المجلد الثاني - شيطان التغيير [Shadow Slave]
الفصل 97: حلم الصيّاد
المترجم: محمد
_______
كانت الحياة جميلة حقًا. في الواقع، بلغ الأمر حدًّا جعل ساني يعتقد أنها رائعة في الوقت الحالي.
قد يتوقع المرء أن العيش في مدينة ملعونة، تتوسط جحيمًا حقيقيًا ولا تحيط بها سوى الأنقاض والمسوخ المرعبة، لا يعدّ بالضبط أفضل طريقة لقضاء الحياة. لكن بالنسبة له... كان هذا نوعًا من الجنّة.
لدهشته، اكتشف ساني أن هذا النمط من الوجود يناسبه تمامًا. لم يكن عليه التزامات، ولا ما يدعو للقلق بشأن المستقبل، والأهم من ذلك... لم يكن مضطرًا إلى التعامل مع بشرٍ آخرين.
البشر دومًا ما يجعلون الأمور صعبة ومعقدة. لقد سئم منهم.
الوحدة كانت أفضل بكثير. لم يكن بحاجة للتظاهر بأنه شخص آخر، أو إجبار نفسه على التصرّف بما يخالف طبيعته، أو إنهاك عقله بمحاولة فهم المشاعر المعقدة لدى الآخرين.
لأوّل مرة في حياته، كان بمقدوره أن يكون ساني... فقط.
وتبيّن أن إرضاء ذاته الحقيقية كان أمرًا يسيرًا للغاية. لم يكن يفتقر إلى الأشياء الممتعة ليفعلها، أو الأماكن ليستكشفها، أو الكائنات ليقتلها. كانت حياته، بالنظر إلى كل شيء، مسلية ومريحة على نحوٍ مدهش.
لا شك أنها كانت أفضل بكثير من وجوده البائس في ضواحي العالم الحقيقي.
وكان مفتاح هذا الشعور بالرضا في غاية البساطة: لم يكن لديه أمل.
اكتشف ساني أن الأمل هو العدو الحقيقي للسلام. إنه أدهى السموم وأخسّها في هذا الكون. لو كان هناك حتى بصيص من أمل في العودة إلى الوطن، لكان الآن يائسًا، مليئًا بالقلق، وربما في خضم كارثة مجنونة كما كان دائمًا من قبل.
أما دون أمل... فكل شيء يصبح بسيطًا وممتعًا. لم يكن يتمنى أكثر من ذلك.
"استمر في ترديد هذا الهراء... قد تصدّقه في النهاية."
ابتسم ساني.
"وهل هناك ما يُصدَّق؟ إنها الحقيقة!"
هزّ الظل رأسه بصمت، وقد اعتاد منذ زمن على جنونه. مؤخرًا، كان ساني يتحدث مع نفسه كثيرًا، يعقد نقاشات طويلة، تتدهور أحيانًا إلى صراخ. كانت تلك وسيلته لتزجية الوقت.
… بعد فترة وجيزة، خرج من غرفته السرية.
كان عرين ساني يقع في أعالي كاتدرائية مدمّرة، وكان مدخله مخفيًا خلف تمثال طويل لسامية مجهولة. ومن شرفة صغيرة هناك، كان بمقدوره أن يراقب القاعة الكبرى للمعبد، جالسًا خلف كتف السامية، مخفيًا بين خصلات شعرها الحجري.
كانت تلك الشرفة عالية جدًا عن الأرض، تجعل من المستحيل على أي مخلوق أن يتسلّقها مصادفة. وأي سقوط منها كفيلٌ بقتل إنسان عادي.
اكتشف ساني الغرفة المخفية أثناء تجسّسه على الوغد الذي كاد يرديه قتيلًا. كان قد دخل الكاتدرائية عبر فتحة في سقفها، وهبط فوق أحد عوارض الدعم العريضة، ثم سار عليها ولاحظ بالصدفة الشرفة الصغيرة.
وهكذا أصبح هو والوغد جارين.
كان ذلك الوغد، في الواقع، وصيًّا على هذا المكان. كان يجوب القاعة الكبرى، ويقضي على كل من تجرأ على دخولها. وشاهد ساني بعينيه كيف سقطت مخلوقات كابوس قوية على سيفه، وقتلها دون عناء.
بالطبع، كان الوغد نفسه مسخ كابوس ذا قوة عظيمة.
كان ساني على يقين تقريبًا من أنه طاغية على الأقل.
مشاركة الكاتدرائية مع طاغية أمر مريح جدًا. كان ساني ينام مطمئنًا، واثقًا أن لا مسخ سيتمكن من بلوغ الحرم الداخلي حيًا. بالطبع، كان عليه الحرص ألّا يراه رفيقه القاتل في السكن.
ومن الناحية الإيجابية، كان بمقدوره مراقبة الطاغية كما يشاء، مترصدًا فرصة للانتقام. ساني كان عازمًا كل العزم على قتل ذلك الفارس الملعون في نهاية المطاف.
ذلك الوغد... لا بد أن يموت.
لكن قبل ذلك، كان على ساني أن يصبح أقوى. أقوى بكثير.
سار على العوارض الخشبية للكاتدرائية، حتى بلغ الفتحة في السقف، وتسلق عبرها.
في الخارج، كان الليل قد بسط ظلاله.
حان وقت الصيد.
كان شكل هيكل عظمي مقوّس يسير ببطء على امتداد شارع ضيّق من شوارع المدينة الملعونة. كان للمخلوق ذراعان طويلتان تنتهيان بمخالب شيطانية، ورأس مشوّه ذو فم واسع تملؤه أنياب حادة.
ورغم انحنائه، بلغ طوله مترين على الأقل. وكان يرتدي عباءة ممزّقة كانت بيضاء في يومٍ ما، لكنّها تحوّلت منذ زمن بعيد إلى بُنّية، من الدم الجاف.
كانت تلك هي فريسة ساني.
أطلق ساني على المخلوق اسم "شيطان الدم"، وكان من أضعف سكان المدينة الملعونة. لم يكن سوى مسخ مستيقظ، شبه غبي، سهل القتل نسبيًا.
بالطبع، لم يكن هناك شيء "سهل" في هذا المكان. بعد كل شيء، كان كل إنسان في الشاطئ المنسي لا يزال في رتبة النائم فقط.
ورغم أنهم يشتركون في الرتبة والفئة، فإن شياطين الدم كانوا أقل خطرًا من زبّالي الدرع من حيث القوة والسرعة. غير أن ذلك يتغيّر تمامًا إذا شمّوا رائحة الدم... إذ يدخلون حينها في نوبة جنون قاتلة، ويصبحون خطرًا حقيقيًا.
'مثير للشفقة...'
فكّر ساني، وهو يطارد المخلوق من الظلال.
لقد قتل عددًا من تلك المسوخ في السابق، وكان يستمتع في كل مرة... باستثناء تلك المرة التي خدش فيها نفسه بحجر حاد. لم تكن تجربة ممتعة على الإطلاق.
"حان وقت الموت، أيها الغريب الأطوار!"
كان شيطان الدم على وشك الانعطاف عندما التقط أذنه صوت مفاجئ. التفت على الفور، وسقط على أطرافه الأربعة. وبدأت أذناه الحساستان تلتقطان أدنى صوت.
ثم تقدم بخطوات حذرة، وتوقّف أمام نقطة معيّنة.
أمامه، كانت هناك صخرة عادية المظهر على الأرض.
وبعد ثانية، تكلّمت الصخرة:
"خلفك."
تجمّد المخلوق للحظة، ثم استدار بسرعة البرق.
صفر شيء ما في الهواء... وانفصل الجزء العلوي من جسد شيطان الدم عن الجزء السفلي. ورغم ذلك، أبى المسخ أن يموت، فمدّ ذراعيه الطويلتين نحو العدو.
"بطيء جدًا!"
ضرب ساني باستخدام شظية الغسق، فقطع إحدى الذراعين من عند المرفق. ثم تابع الحركة، وتقدّم بخطوة سريعة، ووجّه ضربة أخرى اخترقت جمجمة المسخ. دخل طرف التاتشي من إحدى عينيه، وخرج من مؤخرة رأسه.
استغرقت العملية برمّتها أقل من ثانية. وبحلول الوقت الذي لامس فيه نصفا الجثة الأرض، كان ساني قد استعاد سيفه بالفعل.
نظر إليه متوقعًا، وابتسم منتظرًا.
"هيا، قلِّيها!"
وكأنها تردّ عليه، همست التعويذة:
[لقد قتلت مسخًا مستيقظًا، شيطان الدم.]
[ينمو ظلك أقوى.]
"آه، شكرًا لكِ على لطفكِ. أنتِ رائعة."
تلألأت الأحرف الرونية في الهواء أمامه، فخفض بصره وقرأ:
شظايا الظل: [398/1000]
لم يتبقّ له سوى شظيتين ليبلغ الأربعمئة. كان تقدمه هذه الأيام سريعًا بشكل مبهر. في البداية، حين لم يكن يعرف المدينة ولا سكانها، كان محظوظًا إن حصل على بضع شظايا في أسبوع.
وكان أكثر عرضة للإصابة، لا يبعد سوى خطوة عن الموت.
لكن الآن... بدأت الأمور تتغير تدريجيًا. لم يعد يتذكر آخر مرة شعر فيها بالحاجة لتوديع الحياة.
"آه، أيها الأحمق... كان عليك أن تفكر في ذلك بصوت مرتفع، أليس كذلك؟"
وما إن راوده هذا الخاطر، حتى التقطت أذناه صوت خطوات قادمة من بعيد...