30 - بين ظلال الذكريات وحدود الانتقام

الفصل الثلاثون – بين ظلال الذكريات وحدود الانتقام

لم يدم شيرو طويلًا في حالة من الصدمة بعد مطر السهام الذي قضى على رفاقه. فبعد أن غمرته آلام الجروح وسُمّمت دموع الفقد، لجأ إلى الاختباء في أعماق جبل قديم، بعيدًا عن أنظار البشر. هنا، بين جدران الكهف الرطبة والباردة، وجد نفسه وحيدًا مع حزنه، وأحاطته ذكريات معاركه السابقة ومع رفاقه الذين فقدهم في معركة دموية لم يكن يتوقع أن تعكس بها مصير عائلته التنينية.

في ذلك المكان المظلم، حيث تعلو رائحة التراب والرماد، جلس شيرو على الأرض، مستلقيًا على حصى باردة، يُداعبها الصمت العميق. كان جسده ملطّخًا بالدماء المتعفنة وتثاقل الألم كل حركة فيه، لكن قلبه كان يحمل أثقل جراح؛ جراح فقدان أصدقائه الذين كانوا رفاق دربه، أولئك الذين شاركوه آماله وأحلامه في عالم كان يوماً ما مشرقًا بالتنانين.

ظل شيرو يتأمل في جدران الكهف المتشققة، وكأنها تحفظ قصص المعارك التي دارت هنا. وفي لحظات تأملٍ مطولة، بدأ يتحدث إلى نفسه بصوت خافت، متسائلاً عن معنى الحياة في عالمٍ خربته الحرب والظلم. قال لنفسه:

"هل تستحق كل هذه المعاناة؟ هل كان لهذا العالم حقاً أن يُسلب منه دفء صدورنا؟"

كانت كلماته تتردد في جو الكهف، وتصاحبها نظراتٌ دامعة مليئة بالحنين لأيامٍ مضت، حين كانت التنانين تتحد وتحلم بغدٍ أفضل. في صمت ذلك المكان، بدأ الألم يتحول إلى شعور بالغضب والحنق، فأدرك أن البقاء هنا دون معرفة ما يجري خارج حدود هذا المخبأ لن يفيد شيئًا، بل سيزيده ألمًا ورغبة في الانتقام.

رفع شيرو جسده المتعب ببطء، وقام بجولة داخل الكهف بحثًا عن أثر يذكّره بقدرة الزمن على الشفاء. وجد بين الصخور بقعة صغيرة من الماء العذب يتجمع فيها قطرات الندى، فتسللت إليه فكرة أن هذا الماء ربما يحمل في طياته قوة شفائية، تلك القوة التي قد تساعده على التئام جراحه الجسدية والنفسية. جلس شيرو على صخرةٍ مرتفعة، وغمس يده في الماء، وشعر بدفء خفيف ينتشر في جسده، وكأنه وعدٌ بإمكانية التجدد.

بينما كان يتأمل هذا المشهد، بدأت أفكاره تجوب الماضي والحاضر، متذكرًا تفاصيل معركة السهام وكيف كانت النهاية مأساوية لرفاقه. "لقد ماتوا من أجل دفاعهم عن وطننا،" قالها بصوتٍ مبحوح، "ولن أترك دماؤهم تذهب سدى. يجب أن أعيد الحياة لتلك الأراضي التي أهدرت فيها أحلامنا."

وبينما كان يتحدث إلى نفسه، استطاع شيرو من خلال نافذة صغيرة تطل على الوادي أن يرى شيئًا يجعل قلبه يتوقف للحظة. فقد كان الأفق يلوح بمشهدٍ مروع؛ الأراضي التي تُعرف بأنها القارة المركزية، أرض التنانين، كانت محاطة الآن بأعداد ضخمة من الصيادين. كانت حدودها تكتظ بالصيادين من جميع الرتب، من المبتدئين حتى النخبة السماويين، الذين جاؤوا بقوة سحرية وتقنيات متطورة لفرض سيطرتهم على تلك الأراضي، وكأنهم يريدون محو أثر التنانين القديمة.

وقف شيرو مذهولًا ينظر إلى تلك الصورة المرعبة. في عقله، تجلت صور معارك سابقة، حيث كان له رفاقٌ يملكون القوة والكرامة، واليوم أصبحوا رمادًا تحت وطأة آلات الحرب البشرية. انعكست تلك الرؤية في عينيه، فشعر بمرارة عارمة تتخلل كيانه، وبدأت دقات قلبه تتسارع مع كل فكرة عن الظلم الذي يمارسه البشر على عالمه.

في تلك اللحظة، انطلقت صرخات داخلية من شيرو، صرخات لم يكن لها مثيل؛ كان ذلك صرخة إنذار لنفسه، لصوت العدالة في قلبه، ولذكريات رفاقه الذين فقدهم. قال لنفسه:

"لن أسمح لهم بأن يمحووا إرثنا! سأقاتل، سأنتقم، وسأعيد للكون حقه بيننا. كل قطرة من دمي ستُضيء طريق الانتقام!"

كان الحوار الداخلي مع نفسه مستمرًا، حيث ناقش مع ذاته المعاني العميقة للحياة والحرية. فكلما استرجع شيرو تفاصيل معركة الصيادين، تداخلت لديه مشاعر الحزن والغضب، وتحولت الآلام إلى دافع قوي للنهوض من بين الأنقاض.

بدأ يشعر أن الوقت قد حان لتغيير مصيره؛ لم يعد بإمكانه البقاء مختبئًا في هذا الكهف إلى الأبد، بل عليه أن يواجه العالم، مهما كان قاسيًا وظالمًا. خطط في ذهنه للوصول إلى الأراضي المحيطة بالقارة المركزية، فهناك ستبدأ معركة جديدة؛ معركة ليس فقط من أجل البقاء، بل من أجل استعادة كرامة التنانين وتحقيق العدالة.

على الرغم من الإصابات العميقة، وتلك الندبات التي لا تمحى من جسده، ارتفعت عيونه بثبات نحو الأفق، كما لو كان يرى من خلالها بريق الأمل الذي طالما خاب ظنه في عالمٍ غارقٍ في الظلام. تحدّث مع نفسه مرة أخرى:

"أراضي التنانين ليست فقط مكانًا نحميه؛ إنها رمزٌ لروحنا، لقد علمونا أن القوة لا تكمن في الأعداء الذين نواجههم، بل في الإيمان بما نحن عليه. واليوم، سأُحفر اسمنا في صفحات التاريخ، حتى لا يُنسى أن التنانين كانت ولا تزال رمزًا للحرية والقوة."

ثم جلس شيرو على حافة الكهف، يُراقب الآثار القديمة على جدران المكان، يتخيل حكايات البطولات التي تروى عن تنانينٍ ناضجةٍ سادت العالم قبل أن يحل الظلم البشري. وبينما كان يفكر في تلك القصص، شعر بدفء لم يعرفه من قبل يتغلغل في صدره؛ دفء الإرث الذي تركه رفاقه. لقد أصبحت تلك القصص نبراسًا ينير طريقه، وكل ذكرى منهم كانت تُعزز عزمه على المواجهة.

مع بداية النهار الجديد، وفي حضرة ضوء الشمس الذي بدأ يكسو العالم بألوانه الذهبية، قرر شيرو أن ينطلق. جمع جراحه، وحزم مشاعره، ووضع خطة جديدة في ذهنه: أنه سيعود إلى الأراضي المحيطة بالقارة المركزية، وسيدرس تحركات الصيادين، ويحاول جمع معلومات تُساعده على تنظيم قوة جديدة للانتقام.

وفي لحظة من التأمل العميق، وحده صوت الرياح مع نفسه، قال:

"إن الطريق طويل ومليء بالمخاطر، لكنني لست وحدي في هذه المعركة. دماؤنا لن تذهب هباءً، وستظل ذكريات رفاقنا قوة تدفعني للأمام."

كانت تلك الكلمات بمثابة وعدٍ لنفسه، تعهدٌ بأن لا ينسى أبدًا التضحيات التي قُدمت، وأن كل جرح سيصبح وقودًا لثورة ستعيد التوازن إلى هذا العالم المظلم.

حينما قرر شيرو مغادرة الملاذ، وقف للحظة يتأمل معالم الكهف، حيث شهد معارك الماضي وحكايات الألم والبطولة. كان المكان يشهد على زمنٍ مضى، حيث كانت التنانين تسود وتتعايش بسلام، قبل أن تأتي أيدي البشر لتغيّر كل شيء. كانت تلك اللحظة بمثابة وداعٍ مؤلم للماضي، لكنّه أيضًا كانت بدايةٍ لمستقبلٍ أكثر تحديًا.

انطلق شيرو ببطء، وكل خطوة كان يتخذها تحمل عبء الذكريات، وكل نظرة إلى السماء كانت تُعيد له صور رفاقه الذين فُقدوا. كان قلبه ينبض بالحزن، لكنّه كان أيضًا مشحونًا بعزيمة لا تلين. فبينما كان يستعد للمضي قدمًا، أدرك أن العالم الذي ينتظره خارج حدود الكهف مليء بالأسرار، والمخاطر، والصراعات التي لا تُحتمل، وأنه عليه أن يواجهها بكل شجاعة، مهما كانت الآلام.

"أعدك يا أصدقائي،" همس شيرو بصوتٍ مكسور لكنه حازم، "أن روحكم لن تُدفن هنا، بل ستنير طريقي إلى العدالة."

وهكذا، مع أول خيوط الفجر التي بدأت تُشرق فوق الأفق، انطلق شيرو من معقله في الكهف، حاملاً بين ضلوعه دموع الفقد ونار الانتقام، عازمًا على تحويل حسرته إلى قوة لا تُضاهى، ومصممًا على مواجهة عالمٍ يحاول أن يمحو إرث التنانين، مهما كانت التكلفة.

نهاية الفصل الثلاثون.

2025/03/26 · 4 مشاهدة · 1027 كلمة
GK TV
نادي الروايات - 2025