.