المجلد الأول - طفل الظل [Shadow Slave]
الفصل 91: الهروب
المترجم: [محمد]
__________
قال ساني وهو يلعق شفتيه بحذر:
"الأمر... ليس كما تظنين، يا نيفيس. لقد وقعنا في فخ نصبته شجرة الروح. إنها ليست خيّرة... لا تحمينا. في الواقع، تفعل العكس تمامًا. إن لم نغادر هذه الجزيرة، سنصير عبيدًا لها إلى الأبد... أو تلتهمنا عندما تجد فريسة أقوى!"
أمالت رأسها قليلًا، ونظرت إليه بتعبير غامض لا يُقرأ.
"هيا يا نيفيس! تذكّري! لقد تحدّثنا في هذا الأمر من قبل! كل هذا كان فكرتك من البداية!"
للحظة، ظنّ أن كلماته أيقظت الذكريات المسروقة في عقلها... لكن ردّها بدّد تلك الآمال إلى شظايا.
"أن نترك... الشجرة العظيمة؟ لقد فقدت صوابك فعلًا."
"اللعنة!"
رفعت النجمة المتغيّرة سيفها، وتكلّمت بنبرة جعلت ساني يرتجف:
"أطلق سراح كاسي. حالًا."
تردّد، وهو يقيّم أفضل خيار ممكن. ثم انحنى ببطء، ووضع الفتاة العمياء بعناية على الأرض.
"حسنًا، فعلت. ترين؟ والآن، استمعي إليّ... هناك شيء مهم جدًا عليك معرفته—"
لكن قبل أن يُكمل، اختفت نيفيس من أمام عينيه.
أدرك ساني أنه على وشك التعرّض لهجوم، فاستعد للدفاع عن نفسه...
ومع ذلك، بعد لحظة فقط، وجد نفسه ممددًا على الأرض، ورأس سيفها الفضي يضغط على عنقه. كانت النجمة المتغيّرة تقف فوقه، والأنوار الباهتة تتّقد في عينيها.
"...حسنًا، هذا كان... مُحرجًا."
كل تدريباته، وكل الخبرات التي نالها عبر معارك لا تُعدّ، وكل القوة التي كدّ لاكتسابها... كان يظن أن بإمكانه الصمود أمام نيفيس، وربما حتى مجاراتها. لكن في النهاية، لم يصمد سوى ثانية واحدة.
من الممكن وصف ما حدث بأنه استسلام مُبكّر في صورة قتال.
"جميل، أيها الأحمق! الآن، توقّف عن التهريج وركّز!"
شعر ساني ببرودة الفولاذ تلامس جلده، فبقي ساكنًا قدر الإمكان. كان واثقًا من أن النجمة المتغيّرة لن تتردّد في قتله إن شعرت بأنه يشكّل تهديدًا... لذا كان عليه ألّا يمنحها أي مبرّر لفعل شيء متهوّر.
خصوصًا وأن عقل نيفيس لم يكن... حاضرًا تمامًا.
حدّق في وجهها الجامد، ثم صرخ بأقصى ما استطاعت حنجرته المجهدة أن تصرخ به:
"أستر، سونغ، فالي!"
ارتعشت يد نيفيس، وسقطت قطرة دم على عنقه. اتّسعت عيناها في دهشة وذهول، ثم بدا عليها تعبير قاتم ثقيل.
ومع تشديدها لقبضتها على السيف، تقدّمت خطوة إلى الأمام واخترقته بنظرة متّقدة. وحين تحدّثت، كان صوتها يرتجف من انفعالات حبيسة:
"كيف... تعرف هذه الأسماء؟ من أنت؟"
رمش ساني بدهشة لا تقل عن دهشتها من ردة فعلها.
كان يظن أن هذه الكلمات الغريبة ليست سوى رمز لاستدعاء ذاكرتها... لكنها لم تكن كذلك.
'أستر، سونغ، فالي... ما معنى هذه الأسماء بحق الجحيم؟ ما الذي يجعل نيفيس تفقد أعصابها هكذا؟ لا بد أنه أمر بالغ الأهمية...'
محاولًا أن يظل ساكنًا قدر المستطاع، نظر إلى شفرة السيف القريبة من رقبته، وأجاب بصدق:
"لم أكن أعلم حتى أنها أسماء. هذا فقط ما طلبتِ مني أن أقوله لكِ... في حال نسيتِ ما عليكِ فعله. قلتِ إنك ستستمعين إليّ إن نطقت بها."
حدّقت فيه طويلًا، وظلّ ظل من الشك يخيم على وجهها لجزء من الثانية... لكنه اختفى سريعًا، وخلفه حلّت نظرة عازمة موحشة.
زمّت شفتيها وهتفت:
"إلى أي مجال تنتمي؟!"
لم يكن لدى ساني أدنى فكرة عمّا تقصده، لذا سأل ببساطة:
"ما هو المجال؟"
ابتسمت، وظهر بريق مجنون في عينيها. كانت مختلفة كليًا عن نيفيس الهادئة التي يعرفها. لو لم يكن يعرف الحقيقة، لظنّ أن شخصًا آخر يقف أمامه... شخصًا أكثر جنونًا، وأشدّ خطرًا.
ثم تمتمت:
"لا تتظاهر بـ... بـ..."
فجأة، تعثرت في كلماتها، وقطبت جبينها. بدا وكأن سؤال ساني قد لمس وترًا ما في ذهنها، وأطلق سلسلة من ردود الفعل. مرت ثوانٍ قليلة، تزايد فيها العبوس على وجهها.
ثم، شيئًا فشيئًا، عاد التوازن البارد إلى عينيها. لم يبدُ أنها استرجعت كل شيء، لكن، كما وعدت نيفيس ذات مرة، بدا أن هذا القدر من التذكر يكفي لتجعلها تستمع إلى ما يقوله ساني.
وقد أدرك ذلك من رفعها للسيف عن عنقه، بل وساعدته على النهوض.
نظرت إليه بنظرة غريبة وسألته:
"هل قلتُ لك حقًا هذه الكلمات؟"
فرك ساني عنقه الذي جرحه نصلها قليلًا، وأومأ بصمت. كان نسج الدماء قد بدأ بالفعل في ترميم الضرر.
نظرت نيفيس إلى الأرض للحظة، ثم أغمضت عينيها. وعندما فتحتهما من جديد، كان فيهما بريق من التصميم.
"ما الذي عليّ فعله؟"
كان ساني يودّ أن يسألها عن معنى تلك الأسماء الغامضة الثلاثة، لكنه تراجع. الوقت لا يسمح.
"اطلبي من كاسي أن تستدعي عصاها. ثم خذيها إلى القارب."
خفضت النجمة المتغيّرة سيفها، وألقت عليه نظرة أخيرة، ثم توجّهت نحو صديقتها.
بشكل ما، نجحت نيفيس في إقناع كاسي بأن تتبعها وتصعد إلى القارب المروّع. ربما اضطرت للكذب في كثير من التفاصيل، لكن ساني لم يسأل. كان يخشى أن تثير كلماته شكوكًا تفسد كل شيء.
وبعد أن صعدت الفتاتان إلى القارب، اندسّ جسد ساني المنهك في الظل، ومدّ يديه إلى الهيكل المعدني للسفينة.
كان كل جزء من جسده يصرخ بالألم بطريقته الخاصة.
أما ذهنه... فكان مُنهكًا بالكامل.
'هيا يا ساني... دفعة أخيرة.'
بابتسامة متعبة، شدّ عضلاته ودفع القارب نحو المياه السوداء.
وعندما تلاشى ضوء الشفق الأخير، وغمر الظلام الدامس كل شيء، انزلقت السفينة المبنية من عظام الشيطان عبر الرمال الرمادية إلى أحضان البحر المظلم البارد.
وبتوجيه من ساني، رفعت كاسي عصاها ونفخت فيها سحرها، فهبت عاصفة قوية ملأت شراعهم البسيط.
في البداية، تحرّك القارب ببطء، وصار الصاري يصرّ تحت الضغط. لكن براعة النجمة المتغيّرة كانت دقيقة وموثوقة. أمسكت بالعمود الفقري للشيطان، وشيئًا فشيئًا، تسارعت حركة القارب.
جلس ساني عند مؤخرة السفينة، يمسك مجذاف التوجيه. أمامهم، امتد البحر الأسود بلا نهاية إلى الأفق، يخفي في أعماقه أهوالًا لا توصف.
أما خلفهم، فكانت شجرة الروح تنمو ببطء، مرعبة وشرهة.
حدّق فيها ساني، وشعر بندم عميق يغمر قلبه. تمنّى لو أنه كان قويًا بما يكفي لتحطيمها. تركها خلفه دون أن ينتقم منها ملأه بغضب صامت.
لكن...
على الأقل، ترك لها هدية.
في تل الرماد، كانت شمعة تشتعل داخل تجويف حجري صغير يحمي لهيبها من الرياح. وبجانبها، انتصبت كومة ضخمة من الأوراق الجافة.
استغرق ساني وقتًا طويلًا لجمعها. جاب معظم أنحاء الجزيرة، يسعى إلى صنع كومة بأكبر ارتفاع ممكن. وخلط الأعشاب البحرية المجففة مع الدهون المتبقية من الشيطان المدرع داخل الأوراق.
ومع اقتراب الشمعة من نهايتها، ومع ذوبان أغلب الشمع، تداعى لهيبها الأخير ليشعل الأوراق.
وفي غضون ثوانٍ، اندلعت نيران ضخمة وسط الجزيرة، مشتعلة في الأوراق القرمزية لشجرة الروح الشريرة. وعلى الفور، اهتزت المياه السوداء المحيطة بالجزيرة بحركة مفاجئة.
لكن ساني كان قد ابتعد كثيرًا عن رؤيتها.
لم يكن يعلم إن كانت كائنات البحر المظلم قادرة على تدمير مفترسة الأرواح. كان يشكّ في ذلك، فذلك الكيان القديم لا يبدو سهل الإبادة.
ومع موت الشيطان المدرع، ورحيل البشر الثلاثة الذين خُصصوا ليحلّوا محله، لم يعُد هناك من يردع الجشع المتصاعد للشجرة.
وربما... ربما ستُصاب بأذى بالغ، على الأقل.
في الوقت الحالي، كان هذا أفضل ما يمكنه فعله.
نظر ساني إلى الوراء، نحو تل الرماد، وعضّ على أسنانه، وفكّر:
'في يومٍ من الأيام... سأصير قويًا بما يكفي لأدمّر تلك الشجرة، وكل الوحوش، وأي كائن يجرؤ على الوقوف في طريقي. في يومٍ من الأيام، سأصير قويًا بما يكفي لألا أخاف بعد الآن... من أحد، أو من شيء. بل هم... جميعهم... من سيخافونني!'
ولم يلاحظ، بينما كان غارقًا في أفكاره تلك، أن كاسي رفعت رأسها فجأة، واستدارت نحوه...
كان على وجهها تعبير مظلم... قبل أن يمحوه الشكّ والحيرة.