كان الدخان يتصاعد من الورشة القديمة في طرف مدينة السرجال، حيث أصوات المطارق تختلط بشتائم الزبائن وصرير الحديد المحموم. في الزاوية الخلفية، كان Kael يعمل بصمت، عرقه يتصبب من جبينه، ويداه ترتجفان من التعب.
“أنت حتى مو قادر تثبت سيخ حديد؟!”
صرخ به أحد الزبائن النبلاء وهو يسحب سيفه ويضرب به الطاولة.
“شوف نفسك… بدون آذر، وعايش وسط سحرة؟ انت مهزلة.”
لم يرد Kael، فقط نظر إليه بعينين جامدتين. ليس خوفًا… بل انكسارًا متكرّرًا صار طبيعياً.
لكن داخل صدره، كان شيء يتقلّب. شيء لم يفهمه بعد. شيء يشبه الحرارة، لكنه ليس نابعًا من نار.
في تلك الليلة، وبعد أن أُغلق باب الورشة، تسلّل Kael إلى الحقول المهجورة خارج المدينة. كان يحمل قطعة حجر، لا قيمة لها، لكنها كانت سلاحه الوحيد في معركة صامتة يخوضها منذ أسابيع. جلس القرفصاء، وضع الحجر أمامه، وبدأ يتمتم ما حفظه من كتاب ممزّق اشتراه سرًا من سوق الظلال.
“اركز… لو حتى نقطة سحر واحدة… نقطة بس.”
شدّ يده، أغمض عينيه، واستنشق البرد حتى غطاه الصقيع.
ومرت اللحظات… لا شيء.
ثم…
صوت خافت… “طَقطَق”.
فتح عينه ببطء، وإذا بالحجر يرتجف، يرتفع سنتمترًا واحدًا، ثم يسقط.
“ارتفع…!” همس، وعيناه تتسعان كمن رأى معجزة.
وفجأة، سمع حركة من بين الأشجار. خطوات. ثقيلة… لكن خافتة.
وقف بسرعة، أخذ الحجر بيده، وأدار رأسه. وهناك، في العتمة، وقف رجل مغطى بالرداء الأسود، لا يظهر من وجهه شيء سوى ابتسامة باردة.
“ما رأيته الليلة… لم يكن مجرد صدفة يا فتى.”
قالها، ثم ألقى بشيء باتجاه Kael – كتاب صغير، جلده متشقق.
Kael أمسكه بارتباك، فتحه… ووجد بداخله خريطة.
رفع رأسه ليتكلم… لكن الرجل اختفى. كأنه لم يكن.
تسارعت أنفاسه، وضغط على الكتاب بيده المرتجفة.
“هذه أول خطوة.”
قالها لنفسه، وصوته يحمل نغمة مختلفة لأول مرة… ليست مهزومة، بل حادة.
الليل عاد هادئًا، لكن داخله… شيء بدأ يشتعل