المجلد الأول - طفل الظل [Shadow Slave]
الفصل 60: سلسلة العظام
ترجمة: [محمد]
__________________________
استغرق منه الأمر بضع ثوانٍ ليفهم ما تعنيه.
"البرج من رؤياك؟ ذو الأختام السبعة؟"
أومأت كاسي:
"نعم. في حلمي، بدا بطول جبل. حتى أنني رأيته من أسوار قلعة البشر، يلوح في الأفق كرمح قرمزي يشق السماء. عند الغروب، يسقط ظل البرج الشاسع على القلعة ويمتد شرقًا إلى مدى البصر."
صمتت لحظة ثم أضافت:
"الشعور الذي انتابني عند النظر للبرج القرمزي كان مشابهًا جدًا لما وصفته، لكنه أكثر حدة."
عبس ساني محاولًا تذكر الكلمات الدقيقة التي استخدمتها كاسي لوصف رؤياها. سبعة رؤوس مقطوعة تحرس سبعة أختام... ملاك يحتضره الموت بينما تلتهمه الظلال الجائعة... إحساس بالرعب والفقدان المُطلق...
ما قصة هذا البرج بالتحديد؟
"أهو قرمزي لأنه مصنوع من نفس مادة المتاهة؟"
"الشعاب" القرمزية المحيطة بهم لم تكن في الواقع مرجانًا. إنما سموها كذلك لبعض التشابه، من أجل البساطة. أما طبيعة المادة الغريبة فظلت لغزًا.
تلكأت كاسي:
"لعل العكس هو الصواب. لعل المتاهة مُصنَّعة من نفس مادة البرج."
بكلمات أخرى، قد يكون البرج القرمزي مصدر كل هذا الجنون. مع ذلك، تبقى مجرد نظرية — فالمعلومات قليلة جدًا لتأكيدها.
مع ذلك، شعر ساني حقًا أن البرج كان، بطريقة ما، محور كل ما واجهوه. كان يتمنى فقط ألا يكون وجهتهم النهائية.
بعد معرفة سبب قلقه، استطاع ساني تحمله بشكل أفضل. حتى أنه وجد فائدة خفية — طالما يشعر بظل البرج القرمزي، يستطيع تحديد اتجاه قلعة البشر، لأنها تقع في مكان ما بين موقعهم ومصدر الظل.
بهذا المعنى، صار البرج بوصلة داخلية له.
"استعدوا."
أخرج صوت نيفيس ساني من تأمله. نفض الأفكار المشتتة وركز على المهمة الحالية.
كانوا يقتربون من سلسلة العظام.
هذا الاسم خطر ببالهم فور رؤية المعلم الشاهق لأول مرة. كان واضحًا من مسافة بعيدة، يتباين بشدة مع المرجان القرمزي والسماء الرمادية ببهائه العاجي.
تلال العظام كانت في الواقع مكوَّنة من عظام. بقايا هيكل عظمي لوحش بحري عملاق ترقد على تلة مرجانية ضخمة تنمو بعشوائية، مع عموده الفقري المقوس المرتفع بشكل خاص فوق الأرض. كان من المستحيل تخيل شكل هذا الكائن المرعب وهو حي، لكن شيء واحد مؤكد — كان ضخمًا حتى بمقاييس البحر الظلامي.
لم يكن هذا أول هيكل عظمي عملاق يرونه. في الحقيقة، المتاهة مليئة ببقايا لوثيانيات ميتة، عظامها الهائلة تشكل أقواسًا وقصورًا طبيعية. كان من السهل رصدها لأن التكوينات المرجانية تكون أطول وأكثف حولها، كأنها تحاول طمر أي أثر للبياض في بحر القرمزي.
مع ذلك، شعر ساني أن الواقع معكوس. بدا له أن المرجان ينمو من العظام القديمة وينتشر في كل اتجاه، يبتلع العالم ببطء. حين نظر إلى التلال القرمزية المحيطة بالبقايا العملاقة، لم يسعه إلا رؤيتها كأنهار دم قديم متجمد.
كان شبه متأكد أنهم لو حفروا عميقًا في الطين الأسود للعثور على جذور الغابة القرمزية، فلن يجدوا سوى طبقات لا نهائية من العظام.
يا لها من صورة مرعبة.
بغض النظر عن رأي ساني في طبيعة المتاهة، كان الوحش الذي شكلت بقاياه سلسلة العظام ضخمًا بشكل خاص. بفضل ذلك، جزء من عموده الفقري الطويل كان عاليًا بما يكفي ليبقى فوق الماء ليلًا. لهذا اختاروها محطة تالية في رحلتهم.
مع اقتراب المساء، كانت المهمة التالية حاسمة: عليهم تسلق لوثيان الموتى والتأكد من عدم وجود كائنات أخرى اتخذت من بقاياه ملجأ.
إذا وُجد شيء، فليس أمامهم خيار سوى محاولة قتله — إذ لم يكن هناك وقت للتراجع إلى ملاذهم السابق.
الخطوة الأخيرة غالبًا ما تكون الأكثر خطورة.
عند الوصول لقاعدة التلة المرجانية، دار الفريق حولها باحثين عن طريق مناسب للأعلى. أخيرًا، وقفوا أمام جمجمة الكائن المشقوقة المشوَّهة. مع اختفاء فكه السفلي أو طمره تحت الطين، شكَّل الفك العلوي كهفًا شاسعًا.
مع اقشعرار يسري في عموده الفقري، مر ساني تحت سياج الأسنان المرعب ودخل الكهف. بقاد ظله الطريق، تقدموا نحو مؤخرة الجمجمة وسرعان ما دخلوا التجويف الفسيح للعمود الفقري.
داخل العمود الفقري، كانت السطح العظمي تحت أقدامهم عريضًا كطريق. بل بدا كثيرًا كطريق سريع يمتد عبر نفق طويل، مع حزم ضوء قاسية تتسرب من الفجوات بين الفقرات الهائلة. كان النفق مائلًا صعودًا، معظم طوله مختبئ خلف انحناء السقف.
عند دخول الصدى إلى العمود الفقري، أحدثت قوائمه الكيتينية قعقعة عالية مردَّدة.
تقطَّبت النجمة المتغيِّرة:
"أي حركة؟"
تفقد ساني بالظل وهز رأسه.
نظرت النجمة المتغيِّرة للأمام وخفضت ذقنها قليلًا:
"لنمضِ."
رغم أن الظل لم يرصد خطرًا، استدعوا سيوفهم قبل التقدم. لم تكن المرة الأولى التي يُنصب لهم فيها كمين عند حافة الأمان.
لحسن الحظ، كانت احتياطاتهم غير ضرورية. لم يختبئ شيء داخل البقايا العملاقة، فتمكنوا من الوصول لأعلى نقطة في العمود الفقري دون الحاجة لشق طريقهم عبر عدد مجهول من المسوخ.
بحلول وصولهم للأمان، كانت الشمس قد بدأت تغرب. البحر الظلامي يعود، ملئًا داخل عمود الوحش البحري بصوت الماء المتدفق. نزع ساني أكياس السروج عن الصدى وأرجعه، مما جعل المعسكر فسيحًا فجأة.
احتاج الثلاثي بشدة لاستحمام. بتركه الفتاتين وحدهما لتحظيا بفرصة الاغتسال، مشى ساني مسافة بعيدة وجلس ليستريح جسده المتعب.
عاد ظله للأجزاء السفلية من العمود الفقري، يراقب الماء الأسود الباهت يرتفع ببطء ويبتلع البياض العاجي. كان عليه التأكد من عدم زحف شيء من الماء في اللحظة الأخيرة.
بينما كان نصف عقله منشغلًا بمراقبة المد المرتفع، تحرر النصف الآخر للتجوال. استدعى ساني الرموز وتفقد عدد شظايا الظل في حوزته:
شظايا الظل: [96/1000].
ليس سيئًا... كان لديه اثنتا عشرة فقط في بداية كل هذا. في أقل من شهر، زاد العدد بشكل كبير. صار أقوى وأسرع الآن. وأكثر خبرة أيضًا.
لكن هذا ما زال يتركه أضعف بكثير من حتى أضعف الكوابيس المستيقظة في الشاطئ المنسي من حيث القوة الجسدية الخام، حتى بمساعدة الظل.
'متى سأستطيع مصارعة زبال بيدي العاريتين؟'
الإجابة واضحة ومخيبة للأمل — لن يحدث ذلك قبل استيقاظ لب ظله، وهو ما يمكن حدوثه فقط بعد العودة للعالم الحقيقي.
تنهد ساني.
سرعان ما حان دوره للاغتسال. أخذ قارورة الماء اللامتناهي من كاسي المنعشة ذات الخدين الورديين، ومشى لمكانه المنعزل وأعاد رداء المحرك الخفي.
لمس نسيم بارد جلده الشاحب، مما جعله يرتعد. نظر للأسود، هز رأسه أمام كمية الأوساخ والعرق والدم الجاف التي تغطي جسده.
أن تكون مستيقظًا ليس أطهر المهن.
بينما كان يغتسل، استغلت نيفيس الوقت المتبقي قبل حلول الظلام لإشعال نار وطهو بعض اللحم. هذه الأيام، صار لديهم ملح لتتبيله. في البداية، لم تكن فكرة استخدام ملح البحر المتبقي من البحر الظلامي جذابة، لكنهم اعتادوا عليها لاحقًا.
جعل الملح كل وجبة ألذ بكثير.
أكلوا صامتين، جوعى وتعبين أكثر من اللازم للتحدث. سرعان ما حان وقت النوم.
تولى ساني المناوبة الأولى، مخططًا لأداء بعض التدريبات بالسيف قبل دوره للراحة. أثناء تأديته حركات الكاتا الأساسية، قسم عقله نصفين: جزء يركز على حركات جسده، والجزء الآخر الأصغر يراقب سطح الماء الأسود عبر ظله.
في غياب الريح، كانت الدائرة السوداء التي تغطي الجزء السفلي من العمود الفقري هادئة بغرابة. كانت المرة الأولى التي يرى فيها الماء الأسود بدون تموجات الأمواج، بسطح مسطح تمامًا وساكن كليًا.
بدا كمرآة عملاقة، مصنوعة من ظلام نقي.
كانت السكينة غير طبيعية ومُذهلة. فجأة، شعر برغبة شديدة في الاقتراب ورؤية انعكاسه.
لكن ساني لم يتحرك.
كان مرتعبًا مما قد يحدق به من المرآة.
_____
صورة لقتال نيفيس وساني لقائد الزبالين :