الفصل الأول: ولادة في العزلة

الظلام...

كان كل شيء مظلمًا وهادئًا.

لم يكن يشعر بجسده، ولا بمرور الزمن. كان الأمر كما لو أنه مجرد وعي عائم بلا شكل، بلا إحساس، بلا وجود حقيقي.

لكن ببطء، بدأ وعيه يعود، محاطًا بشيء صلب، دافئ، لكنه خانق. كان يشعر بشيء يضغط عليه من كل الجهات، يقيده، وكأنه محاصر داخل شرنقة حجرية.

طَقطَقَة...

صوت خافت تردد داخل القوقعة المحيطة به. كانت هناك حركة.

طَقْ... طَقْ...

"ماذا... يحدث؟"

أراد أن يتحرك، لكن عضلاته لم تكن تستجيب تمامًا. ثم فجأة، وكأن غريزة دفينة تحركت داخله، دفع جسده للأمام، ليشعر بقوة خفيفة تندفع إلى مخالبه. لم يكن متأكدًا مما يفعله، لكنه تبع حدسه.

كْرَكْ... كْرَكْ...

بدأ الغشاء الصلب حوله يتشقق. أضاء ضوء خافت محيطه، ليكشف عن بيئة ضيقة كروية. دفع مرة أخرى، ثم مرة ثالثة، حتى أخيرًا...

تَحَطَّمَت القوقعة.

اندفع هواء بارد إلى رئتيه، جعل صدره يرتجف من المفاجأة. خرج نصف جسده من البيضة، متعثرًا وهو يحاول التنفس. كان الضوء القادم من الأعلى باهتًا، لكنه كافٍ ليكشف له مكانه.

كان جالسًا وسط بقايا بيضته المحطمة، محاطًا بأحجار سوداء وأعشاب يابسة. المكان بدا كعش حجري واسع، لكنه قديم ومهجور. الجدران كانت خشنة ومليئة بالشقوق، بينما الأرض كانت مغطاة بطبقة رقيقة من الغبار.

لم يكن هناك أحد.

رفع رأسه ببطء، محاولًا استيعاب الموقف. شيء ما في داخله كان يخبره أن هذا ليس طبيعيًا. "ما هذا المكان؟ أين... أنا؟"

حاول الوقوف، لكن جسده لم يكن معتادًا على الحركة بعد. ترنح قليلًا، ثم سقط على بطنه. زفر بضيق، لكن ما خرج لم يكن مجرد نفس، بل شرارة ضعيفة من اللهب.

تجمد.

نظر إلى نفسه، إلى مخالبه الصغيرة، إلى ذيله الطويل الذي تحرك بلا وعي، وإلى القشور النارية التي تغطي جسده. "أنا..."

عقله كان مرتبكًا. الذكريات كانت ضبابية، لكنها كانت موجودة. اسمه... كان شيرو. يتذكر أنه كان إنسانًا، أنه عاش في عالم مختلف، عالم بدون سحر أو مخلوقات خيالية. كان يعاني من مرض خطير، وكان يعرف أن نهايته اقتربت. لكن الآن...؟

نظر إلى نفسه مرة أخرى. لم يكن بشريًا بعد الآن.

"أنا... أصبحت تنينًا؟"

✦ ✦ ✦

مرت عدة دقائق قبل أن يهدأ. الواقع لم يكن سهل الفهم، لكنه لم يكن يملك خيارًا سوى تقبله.

قرر النهوض مجددًا، هذه المرة بحذر أكبر. ثبت مخالبه على الأرض، مد ذيله للتوازن، ثم رفع جسده ببطء حتى أصبح واقفًا. لم يكن الأمر مثاليًا، لكنه نجح.

الآن، كان عليه أن يفهم محيطه.

رفع رأسه لينظر حوله. العش كان يقع داخل كهف مفتوح، سقفه متهالك تتدلى منه جذور جافة، بينما كان المدخل عبارة عن فتحة واسعة تطل على الخارج. من مكانه، استطاع رؤية جزء من السماء، زرقاء شاحبة، مع شمس بدأت بالميلان نحو الغروب.

بجانب البيضة التي خرج منها، كانت هناك عدة قشور أخرى متناثرة هنا وهناك. بعض البيض كان مكسورًا منذ زمن طويل، بينما البعض الآخر بقي فارغًا تمامًا، وكأنه لم يحتوِ على أي حياة من البداية.

"هل كان هناك آخرون هنا؟"

اقترب من إحدى القشور الكبيرة، ولمسها بمخالبه. كانت متآكلة بشدة، وكأنها تعرضت لعوامل الزمن لعشرات السنين. "لكن... إذا كان هناك بيض آخر، فأين بقية التنانين؟"

فكرة غير مريحة بدأت تتسلل إلى ذهنه. هل تم التخلي عنه؟ أم أنه الوحيد الذي فقس هنا؟

شعر بقليل من القلق، لكنه لم يسمح له بالتحكم به. كان لديه شيء واحد يركز عليه الآن: اكتشاف هذا المكان.

✦ ✦ ✦

خرج ببطء من العش، متجهًا نحو مدخل الكهف. كان الجو أكثر برودة في الخارج، لكنه لم يكن مزعجًا بالنسبة له.

عندما نظر إلى الأسفل، اكتشف أن العش كان يقع على قمة تل صخري مرتفع، تحيط به غابة كثيفة تمتد إلى ما لا نهاية. الأشجار كانت عملاقة، بأوراق داكنة وجذوع ضخمة متشابكة. كان الهواء يحمل رائحة الرطوبة والتراب، مع نسمات خفيفة جعلت قشوره ترتجف قليلاً.

بعيدًا في الأفق، استطاع رؤية سلاسل جبلية شاهقة، بعضها ينبعث منه دخان خفيف، وكأنها براكين نشطة. أما في الجهة الأخرى، فكانت هناك بحيرة واسعة تعكس ضوء الشمس المحتضر.

كان المشهد رائعًا، لكنه أيضًا مخيف.

"هذا المكان... ليس بشريًا أبدًا."

لكن ذلك لم يكن مفاجئًا. بالطبع، لم يعد في عالمه السابق. هذا كان عالمًا جديدًا تمامًا، عالمًا حيث السحر موجود، وحيث التنانين ليست مجرد أساطير.

أخذ نفسًا عميقًا، ثم أطلق زفرة خفيفة. لم يكن يعلم ما سيحدث بعد ذلك، لكنه أدرك شيئًا واحدًا:

عليه أن يتعلم كيف يعيش هنا.

✦ ✦ ✦

مع غروب الشمس، عاد إلى داخل الكهف، مستشعرًا أول موجة من الإرهاق. جسده الصغير لم يكن معتادًا على الحركة بعد، وكان يشعر بالجوع، رغم أنه لم يكن يعرف ماذا يأكل.

استلقى على الأرض الحجرية، ملتفًا حول نفسه، وعينيه نصف مغمضتين.

"غدًا..."

غدًا سيبدأ باستكشاف هذا العالم بشكل حقيقي. لكنه الآن، كان بحاجة إلى الراحة.

وهكذا، في العزلة والهدوء، نام شيرو أول ليلة له في هذا العالم الجديد، غير مدرك للمغامرات التي تنتظره.

---

نهاية الفصل الأول.

2025/03/26 · 51 مشاهدة · 752 كلمة
GK TV
نادي الروايات - 2025