95 - ضوء النجوم-[نهاية المجلد الأول]

المجلد الأول - طفل الظل [Shadow Slave]

الفصل 95: ضوء النجوم

المترجم: [محمد]

_______

شعر ساني أنه بلغ حافة الانهيار. لقد عانى من إرهاق مرير على مدار الأيام الماضية. والآن، بالكاد يتذكر آخر مرة أغمض فيها عينيه لينام.

لعلها كانت في اليوم السابق لتسلقه شجرة الروح التهامية بحثًا عن تلك الثمرة النادرة.

منذ ذلك الحين، تجرّع مرارة الألم الناتج عن التحول الرهيب في نسج الدم، وقضى ساعات لا تُحصى على شفا الجنون، يقاوم تأثيرات السحر، وجرح يديه عمدًا ليحافظ على وعيه، وقاد القارب وسط أهوال البحر المظلم. في عتمة الليل، شاهد ذاك الكيان الفظيع من الأعماق يلتهم القارب، وخاض معركة مريرة في جوف البحر الأسود البارد، وكاد أن يغرق.

كان جسده وعقله قاب قوسين أو أدنى من الانطفاء.

ورغم ذلك، ظل يسبح بعناد، يدفع بنفسه وكاسي أقرب فأقرب نحو اليد الحجرية العملاقة التي كانت ترتفع من البحر، كما لو أنها تسعى لاحتضان السماء.

كان البحر المظلم لا يزال يغلي تحتهم، يترنح من آثار الانفجار الطفيف الذي هزّه في وقت سابق. وكانت الأمواج العاتية تهدد بابتلاعهم وإلقائهم كدمى لا وزن لها. وقد تطلب الكفاح ضدها جهدًا خارقًا.

لكن ساني أبى أن يتوقف.

كان الفجر يقترب، إلا أن الظلام والبرد والخطر ظلوا يحيطون بهم. وفي كل لحظة، كان ثمة احتمال أن ينهض كابوس من أعماق الجحيم ليقضي على محاولتهم البائسة للنجاة.

على الأقل، اختفت المجسات… ربما لأنها خافت من ألم الاحتراق تحت الضوء الساطع.

بأعجوبة ما، بلغ ساني أخيرًا اليد الحجرية.

رفع كاسي وساعدها على التسلق فوق الصخور الداكنة، ثم تبعها عن كثب. وسرعان ما وصلا إلى كف اليد المفتوحة، فزحفا إلى مركزها وسقطا هناك، مرهقَين، متجمدَين، منهكين حتى النخاع.

لوقت طويل، لم يستطع أيٌّ منهما أن ينطق بكلمة. كل ما فعله ساني هو أن يستلقي بلا حراك، يتنفس بصعوبة، ويكافح للبقاء يقظًا.

كان عقله خاليًا تمامًا… وهذا أمر حسن. لم يكن يرغب في التفكير، لأن التفكير يعني التذكر... وتلك الذكرى كانت تعني الألم.

'اسكت!'

ما جدوى التذكّر؟ لن يغيّر شيئًا.

ذكّره صوت الماء الأسود وهو يرتطم بقاعدة اليد العملاقة بأن الليل لم ينتهِ بعد.

فتح ساني عينيه وحاول أن يقيّم وضعهم الحالي.

كان مأواهم مرفوعًا قليلاً فوق الأمواج، وكانت قاعدة الإبهام الهائل تكاد تلامس سطح البحر المظلم. لم تكن راحة اليد فسيحة جدًا، ربما بنصف حجم المنصة الدائرية التي أنقذت حياته في أول يوم له على الشاطئ المنسي. وكان السطح مائلاً للأعلى قليلًا، مما خلق انحدارًا طفيفًا.

كانت الأصابع مرفوعة أعلى فوق الموج، عريضة بما يكفي ليتكئ عليها شخص، لكنها منحنية نحو السماء، مما جعلها أقل ملاءمة كمأوى.

"علينا أن نبتعد أكثر عن الماء."

بهذه الفكرة، نهض ساني مترنحًا، وانحنى يلمس كتف كاسي.

"كاسي... انهضي. علينا أن نصعد للأعلى."

كان صوته أجوفًا، هشًا، بالكاد يُسمع.

ارتجفت الفتاة العمياء، ورفعت رأسها، وقد شحب جلدها.

"... ساني؟"

أومأ بهدوء.

"نعم، أنا هنا."

كانت لا تزال غارقة في صدمة باردة. رأى ساني أن عقلها لم يعُد تمامًا بعد، فسحبها برفق إلى قدميها.

"هيا، فقط أمتار قليلة."

لكنها ظلت في مكانها.

"ماذا... ماذا حدث؟ سمعت صوتًا... ثم شعرت بشيء يسحبني إلى الأسفل..."

عصر ساني على أسنانه، وحاول أن يظل صوته ثابتًا.

"هاجمنا وحش من البحر... القارب تحطم. غصت في الأعماق ووجدتك، ثم سبحت بك إلى هذه الكتلة الصخرية. ليست مرتفعة كثيرًا عن سطح الماء، لذلك..."

ترددت كاسي.

"أين... أين..."

سارع ساني لمقاطعتها، غير راغب في سماع السؤال.

"تعالي. يمكننا الراحة عندما نصل إلى الأعلى."

قادها برفق حتى وصلا إلى قاعدة سبابة اليد العملاقة، أعلى نقطة يمكن بلوغها دون تسلّق الأصابع. جلس على الحجر البارد، وأسند ظهره إلى مفصل الإصبع الضخم، وحدق في البحر المظلم المضطرب.

كانت عيناه فارغتين، جليديتين.

جلست كاسي بجانبه. كان وجهها شاحبًا، متجهمًا، كما لو أنها تمزق بين رغبتها في طرح السؤال وخوفها من الإجابة.

وأخيرًا، جمعت شجاعتها، وهمست بصوت مرتعش:

"ساني... أين نيفيس؟"

ظل صامتًا. لم يرغب في نطق الكلمات.

كان يشعر، بغباء ما، أنه إن نطق بها، فستصبح الحقيقة. أما إن ظل صامتًا، فربما تظل مجرد كذبة.

"لن أقولها."

لكن بعد لحظات، شعر بذلك الضغط المألوف في عقله. ضغط يكبر ويكبر حتى دوّخ رأسه.

'أنا لا أجيب!'

ثم جاء الألم… ألم مخترق، مرير. تحمله ساني بعناد. دام أطول من المعتاد، ومع ذلك، ظل فمه مغلقًا حتى سالت دموع ساخنة على وجنتيه، وارتجف جسده كله من شدة العذاب.

لكن في النهاية، لم يجد بدًا من نطق تلك الكلمات المريرة:

"إنها... إنها..."

وقبل أن يتمكن من إتمام الجملة، التقط سمعه صوتًا خافتًا.

جاء من الأسفل، من أطراف الأمواج القاتمة.

توقف قلب ساني عن الخفقان لحظة.

عند قاعدة الإبهام العملاق، حيث كانت المياه السوداء تلامس الحجر تقريبًا... ظهرت يد شاحبة بيضاء تمسكت بالصخور.

ثم، وببطء، سحبت شخصية طويلة نفسها إلى كف العملاق الحجري.

اتسعت عينا ساني في ذهول.

شعرت كاسي بخلل ما، فمالت برأسها وسألت:

"ساني؟ ما هذا؟"

ارتجف، وتمتم بصوت مخنوق بالحزن:

"...إنها نيفيس."

ارتسمت على وجه كاسي ابتسامة خافتة، مليئة بالرجاء.

"نيفيس؟! هل هي بخير؟!"

لم يستطع ساني الإجابة.

لا، لم تكن نيفيس بخير.

في الواقع، لم يكن يعرف كيف بقيت على قيد الحياة أصلًا.

كان درع فيلق النجوم محطَّمًا وممزقًا، كاشفًا عن جسدها المشوه تحته. كان هناك جرح مروّع في جذع النجمة المتغيِّرة، وكأن نصفها الأيمن قد تمزق تمامًا. رأى شظايا عظام مكسورة، ودماء تتدفق فوق ساقيها، وأحشاءً مدمّاة تنزلق من جوانب الجرح.

أراد أن يغض بصره.

جزء آخر من فخذها كان مفقودًا، كاشفًا عن عضلات ممزقة، وسطح أبيض لعظم الفخذ، متشقق بالكاد مترابط. ذراعها اليمنى كانت ممزقة تقريبًا، تتدلّى من شريط من الجلد وعدد من الأوتار، كدمية مهملة.

حتى وجهها لم ينجُ. كانت إحدى عينيها مفقودة، تجويفها محطم، وجلد خدها ممزق كما لو صُقِل بورق صنفرة، تاركًا فوضى دموية من لحم وأسنان مكسورة.

كان منظرها... مروعًا ومفطرًا للقلب.

كانت النجمة المتغيِّرة تحتضر.

"ساني؟ لماذا لا تجيب؟"

نظر إليها، وعضّ شفته، محاولًا كبح الكلمات التي كانت تخترق صدره كخنجر. شيء حاد وساخن مزق قلبه، حتى ضباب بصره.

وفي هذه الأثناء، ترنحت نيفيس وتقدمت ببطء. تعثرت ساقاها، فسقطت على ركبتيها، وتناثر الدم على الحجر البارد. خرج أنين موجع من شفتيها عندما تحطم عظم فخذها أخيرًا، واخترق الجلد والعضلات.

شعر ساني وكأنه سقط في أسوأ كوابيسه. أراد أن يصرخ، لكن صوته خانَه. كان الألم جسديًا، يمزقه من الداخل.

لم يُرد أن يكون هنا. لم يُرد أن يرى هذا.

لكن... لم يستطع أن يشيح ببصره.

ولهذا، لاحظ على الفور ما حدث بعد ذلك.

اشتعلت نيران بيضاء في عيني نيفيس. توهج أضاء وجهها، ثم تدفق من عينيها، وفمها، ومن جراحها العميقة. كما لو أن نجمًا اشتعل في مكان قلبها، أو أنها لم تكن سوى لهب أبيض يتخفّى تحت جلد الإنسان.

غمر الوميض دمها، وحوّله إلى سائل ناري أبيض.

وبينما كان ساني يحدّق، متجمدًا في مكانه، بدأت تلك النار تُذيب وتُعيد تشكيل لحمها. ببطء، عادت عضلاتها، التحمَت عظامها، واستعادت أعضاؤها أماكنها.

وحيث لم يتبق شيء، كوّنت النار الشكل المفقود وجمّدته.

ثم، وبصرخة رهيبة، أمسكت نيفيس بذراعها الممزقة وانتزعتها تمامًا، ثم ضغطتها على الجذع المتوهج. ذاب النصفان معًا، حتى عادت الذراع كاملة.

مذهولًا، شاهد ساني كل جرح يتعافى، ويغتسل في لهب التطهير.

وسرعان ما لم يتبقَ سوى جلد نقي أبيض يطل من خلال الدروع المحطمة.

رفعت نيفيس رأسها، تنظر نحوهما دون أن ترى شيئًا. لم يكن في عينيها إدراك، إذ دمرت بوتقة اللهب كل فهم.

ثم أغلقت الابنة الأخيرة لعشيرة اللهب الخالد عينيها، وسقطت أرضًا فاقدة الوعي.

… وأخيرًا، تسللت أشعة الشمس الأولى من الأفق الشرقي.

الفجر قد أتى.

في النهاية، ظلت نيفيس فاقدة للوعي يومين كاملين.

وفي اليوم الثالث، فتحت عينيها أخيرًا، ونهضت ببطء، تنظر حولها بتعبير حائر.

كان وجهها، كعادته، هادئًا، خاليًا من التعبير.

لكنها جفلت قليلًا عندما وقعت عيناها على ساني، الذي كان يجلس على قمة إصبع السبابة العملاق ويبتسم من أذن إلى أذن.

عابسة، نظرت النجمة المتغيِّرة إلى نفسها، ولاحظت الفراغات المحرجة في درعها، ثم قالت:

"لماذا تبتسم؟"

غمز لها ساني بمكر وهز كتفيه.

"انظري خلفك."

ترددت لحظة، ثم تنهدت نيفيس، واستدارت لتكتشف ما يريده منها أن تراه.

خلفها، كانت هناك كتلة من اليابسة ترتفع فوق منحدر حفرة هائلة.

وعلى تلك الأرض، وقف سور مدينة ضخم، بُني من الحجر الرمادي المصقول، شامخًا فوق الهاوية العميقة. كان قديمًا، لكن صلبًا كأنه تحدى البحر المظلم لألف عام دون أن ينكسر.

لقد نجحوا.

لقد بلغوا القلعة البشرية.

[نهاية المجلد الأول: طفل الظل]

_____

لقد اجتهدت اليوم ونزلت 25 فصلا ، قلت في نفسي بما أنني اقتربت من نهاية المجلد الأول لماذا لا أكمله ، بقيت مع نفسي هكذا حتى أكملته للأخير.

لدي اقتراح بعد ان ترجمت المجلد الأول بالكامل لماذا لا انشى فصلا مخصصا له وألخص محتواه فيه. هذا الأمر فيه إيجابيات وسلبيات في نفس الوقت لكن إذا وافقتم على هذا الأمر سأفعله.

وداعا لهذا اليوم ولنلتقي بفصول جديدة غدا إنشاء الله.

2025/06/04 · 79 مشاهدة · 1357 كلمة
Mohamed zhg
نادي الروايات - 2025