كانت الليالي تمرّ ببطء فوق كايل، وكأن الزمن نفسه يتردد في التحرك حوله. النار الصغيرة التي يشعلها ليلاً بدأت تصبح طقسه الوحيد. ينام بسكين تحت الوسادة، لكنّه يعلم أنها لن تنقذه إن جاء الخطر الحقيقي.
كل شيء من حوله يوحي بأن الغابة آمنة… لكنها ليست كذلك.
في صباحٍ رمادي، وبينما كان يملأ قربة الماء من الجدول، سمع صوتاً خلفه:
“ظهرك مكشوف.”
استدار فوراً، لكن الرجل كان بعيداً بما يكفي ليبدو غير مهدد… وقريباً بما يكفي لتثير هيئته الشك. عباءة من قماش بسيط، عينان تراقبان كل شيء، وكأنهما تقرآن داخله.
“ما اللي تريده؟” قال كايل وهو يتراجع بخطوتين.
“أراك منذ ثلاثة أيام. تكرر نفس الأخطاء، حتى وأنت تختبئ.”
كايل صمت.
اقترب الرجل أكثر. كان يحمل عصاً، لكنها لم تكن سلاحاً. وقف على بعد خطوات وقال:
“لا أعرف من تكون. ولا يهمني من تبحث عنه. لكنك تمشي في الغابة وكأنك تنتظر أن يمسك بك أحدهم.”
رد كايل ببرود: “وأنت؟ تظن نفسك منقذ؟”
ضحك الرجل بخفّة، وقال: “أنا رجل رأيت كثيرين ينتهون على يد قواهم قبل أن ينتهوا على يد عدوهم.”
ساد صمت قصير.
ثم قال: “اسمي فايرن. لن أعلمك السحر، ولا القتال بالسيف. سأعلمك أن تبقى على قيد الحياة. لأن البقاء أولاً… والباقي لاحقاً.”
لم يرد كايل، لكنه لم يرفض.
وفي تلك اللحظة، لم يدرك بعد أنه خطا أول خطوة نحو طريق لا رجعة فيه