المجلد الثاني-شيطان التغيير [shadow slave]

الفصل 161 : روبيكون*

المترجم : [محمد]

(م/م : روبيكون هو اسم نهر صغير في إيطاليا، لكنّه أصبح رمزًا للحظة الحاسمة التي لا رجعة فيها. يُستخدم التعبير "عبر الروبيكون" للدلالة على اتخاذ قرار مصيري لا يمكن التراجع عنه، وهو مأخوذ من حادثة تاريخية عندما خالف يوليوس قيصر أوامر مجلس الشيوخ الروماني وعبر هذا النهر مع جيشه، معلنًا بداية حرب لا يمكن التراجع عنها. منذ ذلك الحين، صار "روبيكون" يُشير إلى نقطة اللاعودة في القرارات الحاسمة.)

___

حدق فيه هاربر، والابتسامة الخجولة المثيرة للشفقة لا تفارق شفتيه. في عينيه، كان هناك ود زائف، وقلق، ويأس. لسبب ما، شعر صني برغبة عارمة في محو هذه الابتسامة من على وجهه.

'هذا الحثالة...'

في حالته المضطربة، كان يجد صعوبة في السيطرة على عواطفه. لا بد أن شيئًا ما قد ظهر على وجهه، لأن هاربر رمش فجأة وتراجع خطوة إلى الوراء. لكن في النهاية، انتصرت رغبته في العودة إلى القلعة على حذره. وأجبر نفسه على البقاء ساكنًا، تردد لبضع لحظات، ثم قال:

"أ... أردت أن أشكرك على دعوتي إلى منزلكم هذا الصبح."

نظر صني إلى الشاب الهزيل. في شفق الغسق، كان وجهه الشاحب مخفيًا في الظلال العميقة. أجاب أخيرًا:

"أجل. يمكننا التحدث."

'فكر يا صني، فكر....'

لكن عقله كان يرفض الطاعة. كان معظمه منغمسًا في بحر الرعب البارد الذي جلبه كشف المستقبل. وما تبقى منه كان مشوشًا تمامًا.

رفع صني إحدى يديه وفرك وجهه.

'إنه جاسوس. وهو هنا ليسهل على جونالوج قتلنا. ما الذي يجب القيام به؟'

في الصباح… نعم، قبل أن يتغير كل شيء، رأى صني هاربر يقدم تقاريره إلى أحد الحراس. أراد أن يضرب الشاب الجبان ويطرده من الكوخ… لكن هذا سيكون قرارًا خاطئًا.

أفضل ما يجب فعله هو عدم فضح الجاسوس التعيس، بل التظاهر بالسذاجة وإطعامه بمعلومات كاذبة. نعم… كانت هذه الطريقة المثلى للتعامل مع الفئران. بصفته جاسوسًا طموحًا بنفسه، عرف صني هذه الأشياء جيدًا.

لكن هل سيكون قادرًا حتى على خداع هاربر؟ بالصدفة البحتة، اختار المخبر الفاشل شخصًا مثاليًا كهدف له. لأن صني كان يعلم الكثير من الأسرار ولم يكن قادرًا على الكذب.

لكنه كان أيضًا سيد الخداع. لذا…

"بلا شمس؟"

جفل صني ونظر إلى الشاب الهزيل.

"آسف. آه… ذهني مشغول قليلاً بعد صيد اليوم. هل أردت التحدث؟"

مطمئنًا، ابتسم هاربر مرة أخرى.

"كما ترى، أردت أن أشكرك على كل ما فعلته من أجلي ومن أجل جميع الأشخاص الموجودين هنا في المستوطنة. قبل مغادرتي القلعة، أحضرت معي شيئًا مميزًا للغاية. فكرت في مشاركته معك!"

عبس صني.

"شيئًا مميزًا؟"

'يجب أن أعرف ما هي خطته بالضبط، وأطعمه بعض الحقائق الصغيرة مع الأكاذيب، ثم أبلغ نيفيس في الصباح. صـ–صحيح؟'

وفي الوقت نفسه، كان هاربر يهز رأسه بحماس:

"إنها زجاجة خمر. كل شهر، يتم بيع عدد قليل منها من قبل الحرفيين الذين يعملون في الحديقة. الحصول على واحدة أمر صعب للغاية، لكنني كنت محظوظًا. أتريد أن تأتي وتجربها؟ كوخي قريب."

تشتت انتباه صني لبضع لحظات، ثم أجبر نفسه على التركيز. ما الذي كان يتحدث عنه هاربر؟ حرفيون، خمر، محظوظًا…

"…لِمَ لا؟"

بإيماءة منه، أشار إلى الشاب أن يقود الطريق وتبعه.

عندما مروا بسكان الأحياء الفقيرة الآخرين في طريقهم إلى كوخ هاربر، لم يستطع صني سوى الشعور وكأنه محاط بجثث سائرة.

كان معظم هؤلاء الناس موتى بالفعل، هم فقط لم يعرفوا ذلك بعد.

…لكنه فعل.

كان ثقل هذه المعرفة يسحقه ببطء.

كان كوخ هاربر الصغير أكثر إثارة للشفقة من بقية الأكواخ الأخرى في الأحياء الفقيرة. تم بناؤه بشكل فظ من قطع الخشب المتعفنة التي بها شقوق عديدة لتسمح للرياح الباردة بالدخول. في الداخل، لم يكن هناك سوى كومة من قش الأعشاب البحرية التي كانت تعد بمثابة مرتبة واهية، وطاولة خشبية منخفضة. كان بإمكان صني أن يتفهم سبب رغبة النائم الهزيل في العودة إلى القلعة.

كان هناك باب على الأقل.

بمجرد دخوله، نظر هاربر حوله بإحراج ودعا صني للجلوس على الأرض أمام الطاولة. ثم أخرج جرة زجاجية من تحت كومة الأعشاب البحرية ووضعها أمامه ككنز نادر. بإخراج سكين حديدي رديء من مكان ما، فتح هاربر ختم الشمع للجرة، ووضع السكين على الطاولة، ثم سكب سائلًا أبيض كالحليب في كوب طيني متكسر.

"تفضل!"

سلم الكأس إلى صني وابتسم.

أخذه صني وشم رائحة الخمر الغريبة. تذكر الكثير من الناس في الضواحي الذين أفرطوا في شرب الخمور أو قتلوا أنفسهم بالمنشطات والمخدرات الرخيصة. لحسن الحظ، كان دائمًا قلقًا من أن يسمح لأي شيء بتغيير حالته العقلية. بالإضافة إلى ذلك، لفترة طويلة، لم يستطع أن يسمح لنفسه بالموت قبل إنجاز شيء معين.

لهذا السبب لم يكن صني على دراية كبيرة بالكحول.

بتقريب الكوب من شفتيه، حبس أنفاسه وابتلعه دفعة واحدة. انتشر الدفء اللطيف على الفور عبر جسده، حاملًا معه العزاء الحلو.

'... أستطيع تفهم لماذا هو مغري.'

لم يكن سيئًا للغاية حقًا.

أعاد هاربر ملء الكأس على عجل وسأل:

"سمعت عن آخر عملية صيد. بحق الحكام، لقد نجوت من مواجهة مع مرسول البرج! لا بد أن ذلك كان فظيعًا…"

ظل صني صامتًا لوهلة، ثم هز كتفيه.

"لقد وقفت فقط في الخلف."

هز الشاب الهزيل رأسه.

"ومع ذلك، أنت رائع! سمعت أنك كنت مع السيدة نجمة التغيير منذ البداية، ونجوتم أكثر من شهرين في المتاهة. أهذا صحيح؟"

كان ممثلًا سيئًا حقًا. حتى لو لم يكن صني يعرف أن هاربر كان جاسوسًا، لكان قد شعر بشيء غريب في هذه المرحلة. لكن كان من السهل التظاهر بعدم ملاحظة أي شيء.

'ستخبرك الجرذان مثلي بكل شيء طالما أنك توليهم القليل من الاهتمام، هاه؟'

خداه محمران من الكحول، ابتسم صني ببطء:

"أوه… نعم! في الواقع، لولاي، لكانت قد ماتت منذ زمن طويل. هل تعرف كم مرة أنقذت حياتها؟"

كان هذا الجزء مخططًا له بالكامل، بهدف خلق شعور زائف بأن خطة هاربر في استخدام الغيرة لإرخاء لسانه قد نجحت. ومع ذلك، خرجت الكلمات التالية من فم صني من تلقاء نفسها.

صر أسنانه، شحب وجهه فجأة وهمس:

"... ومن أجل ماذا؟ هاه؟ لـ… لأجل هذا؟ لم يكن من المفترض حدوث هذا. كيف له أن يحدث؟"

بعد ذلك، أمسك صني برأسه وأجبر ضحكة مظلمة على الخروج.

"هذا سيء… ما الذي أقوله؟"

بسوء فهم رعبه على أنه كان علامة على أن الخمر قد أدى وظيفته، أصبح هاربر أكثر شجاعة قليلاً:

"لا بد أنك قاتلت جنبًا إلى جنب مع السيدة نيفيس كثيرًا!"

خفض صني رأسه، ثم هز كتفيه.

"نعم."

تردد الشاب الهزيل بضع لحظات، ثم سأل بحذر:

"إذن… يجب أن تكون قد شاهدت قدرة جانبها؟"

اعرف قدرة عدوك، اعرف عيبهم، واعرف نقاط ضعفهم… هكذا تقتلهم. محدقًا في هاربر، تذكر صني فجأة معركته الأولى بعد لقاء نيفيس. في ذلك الوقت، سألته عما إذا كان قد قام بتشريح جثة زبال الدرع لمعرفة نقاط ضعفهم.

هذا ما كان يفعله الجبان النائم الآن. تشريحهم. على الرغم من أنهم لم يكونوا موتى… بعد.

"بالتأكيد. يمكن استخدامها للشفاء."

لمعت عينا هاربر.

"إذن هي معالجة! بالطبع، هذه القدرة تناسب السيدة نجمة التغيير جيدًا. الجميع يعلم أنها ملاك…"

'جيد…'

لقد تحقق هدفه الأول. نجح صني في خلق سوء تفاهم، دفع هاربر إلى الاعتقاد بأن قدرة نيفيس كانت تقتصر على الشفاء فقط. لا بد من وجود جواسيس آخرين في الأحياء الفقيرة، بالطبع. مع تأكيدهم على هذا البيان من خلال تذكرهم كيف عالجت نيفيس الصيادين الجرحى اليوم، بلا شك سيصدق جونالوج ورجاله أن نجمة التغيير لم تمتلك قدرة هجومية.

من سيعتقد أبدًا أن لهبها يمكنه أن يشفي ويدمر؟

وفي الوقت نفسه، كان هاربر يسكب المزيد من الخمر في الكأس.

"بالمناسبة، لطالما أردت السؤال. هل تعرف كيف تلقت السيدة نيفيس اسمها الحقيقي؟"

ربما بسبب حالته العقلية السيئة، أو بسبب الخمور، أو ربما ببساطة بسبب هفوة لحظية في الحكم، لم يفكر صني في كلماته التالية جيدًا قبل الإجابة:

"على الأرجح بنفس الطريقة التي حصلت بها على خاصتي."

ثم تجمد.

'سحقًا لك!'

كان منشغلًا جدًا في خلق صورة زائفة عن نيفيس في ذهن هاربر لدرجة أنه، للحظة، نسي إبقاء هويته الحقيقية سرًا.

'أحمق! أحمق! أحمق!'

دون أن يترك الشعور بالذعر يظهر على وجهه، حاول صني إنقاذ الموقف من خلال رمي رأسه للخلف والضحك، مما خلق انطباعًا بأن بيانه الأخير كان مزحة.

لحسن الحظ، يبدو أن هاربر قد صدقه. ضحك أيضًا، ثم نظر إلى صني بشرارات فكاهية في عينيه.

ومع ذلك، فإن كلماته التالية أرسلت صني إلى أحضان باردة من الرعب. كان الأمر كما لو أن أبواب الجحيم انفتحت تحت قدميه مباشرة.

راغبًا في مواصلة المزحة، ابتسم الشاب الهزيل وقال مازحًا:

"أوه، بالطبع، بالطبع، لورد بلا شمس! ما هو اسمك الحقيقي إذن؟"

حدق صني فيه، والابتسامة مجمدة على وجهه.

'فكر! فكر! كيف تخرج من هذا؟'

لكن لم يكن هناك مخرج، أو لم يستطع إيجاده على الأقل. لقد قُبض عليه.

ظهر الشعور المألوف بالضغط على عقله. ببطء، أصبح صني شاحبًا بدرجة مخيفة.

كان هاربر لا يزال يبتسم، منتظرًا الإجابة. وجهه كان نحيلًا، متعبًا، ومليئًا بالخوف والأمل البائس.

كان مجرد طفل ضعيف مثير للشفقة، بعد كل شيء.

تم استبدال الضغط بألم شديد، مما جعل جسد صني بالكامل يرتعش.

لماذا، لماذا كان عليه أن يسأل هذا السؤال؟!

لكن لقد فات الأوان. ما حدث لا يمكن تغييره.

كالوحش المحاصر، يمكن لصني التفكير في شيء واحد فقط…

شعر هاربر أخيرًا بأن هناك خطأ ما. اتسعت عيناه.

"صنـ…"

…كيفية النجاة.

قبل ثانية فقط من تجاوز الألم حدوده وإجباره على الإجابة، انحنى صني فجأة إلى الأمام، والتقط السكين الحديدي وطعنه في قلب الشاب المسكين.

___

ملاحظة : هذه اللحظة سيندم عليها صني كثيرا في نهاية المجلد الثاني.

2025/06/10 · 63 مشاهدة · 1451 كلمة
Mohamed zhg
نادي الروايات - 2025