كانت الساعة تقترب من منتصف الليل، حين دوى طرقٌ عنيف على باب الشقة، أيقظها من نومها المرهق بعد يوم طويل من العمل. نهضت "ليلى" متوترة، ترتجف يداها وهي تمسك بروبها الرمادي وتغلقه بإحكام. لم تكن معتادة على زيارات في هذا الوقت، خصوصًا منذ رحيل والدها قبل عام، وتركها وحيدة في هذا العالم البارد.
ارتفعت الطرقات أكثر، مصحوبة بصوت خشن:
– "افتحي! شرطة!"
تجمد الدم في عروقها، وارتبكت. ما الذي فعلته؟ هل هي متهمة بشيء؟ ما الذي يمكن أن يجعل الشرطة تقف على بابها في هذا الوقت المشؤوم؟
فتحت الباب ببطء، ليقتحم رجال الشرطة المكان، ويمسك بها أحدهم بلطفٍ خادع:
– "ليلى يوسف؟ أنتِ مطلوبة للتحقيق في قضية احتيال إلكتروني."
شهقت بدهشة:
– "أنا؟ مستحيل! ما ليش علاقة بأي حاجة!"
لكن لم يكن هناك مجال للنقاش. اقتادوها كأنها مجرمة، والحي بأكمله يراقب من خلف النوافذ، وتلك العجوز التي تسكن في الشقة المقابلة تمتمت بصوتٍ مسموع:
– "ما هي باين عليها من زمان..."
كانت الكلمات كسكين في صدرها، لكنها عضّت على شفتيها كي لا تبكي.
---
في قسم الشرطة، جلست على المقعد المعدني البارد، تحاول أن تتمسك بشيء من كرامتها. كانت عيناها حمراوين، ووجهها شاحب. شعرت أنها تُحاكم لا على جريمة، بل على حياتها كلها، على كونها فتاة فقيرة تسكن وحدها، بلا رجل يحميها، بلا مال، بلا ظهر.
دخل الضابط المسؤول، رجلٌ في منتصف الأربعين، نظراته حادة وصوته صارم:
– "أنتِ متهمة بالمشاركة في شبكة تلاعب بالأموال عبر الإنترنت. عندك شيء تقولي؟"
هزّت رأسها بإنكار:
– "أنا مجرد موظفة في شركة صغيرة، وطلعت منها من أسبوع. ما ليش علاقة بأي حاجة مشبوهة."
ابتسم بسخرية، وألقى بملف أمامها، فيه صورها وهي تسلّم طرودًا لأشخاص غرباء.
قال بنبرة واثقة:
– "النيابة حتقرر، بس خلي بالك... لو عندك طريقة توضحي بيها الحقيقة، دلوقتي وقتها."
---
في طريق العودة، بعد ساعات من التحقيقات، شعرت ليلى أن الأرض تسحبها للأسفل. لم يكن لديها مال لمحامٍ، ولا سند، ولا حتى صديق صادق. كانت الأيام القادمة تحمل في طياتها عاصفة لا تدري كيف ستنجو منها.
لكن في قلب الظلام، بدأت فكرةٌ مجنونة تنبت.
فكرة يمكن أن تُنقذها… أو تنهيها للأبد.
أن تبيع شرفها.
ولكن… بأي شكل؟ ولمن؟ وهل ستبقى كما كانت بعدها؟
لم تكن تعرف، لكنها كانت على استعداد أن تخوض تلك المغامرة… مهما كلفتها.
---