المجلد الأول-طفل الظل [shadow slave]
الفصل 88 : بناء القارب
المترجم : [محمد]
_____________________
وفي محاولة لاستجماع شتات شجاعته، رمق ساني الأفق البعيد وقال بصوت أجش:
"لقد رأيت المخلوقات التي تقطن تحت هذه الأمواج. أتودين حقا أن نشق عباب هذه المياه بين ظهرانيهم؟"
صمتت النجمة المتغيرة لبرهة ثم تنهدت.
"إن الهلاك محدق بنا في كلتا الحالتين يا ساني. فما الذي عسانا نخسره؟"
صمتت للحظة وتراقصت ألسنة لهب شاحبة في مقلتيها للحظة وجيزة. ثم أضافت بصوت هادئ:
"لن نشعل أي نيران، وسنعتمد على عينيك لتوجيهنا صوب الغرب. وكلنا أمل أن يقينا درع كاسي شر ما قد يعترضنا. لعل ذلك يكون كافيا."
نظر ساني إلى نيف وسأل:
"وما الذي يميز درع كاسي؟"
ترددت هنيهة، ثم أجابت دون أن تنظر إليه:
"إنها ذكرى مستيقظة من المستوى السادس. ومن خصائصها أنها تجعل مرتديها أقل عرضة للفت انتباه الأعداء."
وبينما كان ساني يستوعب هذه المعلومة، ارتعدت نيفيس فجأة. قالت وهي تطبق جفنيها وتكز على أسنانها من فرط الإعياء:
"لقد بلغت أقصى حدودي. عقلي... يتهاوى. إن كانت لديك أي أسئلة... فالأجدر بك... أن تطرحها على عجل."
رمش ساني مذهولا. ثم، وقد أيقن أنه لم يتبق متسع من الوقت، سألها أول ما تبادر إلى ذهنه:
"ألديك أدنى فكرة عن كيفية بناء زورق أصلا؟"
أومأت النجمة المتغيرة بإيجاز، مؤكدة أنها تعرف. وكان تعبير وجهها يتأرجح بين الوضوح والغموض قبل أن يضيع مجددا في غياهب النسيان.
في سباق مع الزمن، راح ساني يفكر بجنون في سؤال آخر.
"كيف لي أن أقنعك بمغادرة الجزيرة حالما تتلاشى ذاكرتك؟"
نظرت إليه نيفيس، وهي تجاهد لتتشبث بآخر خيوط الوضوح. للحظة، استعادت عيناها صفاءهما المعهود. اشتعلت ألسنة اللهب البيضاء في أعماقها، وأنارت وجهها الجميل الشاحب.
"أستر... سونغ... فالي. قل لي هذه الكلمات، وسأصغي إليك."
وبينما بدأت تفقد سيطرتها على أفكارها، أشاحت بوجهها بعيدا وأردفت بعد وقفة قصيرة، بصوت ثابت ومتزن على نحو غريب:
"إذا ساءت الأمور، خذ كاسي واهربا. لا... لا تدع..."
بعد ذلك، خفت الضوء في عينيها ببطء، وسرعان ما عادت النجمة المتغيرة تحدق في الغرب مرة أخرى، وقد تلاشت كل ذكريات محادثتهما من عقلها.
جلس ساني بجانبها لبعض الوقت، منتظرا. بعد فترة، تحرك قليلا وقال:
"مرحبا، نيف."
التفتت إليه، وجهها كئيب تكسوه الحيرة.
"ساني؟ آه... متى جئت إلى هنا؟"
"منذ برهة."
ثم ابتسم وقال بنبرة هادئة:
"أهلا، هل لي أن أسألك شيئا؟ أتراك تعرفين كيف يبنى الزورق؟"
تملكت الدهشة نيفيس من سؤاله، لكنها وافقت في نهاية المطاف على مساعدته. لم يخبرها ساني عن سبب رغبته بالضبط في بناء زورق، متملصا من الأسئلة ببراعة فائقة. لم يكن عيبه ليجعل الأمور هينة، ولكن بالنظر إلى الحالة التي كانت عليها نيف، لم يكن إقناعها بالأمر العسير.
كان استغلال حالتها تلك غريبا بعض الشيء، بيد أن شرح كل شيء مجددا كان سيستنزف وقتا ثمينا. ناهيك عن أنه لم يكن واثقا من أن الأمر سينجح مرة أخرى.
ولم يتبق الكثير من الوقت. فمع كل ساعة تمضي، كانت حالتهما تزداد سوءا.
حتى ساني كان يجد صعوبة في الحفاظ على صفاء ذهنه. وكلما أحس بأن عقله يوشك أن ينزلق في مهاوي النسيان، اضطر إلى إيلام نفسه ليحظى بلحظات قليلة من الإمهال. ومع ذلك، كانت أفكاره بطيئة وواهية. كان الحفاظ على تماسكها عبئا جسيما ينوء به كاهله.
كان عليهم الفرار من الجزيرة بأقصى سرعة ممكنة. وكان ساني مصمما على أن يكون كل شيء جاهزا بحلول الوقت الذي يعود فيه البحر الأسود.
أشاح ساني بوجهه عن نيفيس كي لا تسمح لها برؤية التعبير المؤلم على وجهه، وعض على يده مرة أخرى. بعد أن شعر بطعم الدم المر على لسانه، ترك موجة الألم تصفي ذهنه وأغمض عينيه، مستمتعا بسخرية الموقف.
كان ينهش لحم نفسه كي لا يؤكل. يا لها من مفارقة باعثة على الضحك المرير!
أخفى ساني يده التي تنزف خلف ظهره، والتفت إلى نيف وسأل:
"إذن، كيف سنصنع الزورق؟"
أمعنت التفكير لبعض الوقت، ثم قالت بلا اكتراث:
"سيتوجب علينا الاستعانة بالمواد المتوفرة في متناول اليد. أما هيكل الزورق، فسنضطر لاستخدام درع ذلك الشيطان الميت. بوسعنا نزع عدة ألواح من درعه ذات الشكل الملائم وربطها معا بذلك الحبل الذهبي..."
رفع ساني حاجبيه:
"درع... درع شيطان الدرع؟ إنه مصنوع من فولاذ غريب الأطوار. وهل يطفو الفولاذ أصلا؟"
نظرت نيفيس إليه بتأنيب خفيف.
"كل شيء يمكنه أن يطفو يا ساني. عليك فقط أن تتأكد من أنك تزيح كمية من الماء تفوق وزن الجسم الطافي. هكذا تعمل الزوارق."
رمش.
"آه، حسنا. وفيما يخص الشراع، أظن أنه يمكننا أن نطلب من كاسي أن تعيرنا رداءها. ما رأيك؟"
رمقته النجمة المتغيرة بنظرة غريبة.
"أقصد، نعم؟ ما زلت لا أستوعب ما الذي أثار حماستك هذه كلها بشأن بناء الزوارق، لكنني على يقين من أنها ستكون على أهبة الاستعداد لمساعدتك في هذا... آه... مشروعك الشغوف."
ابتسم ساني.
"عظيم! فلنذهب إذن لنجتزئ من ذلك الشيطان ما يلزمنا!"
جملة غريبة ليقولها بابتسامة، ولكنها ليست أغرب جملة اضطر لقولها كي يقنع نيف بمساعدته.
بعد دقائق قليلة، وصلا إلى الجثة العملاقة للشيطان المدرع. كانت تنتصب فوقهم كتل صغير من معدن مصقول. فبعد ذلك اليوم الأول الذي حلقت فيه أرجاس مجنحة غريبة حول الجزيرة لساعات طوال، دون أن تجرؤ على الاقتراب قط، لم يظهر أي كائن آخر ليطالب بلحم ذلك المخلوق المريع.
نتيجة لذلك، كانت الجثة سليمة إلى حد كبير.
والغريب أن جثة الشيطان لم تبدأ بالتحلل. وحده المعدن في درعه كان يتدهور ببطء، فيفقد بريقه ولمعانه، ثم يغدو أقل صلابة. حتى أن سطحه الآن قد تشوه ببقع كبيرة من الصدأ.
اعتلت نيفيس الجثة وسارت من جانب إلى آخر، وهي تتفحص ما تحت قدميها. ثم أشارت إلى عدة نقاط:
"ستكون هذه الألواح المنحنية مثالية لو استطعنا تجميعها معا بإحكام كاف. فكل لوح منها طويل بما يكفي ليشكل الهيكل بأكمله، تاركا حيزا كافيا لجلوسنا نحن الثلاثة جنبا إلى جنب."
لم يكن لدى ساني أي دراية ببناء السفن، لذا قرر الوثوق بحكمها. نظر من الأرض، وسأل:
"وماذا عن الصاري؟"
عبست النجمة المتغيرة.
"هذا... يجب أن أفكر فيه مليا."
ابتسم ساني.
"لا بأس. ريثما تمعنين التفكير، سأذهب لأحضر كاسي لتؤنس وحدتك..."
____
تحمست في ترجمة هذا الفصل : جعلتهم عرب أصليين ههه. إذا كانت هذه الترجمة تروق لكم سأستمر بها.