المجلد الأول - طفل الظل [Shadow Slave]
الفصل 90 : الليل
المترجم : [محمد]
___________
حدَّقت النجمة المتغيّرة في ساني بدهشة، مذهولةً من الطريقة التي شوَّه بها إصبعه بنفسه. زفر من بين أسنانه المشدودة، ثم تخلّى عن شظية الغسق، وبتثاقل نهض واقفًا على قدميه.
"آه! تبًا! هذا مؤلم بحق!"
كان إصبعه المسكين أحمر اللون، متورمًا، ينبض بألم حاد. لقد كُسر بوضوح لا يدع مجالًا للشك. شعر ساني بشفقة جارفة على نفسه، لدرجة أنه كاد أن يبكي.
‘لماذا حظي عاثر هكذا؟ أولًا ذلك الكابوس في العش، والآن هذا... لماذا لا يعاني أحد غيري؟’
قرر بشكل مريح أن يتناسى كون النجمة المتغيّرة كانت تعذّب نفسها حرفيًا لأسابيع، وأن كاسي كانت دومًا مغطاة بالكدمات بسبب العمى.
سمعت الفتاة العمياء صوته المتألم، فأدارت رأسها وسألت:
"...ساني؟ ماذا حدث؟"
قطّب جبينه، ثم حاول أن يرسم ابتسامة خفيفة.
"آه، لا شيء خطير، حقًا. فقط... كسرت يدي قليلًا."
فتحت نيفيس فمها لتقول شيئًا، لكنه سارع إلى مقاطعتها قبل أن تتحدث.
"على كل حال، نيف... هل يمكنك مساعدتي في سحب هذه التحفة القبيحة خاصتك إلى حافة الجزيرة؟"
في تلك اللحظة، كان مجرد سؤال في غير محله كفيلًا بإفساد كل شيء. لم يكن يرغب بكشف غرضه الحقيقي حتى اللحظة الأخيرة، فبهذه الطريقة يضمن لنفسه مرونة أكبر في التعامل مع العواقب... إن وُجدت.
ترددت النجمة المتغيّرة للحظة، ثم هزّت كتفيها ونظرت إليه بقلق.
"هل أنت بخير حقًا، يا ساني؟"
أجبر نفسه على الابتسام.
"سأكون كذلك إن ساعدتني."
استسلمت، وهزّت رأسها، ثم تقدّمت نحو مقدّمة القارب. التفت ساني إلى كاسي:
"سنتوقّف قليلًا، كاس. انتظريني هنا، حسنًا؟ سأعود إليك قريبًا."
تردّدت، وكأنها لم تفهم كلماته تمامًا، ثم أجابت بتعبير حائر:
"آه... حسنًا."
رفع ساني يده السليمة ليمسك بكتفها، لكنه تردّد، ثم استدار بنظرة قاتمة في عينيه. تحمّل الألم، وتوجّه نحو القارب.
‘اصبري قليلًا، كاسي... سينتهي الأمر قريبًا. أعدك بذلك.’
كان الليل يقترب بسرعة.
سحب ساني ونيفيس القارب عبر الجزيرة، بينما كانت الثيران تتشبّث بالعربة خلفهما. لم تكن الرمال الرمادية صعبة للغاية، لكن المسامير المعدنية التي تغطّي هيكل السفينة الغريبة جعلت المهمة أكثر مشقة. لحسن الحظ، كان القارب أخف مما يبدو.
كان ساني يعلم، من تجربته مع شظية الغسق، أن سبيكة درع الشيطان خفيفة للغاية. فقد صُنع كلاهما من نفس المعدن اللامع. وإن صدّق وصف السيف، فإن هذه السبيكة الأعجوبة جاءت من شظية نجم ساقط.
ما إذا كان ذلك فألًا حسنًا أم سيئًا... لم يكن يعرف.
سرعان ما سمعوا دويًا مدوّيًا يتردّد من جهة فوهة البركان الهائل.
كان البحر المظلم يستيقظ.
زفر ساني من بين أسنانه، وأمسك بالحبل الذهبي الملفوف حول صدره، ثم شدّه بقوة أكبر.
‘هيا! أسرع!’
كانت الشمس على وشك أن تلامس الأفق حين وصلوا أخيرًا إلى حافة الجزيرة. خرّ ساني على ركبتيه، أفلت الحبل، ولهث يلتقط أنفاسه، وصدره يرتفع ويهبط بشكل محموم. غمره الإرهاق، حتى كادت حواسه تنطفئ.
"ليس بعد... لا يمكنك أن تنهار بعد..."
كانت نيفيس تحدّق فيه بصمت، وعلى وجهها عبوس صامت. ولأول مرة، شعر ساني بالامتنان لأنها ليست كثيرة الكلام بطبعها.
جمع ما تبقى له من قوة، ونهض ثم رفع نظره إلى السماء التي بدأت تظلم. كان الوقت ينفد.
التفت إلى نيف، وأجبر صوته الجاف على الخروج:
"سأشرح كل شيء عندما تصل كاسي. لا تذهبي إلى أي مكان حتى أعود بها، حسنًا؟ أرجوكِ."
حدّقت النجمة المتغيّرة فيه بضع ثوانٍ، ثم هزّت كتفيها بلا مبالاة، ولم تقل شيئًا.
"سأعدّ ذلك موافقة."
ما كان بوسعه أن يفعل أكثر؟
تمتم ساني وهو يزفر، ثم استدار وركض عائدًا. بقيت له مهمة أخيرة قبل أن يعود إلى كاسي.
بعد فترة قصيرة، عاد إلى حيث ترك الفتاة العمياء. كانت لا تزال جالسة هناك، بعيدًا قليلًا عن جثة الشيطان المدرّع، تحدّق في الأرض بصمت.
وحين سمعت وقع خطواته، رفعت رأسها وابتسمت بتعب.
"ساني؟"
اقترب منهكًا حتى النخاع، وقال محاولًا الحفاظ على نبرة صوته طبيعية:
"نعم... أنا."
تشتّت انتباه كاسي للحظة، ثم سألت:
"هل لديك فاكهة؟ أنا جائعة."
تجمّد، ثم هزّ رأسه.
"لا... اسمعي، نحن بحاجة إلى—"
"...أنا جائعة. هل لديك فاكهة؟"
توقّف ساني وحدّق فيها بعينين حزينتين. بدت كدمية مكسورة، تكرّر ذات العبارة مرارًا. كانت حالتها تسوء بسرعة.
بلل شفتيه الجافتين.
"تعالي معي، وسيزول جوعك."
كان ذلك أفضل توجيه مضلِّل استطاع أن يصيغه ضمن حدود عيبه. ومع ذلك، فشل هذه المرة في تحقيق التأثير المطلوب.
ابتسمت كاسي وقالت:
"حقًا؟ ستأخذني إلى الثمار؟"
لكن بسبب إنهاكه وتأثير السحر المُنهِك، تشتّت ذهن ساني لوهلة، وارتكب خطأ قاتلًا دون أن ينتبه. فتح فمه وقال:
"لا."
عقَدت كاسي حاجبيها وخفضت رأسها.
"هذا ليس لطيفًا يا ساني... لماذا كذبت علي؟"
ما زال ساني يتخبّط من وقع خطئه، ولم يدرك أنه أضاع لحظة حاسمة. وبدلًا من إصلاح الموقف، زاد الطين بلّة:
"...لأنني أريد أن آخذك بعيدًا عن هذه الجزيرة الملعونة."
— يمكنك قراءة أحدث فصول الرواية على موقع قصر الروايات – novel4up.com —
ما إن خرجت الكلمات من فمه، حتى تجمّد ساني واتّسعت عيناه في رعب، غير مصدّق أنه أفسد كل شيء بهذا الشكل.
لكن الضرر قد وقع بالفعل.
التفتت إليه كاسي بعبوس عميق.
"تأخذني بعيدًا؟ لكن... لا أريد الرحيل. لماذا أترك شجرة الروح؟"
شتم ساني بصمت، ثم صرخ، متخليًا عن أي محاولة لضبط النفس:
"لأن هذا الشيء شرير! إنه كابوس ملعون بكل معنى الكلمة! هيا بنا—"
أمسك بيدها وحاول أن يسحبها بعيدًا، لكنها قاومت بقوة مفاجئة.
"دعني، أيها الأحمق!"
تمكّنت من انتزاع يدها من قبضته، وتراجعت، تحدّق فيه بعينين غاضبتين.
"قلت إنني لا أريد الذهاب! تتصرف بغرابة يا ساني! توقف، أرجوك!"
تجمّد في مكانه، لا يعرف ما عليه فعله.
"أنا فقط..."
"هذه الجزيرة هي موطننا! كل شيء هنا جميل، نحن الثلاثة معًا! لماذا تريد الرحيل؟!"
ظلّ ساني يُصارع نفسه، يحاول أن يفعل ما يعلم أنه لا بد منه. وأخيرًا، صرّ على أسنانه وقال:
"لأننا خمسة! هل تذكرين؟!"
"أنا آسف، كاسي..."
ثم اندفع للأمام، وأمسك بالفتاة العمياء بقسوة، وقمع مقاومتها بسهولة.
"ماذا تفعل؟! توقف! النجمة! النجمة! ساعديني! لقد جنّ ساني!"
رفعها على كتفه، واستدار وركض بها نحو حافة الجزيرة. كانت كاسي تضربه بقبضتيها الصغيرتين، تقاوم بجنون.
رغم أنها لم تشارك في أي من المعارك ضد مخلوقات الكابوس على الشاطئ المنسي، إلا أن كاسي لم تكن إنسانة عادية. فكل شظايا الظل التي تقاسمتها معها النجمة المتغيّرة منحتها قوةً كافية لتجعل ساني يشعر بلكماتها.
لم تكن كافية لإصابته بجروح، لكنها كانت مؤلمة بشدة.
"أنا آسف... آسف جدًا، كاسي..."
مُثقلًا بالذنب، حاول ساني أن يتجاهل صرخات الفتاة المتألمة، واندفع نحو القارب. كان العرق البارد يغمر جبهته.
وحين بدأ آخر بصيص من الضوء يتلاشى من السماء، عاد أخيرًا إلى حافة الجزيرة. كان القارب الغريب يرقد بصمت فوق الرمال، على بعد أمتار قليلة من البحر الأسود المتقلّب. وكانت النجمة المتغيّرة تقف أمامه، ترفع رأسها نحو مصدر الضوضاء.
"النجمة! النجمة! ساني أصيب بالجنون!"
نهضت نيفيس ببطء، وكان تعبيرها البارد يقطر جليدًا. رفعت يدًا واحدة قليلًا.
‘تبًا.’
"انتظري! ليست الأمور كما تظنين—"
لكن قبل أن يُكمل، ظهر النصل الفضي من العدم، موجّهًا نحو الأرض... في الوقت الراهن.
"عرّف نفسك."
كان صوت النجمة المتغيّرة هادئًا كعادته، لكن ساني شعر بتهديد قاتم كامن فيه. وفجأة، رآها في ضوء مختلف... أو بالأحرى، ضوء قديم.
كعدو محتمل.
تسببت الفكرة بقشعريرة تزحف في عموده الفقري. لقد نسي تقريبًا ذلك الإحساس الذي راوده في الأكاديمية، وهو يراها تمسح الأرض بمعظم النائمين في مجموعتهم.
لقد نسي أنها... كانت هي أيضًا وحشًا.