بعد وقتٍ قصير، خرج صني من صالة المدرّسين. استقبله يوم شتوي صافٍ برياح باردة ورقائق ثلج صغيرة تتراقص تحت أشعة الشمس. وعلى الرغم من أن ملابسه كانت خفيفة للغاية — لا تغطي جسده سوى قماشة ناعمة من بدلة تدريب بسيطة وفرتها له إدارة مشفى الأكاديمية — إلا أنه لم يشعر بالبرد.
'هكذا هو الأمر بعد الاستيقاظ، على ما يبدو.'
قبل عامٍ وبضعة أشهر فقط، كان ليهرع بحثًا عن مأوى، آملاً ألا يتجمد حتى الموت ليلًا، أو ما هو أسوأ، أن يمرض. أما الآن، فكان يشعر أنه بأفضل حال. لم يكن حتى منزعجًا.
سحب كمّيه لإخفاء وشم الأفعى، واستنشق الهواء البارد النقي، وابتسم، وبدأ يمشي.
'قرارات، قرارات...'
كانت محادثته مع السيدة جيت مفيدة، لكنها تركته مع أسئلة أكثر من أجوبة. كل خيار طُرح عليه كان مغريًا بفوائده، لكنه يحمل أيضًا عواقب وخيمة.
'العشائر العظمى، العشائر الثانوية، الحكومة، أم الاستقلال؟'
حاول صني أن يتخيل نفسه كوارث... ثم هزّ رأسه بصمت. كل ذلك المجد، وتلك الثروة، وإعجاب الجماهير... أن تكون وارثًا يعني أن تكون جزءًا من النخبة، الأرستقراطية فوق كل الأرستقراطيات. وكان ذلك عكس ما كان عليه طوال حياته.
...لكن من قال أنه يجب أن يبقى كما هو في المستقبل؟ من متسوّل إلى أمير... ستكون تلك نقلة رائعة. اللورد صنلس... يبدو الاسم جميلًا، أليس كذلك؟
بالطبع، لذلك الخيار عيوب خطيرة.
العمل مع الحكومة له مزاياه، لكنه يعني موارد أقل، وقيودًا أكثر. في كل مرة التقى فيها بالسيدة جيت، بدت مشغولة ومثقلة بالمهام. لم يستطع أن يتخيل نفسه يطارد أهدافه تحت جدول زمني كهذا.
أحد أدوار المستيقظين في خدمة الحكومة هو ملاحقة الخارجين عن القانون من أبناء جنسهم. فالمستيقظون بشر في النهاية، وبعضهم مجرمون، خاصةً أولئك الذين أصابتهم صدمات دفعتهم إلى حافة الجنون بسبب كوابيسهم وتجاربهم في عالم الحلم.
لو كان صني قادرًا على امتصاص جوهر البشر الذين يقتلهم كما يفعل الآخرون، لكان ذلك المسار طريقًا أسرع لتشبع نواته. لكن في وضعه الحالي، لم يكن يراها كخيار مغرٍ، ما لم تبدأ البوابات بالظهور يوميًا، موفرةً له كائنات الكابوس للصيد بلا انقطاع.
...وبالمناسبة، كم بوابة تُفتح في السنة، عادة؟ فجأة أدرك أنه لا يملك أي فكرة. الدعاية الحكومية لا تذكر أرقامًا دقيقة، بل تكتفي بترديد أن المستيقظين الشجعان يسيطرون على الوضع. هل هذا صحيح فعلًا؟
الخيار الأخير كان الاستقلال. وهذا، ظاهريًا، يتعارض مع رغبته في اكتساب المكانة والاستفادة القصوى، لكن فقط على السطح. فقد نال بالفعل معظم ما يريد بمجرد أن أصبح مواطنًا من الرتبة العليا، واختار أي قلعة يشاء. صحيح أن فقدان موارد عشيرة وارثة أو الحكومة سيكون خسارة كبيرة... لكنه أيضًا سيمنحه أفضل فرصة للحفاظ على أسراره.
كل خيار كان يستحق التأمل.
في النهاية، كان الأمر مرتبطًا بعدم امتلاكه للمعلومات الكافية لاتخاذ القرار. لذا، أولويته الأولى أصبحت جمع المعلومات. لكن... كيف؟
'ماذا كان يُسمّى... مكتبة؟ لا بد أن للأكاديمية واحدة، صحيح؟'
بالطبع، لم يزر صني مكتبة في حياته، لكنه كان يعرف الفكرة. كانت هناك محطات عامة مشابهة في الضواحي، لكنها كانت تتطلب رصيدًا. ولم يكن يملك شيئًا يضيّعه، لذا كانت زياراته نادرة، وغالبًا لأغراض الترفيه، لا الدراسة.
الآن بعد أن أصبح لديه جهاز تواصل متطوّر، صار بمقدوره الوصول إلى كمّ هائل من المعلومات عبر الشبكة. لكن القيام بذلك سيترك أثرًا رقميًا واضحًا. وبما أن بعض المواضيع التي يريد بحثها خطيرة، أراد أن يبقى مجهول الهوية قدر الإمكان.
'المكتبة إذًا...'
بعد عشر دقائق، وصل إلى مبنى أبيض مربع الشكل. وكمعظم منشآت الأكاديمية، كانت جدرانه مكوّنة من سبائك ناعمة لامعة، ونوافذ عريضة يمكن تغطيتها في أي لحظة بستائر مدرعة. لم يكن هناك الكثير من الناس في المكان، مما جعله يفترض أن المكتبة ليست وجهة شائعة بين المستيقظين.
ولم لا؟ فمعظم المعلومات الموجودة هناك يمكن الوصول إليها عن بعد. هو الغريب لأنه أتى شخصيًا.
دخل عبر الباب التلقائي، ونظر حوله، ثم رمش بعينيه عدة مرات.
في كل اتجاه، تمتد رفوف طويلة مملوءة بكتب ورقية، تتخللها طاولات دراسة، يجلس خلفها عدد من الشباب والشابات يقرؤون بصمت. معظمهم يستخدمون محطات لتدوين الملاحظات، لكن بعضهم يكتب يدويًا.
'ما... هذا بحق الجحيم؟'
كل تلك الكتب كانت مطبوعة على ورق صناعي... لكن لماذا طباعتها أصلًا؟! أليس من الأسهل قراءتها على محطة، كما يفعل الناس الطبيعيون؟
لم يسبق له أن رأى كتابًا حقيقيًا في حياته. فكرة استخدام واحدٍ منها كانت مذهلة.
...لكنه بدأ يفهم الأمر. تكنولوجيا التخزين الرقمي كانت متقدمة، لكنها معرضة لأنواع شتى من الأضرار. خلال الأوقات المظلمة... التي سبقت الأزمنة الأشد سوادًا التي جلبتها تعويذة الكابوس... عندما دُمّرت البشرية بسلسلة لا نهاية لها من الحروب والكوارث الطبيعية، فُقد الكثير من المعرفة بسبب الاعتماد الزائد على الوسائط الرقمية. طبقات كاملة من الثقافة اختفت إلى الأبد.
الورق لا يزال الوسيلة الأأمن لحفظ المعرفة.
فقط... لم يخطر ذلك بباله من قبل.
'ما زال الأمر غريبًا...'
محاولًا إخفاء ارتباكه، التفت صني بنظرات خفيفة ولاحظ أحد العاملين في المكتبة. كان شابًا... لا، ربما شابة؟ شخصًا صغيرًا، شعره أسود قصير وعيناه بنيتان ذكيتان، يقرأ كتابًا يبدو قديم الطراز. كانت هناك شارة على صدره كُتب عليها "رين".
ربما كان ذلك اسمًا. أو ربما لقبًا غريبًا بين موظفي المكتبة. من يدري أي عاداتٍ غريبة لديهم هنا؟
اقترب صني من الموظف بهدوء وتوقف على بُعد مترين تقريبًا، منتظرًا أن يُلاحَظ. لكن "رين" واصل القراءة، منغمسًا تمامًا في القصة، وعيناه مملوءتان بالعاطفة. بدافع الفضول، نظر صني إلى عنوان الكتاب.
'السقوط الحر... يبدو مألوفًا. لا بد أنه رائع. ربما عليّ قراءته لاحقًا...'
"أه... مرحبًا؟ هل يمكنك إرشادي؟"
توقّف رين بعد بضع ثوانٍ، ثم وضع الرواية بتردد، ونظر إليه بابتسامة حيادية.
"بالطبع. كيف يمكنني مساعدتك؟"
تردد صني قليلًا، ثم قال بتردد:
"أريد أن أقرأ عن عالم الحلم والوضع الحالي للتوسع البشري في مناطقه."
رمش رين مرتين، ثم سأل بلطف:
"هل يمكنك التحديد أكثر؟"
تنهد صني.
"أريد رؤية خريطة وقائمة بجميع القلاع هناك، ومعرفة من يملك ماذا ولماذا، أعتقد."
ابتسم أمين المكتبة ابتسامة مشرقة:
"آه، أنت من محبي التاريخ أيضًا! بالطبع، بالطبع. لقد أتيت إلى المكان الصحيح. نيكل!"
ارتجف صني.
"نيكل؟ ماذا تعني نيكل؟ ما الذي يحدث؟"
فجأة، ظهر موظف آخر من العدم. هذا كان بالتأكيد شابًا، يرتدي قميصًا أبيض مجعدًا وصدرية بنية. كان طويلًا ووسيمًا، شعره الأحمر فوضوي بعض الشيء، وذقنه خفيفة الشعر، ووجهه ودود. على صدرية صدره، كانت شارة مكتوب عليها "نيكل".
ثنائي غريب، بلا شك.
"نيكل، هل يمكنك أن ترشد هذا الشاب إلى قسم تاريخ عالم الحلم؟"
نظر أمين المكتبة الطويل إلى صني وابتسم ابتسامة عريضة.
"بالطبع. تفضل واتبعني."
توجها إلى أعماق المكتبة، تاركين رين خلفهما. وبعد لحظات، سمع صني خشخشة الصفحات تعود من الخلف. يبدو أن الموظف الأصغر غاص من جديد في روايته.
'نعم، يجب أن أقرأ تلك الرواية. مواطن من الرتبة السابعة يجب أن يكون مثقفًا، أليس كذلك؟'
قاد نيكل صني عبر المكتبة، وطرح عليه بعض الأسئلة لتحديد ما يبحث عنه. وسرعان ما وصلا إلى رفوف مخصصة لكتب عالم الحلم وتاريخ استكشافه البشري.
ساعده الشاب على اختيار بعض الكتب، تمنى له التوفيق، ثم اختفى بهدوء وسرعة كما ظهر. نظر صني إلى المكان الذي كان يقف فيه نيكل قبل لحظات، ثم هزّ رأسه ببطء.
'أمين مكتبة... كان يمكن أن يكون قاتلًا محترفًا.'
حسنًا... ربما هو كذلك. الآن بعد أن فكّر بالأمر، فالعمل في مكتبة قد يكون غطاءً مثاليًا لعناصر خفية.
'ربما عليّ أن أصبح أمين مكتبة، أنا أيضًا...'
تأكد أن لا أحد يراقبه، فوضع كتبه على طاولة قريبة، ثم عاد إلى الرفوف. وهناك، وقف أمام كتاب لفت انتباهه منذ لحظات.
كان عنوانه بسيطًا:
"الشعلة الخالدة"
تردد صني قليلًا، ثم سحب الكتاب من الرف.
كان متأكدًا إلى حد ما أن السياديين مسؤولون جزئيًا على الأقل عن سقوط عشيرة نيفيس. وإن صحّ ذلك، فلا بد أن هناك دلائل على هويتهم في تاريخ الشعلة الخالدة.
'لا بد أن هذا المكان نقطة جيدة للبدء في البحث عن إجابات... أليس كذلك؟'
ترجمة: إيدن