المجلد الأول-طفل الظل [shadow slave]
الفصل 82 : الخوف من المجهول
المترجم : [محمد]
____________
سقط ساني في أحضان خيوط العنكبوت وهو يصرخ، وكان جسده كله ينتفض في تشنجات من الألم الرهيب. ألمٌ لا يُطاق أخذ يشع عبر جهازه العصبي، وقد غمر عقله سيلٌ لا ينتهي من المعاناة الموجعة المروعة.
أحسّ وكأن كل عضلة وكل ليفة وكل جزيء من جسده يتمزق ثم يُعاد تجميعه، فقط ليتمزق مرة أخرى. أما عيناه، على وجه الخصوص، فبدا كما لو أن قضيبين معدنيين ساخنين حتى الاحمرار قد غُرِسا فيهما، جاعلين الآلام الأخرى تتضاءل بالمقارنة. أو ربما تحولتا هما نفساهما إلى كرتين حارقتين من معدنٍ منصهر…
راح يخدش وجهه، مُخلِّفًا عليه آثارًا دموية. لكنها سرعان ما اختفت بعد ثوانٍ، مَحَتها قوة مجهولة. وسرعان ما توارى صوته أيضًا، تاركًا ساني دون متنفسٍ يعبر به عن عذابه المروع.
كانت العملية نقيض عملية إعادة الميلاد اللطيفة التي مر بها بعد اجتيازه الكابوس الأول. لقد كانت عنيفة وقاسية وغير طبيعية، حيث أُعيد تشكيل جسد ساني بقوة إلى شيءٍ ما كان ينبغي له أن يكون عليه.
شيءٌ ما كان ينبغي لأي كائنٍ أن يكون عليه.
ولم يكن أمام ساني خيارٌ لإيقاف ذلك سوى تحمُّل الألم. كل ما استطاع فعله هو محاولة ألا يفقد صوابه من فرط الألم. كانت الدموع تنهمر على وجهه، مخلفةً وراءها آثارًا دامية. بدا وكأن لا نهاية لهذا العذاب.
... ثم، بعد ما بدا كأنه دهر، انتهى الأمر. خمد الألم، وخفّت وطأته، ثم تلاشى أخيرًا. بقي ساني ممددًا على السجادة الكثيفة من خيوط العنكبوت، منهك القوى تمامًا ومستنزفًا.
وفي الصمت الذي لم يكسره سوى صوت أنفاسه المتقطعة الحشرجة، همس صوت التعويذة:
[لقد حصلت على سمة جديدة.] [إحدى سماتك جاهزة للتطور.]
ظل ساني ساكنًا لوقت طويل، مستعيدًا وعيه ببطء. كانت ذكرى محنته الرهيبة لا تزال تتردد في ذهنه، جاعلةً إياه يرتجف بين الفينة والأخرى. كان يخشى أن يفتح عينيه وينظر إلى جسده، يخشى أن يرى نفسه وقد مُسِخ على نحو مروع ومقيت.
"هل أصبحتُ وحشًا؟"
شعر ساني بالهلع وأطبق جفنيه بقوة.
لكنه لم يشعر بأنه وحش. في الحقيقة، لم يشعر بأنه مختلفٌ البتة. بقدر ما استطاع أن يميز، كان لا يزال يملك يدين وقدمين وجلدًا بشريًا ناعمًا. لم يطرأ تغيير على قوته أو مرونته.
بدا الأمر وكأن شيئًا لم يحدث.
'هيا. افعلها...'
بتنهيدة متوترة، فتح ساني عينيه وتفحص نفسه. كان كل شيء كما هو. ثم حوّل إدراكه وتفحص نفسه مرة أخرى من خلال ظله.
كان لا يزال بشريًا.
حسنًا... لقد تغير شيءٌ ما، لكنه لم يستطع تحديده بالضبط. بدا الأمر وكأن رؤيته اختلفت قليلاً عما كانت عليه من قبل. بدا العالم... أعمق على نحو ما. لاحظ ساني الاختلاف فقط بسبب التباين بين إدراكه الخاص وإدراك ظله. ففي السابق، كانا متشابهين إلى حدٍّ ما.
"قطرة من الإيكور... أتت من عين ويفر..."
رفع يده بحذرٍ ولمس عينيه. بدتا كالسابق.
لكنهما كانتا مختلفتين أيضًا. لم يستطع أن يستوعب بأي شكل.
وبينما كان ساني يخفض يده، لاحظ قطرة دم على أحد أصابعه. كانت من خدشٍ صغير على خده، خدشٍ لم يلتئم كالآخرين.
وفي غور دمه، لاحظ ساني بصيصًا ذهبيًا بالكاد يُرى. وكأن تلك القطرة المشعة من السائل الذهبي التي امتصها لا تزال موجودة، وقد أضحت الآن جزءًا منه، مخففةً بشدة ومندمجةً في مجرى دمه. كان البصيص خافتًا لدرجة أنه كاد يغفل عنه.
خمن ساني أنه لن يكون مرئيًا البتة في الضوء العادي.
"ماذا... بحق الجحيم... فعلتُ بنفسي؟"
في تلك اللحظة، وبينما كان يلقي نظرة خاطفة على كفن محرِّك العرائس ويفكر في البصيص الذهبي في آنٍ واحد، تغير شيء ما في رأس ساني، وفجأة رأى الذكرى بمنظورٍ مختلف.
اتسعت عيناه.
تحت سطح القماش الرمادي، كانت خمس جمراتٍ متوهجة تتألق بضوءٍ أثيري. كان كلٌّ منها يمثل رابطًا ومرساة لعددٍ لا يُحصى من خيوط الماس التي امتدت إلى أجزاء مختلفة من الدرع، لتنسج نمطًا معقدًا ومفصلاً وغير متوقع.
بدا الأمر أشبه بالفراغ الداخلي للكائن البغيض، ولكن على نطاقٍ أصغر لدرجة لا نهائية.
ومع ذلك... فوجئ ساني بإدراكه أنه يفهم النمط إلى حدٍّ ما. ساعدته هذه المعرفة الفطرية المكتشفة حديثًا على استشعار بصمات المنطق خلف الترتيب الفوضوي الظاهري للخيوط، وهدفٍ محددٍ وراء كل التفافٍ ودوران. كان الغرض منها تحقيق تأثيراتٍ معينة... المتانة... المرونة... ونوع آخر من الحماية أكثر تعقيدًا.
وافته ومضة الفهم تلك بشكل طبيعي، كما لو كانت قدرة فطرية لديه.
"أحتاج... أن أدرس هذا أكثر."
مفتونًا وقلقًا، ولج ساني بحر الروح. ظهر امتدادٌ مظلمٌ مألوف من مياهٍ راكدة أمام عين بصيرته. كان هناك جوهر الظل يلوح في الأفق، وتوابعه المضيئة من الذكريات، وذلك الشعور الغريب بأن شيئًا ما كان يتحرك خارج مجال رؤيته.
بدافع العادة، أدار ساني رأسه محاولاً إلقاء نظرة على هذا الشيء، وهو يعلم أنه لن يرى شيئًا.
لكنه هذه المرة، رآه.
صرخ صرخة مرعبة، فجفل واختل توازنه.
'بحق الجحيم! ما هذا بحق الجحيم!'
هناك في العتمة، على تخوم الضوء الخافت الذي تبثه الذكريات المتوهجة، وقفت هيئاتٌ سوداء ثابتة. كانت ظلالاً... ظلال المخلوقات التي قتلها.
كان هناك ظلٌّ يشبه العبد، عريض المنكبين، بظهرٍ ملطخ بالدماء، شخصٌ لم يُكلِّف ساني نفسه عناء معرفة اسمه. كانت هيئته مشوهة ومريعة، إذ تحوّل إلى وحشٍ قاتل بعد أن صار مضيفًا ليرقة ملك الجبل. ثم خنق ساني تلك اليرقة.
وكان ظل ملك الجبل ذاته يرتفع فوقه، مريعًا وبغيضًا تمامًا كما كان الطاغية حين كان لا يزال على قيد الحياة. ارتجف ساني وهو يسترجع ذكرى فراره من مخالب ذلك الكائن البشع.
وبجانب الطاغية، كان هناك ظل العبد القاسي الذي جلده بالسوط. كان هذا هو الإنسان الأول والوحيد الذي أنهى ساني حياته بيديه. بل إنه سرق حذاء وعباءة جثة القتيل.
وعلى جانبيهما، كانت هناك ظلالٌ أخرى. وقف الزبالون الضخام صامتين، وقد خُفِضت كماشاتهم نحو الأرض. وكان يمكن رؤية هيئةٍ وحشية مخيفة لقائد المئة بينهم، مُحاطًا بمئوياتٍ ضخمة، وعُقدٍ منتفخة من الديدان آكلة اللحوم، وبعض الأزهار الغريبة الآكلة للحم.
كل كائنٍ سقط على يد ساني كان هناك على هيئة ظل. أو، بتعبير أدق، كل كائنٍ امتص ظله شظايا منه.
ورغم أن تلك الظلال لا عيون لها، لم يسعه إلا الشعور بأنها جميعًا تحدق فيه...
صامتة. بلا حراك. تراقبه.
شعر ساني بقشعريرة باردة تسري في عموده الفقري، ثم ابتلع ريقه ونهض، وساقاه ترتجفان قليلاً. إن اكتشاف ظهور جيشٍ صغير من الظلال الميتة داخل بحر روحك الخاص لم يكن بالتأكيد من أكثر المفاجآت سُرورًا. ناهيك عن كون تلك الظلال عائدة لمخلوقاتٍ قتلتها بنفسك.
جزّ على أسنانه.
"سأكررها... ما هذا بحق الجحيم؟!"