تنهدت ليو تشينغ روي بخفة عندما سمعت خبر خروج شياو تيانياو من العاصمة ، و مع ذلك سرعان ما نسيت كل شيء يتعلق به حيث أقفلت عليه في مكان ما بإحكام في عقلها و قلبها .

قالت ليو تشينغ روي في نفسها ' حان وقت العمل '

لتأمر ليو تشينغ روي خادمتها مون مون ، قالت : إذهبي إلى فندق شويه تانغ ، و أعطي هذه الورقة إلى المقيم في الغرفة رقم ثلاثة .

أومأت مون مون برأسها ، و عندما إستدارت لتنفيذ الأمر ، قالت ليو تشينغ روي : إذهبي متخفية ، و إنتبهي ما إن كان هنالك أي شخص يتبعك .

قالت مون مون بصوت رتيب : لا تقلقي يا أميرة ، سأكون حذرة .

تنهدت ليو تشينغ روي براحة عندما سمعت تأكيد مون مون ، ففي أوقات مثل هذه كان الحذر واجبا .

خاصة أن الإمبراطور مينغ يراقب كل صغيرة و كبيرة في قصر شياو .

بعد خروج مون مون ، ذهبت ليو تشينغ روي إلى الغرفة المجاورة .

و في الداخل ، رقدت شين يانشياو بهدوء على السرير بينما إعتنت بها لين تشوجيو .

لم تستطع ليو تشينغ روي رمي شين يانشياو ببساطة ، خاصة أنها كانت بيدقا محترما .

بينما كانت لين تشوجيو هنا بطلب من ليو تشينغ روي حيث أبقت عليها بجانبها لتجنب أن يحدث أي شيء خارج السكة .

إنتبهت لين تشوجيو لوجود ليو تشينغ روي في الغرفة فور أن دخلت ، و بعد تحية روتينية قالت في سخط : ترى ماذا عانت هذه المسكينة ؟

فقد كانت شين يانشياو هزيلة جدا مع بعض الحروق الخفيفة ، و من يراها لن يظن أبدا أنها كانت أميرة في يوم من الأيام .

لكن الأذى الجسدي لم يكن ما يهم ، فعلى الرغم من أن عيون شين يانشياو مغلقة .

و حتى و هي في نوم عميق ، إلا أن الدموع هطلت في خط رقيق .

كانت شين يانشياو تلهث من حين لآخر أثناء نومها و هذا ما أثبت أنها لم تكن بحال جيدة حقا .

عند رؤيتها ، لم تقل ليو تشينغ روي شيئا عن هذا .

فبصفتها شخصا قرء الرواية عرفت ليو تشينغ روي بشكل تقريبي ما حدث مع شين يانشياو .

مدت ليو تشينغ روي يدها و لمست جبين شين يانشياو الساخن ، و مع عيون فاترة قالت في نفسها ' شكرا لهروبك '

فعند هروب شين يانشياو تجنبت كابوسًا إسمه تشو باي .

فليو تشينغ روي لم تستطع إلا أن تتذكر مقطعا من الرواية .

* نظر تشو باي ببعض التسلية إلى شين يانشياو الواقفة بجانبه .

كانت تصرخ !

واضعة يديها على أذنيها مع إغلاق عينيها كي لا ترى ما أمامها .

إتسعت إبتسامة تشو باي عندما رأي هذا ، ليمسك شين يانشياو و يسحبها من شعرها لتفتح عينها بسبب الألم .

و باليد الأخرى أزاح تشو باي يد شين يانشياو التي كانت تغطي أذنها و همس بصوت خافت بنبرة إستمتاع ، قال : أنظري حبيبتي .

بلدك دمر .

مات الناس الذين تكرهينهم و الذين لطالما أردت قتلهم .

أبعدي يدك عن أذنيك لتسمعي صراخهم اليائس و بكاءهم الصاخب .

أصبحي أقوى ، أصبحي أقوى .

كانت أذنا شين يانشياو تنزف و هي تسمع ما أمامها و بصوت يرتجف ، ردت على تشو باي ، قالت :

لكن ...

إنهم ليسو من أريد الإنتقام منهم ، إنهم أبرياء لم يفعلوا شيئا .

فأمام شين يانشياو كانت هنالك مذبحة راح ضحيتها الناس بلا حساب .

منهم أطفال و منهم نساء و منهم شباب سالت دماؤهم في أنهار و سيول قرميزية .

تمتمت شين يانشياو بصوت خافت : لا تموتوا .

سأحميكم ، أنا أسفة لأنني خيبت ظنكم .

فقد كانت المملكة الشرقية هي الدافع الوحيد لشين يانشياو للعيش و بدمارها دمرت حياتها .

بدت أصوات المعانات بالنسبة لشين يانشياو و كأنها صوت عالي يقول : أنت السبب .

لقد متنا بسببك .

و لهذا لم تستطع الأخيرة فعل شيء عدا الصراخ و تغطية أذنيها بيدها و كأن هذا الفعل سينقص من شدَّة الصوت و لو قليلًا .

و بينما كانت شين يانشياو غارقة في شعور لا متناهي من الذنب إحتضنتها ليو وانتينغ ، و قالت مع إبتسامة لكن ليست إبتسامة : هؤلاء الناس لم يموتوا بسببك أيضا و إنما بسبب ضعفهم .

هم مجرد حشرات لا يستحقون العيش .

و بينما كانت ليو وانتينغ ممسكة بكتفي شين يانشياو ضغطت عليهما بقوة ، قالت : أختي يانشياو ، إن الأخ باي يفعل هذا من أجلك .

ستتعودين على الأمر قريبا .

ضحكت شين يانشياو بجنون عندما سمعت كلمات ليو وانتينغ لتقول بعدها : هذه الحشرات كانت دافعي للعيش .

لتنظر بعدها إلى تشو باي بعيون واسعة و تركض ناحيته و مع صوت عالي قالت شين يانشياو : أنت السبب في كل شيء .

أنت شيطان .

أثناء قولها لهذا ، كان السوط في يد شين يانشياو يتمايل كالأفعى في إتجاه تشو باي في حركة سريعة لا تراها العين المجردة .

لكن ...

من كان تشو باي ؟ فقد أمسك السوط بيد واحدة و إرتسمت إبتسامة عميقة على وجهه بينما أشرقت المتعة في عينيه الحمراء الدموية ، قال : نعم .

أنا شيطان .

أثناء قوله لهذا ، إنتشرت هالة مشؤومة حول تشو باي .

و عند سماعها لهذا الإعتراف الوقح لم تعد شين يانشياو تستطيع التحمل و بدأت تصرخ بصوت عالي مع وضع يديها على أذنيها .

سواء كان هذا صراخًا ، بكاءًا أو ضحكًا !

لم يكن هذا مفهوما ، حيث سرعان ما أغمي على شين يانشياو بعد أن تلفت حبالها الصوتية بسبب عويلها .

و يصبغ شعرها بالون الأبيض حيث بدت و گأنها كبرت بعشر سنوات *

تنهدت ليو تشينغ روي بخفة عند تذكر ما كتب في الرواية حول مصير شين يانشياو .

و في عيونها الزرقاء الازوردية كان هنالك لمحة من السخرية .

قالت ليو تشينغ روي في نفسها ' مرحبًا بالشخصية البائسة رقم ثلاثة في القائمة '

فجأة ، فتحت عيون شين يانشياو عندما شعرت بلمسة خفيفة على جبينها .

و كل ما كان في نظراتها هو الحذر ، حتى أنها أمسكت بيد ليو تشينغ روي بقوة .

" هاه "

تنهدت ليو تشينغ روي مرة أخرى عند حدوث هذا ، لتقول بنبرة رتيبة : أتركي يدي .

أنت تظغطين بقوة .

عند إستيعاب أين هي و سماع صوت ليو تشينغ روي إتسعت عيون شين يانشياو على مصرعيها لتعانق ليو تشينغ روي من دون أي مقدمات .

شعرت ليو تشينغ روي بالغرابة عند حدوث هذا ، فهي لم تتوقع عناقا كبيرا من شين يانشياو فور إستيقاظها ، قالت في نفسها ' ترى ما بها ؟ '

سرعان ما وضحت شكوك ليو تشينغ روي حيث سمعت شين يانشياو تتمتم : أمي .

لا تتركيني ، أعدك أنني سأكون إبنة صالحة و سنذهب معًا إلى مكان بعيد عن هنا .

كانت لين تشوجيو بصدد إبعاد شين يانشياو عن ليو تشينغ روي لكن الأخيرة منعتها .

قالت ليو تشينغ روي بصوت خافت : إنها تهلوس ، مازالت نائمة .

عند سماع ما قالته ليو تشينغ روي شعرت لين تشوجيو بالرغبة في البكاء بسبب ما يحدث مع شين يانشياو .

فمن الواضح أن الأخيرة لم تستطع تقبل موت والدتها حتى الأن .

كانت صاحية أو نائمة .

مدت ليو تشينغ روي يديها ، و بادلت شين يانشياو العناق فحتى هي شعرت بنفس شعورها .

فكون ليو تشينغ روي في عالم مختلف تمامًا من دون عائلتها لم يكن شيئًا سهلًا لتقبله .

و حتى الأن مازالت تشعر بالضيق و أن قلبها مليئ بالذنب و الوحدة لسبب ما .

كانت شين يانشياو تبكي بصمت ، و بسبب هذا شعرت ليو تشينغ روي بلبلل في ملابسها بسبب دموع الأخيرة .

لكن ليو تشينغ روي لم تنزعج من هذا على أي حال حيث قالت بصوت خافت و هادئ : إهدئي صغيرتي ، إهدئي .

أمك لن تكون سعيدة إن رأتك هكذا مدمرة و يائسة .

فهي لم تربك لتكوني كذلك .

إهدئي ، لا تبكي .

لن أقول لك لا تحزني ، لكن إجمعي شتات نفسك .

أثناء قولها لهذا ، كانت ليو تشينغ روي تربت على ظهر شين يانشياو في ضربات خفيفة حتى تخلت الأخيرة عنها .

فعند إنتقال ليو تشينغ روي إلى هذا العالم ، تمنت لو أن أحدًا ما يعانقها بهذه الطريقة .

لكن الفرق بينها و بين شين يانشياو هو أنها تستطيع العودة إلى عائلتها ، فهم ما يزالون أحياءًا في مكانٍ ما .

مددت ليو تشينغ روي جسدها ، حيث شعرت بالتيبس في أطرافها بسبب الجلوس لوقت طويل حيث كانت شين يانشياو في صدمة قوية و لم تتركها إلا بصعوبة .

فجأة سمعت لين تشوجيو تسأل : ماذا نفعل معها يا أميرة ؟

أجابت ليو تشينغ روي ببساطة : لا شيء ، لنتركها نائمة .

عبست لين تشوجيو عندما سمعت هذا فهي لم تكن تعني الأن و إنما لاحقا ، فشين يانشياو مطلوبة الأن في كل المملكة الشرقية حية أو ميتة بتهمة الخيانة !

أمسكت ليو تشينغ روي بكتف لين تشوجيو و قالت بصوت خافت : لا تقلقي حيال هذا ، لن تسبب أي مشاكل لنا .

فليو تشينغ روي لم تكن تنوي البقاء هنا على أي حال !

****

في غرفة الدراسة الكئيبة ، جلست ليو تشينغ روي على ضوء الشموع و هي تحدق في الأوراق أمامها بشكل فارغ .

كانت تلك الأوراق عبارة عن دفاتر صغيرة سجل فيها كل ما يتعلق بقصر شياو و من ظمن هذه الأشياء كانت ثروة شياو تيانياو .

قالت ليو تشينغ روي بسخرية في نفسها ' هل يمزح معي ؟ '

فقد كان شياو تيانياو بشكل غير متوقع غنيا جدا !

فثروته وحدها يمكن أن تملأ خزانة المملكة الشرقية مرتين .

لم تكن المشكلة هنا و إنما كانت في أنه قبل رحيل شياو تيانياو قام بتسجيل كل شيء على إسمها .

سألت ليو تشينغ روي نفسها ' ترى بماذا يفكر هذا المجنون ؟ '

فلن يجد المرء في أي مكان من يكتب ثروته كلها بإسم شخص آخر و هو حي يرزق .

و مهما فكرت ليو تشينغ روي لم تستطع إيجاد سبب منطقي ليفعل شياو تيانياو هذا .

فمع شخصيته الباردة و المستفزة بدا شياو تيانياو و كأنه لن يكون على إسعداد لإنفاق قرش إضافي .

لكن هذا لم يكن الشيء الذي أزعج ليو تشينغ روي ، فقد كان من الواضح أن شياو تيانياو كان يتخلى عن كل شيء يمتلكه في هذا المكان و يعطيه لها .

ففي البداية أعطاها شياو تيانياو قواته الخاصة و الأن ثروته .

عند تفكيرها في كل هذا ، قالت ليو تشينغ روي في نفسها بسخرية ' الغبي وحده من لن يشك في أي شيء ! '

خاصة أن كل ما فعله شياو تيانياو حتى الأن كان مثيرًا لشكوك .

لكن ...

سرعان ما قالت ليو تشينغ روي في نفسها ' من يهتم بكل هذا ؟

فبما أنه ترك ثروته ، ستأخذها هذه الزوجة بطبيعة الحال '

فور قولها لهذا ، فتحت ليو تشينغ روي درج الطاولة و أخرجت منه مفتاح الخزنة لتخرج هي الأخرى من غرفة الدراسة متجهة إلى غرفة الكنز .

معظم الأمراء و الأباطرة إمتلكوا غرفة الكنز في قصورهم ، و في ذلك المكان وضعوا كل ثرواتهم و كنوزهم و شياو تيانياو كان واحدا منهم .

و لم يمر وقت طويل حتى كانت ليو تشينغ روي في داخل الغرفة .

بدت الغرفة من الداخل مثل أي غرفة عادية ، لكن ما ميزها كانت لوحة لقمم الجبال الساحرة التي زينت الجدار بالكامل .

مدت ليو تشينغ روي يدها و ظغطت على القمم في ترتيب معين لتسمع بعد ذلك صوت تروسٍ تتحرك .

لم يمر وقت طويل بعد ذلك حتى ظهر ممر يؤدي إلى الأسفل .

نزلت ليو تشينغ روي إلى الغرفة و ما أنار طريقها كان مصباحا زيتيًا حيث كان الظلام سيد المكان .

لكن لم يدم هذا طويلا ففي اللحظة التي دخلت ليو تشينغ روي فيها إلى الغرفة إشتعلت المشاعل تلقائيا .

شعرت ليو تشينغ روي بالعمى بسبب المكان الساطع حيث أصبح وجهها عابسا ، لكن تعبيرها سرعان ما تغير ليحل محله الدهشة .

تمتمت ليو تشينغ روي : متى جمع كل هذا ؟

فقد كانت الغرفة التي كانت أشبه بالبهو مليئة بالذهب و الكنوز حتى أسنانها .

على الرغم من أن ليو تشينغ روي إمتلكت بعض الثروة ، لكن كان هذا بسبب النظام و المواريث .

لكن في الغرفة المشرقة ، كانت هنالك زاوية باهتة حيث وضع مكتب .

إتجهت ليو تشينغ روي بإتجاه المكتب و وجددت ورقة واحدة فوقه .

كتب على الورقة بخط جميل : عيشي جدا ، هذا أمر !

ظهرت إبتسامة خافتة على وجه ليو تشينغ روي لتقول بعد ذلك : مجنون .

فليو تشينغ روي لا تحتاج شياو تيانياو ليقول لها أن تعيش بشكل جيد .

فحتى بالنسبة لها ليس مهما أن تعيش بل أن تعيش جيدًا .

لكن ليو تشينغ روي ما تزال تقبل حسن نية شياو تيانياو و بتلويحة واحدة نقلت كل ما كان في الغرفة إلى الفراغي الروحي .

و بالتأكيد كانت الرسالة من بينهم .

2022/02/19 · 307 مشاهدة · 2040 كلمة
نادي الروايات - 2024