الفصل الثالث والعشرون – زحف الظلام
1. نُذر الحرب
السماء اشتعلت بوهج أزرق قاتم، والهواء أصبح كثيفًا بطاقة لا تنتمي إلى الطبيعة. شيرو شعر بجسده يقشعر وهو يراقب الشعاع الضخم الذي اخترق الأفق، وكأن العالم نفسه كان يصرخ تحذيرًا من كارثة وشيكة.
زيثار، التنين المخضرم، لم يبدُ متفاجئًا. بل على العكس، وقف صامتًا للحظات قبل أن يتمتم بصوت عميق: "لقد بدأ الأمر أخيرًا..."
شيرو التفت إليه بحدة. "ما الذي يحدث؟ من القادم؟"
زيثار نظر إليه نظرة باردة. "البشر... لكن ليسوا صيادين عاديين. هؤلاء هم الفرسان السماويون، أقوى محاربيهم، وأولئك الذين أقسموا على القضاء على جنسنا بالكامل."
رين لم يقل شيئًا، لكنه كان مشدود العضلات، وكأن الكلمات وحدها كافية لإثارة خوف دفين داخله.
"علينا الرحيل." قال بصوت ثابت. "إذا وجدونا هنا، لن نتمكن من النجاة."
لكن زيثار ضحك ضحكة قصيرة، وكأنه سمع نكتة سخيفة. "الهروب؟ لم يعد ذلك خيارًا، يا صغار. إنهم قادمون، وإذا لم نكن مستعدين، سنكون مجرد فرائس سهلة."
شيرو لم يكن يحبذ فكرة القتال، لكنه كان يعلم أن هذا الصراع لا مفر منه. لم يكن أمامه سوى أن يستعد.
2. أول هجوم – صاعقة من السماء
قبل أن يتمكنوا من اتخاذ قرار، اخترق وميض برق هائل السماء، وضرب الأرض بالقرب منهم، مما تسبب في انفجار هائل بعثر الصخور والغبار في كل اتجاه.
شيرو تدحرج بعيدًا، بينما زيثار ورين قفزا إلى الخلف، يتجنبان الموجة الصادمة.
عندما انقشع الغبار، ظهر أمامهم فارس مُدرّع يقف وسط الدمار. درعه الأبيض كان يتلألأ بضوء أزرق باهت، وسيفه المشحون بالسحر كان مشعًا بطاقة هائلة.
"وجدتكم." قال بصوت خافت، لكنه حمل قوة كافية لجعل الهواء يهتز حوله.
زيثار زمجر. "إذن، لقد أرسلوا واحدًا بالفعل..."
شيرو لم يكن بحاجة إلى تفسير. كان هذا هو الخطر الذي تحدث عنه زيثار، وكان يعلم أن الأمور على وشك أن تصبح دموية.
3. معركة غير متكافئة
لم ينتظر الفارس طويلًا. في لحظة، اندفع بسرعة تفوق قدرة العين على تتبعه، وسيفه يتوهج بطاقة قاتلة.
زيثار بالكاد تمكن من تفادي الضربة الأولى، لكن الهواء حوله تمزق وكأنه قد قُطع بسكين حاد.
"إنه سريع جدًا!" صرخ شيرو، بينما كان يفتح جناحيه محاولًا الحصول على رؤية أفضل للمعركة.
رين لم يتحرك بعد، لكنه كان يراقب بحذر، وكأنه كان ينتظر الفرصة المناسبة.
زيثار لم يكن ضعيفًا، لكنه كان يعلم أن مواجهة الفارس السماوي وحده كانت انتحارًا. ومع ذلك، لم يكن ينوي الاستسلام بسهولة.
"أيها الصغار، إذا كنتم تريدون النجاة، فقد حان الوقت لإظهار أنكم تنانين حقيقيون!" قال بصوت مليء بالتحدي.
شيرو لم يكن بحاجة إلى مزيد من التحفيز. أطلق نَفَسه الناري بكل قوته نحو الفارس، لكن الأخير رفع سيفه ببساطة، مشكلًا حاجزًا طاقيًا امتص اللهب بالكامل.
"هذا... غير ممكن." تمتم شيرو بصدمة.
لكن رين كان يتوقع ذلك. في لحظة، أطلق صرخة تنين قوية، اهتزت معها الأرض وتردد صداها في الغابة. كانت تلك صرخة هيمنة، نداءً لجميع المخلوقات القريبة.
وفجأة، انطلقت مجموعة من الوحوش من الظلال، مهاجمة الفارس من كل اتجاه.
4. الغريزة مقابل التقنية
الفارس لم يتحرك من مكانه، لكنه رفع يده، وفي لحظة، انفجر وميض أزرق آخر، مسببًا عاصفة من الطاقة الصاعقة التي قضت على الوحوش في لحظة.
لكن هذا كان ما يحتاجه زيثار. في اللحظة التي تشوّش فيها الفارس، انقض عليه بمخالبه الحادة، مغطيًا نفسه باللهب الأسود.
الاصطدام كان هائلًا، الأرض تشققت تحت قوتهما، والهواء اهتز بطاقة نارية وكهربائية مختلطة.
لكن شيرو ورين لم يكتفيا بالمشاهدة.
"هيا!" صاح رين، وانطلق بجناحيه نحو الفارس، بينما تبعه شيرو.
للمرة الأولى، كانا يقاتلان معًا، تنينان شابان ضد محارب من عصر قديم.
5. النتيجة الحاسمة – قرار الرحيل
المعركة استمرت لدقائق شعرت وكأنها ساعات. زيثار قاتل بكل قوته، شيرو استخدم نَفَسه الناري بأقصى حدوده، ورين استخدم سرعته ومهاراته القتالية لخداع الفارس وإرهاقه.
لكن حتى مع كل ذلك، كان الفارس أقوى.
بعد عدة ضربات، تمكن من إصابة زيثار بجروح خطيرة، وأجبر شيرو ورين على التراجع.
لكنهم لم يكونوا ينوون الموت هنا.
"يجب أن نهرب الآن!" صاح رين.
شيرو لم يحب الفكرة، لكنه كان يعلم أنها الخيار الوحيد. نظر إلى زيثار، الذي كان ينزف بشدة، لكنه أومأ برأسه.
"اذهبا..." قال بصوت متعب. "هذه ليست معركتكما بعد."
رين لم يتردد، أمسك شيرو بمخالبه وسحبه بعيدًا بينما الفارس كان يستعد لتوجيه ضربته الأخيرة.
وفي اللحظة الأخيرة، انفجر زيثار بطاقة نارية هائلة، مسببًا عاصفة من اللهب الأسود التي أخفت كل شيء.
كان هذا آخر ما رآه شيرو قبل أن يُسحب بعيدًا.
6. المصير الجديد
بعد ساعات من الطيران، هبط شيرو ورين في مكان بعيد عن ساحة المعركة.
كانا متعبين، مصدومين، وغاضبين.
"لقد خسرناه..." قال شيرو بصوت منخفض.
رين لم يرد، لكنه كان يشعر بنفس الألم.
لكن كان هناك شيء آخر أيضًا...
شيء تغير داخل شيرو.
لم يكن هذا مجرد قتال من أجل البقاء بعد الآن.
لقد أصبحت هذه الحرب حربه أيضًا.
نهاية الفصل الثالث والعشرين.