المجلد الأول-طفل الظل [shadow slave]

الفصل 86 : الدليل النهائي

المترجم : [محمد]

__________

كانت آلية تفكير ساني شديدة البساطة. ففي الحالة التي كان عليها، غدا من شبه المستحيل التشبث بأي أفكار معقدة تناهض إملاءات شجرة الروح. كان بالكاد يبذل قصارى جهده ليتذكر ما جرى في ذلك العش العملاق.

في طريقه إلى الأسفل، اضطر ساني إلى عض نفسه مرارا، تاركا علامات دامية على يديه. كان الألم الحاد يصفي ذهنه للحظات وجيزة، مانحا إياه هدنة مؤقتة من براثن النسيان المطبقة.

ومن قبيل المصادفة، كان قد بدأ بالفعل يلحظ تأثير سمة [نسج الدم] عليه. لم تنزف تلك العضات إلا لفترة وجيزة، وسرعان ما تيبست متحولة إلى قشور. كان تحسن سرعة تخثر دمه جليا. كما شعر بنشاط أكبر، وبأن قدرة تحمله قد غدت أفضل بكثير مما كانت عليه سابقا.

وهو أمر يبدو منطقيا. فالجسد البشري نظام يؤثر فيه كل جزء على الآخر. والتحسين الجوهري لأحد هذه المكونات، لا سيما تلك التي لا تقل أهمية عن الدم، لا بد وأن يحدث تفاعلا تسلسليا من التحسينات وإن كانت أقل شأنا في سائر أجزاء الجسد.

بدا أنه قلل كثيرا من شأن سمته الجديدة.

'ركز أيها المعتوه! لا مجال للشرود الآن!'

ركز ساني على مهمته هذه، صارا على أسنانه.

أراد أن يستعين بقدرة سمة كاسي لكشف حقيقة تلك السمة الخفية. فرؤيتها تختلف عن رؤيته هو. ما كان ساني ليتمكن من رؤية المعلومات التي تقدمها الأحرف الرونية لولا أنها كانت وظيفة مدمجة في التعويذة ذاتها. لقد وصل ببساطة إلى تلك المعلومات بعقله.

أما رؤية كاسي، فكانت تنبع من سمتها الخاصة. وبالتالي، حتى لو تعرضت عقولهم للخطر، فلا ينبغي أن يؤثر ذلك على قدرتها على رؤية سمات الآخرين. كما أن لديها ميلا فطريا قويا للكشف عن الغيب واستشراف الأقدار.

لذا، كانت هناك فرصة لا يستهان بها أن تنجح كاسي حيثما أخفق هو.

وأخيرا، بلغ ساني الأرض، فأيقظ الفتاة الكفيفة، وبعد حديث موجز تطرق فيه إلى ذكر السمات. ثم سأل بحذر:

"هل يمكنك إلقاء نظرة على سماتي؟"

كان من الواضح أن الارتباك قد اعترى كاسي جراء هذا السؤال.

"ألا تستطيع فعل ذلك بنفسك؟"

ابتسم ساني.

"بلى، أستطيع، لكنني أظن أن الدهشة ستعتريك حين ترينها."

ترددت الفتاة الكفيفة ثم هزت كتفيها.

"حسن إذن. ولكن إن تبين أنك أيقظتني عبثا، فسوف يساورني استياء شديد. لن يكون ذلك تصرفا لائقا منك البتة..."

استدارت لتواجهه وتجمدت للحظة، وكأنها تحدق في عينيه.

"[مقدر]، [طفل الظلال]، [شرارة الألوهية]... مهلا، ألم تكن [علامة الألوهية]؟ غريب، لا بد أنني أتذكر الأمر على نحو خاطئ."

توقفت لثانية، فغطت كاسي فمها بخجل بيدها الصغيرة وتثاءبت.

"آه. ذاكرتي ليست على ما يرام في الآونة الأخيرة. لعل ذلك بسبب فرط الراحة، على ما أظن. أين كنت؟ أجل، بالطبع. [نسج الدم]... هاه؟ من أين أتت هذه؟"

أجبر ساني نفسه على ضحكة خافتة.

"هذه؟ من بيضة. على أي حال، هل من شيء آخر؟"

رمشت كاسي عدة مرات.

"بيضة؟ حسنا، إن كنت تقول ذلك..."

في الأحوال العادية، ما كان ظهور سمة جديدة أمرا يمكن للمرء أن يتغاضى عنه بسهولة. ولكن في الوضع الذي كانت فيه، تضاءل مدى انتباه كاسي إلى حد كبير، وخيم الوهن على قدراتها الذهنية. عبست لثوان معدودة، ثم طوت صفحة ذلك التناقض ونسيته تماما.

في تلك الأثناء، كان فؤاد ساني يخفق بعنف وكأنه على وشك الانفجار من صدره. تجمدت ابتسامة مصطنعة على شفتيه، وهو يترقب بلهفة كلمات الفتاة الكفيفة التالية. فهي التي ستقرر ما إذا كان سيتمكن من سبر أغوار الأمور أم لا.

ومن ثم، إيجاد مخرج من هذا الحضيض.

قالت كاسي بابتسامة شاردة:

"أمي تعد أشهى أطباق البيض... آه... عما كنا نتحدث؟ صحيح، سماتك. السمة الأخيرة هي... [مستعبد]. لحظة... من أين لك هذا..."

سأل ساني على عجل، مستشعرا ضيق الوقت:

"الوصف! ماذا يقول الوصف بحق السماء؟"

تسربت نبرة توتر خفيفة إلى صوته. مندهشة من هذه الحدة، لم تطرح كاسي السؤال ذاته مرة أخرى وقالت ببساطة:

"لقد سحرت بذلك الكائن الشرير العتيق، شجرة الروح الآكلة للأرواح، ويجري الآن تحويلك إلى عبد لها. حالما تكتمل العملية، فلن يكون هناك مهرب."

بمجرد أن داعبت هذه الكلمات مسامع ساني، بدا وكأن قيودا ثقيلة قد انفرطت من عقله. فجأة، انهالت عليه ذكرياته كالسيل الجارف، فكاد يترنح تحت وطأتها. اتسعت عيناه بذهول.

الآن فقط، بعد أن استعاد كافة ذكرياته، أدرك ساني إلى أي مدى كانت حالته الذهنية معتلة، وكم فقد من ذاته، ومدى اقترابه من التلاشي التام دون أن يدري حتى بأن وحشا كاسرا كان ينهش عقله ببطء وتؤدة.

اجتاح فؤاده شعور عارم بالرعب المطبق. للحظات عصيبة، عجز لسان ساني عن النطق، وتصبب منه عرق بارد كالثلج، وراحت أوصاله ترتعد.

'ا... اهدأ. تمالك نفسك. لم يحدث ذلك بعد، لقد أوقفته. لقد استعدت نفسك، لم يلتهمك بالكامل.'

ببطء، تمكن من السيطرة على مشاعره واستعادة بعض مظاهر رباطة الجأش. لقد دنا كثيرا من الهاوية، لكنه لم يخط تلك الخطوة الأخيرة. كان لا يزال هو ذاته.

لم ينته الأمر بعد. لا تزال لديهم فرصة.

نظر إلى كاسي، وزفر ساني ببطء وقال:

"شكرا لك."

ابتسمت الفتاة الكفيفة ورفعت حاجبيها.

"لماذا؟"

لقد نست بالفعل كل شيء عن محادثتهما.

لقد تحرر ساني من سحر تلك الروح المفترسة، أما كاسي فلم يكن حالها كذلك. كانت ذاكرتها وعقلها وتفكيرها لا تزال عرضة للخطر... بل كانت تزداد سوءا وهما يتحدثان.

ارتسمت ابتسامة مؤلمة على وجه ساني. قال:

"لمساعدتي في الخروج للتو. عذرا على إزعاج راحتك في هذا الوقت المبكر... عودي إلى نومك. سأتولى الأمر من هنا."

ترددت كاسي للحظات، ثم تشتت انتباهها ونست أنه كان هناك على الإطلاق. تثاءبت، ثم تمددت الفتاة الكفيفة وتدثرت بعباءتها. وما لبثت أن غطت في نوم عميق، هانئة في غفلتها السعيدة عن حقيقة أن أيامها قد غدت معدودة.

ظل ساني يرقبها لبرهة، وقد كسا الأسى محياه. وأخيرا، استدار ومضى مبتعدا، وهو يحدث نفسه بإصرار:

'لن يكون ذلك ما دمت حيا.'

2025/06/04 · 80 مشاهدة · 889 كلمة
Mohamed zhg
نادي الروايات - 2025