لم ينم Kael تلك الليلة. بقي يتقلب وهو يحدّق بالخريطة المرسومة على صفحات الكتاب المتشقق. لم يكن فيها أسماء، فقط رموز غريبة وخط أحمر مائل يتجه من أطراف مدينة السرجال نحو غابة تُعرف بين الناس بلقب “غابة الخرَس”.
غابة لا يجرؤ أحد على دخولها. ليس لأنها مسكونة، بل لأنها ببساطة… صامتة. لا طيور، لا ريح، لا صوت.
في صباح اليوم التالي، حمل Kael كيسًا صغيرًا فيه خبز يابس وسكين صدئ، وخبّأ الكتاب داخل سترته. لم يخبر أحداً، لا صديقه الوحيد Toren، ولا العجوز الذي كان يعمل عنده. شعر بشيء غريب في قلبه، ليس خوفًا، بل فضولًا وحذرًا وخيط رفيع من حماسة.
بعد ثلاث ساعات من المشي بين الحقول والغبار، وقف عند أطراف الغابة. الأشجار هناك كانت طويلة لدرجة أنها تُغلق السماء. وما إن دخل أول خطوة، حتى ساد الصمت.
صمت حقيقي. لا صوت لأقدامه، ولا لصوت تنفسه حتى. الهواء كثيف، وكأن الغابة تتنفس مكانه.
تبع الخط الأحمر في الخريطة، متتبعًا إشارات محفورة على الجذوع، حتى وصل بعد ساعة إلى شجرة ضخمة مرسوم عليها نفس الرمز الموجود على غلاف الكتاب.
اقترب ببطء… مدّ يده… وما إن لمس الجذع، حتى تراجع جسده بقوة للوراء!
شعور بارد اخترق أعصابه، وصورة خاطفة لمكان مظلم ظهرت في عقله… غرفة حجرية، وفيها دائرة سحرية تحترق بلهب أسود.
سقط على ركبتيه، يتنفس بصعوبة، وصدره يؤلمه.
لكنه نهض.
وجد عند قاعدة الشجرة قطعة حجرية صغيرة، تشبه الرمز، وعندما لمسها هذه المرة، لم يشعر بالبرد. بل بسكون.
في طريق عودته، بدأ يشعر بشيء جديد في أطراف أصابعه. خدر خفيف… ثم حرارة… ثم حركة خافتة في الهواء حول يده.
جرب أن يركز، رفع يده نحو حجر صغير على الأرض، تمتم كما في الليلة الماضية…
والحجر… اهتز.
ثم ارتفع…
ثم انفجر في الهواء كأنه ضُرب من قوة غير مرئية!
تراجع Kael ووقع على ظهره، لكنه ضحك لأول مرة من قلبه.
لم يكن انتصارًا… لكنه كان بداية حقيقية.
لكن ما لم يعرفه، أن ظلًا راقبه من بين الأشجار… عيون حمراء، وجلد مغطى بوشم أزرق.
تمتم بصوت خافت:
“إذن… اختاره الكتاب. سيأتي الليل سريعاً.